النفط في سوريا.. كيف يمكن أن يتحول إلى ساحة صراع دولية جديدة؟

في أقل من أسبوع، أجرى رئيس النظام السوري بشار الأسد، حديثين منفصلين مع الإعلام الروسي، الأول كان باللغة الانجليزية في قناة روسيا اليوم واسعة الانتشار، والثاني كان مترجما للغتين العربية والروسية مع قناة روسيا 24، وفي كلا الحديثين، وجه الأسد عدة رسائل لكل من أمريكا وتركيا، بالانسحاب من الأراضي السورية، وخاصة التي تتمتع بفائض كبير في إنتاج النفط.
الرسائل لم تقف عند حد المطالبة، وإنما امتدت لتهديد صريح بشن حرب عصابات من أجل استعادة حقول النفط السورية، ولعل الشاهد الأساسي في هذه التصريحات، هي دلالات توقيتها، ولماذا كانت من خلال وسائل إعلامية روسية ناطقة باللغتين الروسية والإنجليزية، وهل لذلك ارتباط بإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن السبب في بقاء قواته بسوريا، هو حماية حقول النفط من جانب، والأكراد من جانب آخر؟.
وتشير تصريحات الأسد إلى أن حربا من نوع مختلف ستشهدها الساحة السورية، بعد انتهاء مسلسل تنظيم الدولة الدرامي الذي استمر قرابة 6 سنوات بالأراضي السورية، وتطرح تساؤلا عن أسباب خروج الصراع على النفط السوري بين روسيا وأمريكا، من السر للعلن، في هذا التوقيت.
تحذيرات الأسد
في استلهام واضح لتصريحات الرئيس المصري الأسبق أنور السادات خلال حرب 6 أكتوبر/تشرين الأول مع إسرائيل، بأنه لن يستطيع مواجهة أمريكا في ساحة القتال بسيناء، قال الأسد في حديثه لقناة RT24 قبل أيام: إنه لن يغامر بالدفع بجيشه لمحاربة القوات الأمريكية في شرقي سوريا، ولكن هذا لا يمنع أن الوجود الأمريكي سيولّد مقاومة عسكرية شعبية ستكون سببا في خسائر بين الأمريكيين وبالتالي خروجهم، على حد وصفه.
وفي لقاء آخر بقناة روسيا اليوم، كشف الأسد أن المؤامرة الأمريكية العربية على سوريا، لم تكن لتحدث إلا بعد موافقة نظامه على مد خط أنابيب نفط وغاز إيرانية، عبر الأراضي السورية إلى البحر المتوسط، ما يعني عدم حصر مرور صادرات النفط الإيرانية عبر مضيق هرمز فقط.
كما أكد أنه سيتقدم بشكوى رسمية لمجلس الأمن الدولي بشأن سرقة الولايات المتحدة للنفط السوري، بعد أن وصف أمريكا بأنها "شبه دولة" تحكمها العصابات وتنطلق من مبدأ القوة، وهذه العصابات اللصوصية تتصارع على الأرباح.
وحسب تحليلات متعددة لرئيس تحرير صحيفة "الرأي اليوم" عبد الباري عطوان، فإن تصريحات الأسد، تشير إلى أن الأزمة السورية دخلت فصلها الثاني، أو بالأحرى دخلت مرحلة حرب البترول، وأن الأحاديث التلفزيونية التي أدلى بها الأسد لوسائل الإعلام الروسية، تدخل ضمن خطة الحرب التي وضعتها موسكو، وسوف ينفذها الأسد.
رغم أن الأسد لم يتهم أنقرة صراحة بأنها تسعى وراء البترول السوري، إلا أن تهديداته للقوات التركية الموجودة في شمال سوريا، دفعت بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لكشف الغطاء عما يحدث في الغرف المغلقة، حيث كشف أردوغان، بأن "البعض يتقاسم النفط في سوريا، وعرضوا علينا ذلك أيضا، فقلنا لهم همنا الإنسان وليس النفط".
