تركيا تحاربه وتصنفه إرهابيا.. كيف تدعم أوروبا "بي كا كا"؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في الوقت الذي تستعر فيه المعارك بين الجيش التركي وحزب العمال الكردستاني (بي كا كا) وأذرعه العسكرية شمال سوريا وجنوب تركيا، تقوم دول أوروبية مثل فرنسا، وألمانيا، والنمسا بدعم الحزب الكردي وتسمح له بفتح مكاتب لديها وهو ما تعتبره تركيا دعما مباشرا للإرهاب.

أيهما الأقرب والأكثر إفادة لأوروبا تركيا أم حزب العمال الكردستاني؟ وإذا كانت الإجابة بأن تركيا هي الأقرب، فلماذا تصر دول في الاتحاد الأوروبي على دعم حزب تعتبره تركيا (صديقتهم والعضو في حلف الناتو) إرهابيا ومهددا لأمنها القومي؟

لعبة مروّعة

في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 1978، في ليجا بمحافظة ديار بكر التركية، ذات الأغلبية الكردية، تأسس حزب العمال الكردستاني (بي كا كا) رسميا على يد مجموعة من الطلبة الماركسيين، من ضمنهم زعيم الحزب الحالي عبدالله أوجلان المعتقل لدى أنقرة.

وشهد عام 1984 أول عملية عسكرية كبيرة للحزب في محافظة سرت، تلتها عمليات كبيرة في محافظات هكاري، وبدأت شرارة حرب طويلة الأمد بين "بي كا كا" والدولة التركية. 

وبعد جولات من المفاوضات، ومحادثات السلام بين المنظمة، والجمهورية التركية، أعلن في 22 يوليو/تموز 2015، انتهاء عملية السلم الأهلي بعد قيام الحزب الكردستاني بقتل اثنين من رجال الشرطة، وعودة الاشتباكات بين الجانبين مرة أخرى. 

وفي أغسطس/ آب 2015، أعلن حزب العمال الكردستاني 16 منطقة جنوب شرق تركيا مناطق حكم ذاتي خاضعة له، وحفر الخنادق وتحصن في هذه المناطق، تلا ذلك عمليات عسكرية تركية نجحت في إعادة السيطرة على هذه المناطق، وتم القضاء على 2544 مقاتلا من حزب العمال الكردستاني في العمليات، في حين قضى 465 جنديا ورجل أمن تركي.

في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، قال تشارلز سان بروت، مدير مركز باريس للأبحاث الجيوستراتيجية، في تصريحات خاصة لوكالة الأناضول التركية: إن "الاتحاد الأوروبي يلعب بورقة (بي كا كا/ ي ب ك) الإرهابية، وأن موقفه المحابي لهذه المنظمة يعبر عن لعبة مروّعة".

وذكر الباحث الفرنسي، أن "الاتحاد الأوروبي فضل الوقوف إلى جانب إرهابيي (بي كا كا/ ي ب ك)، والعناصر الانفصالية، التي تشكل تهديدا على تركيا وأمنها القومي".

وأضاف سان بروت: أن "عملية نبع السلام التركية في شمالي سوريا، جرت وفقا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، والذي يتضمن الحق المشروع للدول في الدفاع عن أمنها".

كما أكد أن "تنظيم (ي ب ك/ ب ي د)، امتداد لمنظمة (بي كا كا)الإرهابية، وأن الأخيرة تصنّف في الاتحاد الأوروبي كمنظمة إرهابية".

وشدد مدير مركز باريس للأبحاث الجيوستراتيجية، أن "تنظيم (ي ب ك/ بي كا كا) إرهابي، ويشكل تهديدا على أمن تركيا ووحدتها، وأن عملية نبع السلام، تنبثق من قرارات الأمم المتحدة بشأن مكافحة الإرهاب".

وأردف سان بروت: "هل هناك دولة تستطيع التسامح مع أنشطة إجرامية لمنظمة إرهابية وانفصالية تهدد سلامتها الإقليمية؟ ليس لأحد أن يمنع تركيا من اتخاذ تدابير لحماية أمنها القومي".

وأضاف أن لوبيات إسرائيلية ويسارية وشيوعية قوية تعمل على دعم حملات التضليل الموجعة ضد العملية التركية في شمالي سوريا.

وتابع: على سبيل المثال، لا تقوم وسائل الإعلام المشار إليها، بالحديث عن الـ 400 ألف كردي سوري والذين لجأوا إلى تركيا هربا من الانتهاكات التي يمارسها تنظيم "ي ب ك/ بي كا كا" الإرهابي في شمالي سوريا.

