تجريم الحوثيين منع الحمل.. رؤية دينية أم إستراتيجية للمستقبل؟

آدم يحيى | منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

شنت وزارة الصحة الخاضعة لسيطرة الحوثيين مؤخرا، حملة على وسائل تنظيم الإنجاب ومنع الحمل، في الصيدليات والمراكز الصحية بالمدن الخاضعة لسيطرتها وسحبت وصادرت الكميات الموجودة.

أما وسائل منع الحمل التي تقدمها منظمات دولية، ويتم توزيعها بشكل مجاني أو بأسعار رمزية على الأسر اليمنية ضمن برامج دولية لتحفيز وتشجيع الأسر على تنظيم النسل، فقامت الجماعة بسحبها أيضا.

الوزارة أصدرت تعميما للصيدليات والمراكز الصحية ومراكز تنظيم الصحة الإنجابية يقضي بمنع وسائل منع الحمل، سواء التجارية أو المقدمة من المنظمات الدولية.

من بين هذه الوسائل "المجرمة حوثيا" حبوب وحقن منع الحمل، وحبوب الميكروجينون التي تستخدم في تنظيم الأسرة وتقلل من احتمالات حدوث الحمل.

قامت جماعة الحوثي بمنع وسائل تنظيم الانجاب ومنع الحمل في الصيدليات والمراكز الصحية

تقليل المخاطر

أحد الصيادلة، طلب عدم الكشف عن اسمه، قال لـ"الاستقلال": "وزارة الصحة في صنعاء منعتنا، في بادئ الأمر، من بيع كل وسائل منع الحمل، سواء التجارية أو تلك المقدمة من قبل المنظمات الدولية، وبعد مرور فترة أذنت لنا ببيع نوع معين وهو باهظ التكاليف".

يضيف الصيدلي: "يتم بيع نوع معين ولا يمكننا شراؤه من الوكيل إلا بصعوبة، ويشترط علينا الوكيل شراء كمية دواء أخرى لإعطائنا هذا المنتج، وهو منتج غالي الثمن لا يشتريه سوى عدد محدود من الناس، ولا يقدر على شرائه غالبية المواطنين". وعن سؤاله عن سبب المنع أجاب "لا أدري".

لتبرير ذلك الإجراء قال الناطق باسم وزارة الصحة الخاضعة لسيطرة الحوثيين يوسف الحاضري، لمصادر صحفية: "الصحة الإنجابية أوسع من مجرد منع الحمل، يجب الاهتمام بالمرأة قبل مرحلة الزواج، وإخضاعها لفحوصات وتحديد سن آمن للزواج وصولا إلى رعاية المرأة بعد الولادة والطفل حتى لا يصاب بسوء تغذية".

يضيف الحاضري: "المنظمات الدولية المعنية بالصحة الإنجابية تغفل بقية جوانب الصحة الإنجابية التي تُفهم على أنها موانع حمل فقط. منع الحمل له شروط وأدلة تنظيمية خاصة، منها أنه يجب معرفة متى تستخدم موانع الحمل، وكيف تستخدم، وماهي المدة، وما هو العمر المناسب لاستخدامها، وماهي الأخطار المترتبة على الاستخدام طويل الأمد، كالإصابة بالعقم أو سرطان الثدي".

ويتابع: "هذه الإجراءات تهدف إلى تقليل المخاطر التي قد تتعرض لها المرأة من خلال استخدام حبوب منع الحمل، من دون آلية لتنظيم استخدام تلك الوسائل، مثل العقم الذي قد يحدث جراء الاستخدام المستمر لها، فضلا عن مخاطر إصابة النساء بالأمراض السرطانية".

النفس الطويل

وبينما يقول الحوثيون إنهم اتخذوا تلك الإجراءات "من أجل تقليل المخاطر"، يشكك متابعون بتلك النوايا، مؤكدين أن لدى الحوثيين مشروعا طويل الأمد يتطلب توافر القوة العسكرية والعامل البشري.

أستاذ العلاقات الدولية السابق في جامعة صنعاء قيس النوري قال لـ"الاستقلال": "يعمد الحوثيون إلى إستراتيجية النفس الطويل في الحرب، وهي إستراتيجية تساعدهم على تحسين شروط المفاوضات من خلال استمرار الحرب، والوصول إلى أكبر قدر من الشروط".

يضيف النوري: "يزج الحوثيون بالأطفال في المعارك، وذهب ضحية ذلك الآلاف، وهم أطفال تتراوح أعمارهم بين 15 عاما و20 عاما، لهذا فإن الحوثيين يعدون قوة عسكرية سيحتاجونها بعد أعوام، إذا قدر للحرب أن تستمر وفق هذه القوى وهذه المعادلة".

