بعد مقتل أتراك بسوريا.. هل انتهى تحالف أنقرة وموسكو إلى غير رجعة؟

محمد سراج الدين | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أثار التصعيد العسكري في إدلب بين قوات النظام السوري المدعومة من روسيا، والقوات العسكرية التركية، الكثير من التساؤلات عن مستقبل العلاقة بين أنقرة وموسكو، أو ما أطلق عليه المتابعون "انتهاء شهر العسل".

فقبل تاريخ 31 يناير/ كانون الثاني 2020، لم تكن الأوضاع في سوريا تشير إلى أن هناك أزمة بين تركيا وروسيا، وحسب موقع "ميدل إيست آي"، فإن وسائل الإعلام التركية المقربة من الحكومة، لم تنتقد بشكل كبير دور القوات الجوية الروسية في التفجيرات التي استهدفت البنية التحتية لمدينة إدلب، كالمستشفيات، والمخابز، والمنازل.

إلا أن الأمر تغير فجأة حيث أصبح استمرار القصف السوري الروسي لآخر معاقل المعارضة والمدنيين في سوريا، يمثل إحراجا كبيرا للرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وقتل ثمانية أتراك، وأصيب 7 آخرون في قصف مدفعي لقوات النظام السوري استهدف القوات التركية في منطقة خفض التصعيد في 2 فبراير/شباط الداري.

ويرى الموقع البريطاني، أن أردوغان كان يعتمد في كل تصعيد ضد ثوار إدلب، على تفهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لخطورة ذلك على التوافقات التي تم التوصل إليها في اجتماعات أستانة وسوتشي.

إلا أن استمرار القصف، ووصوله للقوات التركية، كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، وجعلت الرئيس التركي يتخلى عن صبره الذي حافظ عليه طوال الشهور الماضية، وهو ما عبر عنه أردوغان بالقول: إن "روسيا للأسف ليست ملتزمة باتفاقيات سوتشي أو أستانا بشأن سوريا".

ونقل "ميدل إيست آي" عن مسؤول تركي رفيع قوله: "كنا نعرف دائما أن روسيا لن تدعم وقف إطلاق النار، لكن على الأقل، توقف موسكو عن الهجمات لمدة أسبوع أو أسبوعين للتمويه، والآن، تعلن وقف إطلاق النار يوم الاثنين، ثم تواصل هجماتها في يوم الأربعاء".

ووفقا للمسؤولين الأتراك فإن يوم الأربعاء 31 يناير/ كانون الثاني 2020، شهد سيطرة النظام السوري على بلدة معرة النعمان الخاضعة لسيطرة المعارضة، وبدأت في تطويق مركز مراقبة تركي ثالث في المنطقة المجاورة.

ونتيجة لقلة عدد الجنود الأتراك في نقطة المراقبة، قصفت قوات النظام كل شيء مع سبق الإصرار والترصد، بدءا بالمستشفيات وانتهاء بالمدارس، بهدف إحداث دمار كامل في المدينة لإجبار المواطنين على الهرب والاستيلاء على المدينة.

زيارة أوكرانيا

وفقا للعديد من المراقبين فإن زيارة أردوغان لأوكرانيا في 3 فبراير/شباط، وتوقيعه لعدد من الاتفاقيات مع الرئيس الأوكراني، ليس بنفس الأهمية بالنسبة لروسيا من التصريحات التي أطلقها أردوغان حول شبه جزيرة القرم، وتصريحاته الأخرى المتعلقة بدعم استقلال أوكرانيا.

وحسب مراسلو صحيفة "فايننشال تايمز" الأمريكية في أنقرة وموسكو، فإن هتاف أردوغان خلال استقبال حرس الشرف له في القصر الرئاسي بـ "كييف" بالقول: "المجد لأوكرانيا"، كان مقصودا، وموجها في المقام الأول لروسيا، التي مازلت تعمل على احتلال كل الأراضي الأوكرانية، وتدعم المتمردين هناك بالسلاح، لإعادة أوكرانيا مرة أخري للحظيرة الروسية.

وحسب الصحيفة الأمريكية، فإن أردوغان بهتافه، يترجم الغضب الذي يشعر به تجاه بوتين، نتيجة تورطه بشكل مباشر أو غير مباشر في مقتل ثمانية جنود أتراك شمال سوريا، ولذلك جاء الهتاف توبيخا واضحا لبوتين، ما يهدد التحالف الموجود بين تركيا وروسيا.