واستطرد كما لا تقوم وسائل الإعلام المذكورة بنقل بيانات المجلس العالمي للمسيحيين الآراميين، والتي تُحمل "ي ب ك/ بي كا كا" مسؤولية تصاعد التوتر في شمالي سوريا، بل تعمل على إظهار العملية على أنها تستهدف الأكراد في سوريا، وليست تنظيم "ي ب ك/ بي كا كا".

بناء الثقة

وفي 10 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، قال مقرر تركيا الجديد في البرلمان الأوروبي، ناتشو سانشيز آمور: "تركيا دولة مهمة جدا بالنسبة للاتحاد الأوروبي، ونحن بحاجة إلى إعادة بناء الثقة مع أنقرة". 

وأشار آمور أن "مهمته لن تكون سهلة، إلا أنه عاقد العزم على تحسين علاقات الاتحاد الأوروبي مع تركيا، هذه الدولة المهمة جدا بالنسبة للاتحاد، والمضي بهذه العلاقات قدما نحو الأمام".

في 9 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أطلقت القوات المسلحة التركية بالتعاون مع الجيش الوطني السوري، عملية "نبع السلام" في منطقة شرق نهر الفرات شمالي سوريا، لتطهيرها من عناصر تنظيم"ي ب ك/ بي كا كا" و"تنظيم الدولة"، وإنشاء منطقة آمنة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم.

وفي 17 من الشهر نفسه، علق الجيش التركي العملية، بعد توصل أنقرة وواشنطن إلى اتفاق يقضي بانسحاب الإرهابيين من المنطقة، وأعقبه باتفاق مع روسيا بمدينة سوتشي في 22 من الشهر ذاته.

إرهاب للمواطنين

في 17 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، في تصريحات أدلى بها، السفير التركي لدى العاصمة الألمانية، برلين، علي كمال آيدين، للصحفيين الأتراك العاملين بالبلاد، قال: "على السلطات الألمانية عدم السماح للمتظاهرين باستخدام الشعارات المحظورة الخاصة بتنظيم (بي كا كا/ي ب ك) في مظاهراتهم الاحتجاجية".

وبين أن "أنصار التنظيم نظموا منذ انطلاق (نبع السلام) ما يقدر بـ100 مظاهرة، مطالبا السلطات الألمانية بضرورة ضبط مرتكبي أعمال العنف ضد الأتراك وتقديمهم للمحاكمة".

ونفذ موالون لـ"بي كا كا/ب ي د" 17 هجوما واعتداء على أتراك بألمانيا، أصيب على إثرها 15 شخصا. 

وأوضح أن وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، تحدث هاتفيا مع نظيره الألماني، هورست زيهوفر، بخصوص تأمين الأتراك في ألمانيا".

وشدد آيدين على أهمية حفاظ الجماعات التركية بألمانيا على ثباتها حيال هذه الاعتداءات، مضيفا: "الجالية التركية بألمانيا لم تستفزها هذه الاعتداءات، وأثق بأننا قادرون على مواصلة هذا الثبات دون انفعال، لكن أرجو ممن تعرضو لهجمات سرعة التوجه للجهات الأمنية والتقدم ببلاغات".

وأشار السفير التركي إلى شعورهم بخيبة أمل كبيرة حيال قرار ألمانيا الخاص بتقليص صادرات الأسلحة لتركيا، ومشاركتها في عدد من العقوبات التي تم اتخاذها في إطار الاتحاد الأوروبي".

أنشطة إجرامية

ورغم حظرها في ألمانيا منذ عام 1993، لا تزال منظمة "بي كا كا" نشطة في ألمانيا، ويتبعها حوالي 14 ألفا و500 شخص، وفقا لتقرير سنوي صادر عن وكالة الاستخبارات الداخلية (BfV).

وفي عام 2018 ، كان أتباع تلك المنظمة الإرهابية مسؤولون عن 1873 عملا إجراميا، مما يمثل زيادة قدرها أكثر من 80 بالمئة مقارنة بالعام السابق، 305 منها كانت جرائم عنيفة.

ورغم أن الحكومة التركية دعت السلطات الألمانية مرارا إلى الحد من أنشطة الدعاية وجمع الأموال والتوظيف التي تقوم بها تلك المنظمة، إلا أن برلين ظلت مترددة في بذل المزيد من الجهد لمحاربة الحزب الكردستاني. 

ووفقا لوكالة الاستخبارات الداخلية الألمانية، يستخدم "بي كا كا" البلاد كمنصة لأنشطة جمع التبرعات، حيث جمع أكثر من 15 مليون يورو، خلال العام 2018 في ألمانيا.

ويقدر المسؤولون الأتراك أن الجماعة الإرهابية تجمع أكثر من 40 مليون يورو سنويا في ألمانيا، من خلال مجموعة من الأنشطة، بما في ذلك الابتزاز وتهريب المخدرات والاتجار بالمهاجرين وغسل الأموال. 

