بدت محايدة منذ انطلاقه.. كيف تغير موقف أوروبا من حراك الجزائر؟

زياد المزغني | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

السلطة المؤقتة الحالية في الجزائر هاجمت البرلمان الأوروبي على خلفية بيان أصدرته المؤسسة التشريعية الأوروبية أدان ما اعتبرته "انتهاكات حقوق الإنسان والحريات الأساسية في الجزائر".

رد فعل الخارجية الجزائرية جاء بعد ساعات على التصويت على قرار غير ملزم، دان النواب الأوروبيون بموجبه "بشدة الاعتقال التعسفي وغير القانوني، والاحتجاز والتخويف والاعتداءات" على الصحفيين والنقابيين والناشطين في الدفاع عن حقوق الإنسان والمتظاهرين.

البيان الأوروبي يأتي في الأمتار الأخيرة للسباق الانتخابي لرئاسيات الجزائر، والذي يراهن عليه النظام من أجل إنهاء أزمة سياسية مستمرة منذ انطلاق الحراك الشعبي في 22 فبراير/ شباط الماضي، ولم يتوقف حتى الآن.

هذه الحادثة تعيد فتح ملف التدخلات الخارجية في الشأن الجزائري الداخلي، ومواقف الدول المؤثرة في القرارات الجزائرية، لما يربطها بالبلد المغاربي من مصالح.

انقسمت آراء المنظمات الحقوقية بين نفي تام لصحة ما ورد في اللائحة من اتهامات للجزائر، وبين من اعتراف بصحتها مع التأكيد على رفض التدخل الأجنبي، ونجح مساندو الحكومة الحالية في حشد مسيرات رافضة للتدخل الأوروبي في الشأن الجزائري معتبرين ذلك تشويشا على المسار الانتخابي واستثمارا في أجندة الفوضى.

رد غاضب

لم تنتظر الخارجية الجزائرية طويلا، لتصدر بيانا في نفس اليوم الذي صوت فيه البرلمانيون الأوروبيون بالإجماع لصالح قرار يدين ممارسات السلطات الجزائرية، جاء فيه أنه "بإيعاز من مجموعة من النواب متعددي المشارب وفاقدي الانسجام، منح البرلمان الأوروبي نفسه، بكل جسارة ووقاحة، حرية الحكم على المسار السياسي الراهن في بلادنا في الوقت الذي يستعد فيه الجزائريون لانتخاب رئيس جديد للجمهورية بكل ديمقراطية وشفافية".

وأضاف البيان أن "هؤلاء النواب قد ذهبوا إلى حد منح أنفسهم، دون عفة ولا حياء، الحق في مطالبة البرلمان الجزائري بتغيير القوانين التي اعتمدها نوابه بكل سيادة".

هذا الموقف الرسمي سرعان ما تجندت للدفاع عنه عدد من المنظمات والأحزاب السياسية التي تدور في فلك النظام الحالي، حيث أصدرت أحزاب "جبهة التحرير الوطني" و"التجمع الوطني الديمقراطي" مواقف هجومية ضد البرلمان الأوروبي.

ونددت منظمات ما يعرف في الجزائر بالأسرة الثورية (أبناء الشهداء والمجاهدين) بالموقف الأوروبي، وأعلن الاتحاد العام للعمال الجزائريين عن تنظيم مسيرة في 30 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي تنديدا بما صدر عن النواب الأوروبيين.

من جهته أشاد رئيس أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، بما أسماه الرد القوي للشعب الجزائري على محاولة البرلمان الأوروبي التدخل في شؤونه الداخلية، معتبرا أن ما "تشهده البلاد في الفترة الأخيرة من هبة شعبية قوية ومسيرات سلمية، تعكس قوة الإرادة الشعبية لتخطي هذه المرحلة الحساسة التي تشهدها الجزائر" .

