"العودة خاليات الوفاض".. أزمة لبنان تلقي بظلالها على الفلبينيات

12

طباعة

مشاركة

لأول مرة منذ حرب 2016 تُعيد السفارة الفلبينية مواطنيها، الذين يعملون في قطاع الخدمات المنزلية، مجانا، وذلك في ظل الأزمة السياسية والاقتصادية التي يشهدها لبنان، بسبب الاحتجاجات الشعبية المستمرة منذ نحو ثلاثة أشهر احتجاجا على الفساد.

وقالت صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية: قبل أيام من انطلاق أعياد الميلاد، وصل ستون من العاملات الفلبينيات من بيروت إلى مانيلا، حيث بدأت هؤلاء النساء في التقاط صور سيلفي لهن طوال رحلة العودة.

رحلات مجانية

وأضافت: "ما يقرب من 1600 من الفلبينيين سوف يتبعونهم في الأشهر المقبلة، وكدليل على شدة الأزمة الاقتصادية في لبنان، تقوم سفارة الفلبين بإعادة مواطنيها مجانا ومعظمهم من عاملات المنازل".

ونقلت الصحيفة عن ميندا منديز، 38 سنة، التي تقيم في لبنان منذ 10 سنوات ومن المقرر أن تغادر بيروت في فبراير/ شباط المقبل "أنا سعيدة، أخيرا سأقضي بعض الوقت مع العائلة".

وأوضحت أنه في بداية شهر ديسمبر/ كانون أول الماضي، هرعت، هذه العاملة في مطعم ياباني، إلى سفارتها بمجرد فتح التسجيل للاستفادة من العودة المجانية إلى الوطن، مشيرة إلى أن هذه هي المرة الأولى منذ عام 2006 التي يتم فيها تقديم مثل هذه الخدمة.

وأشارت الصحيفة إلى أن آخر مرة أعادت فيها الفلبين مواطنيها من لبنان جرى في 2016، ففي ذلك الوقت، كانت البلاد تعيش على إيقاع قنابل تطلقها إسرائيل، التي كانت تشن حربا خاطفة ضد جماعة "حزب الله".

وبينت "لوفيجارو" أنه في نهاية عام 2019، اكتشف لبنان، البلد الثالث الأكثر مديونية في العالم، أنه يمر بأزمة اقتصادية رهيبة، دراماتيكية بالنسبة للبنانيين، لكن عواقبها أكثر خطورة على العمال من إفريقيا أو آسيا.

ولفتت إلى أن حوالي 200 ألف من هؤلاء العمال، معظمهم من عاملات المنازل من إثيوبيا وسريلانكا وبنجلاديش والفلبين، يدعمون عائلاتهم التي تركوها وراءهم من أجل أجورهم الضئيلة التي يكتسبونها في لبنان.

وذكرت الصحيفة أنه في لبنان يتم استخدام الدولار والعملة المحلية بالتبادل، وهي ميزة لهؤلاء العمال الذين يرسلون دولاراتهم نقدا إلى الخارج، لكن الدولار الثمين اختفى فجأة من التداول.

تدهور الليرة

وأكدت "لوفيجارو" أن البنوك قيدت من التعامل بالدولار منذ أوائل نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي، الأمر الذي أدى إلى تحويل الأجور من الدولار إلى الليرة اللبنانية.

وتابعت: "لهذا انخفضت قيمة الليرة بنحو 30 بالمئة في السوق السوداء، على الرغم من أن ربطها بالدولار لا يزال قائما رسميا، بالإضافة إلى ذلك، يتعرض العمال المهاجرون، مثل اللبنانيين، للتسريح القسري والعمل بدوام جزئي".

ولفتت الصحيفة إلى أنه "هذا هو السبب وراء سعي العديد من الفلبينيين للاستفادة من الإعادة المجانية التي قدمتها سفارتهم، في الوقت الحالي".

وأشارت إلى أن كلارا، 39 عاما (تم تغيير الاسم)، قالت في قاعة السفارة الفلبينية بضواحي بيروت أثناء ملء استمارات العودة: بأنه "ليس لديها فكرة" عما ستفعله بعد العودة إلى مانيلا.

فقد وصلت هذه العاملة عام 2006، وهي ترسل كل شيء إلى والدتها التي تعتني بابنها البالغ من العمر 5 سنوات.

ولفتت إلى أنها كانت تكسب 450 دولارا في الشهر، لكنه أصبح أقل بكثير منذ أن تم دفع أجرها بالعملة اللبنانية، إضافة إلى ذلك، تم فصلها من قبل صاحب العمل اللبناني ولن تتمكن من تجديد عقدها.

