بعد نهاية الحصار.. من يضع قوانين اللعبة السياسية الجديدة في الخليج؟

12

طباعة

مشاركة

في تذكير بالمثل القائل "عليك أن تقبّل اليد التي لا تستطيع كسرها"، رحّب ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" بأمير قطر الشيخ "تميم بن حمد آل ثاني"، مستقبلا إياه عند باب الطائرة لحضور القمة الـ 41 لمجلس التعاون الخليجي.

وبعد عناق قوي، حضر أمير قطر، قمة "العلا" التي عقدت في مدينة العلا السعودية في 5 يناير/كانون الثاني، وذلك لأول مرة منذ بدء الأزمة الخليجية من قبل الرياض وأبوظبي والمنامة والقاهرة في يونيو/حزيران 2017.

وعلى الرغم من أنه يمكن القول، إن موقف "محمد بن سلمان"، الذي يعتبر أحد الذين فرضوا الحصار على قطر، بعيد كل البعد عن الصدق، إلا أنه يمكن أيضا تقييم موقفه هذا في سياق من يبحث عن مخرج من محنته.

هذا ما خلص إليه "إسماعيل نعمان تيلجي"، الخبير في سياسات الشرق الأوسط والثورات العربية، الأستاذ في جامعة "صكاريا" ونائب الرئيس في مركز دراسات الشرق الأوسط (أورسام)، في مقال له نشرته وكالة "الأناضول" التركية.

ويضيف الكاتب: "من المعروف أن ابن سلمان، الذي تدهورت سمعته تدريجيا على المستويين الوطني والدولي منذ مقتل الصحفي "جمال خاشقجي"، يشعر بالقلق من الإجراءات القانونية التي ستوجه ضده خاصة عندما يتولى جو بايدن منصبه في الولايات المتحدة".

أدت التطورات الجديدة لإنهاء الحصار المفروض على قطر، بعد أكثر من ثلاث سنوات ونصف، بمبادرة من السعودية ودعم دول أخرى لها طوعا أو كرها. ففي يوم القمة، وقعت الممالك العربية الثلاث ومصر، إعلان مصالحة مع قطر، وأعلن عن استئناف العلاقات الدبلوماسية بشكل كامل.

ونوه الكاتب إلى أنه وعلى الرغم من أن الأزمة تبدو وكأنها قد تم حلها، إلا أن حقيقة أن الإمارات ومصر والبحرين لم يشاركوا في هذه القمة على مستوى رؤساء الدول وأن القنوات الإعلامية الرسمية لهذه الدول قدمت أخبار محدودة للغاية حول انتهاء الحصار، يكشف عن عدم وجود تغيير جدي في سياسات هذه الجهات الفاعلة ضد "قطر".

من ناحية أخرى، يبدو من الصعب على قطر، وهي ضحية الحصار "المهين" هذا من بعض النواحي، أن تتسامح مع ما حدث. 

ومع ذلك، ينظر إلى القمة الخليجية على أنها اجتماع سجل تغلب "قطر" على هذه الأزمة بفضل إرادتها القوية. وقبل الخوض في تفاصيل القمة، سيكون من المفيد التذكير بإيجاز بخلفية الأزمة والمرحلة التي وصلت إليها، حسبما يقول الكاتب. 

ما قبل الحصار

ووفقا لـ"تيلجي"، قطعت منطقة الخليج، التي صعدت في سياسات الشرق الأوسط في 2010، شوطا كبيرا من حيث التنظيم الإقليمي مع دول مجلس التعاون الخليجي، والذي كان انعكاسا لمنصة تعاون مهمة وثقافة سياسية مشتركة لفترة طويلة. 

وتابع: مع ذلك، استمرت الخلافات بين دول الخليج، خاصة في مجال السياسة الخارجية؛ فبينما اتبعت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر سياسة خارجية مكثفة ونشطة، استمرت الكويت والبحرين وعمان باتباع سياسة أقل كثافة وتبنت دورا سلبيا.

وأكد الكاتب أن الفروقات السياسية والأيديولوجية التي تشكلت من خلال مواقفها تجاه الثورات الشعبية التي بدأت في تونس في ديسمبر/كانون الأول 2010. وامتدت إلى بلدان أخرى في المنطقة، أدت إلى تعميق الخلافات السياسية القائمة بين دول الخليج. 

سحبت السعودية والإمارات والبحرين سفراءها من قطر (عام 2014) بحجة تدخل الأخيرة في شؤون دول الخليج الداخلية؛ "ما يؤدي إلى تهديد الاستقرار الأمني والسياسي لتلك الدول".

ونتيجة للتطورات الإقليمية والعالمية، انتهت هذه الأزمة التي استمرت قرابة عام بانعقاد قمة دول مجلس التعاون الخليجي. 

وبينما كانت هذه الدول الثلاث تواصل موقفها تجاه الدوحة خفية، اتبعت في عام 2017. سياسة أكثر صرامة واتخذت سلسلة من القرارات الثقيلة بما في ذلك الحصار البري والجوي والبحري ضد "قطر". 