بالإضافة إلى حالة الاستنزاف في صفوف الحوثيين، يشهد اليمن أيضا حالة نزوح غير مسبوقة، حيث يقيم في السعودية أكثر من مليون يمني، 600 ألف منهم فروا أثناء الحرب، ونحو مليون يمني في مصر، ومئات الآلاف مفرقون على عدة بلدان، ويتوقع أن تتزايد موجات الهجرة بعد افتتاح مطارات اليمن وتمكن اليمنيين من السفر، وذلك العجز قد يكون أحد الأسباب الذي دفع بالحوثيين إلى خلق أجيال جديدة يتم الاعتماد عليها كوقود للحرب.

حسب الصليب الأحمر الدولي، فإن جماعة الحوثي تعتمد بشكل كبير على الأطفال في رفد معاركهم، حيث يمثل الأطفال ثلث المقاتلين، وكشفت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل في الحكومة الشرعية ابتهاج الكمال عن تجنيد الحوثيين لنحو 23 ألف طفل منذ بداية الحرب حتى نهاية 2018، واعترف مسؤول حوثي بتجنيد نحو 18 ألف طفل.

وفي تقرير صدر 19 ديسمبر/ كانون الأول الماضي لوكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية، كشف مسؤول عسكري كبير يتبع الجماعة الحوثية، رفض الكشف عن اسمه للوكالة، أن "الجماعة قامت بتجنيد 18 ألف طفل منذ بدء الحرب في عام 2014".

جيل جديد

من جانبه، قال الكاتب والصحفي خالد شاكر لـ"الاستقلال": "في الحقيقة لا أعلم الرؤية الدينية للجماعة من مسألة تحديد النسل، وهل ثمة آراء متعددة في هذا الجانب، لكن ما نعرفه أن الجماعة ترفع شعارات معادية لكل ما يأتي من الغرب، بعضها تسعى إلى تطبيقه في الواقع، والآخر مجرد شعارات تستغل سياسيا".

يضيف خالد: "تعاني الجماعة من نزيف شديد في الجبهات، وهي بصدد خلق جيل جديد متشبع بأفكارها، ولا يستبعد أن تتلاقى الرؤيتان، الأولى النابعة من توجه ديني والثانية حاجتها إلى جيل جديد يرفد جبهاتها النازفة، ويواصل مسيرتها الناشئة، إذ تعد المرحلة فرصة مثالية للتوسع والانتشار في بيئة نابذة لتوجهاتها ومحاربة لها.

ويفرض الحوثيون تعليم "ملازم" مؤسس الجماعة حسين الحوثي، على الطلاب من المرحلة الابتدائية وحتى الجامعة، كما قاموا بإجراء تعديلات على مناهج المرحلة الابتدائية تهدف لغسل أفكار الطلاب وتمجد جماعة الحوثي.

حسب حديث للاستقلال مع أحد عناصر جماعة الحوثي يدعى أبو العز المهدي، فإن الجماعة ترى أن الغرب "يحيك المؤامرات ضد العرب والمسلمين، وأن وسائل منع الحمل إحدى وسائله لتقليل عدد العرب والمسلمين، وتمثل هذه الأفكار إحدى القناعات الراسخة لدى الجناح العقائدي لجماعة الحوثي".

 غير أن آخرين شككوا بهذه الحقيقة وقالوا إن الجماعة تسعى لاستغلال وابتزاز المنظمات الدولية، مطالبة بدعم طبي ومالي. وأشارت تقارير دولية إلى أن الحوثيين يمارسون الابتزاز ضد المنظمات الدولية للسماح بإدخال المساعدات الطبية لليمن.

ابتزاز المنظمات

وذكر تقرير لوكالة أسوشيتد برس الأمريكية أن الحوثيين منعوا حتى مايو/آيار 2018 دخول نصف مليون جرعة من لقاحات الكوليرا في اليمن، رغم تفشي الوباء بشكل واسع، أدى إلى وفاة الآلاف وإصابة نحو مليون.

وبرر الحوثيون المنع بأن تلك اللقاحات يمكن أن تضر بالأطفال، وحسب الوكالة فإن 4 من مسؤولي المساعدات بالإضافة لمسؤول صحي سابق في جماعة الحوثيين قالوا إن خطة التطعيم مؤامرة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل لاستخدام اليمنيين كفئران تجارب.