وتنقل الصحيفة عن مسؤول تركي، قوله: "من الإنصاف القول إنها ليست علاقة سهلة.. من السهل على بعض المسؤولين والمعلقين الغربيين القول إن تركيا أدارت ظهرها للغرب، مثلما أننا نصطف بالكامل مع الروس في كل شيء، فهذه ليست هي الحال".

في المقابل تعامل سياسيون روس مع هذه التطورات بترقب وقلق، وهو ما ترجمته تصريحات رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الروسي، قسنطين كوساتشيف، والتي قال فيها: "هذا أمر لا يدعو للراحة.. هذا امتحان خطير لقوة الاتفاقيات القائمة بين الروس والأتراك". 

رسائل القرم

المراقبون للتوتر التركي الروسي، وقفوا أمام تصريحات أردوغان الرافضة لضم روسيا لشبه جزيرة القرم، وتأكيده بأن أوضاع أتراك القرم، دائما في مقدمة المسائل التي يناقشها مع المسؤولين في أوكرانيا، وأن بلاده كانت على الدوام مدافعة عن استقلال أوكرانيا.

ووفق تحليل كتبه "إيليا كوسا" الباحث بمركز المستقبل الأوكراني، فإن زيارة أردوغان لبلاده حملت العديد من الإشارات الجيدة والإيجابية حول الدور المتزايد لأوكرانيا في ممرات النقل في آسيا الوسطى وتركيا وأوروبا، فلأول مرة ومنذ فترة طويلة يطرح هذا الأمر للمناقشة، وهو أمر جيد، وسيكون لاستمراره العملي وليس الإعلاني فقط نتائج إيجابية على أوكرانيا.

وحسب كوسا، فإن تخصيص تركيا مبلغ 50 مليون دولار للجيش الأوكراني، يعد من إيجابيات الزيارة، حتى لو كان الدعم مقرونا بشراء أوكرانيا للمعدات العسكرية التركية، ولكن ذلك يدفع في اتجاه إمكانية وجود إنتاج مشترك بين الجانبين في المجمع الصناعي العسكري.

ويشير الباحث الأوكراني إلى أن أتراك القرم، يحتلون جزءا رئيسا في السياسة الإستراتيجية التي تعتمد عليها تركيا في علاقاتها الإقليمية، ولذلك فإن أنقرة ستظل وسيطا جيدا بين أوكرانيا وروسيا، لحل الإشكاليات المرتبطة بالاحتلال الروسي للقرم.

لماذا التصعيد؟

حسب محللين أتراك فإن هناك عدة أهداف إستراتيجية يسعى النظام السوري وروسيا، لتحقيقها في ظل التطورات الأخيرة هناك، والتي وصلت لحد الاصطدام مع أنقرة.

في هذا الاتجاه يؤكد الكاتب التركي، باتوهان ياشار، أن الهدف الأول هو تعطيل نقاط المراقبة التركية بإدلب، وجعلها عاجزة عن القيام بمهامها، خاصة وأن القوات التركية حققت نجاحات في كل عملية دخلت بها شمال سوريا، مثل درع الفرات وغصن الزيتون وانتهاء بعملية "نبع السلام" شرق الفرات.

ووفق "ياشار" فإن النظام السوري يريد إلغاء توافقات أستانة، بهدف عدم التوصل لكتابة الدستور، وإلغاء العملية السياسية التي بدأت بعد تشكيل لجان صياغة الدستور، وإعاقة مؤتمر جنيف المزمع عقده خلال الأسابيع المقبلة، والأهم من ذلك هو إجبار المجتمع الدولي للاعتراف ببشار الأسد، وأنه يقاوم الإرهاب في إدلب.

وفقا لموقع المونيتور الأمريكي فإن التوتر في العلاقات بين أردوغان وبوتين، سوف يكون له تأثيرات سلبية على الملفات المشتركة بين الطرفين، سواء في سوريا أو ليبيا، وبرر الموقع ذلك بأن الرئيس التركي ربط الملفين بعضهما ببعض، وهو ما سوف يؤثر بالتبعية على توازن القوى في شرق البحر المتوسط.