ويعدّ "تيلجي" أن المفاوضات بين السعودية وقطر والتي أقيمت بوساطة كويتية كانت قد وصلت إلى نقطة معينة في حل الأزمة.  

توقيت "التليين"

ويرى "تيلجي" أن توقيت تليين أزمة الخليج، التي استمرت لمدة ثلاث سنوات ونصف وتسببت في أضرار مالية وسياسية ومالية لكل الأطراف، مهم أيضا. 

فلن يكون من الخطأ القول، إن السعودية التي استضافت القمة الخليجية الحادية والأربعين، عالقة في سياستها الخارجية ومشاكلها الاقتصادية وهو ما جعلها تعمل لأجل التليين السياسي.

وأضاف: ويمكن ربط التوقيت، الذي يعكس تحركات السعودية في السياسة الخارجية إلى حد كبير، بحقيقة أن الرئيس "دونالد ترامب" سيسلم المهمة إلى جو بايدن بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية. 

وأوضح ذلك بالقول: "الشركاء مثل السعودية والإمارات الذين وجدوا مجالات مناورة واسعة في السياسة الخارجية في الشرق الأوسط خلال عهد ترامب، سيكون لديهم مساحة محدودة في ظل إدارة بايدن".

وسلط الكاتب الضوء على مساعي السعودية ـ خاصة محمد بن سلمان ـ التي توترت علاقاتها السياسية مع الدول الغربية بعد مقتل "خاشقجي" في عام 2018، في البحث عن حل من خلال القيام بجولات في آسيا. 

فقد كان عليها بما أنها لم تستطع تحقيق أهدافها من التدخل في اليمن عام 2015. بسياستها الخارجية المغامرة، أن تواجه تهديد الحوثيين وحدها بعد انسحاب الإمارات عسكريا من اليمن في فبراير/شباط 2020. إضافة إلى قضية مقتل "خاشقجي".

وتابع قائلا: "وبالإضافة إلى التحركات السياسية الفاشلة، فقد ألحق ظهور وباء "فيروس كورونا" نهاية عام 2019، وتراجع ثم توقُّف الأنشطة السياحية، وتأثر القطاعات الاقتصادية، وأخيرا تراجع أسعار النفط، الضرر بالاقتصاد السعودي أكثر مما كان متوقعا".

وفي ضوء هذه التطورات فإن السعودية التي وقَعت داخل مأزق سياسي واقتصادي، بدأت استعداداتها لفترة "بايدن" في الأشهر الأخيرة من 2020. وأعطت الضوء الأخضر للعلاقات مع تركيا ليتم عقد اجتماع بين وزيري خارجية البلدين.

 كما جرت محاولات لحل "أزمة قطر"، وأجرت مفاوضات بوساطة الكويت. ومع تشكيل حكومة جديدة في اليمن، اكتملت خطوات الاستعداد لعهد "بايدن".

انضمام قوي

واستطرد "تيلجي" قائلا: أظهر المشاركون عقب القمة أنهم جددوا إيمانهم بالوحدة السياسية والاقتصادية للخليج من خلال التوقيع على اتفاقية بعنوان "التضامن والاستقرار". 

وعلى الرغم من أنه تم توقيعها في وقت هش، إلا أنه يمكن اعتبار هذه الاتفاقية بمثابة تطور واعد للمستقبل. ومع ذلك، لن يكون من السهل مداواة الجراح التي تسبب بها الحصار والتي تضر ـ بشكل خطير ـ بالشعور بالثقة والتضامن بين دول الخليج.

وأشار إلى أن مسألة كيفية تحديد وآلية "التضامن والاستقرار" بين الدول المشاركة أهم من هذه القمة التاريخية التي أنهت الأزمة الخليجية بعد مرور ثلاث سنوات ونصف. 

فتسجيل إشارات التليين بين "السعودية وقطر" في القمة الخليجية أمام جميع الدول الأعضاء في القمة يرمز إلى انتهاء الأزمة على الورق. لكن الأكثر أهمية هو الرغبة في ضمان الثقة في العلاقات الثنائية إلى جانب التضامن والاستقرار داخل المجلس.

وختم مقاله، لافتا إلى أن حقيقة أن العلاقات الثنائية بين "الإمارات وقطر" تمر بفترات متوترة أكثر منها في أي وقت مضى.

وبين أن مطالبة "أبوظبي" من الدوحة بمطالب معينة وتجاهل سيادتها، يُظهر أنه لا يمكن إقامة روابط الثقة بين الطرفين في القريب العاجل على الأقل.

من ناحية أخرى، فإن النقطة الأساسية للوثيقة التي تم توقيعها في نهاية القمة الخليجية الواحدة والأربعين تظهر أن قطر، التي نجت من فترة الحصار بأقل قدر من الأضرار، تنضم مرة أخرى إلى الجغرافيا السياسية الإقليمية وميزان القوة في الخليج بقوة وبشكل أكثر استقلالية منذ عام 2017، بحسب الكاتب.