لكن كلارا ليست حزينة، فوضعها جيد جدا إذا نظرنا إلى العديد من حالات إساءة معاملة عاملات المنازل المسجلات من المنظمات غير الحكومية، حسبما ذكرت الصحيفة.

وأوضحت أن العاملات في المنازل لا يشملهم قانون العمل، ولا يتلقون سوى القليل من دعم السلطات المحلية في حالة العنف البدني أو النفسي، كما أن هناك وفاة واحدة على الأقل – من جميع الجنسيات - كل أسبوع وفي معظم الأحيان تكون عبر الانتحار.

خاليات الوفاض

للتغلب على هذه الفترة الصعبة، تحولت الفلبينيات في بيروت أكثر فأكثر إلى تقاليد بلادهم، وأشار الكاهن الفلبيني هنري بونس إلى أن حضور قداس "سيمبانج جابي" (Simbang Gabi) قد احتفل به نحو 30 بالمئة هذا العام، قرب الفجر خلال تسعة أيام قبل عيد الميلاد، وفقا للصحيفة.

ونقلت "لوفيجارو" عنه أيضا "الناس متأثرون بشدة جراء الأزمة، لكن الإيمان يساعدنا"، يواصل هذا الكاهن الذي يرأس احتفالات وعبادات هذه المجموعة منذ وصوله إلى لبنان في عام 2017.

بعد القداس، تختلط النساء اللاتي تستعد للرحيل مع البقية لتناول وجبة إفطار من المعكرونة. إذ تقول زينة عمار، مديرة الاتصالات لجماعة لبنانية تعمل مع العمال المهاجرين: إن الخيار ليس سهلا.

وتابعت زينة عمار في حديث للصحيفة الفرنسية: "إما أن يعودوا إلى ديارهم، حيث الوضع كان سيئا بالفعل بما يكفي ما دفعهم للمغادرة، أو البقاء هنا ويعانون من الأزمة التي ستزداد سوءا".

ويؤكد الكاهن هنري بونس أن "هناك أخريات يخجلن من العودة خاليات الوفاض، فبمجرد أن يبدؤوا في إرسال الدولارات، تعتقد أسرهم أنهم أصبحوا أثرياء".

لكن ميندا منديز، التي تجلس بجانبه، تقول: إنها ليست نادمة على مغادرة لبنان، وإنها بدأت التفكير في الأمر أوائل ديسمبر/ كانون الماضي، بعدما تلقت راتبها بالعملة المحلية للمرة الأولى.

وأكدت للصحيفة الفرنسية، أنها ستعود للعمل في بلد آخر، في أي مكان، طالما أنها تستطيع الاستمرار في دفع تكاليف تعليم ابنها البالغ من العمر 13 عاما، والذي رأته مرة واحدة فقط خلال إقامتها التي استمرت عقدا في لبنان.

وفقا للمعتقدات الفلبينية التقليدية، فإن الأمنية التي تريدها خلال المشاركة في "سيمبانج جابي" سوف تتحقق إذا شارك المرء في تسع قداسات. وعندما يتحول الكاهن إلى ميندا منديز ليسألها عما تريد، تجيب ببساطة "شيء جيد لعائلتي".

أزمة اقتصادية

ويواجه لبنان أسوأ أزماته الاقتصادية منذ نهاية الحرب الأهلية في عام 1990، وسط حالة من عدم الاستقرار السياسي أدت لتنامي مخاطر خفض قيمة العملة، وهي أزمة جعلت تجارا ورجال أعمال لبنانيين على حافة الإفلاس.

وتشهد البلاد منذ 17 أكتوبر/ تشرين أول حراكا شعبيا غير مسبوق ضد الطبقة السياسية كاملة التي يتهمها المتظاهرون بالفساد ويحملونها مسؤولية تدهور الوضع الاقتصادي، ويطالبون رحيلها بالكامل.

وتحت وطأة الحراك الشعبي، أعلن رئيس الحكومة سعد الحريري، استقالته في 29 من الشهر ذاته، وذلك بعدما قوبلت الورقة الإصلاحية التي أعلنها برفض شعبي وعرقلة سياسية.

وأعقب استقالة الحريري طرح أسماء عدة لتأليف الحكومة، إلا أن جميعها فشل بفعل ضغط الشارع، فيما أفضت الاستشارات الأخيرة إلى تكليف حسان دياب بتشكيل الحكومة لكنه لم يفلح فيما أوكل إليه حتى الآن.