ويرى الموقع أن هجوم قوات النظام السوري المدعومة من روسيا ضد إدلب، ومقتل ثمانية أتراك بالقصف، أدى لكسر شراكة تركيا وروسيا، التي بدت قوية منذ عام 2016، وهو ما ترجمه الرئيس التركي بقوله: إن عملية أستانا "محتضرة".

كما أن توقيت الخلاف الواضح بين تركيا وروسيا فيما يتعلق بالوضع العسكري في إدلب، قد أفسد التوقعات بشأن تحسن العلاقات بين أنقرة ودمشق في نهاية المطاف، والذي يأتي في أعقاب الاجتماع الذي توسطت فيه موسكو بين أنصارها وبين حلفاء أنقرة في سوريا، قبل مقتل الجنود الأتراك بأسبوعين.

ووفق "المونيتور"، فإنه كما أن الوضع ملتهب في إدلب، فإن الأحداث في ليبيا تشكل صدعا آخر في شراكة تركيا مع روسيا، كما أنهما يعكسان حدود ومقدرة وتأثير بوتين.

وفشل الرئيس الروسي بالحصول على موافقة اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر لتوقيع وثيقة وقف إطلاق النار خلال محادثات موسكو، كما أنه لم يستطع كبح طموحات النظام السوري في إدلب، كما فعل من قبل.

آراء أخرى تنظر للتوتر الأخير في العلاقات التركية الروسية، بأنه يشكل إزعاجا خاصا لأردوغان نتيجة أزماته المستمرة مع الغرب، وخاصة فرنسا واليونان.

وهو ما عبر عنه السفير السابق للاتحاد الأوروبي في أنقرة مارك بيريني، في تحليل نشره مركز كارنيغي أوروبا، بأن سياسات أردوغان، أصبحت الآن بين المطرقة الروسية في سوريا والسندان الفرنسي في ليبيا وشرق البحر المتوسط.

يمكن أن يتوقف بقاء أردوغان السياسي على عيوب وأخطاء هاتين الجبهتين المترابطتين. ومع ذلك، من المبكر جدا ومن غير الحكيم شطب فرص نجاحه أيضا.

ترقب أمريكي

محللون آخرون نظروا للتوتر التركي الروسي من زاوية أخرى. وحسب تحليل نشرته شبكة "voanews" الأمريكية، فإن التوتر الجاري الآن يمثل فرصة للولايات المتحدة لتحسين العلاقات المتوترة مع تركيا.

واعتبر التحليل أن أردوغان استغل زيارته لأوكرانيا لزيادة الضغط على موسكو، خاصة في الفقرة المتعلقة بإدانة ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في أوكرانيا، بالإضافة لتوقيعه اتفاقا عسكريا مع كييف.

وينقل الموقع الأمريكي تصريحات لحسين باجسي أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الشرق الأوسط التقنية في أنقرة، أكد فيها أن "الوضع مع روسيا ليس جيدا والأزمة تتسارع، وكذلك هذه الزيارة إلى أوكرانيا".

وتابع: "لقد وصلنا إلى نقطة تكون فيها الحدود الروسية أقل وأقل مع تركيا، ولذلك الروس ليسوا سعداء، ويبدو أن الأمريكيين هم الفائزون الآن"، مشيرا إلى أن علاقة أنقرة المتعمقة مع موسكو تسببت في إثارة قلق حلفاء تركيا في الناتو، وخاصة الولايات المتحدة. 

ورغم التفاؤل الذي أبداه الموقع الأمريكي لتوتر العلاقات بين تركيا وروسيا، وأن أنقرة يمكن أن تعيد تفكيرها في صفقة شراء النظام الصاروخي الروسي S-400، بما يريح الجانب الأمريكي، والذي يعتبر ذلك إعادة لضبط العلاقات بين أنقرة وواشنطن، إلا أن الموقع يرى أن تفكيك العلاقة بين أردوغان وبوتين ليست بهذه السهولة.

ونقل الموقع تصريحات أردوغان أثناء عودته من رحلة أوكرانيا والتي قال فيها: "لسنا بحاجة للدخول في صراع أو تناقض خطير مع روسيا في هذه المرحلة"، وأضاف: "لا يمكننا التغاضي عن هذه الشراكات الإستراتيجية مع روسيا، ولهذا السبب سنجلس ونناقش كل شيء، ليس في غضب لأنه سيؤدي فقط إلى الأذى".