الرئيس التركي قال أيضا في خطاب بإسطنبول، 18 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، إن: "مسألة اللاجئين السوريين، من أهم المسائل التي يجب على العالم أن يناقشها، وبعض الدول رغم وجود أزمة إنسانية كبيرة، يناقش النفط وتقسيمه".
النفط.. الهدف
ويربط مراقبون بين تصريحات أردوغان، وما كشفته صحيفة واشنطن بوست، عن هدف ترامب المتمثل بالاستحواذ على نفط شرق المتوسط، وهو ما أشار إليه الكاتب الأمريكي "إيشان ثارور" صراحة في مقاله بالصحيفة، حيث أكد أن السبب في بقاء القوات الأمريكية في سوريا، هي النزعة التجارية التي تسطير على ترامب وبعض مساعديه.
وأكد الكاتب الأمريكي، أن ترامب أفصح في كثير من المناسبات عن هذا الإصرار، وآخر مرة كانت عندما التقى بأردوغان في واشنطن 14 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، حيث قال ترامب: "نرغب في إبداء قلقنا عن أشيائنا".
وأشار ثارور إلى أنه عندما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" بأن الهدف من بقاء القوات الأمريكية في شمال شرق سوريا هو منع تنظيم الدولة من الوصول لحقول النفط، واستخدامهم له، وأن العائدات القليلة منه، لن يذهب أي جزء منها إلى الولايات المتحدة أو أي كيان أمريكي، فإن ترامب قال صراحة إن الهدف من بقاء القوات الأمريكية في شمال شرق سوريا هو "حصول الولايات المتحدة على المال".
واستند الكاتب الأمريكي لتحذيرات أخرى أطلقها المدعي الأمريكي السابق لجرائم الحرب، جيمس ستيوارت، عبر صحيفة "واشنطن بوست" أيضا، من أن سياسة ترامب في التعامل مع النفط السوري، يمكن أن تضع الجيش الأمريكي في موقف المتربح من الحرب في مناطق أجنبية.
إلا أن صحيفة "واشنطن بوست" حملت بين صفحاتها وجهة نظر أخرى، غير التي تحدث عنها "ثارور" في مقاله السابق، حيث أكد تحليل نشرته الصحيفة في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، أن نظام الأسد هو المستفيد الأول من عوائد النفط التي تسيطر عليها القوات الأمريكية.
ووفق الصحيفة فإن قوات سوريا الديمقراطية المعروفة اختصارا بـ"قسد"، هي التي تملك النفط فعليا وتبيع جزءا منه لنظام الأسد حيث يعمل على تكراره وبيعه لهم مرة أخرى، ما يعني أن القوات الأمريكية، تحمي النفط الذي يستخدمه الأسد.
وترى أن المسؤولين في البنتاجون يستخدمون موضوع النفط، كمبرر لإقناع ترامب بالإبقاء على القوات الأمريكية في سوريا، بينما يدعون أن الهدف الأساسي هو ضمان عدم عودة تنظيم الدولة مرة أخرى للساحة السورية.
واستندت الصحيفة في تحليلها إلى تصريحات لوزير الدفاع الأمريكي "مارك إسبر"، خلال جولته بعدد من الدول الأسيوية، والتي قال فيها: إن قرار إبقاء ما بين 500 إلى 600 جندي في سوريا لقتال التنظيم الإرهابي والسيطرة على حقول النفط.
وقال إسبر، في تبريره لحماية حقول النفط: "إذا تمكن التنظيم من تحقيق إيرادات مالية، حينها يمكنه دفع أموال للمقاتلين، وبالتالي يمكنهم شراء أسلحة، وتنفيذ عمليات، ويمكنهم فعل كل هذه الأمور لأن الإيرادات المالية تمكنهم من فعل ذلك.. وهذا كله يتعلق بمهمتنا".
وترى الصحيفة أن تصريحات إسبر، جاءت لتعديل الموقف الأمريكي بعد تصريحات ترامب خلال لقائه بالرئيس التركي في واشنطن، والتي قال فيها صراحة إن بقاء القوات الأمريكية في سوريا يأتي "من أجل النفط فقط".