قايد صالح اللاعب الرئيسي في البلاد بعد مرحلة بوتفليقة، لم يفوت الفرصة للتأكيد على وجود مؤامرة تخطط لها "العصابة" مدعومة بقوى خارجية، قائلا: "هذا الشعب الأصيل، الذي يعي جيدا خطورة الدسائس التي تحاك في مخابر التآمر في الخارج وأساليب الخيانة والعمالة في الداخل من خلال استنجاد العصابة بأطراف خارجية".

واعتبر الناطق الرسمي باسم حركة "عزم" أن سقف الخطاب في الرد على فرنسا ارتفع جدا خلال الأيام الماضية واستعمل ألفاظا قاسية جدا.

وأضاف حمزة في حديث لـ"الاستقلال": "التغييرات الأخيرة أضرت بصالح فرنسا وحزب فرنسا كما يسمى في الجزائر ، فكل العصابة في الجزائر كانت تمنحها امتيازات خرافية في الجانب المالي والاقتصادي، وحتى في الجانب الثقافي أيضا".

واعتبر الناشط الجزائري أن هذا التوجه الفرنسي هو "ردة فعل لما خسرته في الجزائر نتيجة ما فقدته أذرعها من امتيازات كان جهاز المخابرات يمنحها إياها، وهو ما قوبل برد بخطاب قوي من قبل السلطات الجزائرية مثلما استمعنا لوزير الداخلية الذي هاجم فرنسا وتاريخها الاستعماري".

تفاصيل القرار

وناقش البرلمانيون الأوروبيون خلال جلسة عقدوها في مقر برلمانهم بستراسبورغ الفرنسية الوضع السياسي والحقوقي في كل من هايتي وكوبا والجزائر.

وتضمنت اللائحة التي تم التصويت لصالحها على 14 بندا، أعلنت فيه عن انتقاد شديد لتعامل السلطات الجزائرية مع الحراك الشعبي والأقليات الدينية في البلاد، وهاجمت التشريعات المقيدة للحق في التظاهر وتشكيل الجمعيات، وأثنت بالمقابل على اعتماد اللغة الأمازيغية في التعديل الدستوري لسنة 2016.

البيان أكد أن النواب الأوروبيين "قلقون جدا حول وضع حقوق الإنسان والحريات الأساسية" في البلاد. كما أدان بشدة "الاعتقالات التعسفية وغير القانونية والاعتداءات والتهديدات التي تطال الصحفيين والنقابيين والمحامين والطلاب والمدافعين عن حقوق الإنسان، ونشطاء المجتمع المدني وجميع المتظاهرين المسالمين الذين شاركوا في الحراك".

كما دعا "إلى وقف انتهاك حقوق المسيحيين وأقليات دينية أخرى" في إشارة إلى قرار السلطات بغلق عدة أماكن عبادة للمسيحيين قبل أسابيع، قالت وزارة الداخلية أنها تنشط خارج القانون وبدون ترخيص وتتلقى أموالا مشبوهة.

وكانت اللائحة مقدمة من قبل النائب الفرنسي بالبرلمان الأوروبي رافائيل غلوكسمان، الذي قال في  تغريدة عبر "تويتر": "حان الوقت لإظهار أننا متضامنون مع الجزائر".

ويأتي موقف النائب الفرنسي متماهيا مع موقف حكومة بلاده التي بدأت في المرحلة الأولى غير مرحبة بالحراك الشعبي والإطاحة بنظام بوتفليقة، إلى موقف متخوف من خسارة مصالحها خلال هذه المرحلة.

قايد صالح

لا يتردد المسؤولون الجزائريون من وقت لآخر عن مهاجمة الرافضين للمسار السياسي الذي اختارته بعد الإطاحة ببوتفليقة، بوصفه "أذناب الإستعمار الفرنسي"، حيث وجه قبل أيام وزير الداخلية صلاح حمدون انتقاده الشديد لفرنسا دون تسميتها  قائلا: "الاستعمار (الفرنسي) الغاشم استعمل أولاده في الحرب ولكن الآن بقي فكرا استعماريا لدى البعض وهذا الفكر يستعمل فيه بعض أبنائنا الجزائريين من خونة ومرتزقة وشواذ ومثليين نعرفهم جميعا لقد وقفوا مع هؤلاء الناس فهم ليسوا منا ونحن لسنا منهم".