وفي مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أحرق أتباع المنظمة المصنفة إرهابية، العلم التركي في مظاهرة بمدينة "دورتموند الألمانية، ورسموا شعارات مسيئة على جدران المنازل في مدينة"بيليفيلد" بشمال غربي البلاد، في محاولة لإثارة الجالية التركية. وتم استهداف مسجد تابع لرئاسة الشؤون الدينية التركية بزجاجات تحتوي مواد حارقة.

ووفقا لتقرير دائرة الاستخبارات الألمانية (BND)، قسّم قادة "بي كا كا" ألمانيا إلى تسع مناطق و31 منطقة فرعية، وعينوا عضوا قياديا لكل من هذه المناطق. 

وحسب وكالة الأناضول التركية، فإنه بين عامي 2011 و2017، فتحت المحاكم الألمانية قضايا جنائية ضد 387 من المشتبه بهم من "بي كا كا" بتهمة الإرهاب.

ولم تتم معاقبة سوى 11 عضوا بارزا فقط في المنظمة الإرهابية، وتراوحت العقوبات بين أحكام بالسجن لمدة عامين و6 أشهر إلى 4 سنوات و6 أشهر.

وطلبت تركيا اعتقال وتسليم العشرات من الشخصيات البارزة في التنظيم الإرهابي، لكن تم رفض جميع هذه الطلبات تقريبا، حيث زعمت السلطات الألمانية أنها تحتاج إلى مزيد من الأدلة الملموسة.

وفي حملته الإرهابية التي استمرت أكثر من 30 عاما ضد تركيا، كان "بي كا كا"، المدرج كمنظمة إرهابية من قبل تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مسؤولا عن مقتل 40 ألف شخص، بينهم نساء وأطفال ورضع.

تشكيلات مقاتلة من قوات بي كا كا التي تخوض حربا ضد الدولة التركية

قوات فرنسية

في 29 مارس/ آذار 2018، استقبل الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وفدا من منظمة "ي ب ك/ بي كا كا". وعقب الاستقبال، أصدر قصر الإليزيه بيانا، جاء فيه أن ماكرون: "يرغب في إقامة حوار بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وتركيا، بدعم من فرنسا والمجتمع الدولي".

وأعربت أنقرة عن ردة فعل شديدة ضد البيان، وقال الرئيس رجب طيب أردوغان: إن "استضافة (باريس) وفدا من منتسبي التنظيم الإرهابي، على مستوى رفيع، هو عداء صريح لتركيا".

وفي منتصف العام 2016، نشرت وكالة فرانس برس الفرنسية، نقلا عن مصادر في وزارة الدفاع، أن قوات خاصة تقوم بمهمة في المناطق التي يسيطر عليها "ي ب ك/ بي كا كا" شمالي سوريا.

وأن قوات فرنسية متنوعة تتواجد في 5 نقاط بمناطق سيطرة التنظيم تحت اسم "التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة"، في شمالي سوريا.

قوات فرنسية تتواجد في المناطق التي تسيطر عليها وحدات بي كاكا داخل سوريا

ويتمركز أكثر من 70 عنصرا من القوات الفرنسية الخاصة، منذ يونيو/حزيران 2016، في تلة "ميشتانور"، وبلدة "صرين"، ومصنع "لافارج" الفرنسي للإسمنت، في قرية "خراب عشق"، في ريف حلب شمالي سوريا، و"عين عيسى" في ريف الرقة، بالإضافة إلى 30 جنديا في مدينة الرقة.

وفي 25 ديسمبر/ كانون الأول 2018، قال وزير خارجية تركيا مولود تشاووش أوغلو بحسب ما نقلت وكالة أنباء الأناضول الحكومية: "ليس سرا أن فرنسا تدعم وحدات حماية الشعب" الكردية، مشيرا إلى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التقى ممثليهم".

وأضاف تشاووش أوغلو الذي كان يتحدث خلال لقاء مع صحفيين أتراك: "ليست لدينا معلومات بشأن إرسال جنود (فرنسيين) جدد لكنهم يبقون على انتشارهم الحالي. إذا بقوا من أجل المساهمة في مستقبل سوريا شكرا. لكن إذا كان ذلك لحماية وحدات حماية الشعب، فإن ذلك لن يكون مفيدا لأحد".

وفي 14 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قال أردوغان، مخاطبا دول أعضاء حلف شمال الأطلسي (ناتو): "هل تركيا عضو في حلف الناتو؟ نعم. وهل بلدان الاتحاد الأوروبي جميعها تقريبا أعضاء في الناتو؟ نعم.. إذا منذ متى يتم الدفاع عن التنظيمات الإرهابية ضد عضو في الناتو".

وأردف: "لن تنكسر عزيمتنا في سحق التنظيمات الإرهابية على الرغم من الذين يقودون ناصيتها من محاور الشر".