شينزو آبي.. كيف نجح بموازنة علاقة اليابان مع الصين وأميركا؟

سليمان حيدر | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في وقت تواجه فيه اليابان أزمة كبيرة بسبب الأضرار الاقتصادية الناجمة عن وباء كورونا، أعلن رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي استقالته من منصبه لأسباب صحية. 

ترك آبي منصبه الذي تولاه للمرة الثانية في 2012، لنفس السبب الذي تركه فيه عام 2007، بعدما تولى المنصب بعام، وهو التهاب القولون التقرحي، لينهي مجددا ولايته الممتدة حتى عام 2021. 

ومع استقالة آبي نهاية أغسطس/آب 2020، يبدأ الحزب الديمقراطي الحر الذي سيطر على السياسة بشكل شبه مستمر منذ عام 1955 مرحلة جديدة، حيث يعد آبي حتى الآن رئيس الوزراء الأطول خدمة في تاريخ اليابان والشخص الذي أمضى أكثر وقت متتالي في منصبه.

إنجاز رائع

وقالت صحيفة إل بوست الإيطالية: إن ما جرى في فترة آبي إنجاز رائع بالنظر إلى أنه بين عامي 2007 و2012، بين ولايته الأولى والثانية، تناوب خمسة رؤساء وزراء مختلفين بمعدل رئيس وزراء جديد كل عام. 

وأضافت الصحيفة أنه كما هو الحال مع جميع القادة ذوي الشخصية الكاريزمية والشعبية، لن يكون من السهل العثور على خليفة في حالة آبي، والشخص الذي سيتم اختياره في النهاية سيكون لديه مهمة صعبة تتمثل في محاولة تحقيق ما فشل رئيس الوزراء المستقيل في القيام به.

صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية لخصت بدورها العمل السياسي الذي قام به آبي بأنه حملة متعددة الجوانب لتحويل اليابان إلى دولة أكثر طبيعية. وقالت في تقرير لها في 28 أغسطس/آب 2020: "لقد أدخل في الواقع أو حاول إدخال إصلاحات كبيرة وطموحة في مختلف المجالات".

أما "إل بوست" الإيطالية فتشير إلى أن آبي نفذ سلسلة من عمليات التحرير وشجع على منح ائتمان واسع النطاق لإنعاش الاستهلاك وزيادة التضخم، خاصة بعد الأضرار التي سببها تسونامي في 2011. 

لكن بالنسبة للعديد من النقاد، لم يحقق ذلك ما يكفي، وتشير مجلة ذي دبلومات الأميركية إلى أنه في حين أن إرث آبي قد يكون ضئيلا، فإنه يترك فراغا كبيرا في مركز ثالث أكبر اقتصاد في العالم.

وتابعت "وول ستريت جورنال" في 31 أغسطس/ آب: أنه "لا يبدو أن أيا من الخلفاء المحتملين يمكنهم ملء مكانه، لكنهم أيضا ليسوا مدينين بالفضل لسياساته الفاشلة".

وقالت: إن هناك فرصة لبعض التفكير الجديد والعمل الأكثر حزما بشأن تحديات اليابان المتجمعة، وخاصة الإجراءات المضادة للوباء والقنبلة الديموغرافية.

ولفتت إلى أنه بالرغم من أن آبي استقطب شهرة دولية لطموحاته الكبرى، إلا بعد ما يقرب من ثماني سنوات مع أغلبية ساحقة في البرلمان، فإن إنجازاته التشريعية هزيلة وفشل في الوفاء بمعظم الوعود الرئيسية وخصوصا الاقتصاد. 

الصدام مع أميركا

خلال الأعوام الثمانية التي قاد فيها آبي اليابان استطاع القيام بدور كبير في إحداث توازن في العلاقات بين بلاده وكل من الولايات المتحدة والصين في خضم صدام اقتصادي حاد بين البلدين الحليفين يقوده الرئيس الأميركي دونالد ترامب. 

يقول موقع ذي إنتربريتر التابع لمعهد لوي الأسترالي للأبحاث: إن إرث رئيس الوزراء الياباني سيتم تحديده من خلال مدى مهارته في التنقل بين المتغيرات الجيوستراتيجية والجغرافية الاقتصادية في مثلث الولايات المتحدة واليابان والصين، في وقت يكون فيه النظام الإقليمي مجزأً والحوكمة العالمية متنازع عليها بشدة.

وأضاف في تقرير له في 21 فبراير/ شباط 2020: أن آبي لديه تحد دقيق يسعى من ناحية إلى تعظيم الضمانات الأمنية من الولايات المتحدة ورئيسها دونالد ترامب، ومن ناحية أخرى تحسين المكاسب الاقتصادية من الصين عبر رئيسها شي جين بينغ. 