غير أن مسؤولين بالأمم المتحدة تحدثوا لأسوشيتد برس قائلين: إن "جماعة الحوثي تمارس ابتزاز على المنظمات الدولية، وطالبت الجماعة الأمم المتحدة بمنحها سيارات إسعاف، وأجهزة أشعة سينية ومعدات طبية كشرط لقبول الشحنة".

وحسب مسؤول حوثي كبير في وزارة الصحة تحدث للوكالة (لم تذكر الوكالة اسمه)، قال: "المخاوف بشأن سلامة اللقاحات كانت ذريعة، وقادة الجماعة لديهم قائمه بالمطالب، ويحاولون المساومة مع مسؤولي الأمم المتحدة للحصول على المال والمعدات".

تقليد إيران

كانت إيران قد اتخذت خطوة مماثلة، وشن المرشد الأعلى علي خامنئي، هجوما على برامج تنظيم الأسرة، والحد من النسل وقال إنها تقليد غربي، مشيرا إلى أن إيران تواجه مشكلة شيخوخة السكان، إذا استمر الأزواج على سياسة عدم إنجاب المزيد من الأطفال، داعيا إلى زيادة عدد السكان إلى 150 مليون نسمة على الأقل.

فيما يقول منتقدوه إنه قلق غير مبرر، خصوصا أن 70 بالمائة من عدد سكان البلاد، الذي يتجاوز 80 مليونا، هم دون سن الخامسة والثلاثين.

وفي وقت سابق، أطلق أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران، حملة لمنع وسائل تنظيم النسل من أجل تأمين قوة عسكرية، ونشر ملصقات تحمل شعار "انخفاض عدد السكان يساوي الانخفاض في القوة العسكرية".

وحسب الغارديان البريطانية، فإن إيران منعت النساء، في وقت سابق، من الحصول على حبوب منع الحمل، واتخذت خطوات لمنع النساء من إجراء عمليات جراحية تهدف لمنع الحمل بشكل دائم.

وأشارت الصحيفة إلى إن السلطات الإيرانية فرضت إجراءات تأديبية على العاملين في مجال الصحة الذين يجرون عمليات تهدف إلى منع الحمل بشكل دائم.  

ونقلت الغارديان عن نائب مدير منظمة العفو الدولية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حسيبة صحراوي، قولها: السلطات الإيرانية تروج لثقافة خطيرة تجرد المرأة من حقوقها الأساسية وتصورها على أنها آلات إنجاب بدلا من كونها مخلوقا بشريا له حقوق أساسية، تتعلق بحرية الاختيار فيما يتعلق بجسدها وحياتها".

وأشارت صحراوي إلى أن الدولة تتدخل في حياة الناس الشخصية، وذلك بسعيها إلى ترسيخ صورة القوة العسكرية والجيوسياسية من خلال زيادة معدل الولادات، وذلك على حساب حقوق المرأة الأساسية.

مسموح للرجال

اللافت في المسألة أن جماعة الحوثي التي تجرم بيع وسائل منع الحمل للنساء، تقوم بتوزيعها على مقاتليها في الجبهات من أجل المساعدة في تخثر الدم إذا أصيبوا بجراح، للحد من النزيف.

هذا ما كشفته دراسة للباحث مايكل نايتس، نشرها "مركز مكافحة الإرهاب" التابع للأكاديمية العسكرية لمكافحة الإرهاب والصراع الداخلي بنيويورك، بعنوان "آلة الحرب الحوثية: من حرب العصابات إلى الاستيلاء على الدولة".

الدراسة أكدت أن جماعة الحوثي تقوم بتوزيع  حبوب منع الحمل على الرجال وتم العثور على كبسولات لمنع الحمل في مواقع معارك مختلفة ينسحب منها الحوثيون أو يتم أسرهم فيها.

وبينما تحرص بعض الأسر اليمنية على تخفيض عدد المواليد، وتنظيم الإنجاب للحد من التبعات الاقتصادية المرهقة، فإن منظمة الصحة العالمية أعلنت في وقت سابق عن ولادة 4 ملايين طفل في اليمن منذ بدء الحرب قبل أكثر من 4 سنوات.

وأصدرت منظمة "أنقذوا الأطفال" (مقرها بريطانيا) تقريرا نهاية 2018 قالت فيه إن نحو 85 ألف طفل دون سن الخامسة ربما تُوفوا بسبب سوء التغذية الحاد خلال 3 سنوات من الحرب في اليمن.  

وحسب تقارير الأمم المتحدة، فإن  طفلا يموت كل 10 دقائق لأسباب يمكن تجنبها والوقاية منها، وإن نحو 6 ملايين امرأة في اليمن في سن الإنجاب، وجميعهن في حاجة إلى الدعم والرعاية.