تحركات روسية
روسيا من جانبها لم تقف صامتة تجاه التحركات الأمريكية والإسرائيلية لسرقة البترول السوري، حيث قالت مجلة تايم الأمريكية: إن وزارة الدفاع الروسية وصفت قرار الولايات المتحدة إرسال مركبات مدرعة وقوات مقاتلة إلى شرق سوريا لحماية حقول النفط بـ "اللصوصية".
وأضافت المجلة: أن المرصد السوري لحقوق الإنسان، رصد قافلة أمريكية قادمة من العراق، ومكونة من أكثر من عشر مركبات وهي تتجه جنوب مدينة القامشلي الشمالية الشرقية، وأنها ستتجه بعدها لمنطقة دير الزور الغنية بالنفط.
ونقلت المجلة عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية، الميجور جنرال إيغور كوناشينكوف قوله: "ما تفعله واشنطن الآن، والاستيلاء على حقول النفط والسيطرة عليها في شرق سوريا الخاضع لسيطرتها المسلحة، هو بكل بساطة اللصوصية الحكومية الدولية".
وأضاف كوناشينكوف قائلا: "جميع رواسب المواد الهيدروكربونية وغيرها من المعادن الموجودة على أراضي سوريا لا تنتمي إلى إرهابيين من تنظيم الدولة، بل وحتى أقل من ذلك إلى المدافعين الأمريكيين عن أولئك الإرهابيين، ولكن بشكل خاص للجمهورية العربية السورية".
وتابع: أن السبب الحقيقي لهذا العمل غير القانوني الذي نفذته الولايات المتحدة في سوريا يكمن بعيدا عن المثل العليا التي أعلنتها واشنطن وعن شعارات محاربة الإرهاب.
وتأتي تصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية، في إطار خطة روسية موسعة لمحاصرة النشاط الأمريكي فيما يخص حقول النفط، حيث سبق التصريحات السابقة، نشر وزارة الدفاع الروسية، بنشر صور جرى التقاطها في سبتمبر/ أيلول الماضي، تظهر فيها قوافل من الصهاريج تنقل النفط إلى خارج سوريا تحت حراسة العسكريين الأمريكيين وعناصر الشركات العسكرية الأمريكية الخاصة.
وحسب وزارة الدفاع الروسية، فإن الدخل الناتج عن تهريب النفط السوري من خلال شركات الوساطة التي تتعامل معه يذهب إلى "أرقام حسابات الشركات العسكرية الأمريكية الخاصة والخدمات الخاصة الأمريكية"، وأنه بالنظر إلى أن تكلفة برميل النفط السوري المهرب تبلغ 38 دولارا، فإن الإيرادات الشهرية لهذا العمل الخاص للخدمات العامة الأمريكية تتجاوز 30 مليون دولار.
خدعة إسرائيل
بعيدا عن الاتهامات المتبادلة بين الأسد وروسيا من جانب والولايات المتحدة من جانب آخر، كشفت صحيفة "لوس أنجيليس تايمز" الأمريكية عن لاعب جديد دخل على خط المستفيدين من النفط السوري، وهي إسرائيل.
ونشرت الصحيفة معلومات هامة عن توقيع إدارة الحكم الذاتي الكردية، عقود امتياز لمئات الآبار النفطيّة السورية شرق الفرات، مع شركة " Global Development Corporation" الإسرائيلية لاستخراج البترول ونقله عبر الأراضي الأردنية إلى إسرائيل.
ورغم الصمت الذى لف ردود الأفعال السورية والأردنية حول ما نشرته الصحيفة الأمريكية، إلا أن رجل الأعمال مردخاي خانا مالك الشركة الإسرائيلية، أكد في مقابلة مطولة مع صحيفة "إسرائيل هيوم"، أنه وقع بالفعل الاتفاق بين شركته والإدارة الكردية، مشيرا إلى أنه لا يجب أن يكون النفط من نصيب إيران أو نظام الأسد، وإنما يجب استخدام عوائده لتمويل بناء سوريا ديمقراطية والدفاع عنها.