ولفت إلى أن التحالف الأميركي الياباني يشكل جوهر السياسة الخارجية والأمنية لليابان بعد الحرب. ومع ذلك، فإن إدارة التحالف والتحوط من التخلي الأميركي في ظل موقف ترامب الضيق "أميركا أولا" يختبر خيارات سياسة اليابان في ظل تحدي الصين للهيمنة الأميركية. 

واعتبر أن عدم القدرة على التنبؤ بخطوات ترامب، اضطر آبي لإعادة النظر في سياسة اليابان مع الصين والعكس، مما أدى إلى انفراج تكتيكي، وأن اليابان اختارت لاحقا اعتماد نهج أكثر تعاونا نسبيا على عكس الولايات المتحدة. 

وأشار التقرير إلى أن طوكيو تخشى من أن تؤثر الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين بشأن الهيمنة التكنولوجية العالمية، سلبا، على سلاسل التوريد المعقدة.

ولفت إلى أن آبي تولى القيادة في الدفاع عن النظام الاقتصادي الدولي وقضية التجارة الحرة، بما في ذلك المضي قدما في الاتفاقية الشاملة والتقدمية للشراكة عبر المحيط الهادئ بدون واشنطن، وتكثيف المفاوضات في إطار الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة التي تقودها الصين مع أطراف دولية، ومن ضمنها الاتحاد الأوروبي.

التعاون مع الصين

وأكد أن نهج التعاملات الأميركية دفع جماعات الضغط التجارية إلى تعزيز التعاون الاقتصادي بين الصين واليابان. 

وتطرقت مجلة ذي دبلومات الأميركية المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط إلى صعوبات تحقيق التوازن الذي تعمل عليه طوكيو مع حليفها البعيد الولايات المتحدة وحليفها المقرب المقلق المتمثل بالصين.

وقالت المجلة: إن المناقشات المستمرة حول استدامة الالتزام الأميركي تجاه حلفائها الآسيويين، والتي اختلت بسبب الأسلوب الدبلوماسي المتقلب لترامب، تشير إلى ضرورة حفاظ اليابان على التوازن في علاقاتها الإقليمية، لكن انتباه اليابانيين دائما منجذب نحو الصين".

المواقف التي اتخذها آبي في تطوير العلاقات مع الصين جعلتها تشيد بالجهود المهمة التي بذلها لإعادة العلاقات الصينية اليابانية إلى مسارها عقب إعلان رئيس الوزراء الياباني استقالته من منصبه. 

وفي تصريحات صحفية في 29 أغسطس/ آب، أشار تشاو لي جيان المتحدث باسم الخارجية الصينية إلى تحسن العلاقات بين الدولتين خلال السنوات القليلة الماضية وأن زعيمي البلدين توصلا إلى توافق مهم حول دعم تأسيس علاقات ثنائية تتناسب مع متطلبات العصر الجديد. 

كما جاءت إشادة أخرى من واشنطن، فخلال اتصال هاتفي بينهما، في 31 أغسطس/ آب، وصف الرئيس الأميركي آبي بأنه أعظم رئيس وزراء في تاريخ اليابان. 

وقال المتحدث باسم البيت الأبيض: إن ترامب أبلغ آبي أنه أدى عملا رائعا وأن العلاقات بين البلدين تطورت وأصبحت أقوى مما كانت عليه على الإطلاق.

استعادة الإمبراطورية

في عهد رئيس الوزراء المستقيل شينزو آبي وبالتحديد في الفترة بين عامي 2013 و2014، استطاعت طوكيو تحقيق قفزة كبيرة بين القوى العظمى، والانتقال من المرتبة 17 إلى العاشرة ومنها إلى الثامنة في العام 2018 في قائمة القوى العسكرية العشر الأولى، حسب تصنيف موقع جلوبال فاير باور.  

واستطاع آبي فعل ذلك بالرغم من أن الدستور الياباني يحذر عمليات التسليح والتطوير الكبيرة والمشاركة في النزاعات منذ الحرب العالمية الثانية. 

لكن فيما يبدو أن تلك الخطوات كانت تهدف في الأصل إلى تغيير هذه المادة في الدستور الياباني، حيث كشف آبي في مايو/أيار 2017 عن عزمه إلغاء أو تعديل المادة التاسعة من الدستور التي تقيد عمليات التسليح أو امتلاك اليابان قدرات هجومية وذلك بحلول عام 2020. 

فبسبب خسارتها في الحرب العالمية الثانية فرضت القوى الدولية على اليابان كتابة مادة في الدستور تمنعها من تشكيل جيش أو تصدير أسلحة والتزمت طوكيو بهذه المادة لنحو نصف قرن.

وفي عام 2014، أعلنت عدد من الشركات اليابانية منها ميتسوبيشي وتوشيبا وكاواساكي المشاركة في المعرض التجاري للتسليح في باريس، وهو ما يعني ضمنيا بدء تحرر طوكيو من تلك المادة.