سبق وأن دعا الفريق قايد صالح، إلى تطهير البلاد ممن أسماهم "عبدة الاستعمار وأصنامه" وفاء لشهداء ثورة التحرير، التي اندلعت في 1 نوفمبر/تشرين الأول 1952.

وفي كلمته يوم 5 يوليو/ تموز 2019، قال صالح: "كل من يؤمن بميثاق الشهداء الأبرار وبعهدهم الأزلي، سيسهم بصدق في مكافحة الفساد، ويشارك بوفاء وإخلاص في تطهير الجزائر من كل عبدة الاستعمار وأصنامه".

الخطاب قوبل برد فرنسي غاضب، حيث وجهت وسائل إعلام فرنسية سهامها نحو قايد صالح بشكل لافت، بعد ما كانت تنتقده بشكل طبيعي ضمن سياق الأحداث الحاصلة في البلاد.

وتصاعد اهتمام وسائل الإعلام الفرنسية بالهجوم على صالح منذ اتهامه لجهات أجنبية بمحاولة زعزعة استقرار الجزائر بتحريك الشارع وتوجيه الحراك الشعبي نحو الفوضى.

مواقف "محايدة"

هذا الموقف الذي تتخذه فرنسا بشكل خفيّ أحيانا، وإن دفع البرلمان الأوروبي إلى اتخاذ قرار يدين السلطات الجزائرية، إلا أنه لا يلغي موقف الحياد والمتابعة الذي تتخذه جل الدول الغربية في علاقتها بما يجري منذ أشهر في الجزائر .

وعلى ضوء اتجاه النظام الجزائري لإجراء انتخابات الرئاسة في 12 ديسمبر/كانون الأول الجاري، فإن أوروبا يهمها التعامل مع نظام يضمن لها مصالحها واستقرارها بالدرجة الأولى، ولا يهمها "شخص الرئيس" بحد ذاته.

مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، سعت لتلطيف الأجواء المشحونة من آثار التصويت على اللائحة الخاصة بالجزائر، قائلة: "احترام الحريات في الجزائر من شأنه أن يساعد على حل الأزمة ودعم الاستقرار، مؤكدة احترام الاتحاد الأوروبي سيادة الجزائر واستقلاله".

وسبق وأن عبر عضو البرلمان الأوروبي، رفائيل غلوكسمان عن استغرابه من صمت رفقائه في المؤسسة التشريعية الأوروبية، وألمح إلى وجود لوبيات تعمل من أجل طمس محاولات فتح نقاش حول الحراك السلمي في الجزائر وآفاقه.

وأضاف غلوكسمان في تغريدة على تويتر: "يوجد اقتناع لدى الدول الأوروبية بأهمية استقرار بلد كالجزائر، باعتباره قوة ديمغرافية وموقعا جغرافيا هاما، وقبل ذلك مصدرا حيويا للطاقة التي تتغذى منها بلدان الاتحاد الأوروبي، ومرتبطا بعقود مع شركات عملاقة تنشط في الطاقة على غرار طوطال الفرنسية وإيني الإيطالية".

من جهته، أكد الناشط السياسي حسام حمزة أن البرلمان الأوروبي يرفض فكرة التدخل في الشأن الداخلي الجزائري، وهم يعلمون أن لا مصلحة لهم في ذلك وأن فرنسا تريد جرهم إلى التدخل من أجل الدفاع عن مصالحها.

حمزة قال: "فرنسا أرادت توريط الأوروبيين سابقا في ملفات أخرى في الساحل الإفريقي وفي ليبيا وغير ذلك، وبالتالي هم يرفضون كل محاولة فرنسية في هذا الإطار ويتفقون أن ما يحصل في الجزائر شأن داخلي  ويعني الجزائريين فقط".