وفي حال صحة هذه المعلومات التي نشرتها الصحيفة الأمريكية، وتحدثت عنها صحيفة "يني شفق التركية" بشيء من التفصيل، فإن الخطة التي أعلنها وزير الدفاع الأمريكي، بأنهم يستخدمون حماية النفط كوسيلة لإقناع ترامب بالإبقاء على قوات أمريكية في سوريا، وأن الهدف الحقيقي هو مواجهة تنظيم الدولة ليس لها محل من الإعراب.
خاصة وأن ما كشفته صحيفة "لوس أنجيليس تايمز"، يتناغم بشكل كبير مع ما أعلنه السيناتور "لندسي غراهام" بأنه يعمل على برنامج من شأنه إدخال شركات النفط الأمريكية إلى سوريا لتعمل على بناء بنية تحتية نفطية جديدة.
وحسب خطة غراهام، التي نشرتها "واشنطن بوست"، فإنها ستؤمن مصدر كسب لقوات "قسد"، وتدر عليهم المزيد من الأموال لأنها ستسمح لهم بتصدير النفط إلى خارج سوريا.
خيارات الأسد
وبالعودة لتحليل عبد الباري عطوان، الذي سبق الإشارة إليه، فإن النظام السوري لن يخرج عن ثلاثة تجارب في حرب العصابات التي تحدث عنها الأسد، أو التي أطلق عليها المقاومة الشعبية، حيث بات عليه إما الاقتداء بتجربة حزب الله اللبناني التي نجحت في تحرير الحزام الأمني في الجنوب، وإجبار القوات الإسرائيلية على الانسحاب دون شروط ومن جانِب واحد.
والثانية، تجربة المقاومة العراقية التي أنهكت القوات الأمريكية واستنزفتها وأجبرتها على المغادرة وتقليص الخسائر، والثالثة، هي تجربة حركة “طالبان” في أفغانستان التي حررت معظم الأراضي الأفغانية، وألحقت خسائر كبيرة بقوات “الناتو” ومن ضمنها الأمريكية التي يزيد تعدادها عن 14 ألف جنجي أمريكي، وكلفت الخزينة الأمريكية أكثر من تريليون دولار حتى الآن.
ووفق عطوان فإن التجربتين الأولى والثانية هما الأقرب لعقل النظام السوري، لأنه كان أحد أبرز مهندسي وداعمي التجربتين، سواء في العراق أو لبنان.
ولذلك فإن الأقرب للواقع أن يشكل الأسد خلايا مقاومة شعبية قوامها الأساسي محاربين سابقين قاتلوا إلى جانب جيش النظام السوري، ولديهم خبرة في الضربات المباغتة وحرب العصابات والهجمات الخاطفة، بالإضافة لمحاربين محترفين كانوا ضمن جماعات أخرى ساندت قوات الأسد في عملياتها في جبهات متعددة ولديهم خبرات متراكمة في الأعمال الهجومية الخاطفة والحروب غير النظامية.
المصادر
- سوريا.. مصير حقول النفط شرق الفرات
- ماذا تملك سوريا من النفط حتى يتعرض لـ"سرقة علنية"؟
- بالصور.. روسيا تتهم الجيش الأمريكي بسرقة النفط السوري
- خارطة السيطرة على حقول النفط في سوريا
- واشنطن بوست: إصرار ترامب على الاستحواذ على نفط الشرق الأوسط مربك
- السيطرة على النفط السوري.. كيف تخدم أهداف واشنطن الإستراتيجية؟
- هل تسعى أميركا "لسرقة" النفط السوري؟ باحثون يعلقون على تصريحات ترامب
- إشعال الصراع: حرب النفط والغاز في سورية
- مخطط امريكي للاستحواذ على النفط السوري بذرائع بالية
- تركيز واشنطن على النفط السوري يعقد معادلة وجودها العسكري
- تحول مسارات الحرب على سورية والهدف بات أكثر وضوحاً
- مع اندلاع حرب النفط فى سوريا، معركة ترامب وبوتين على وشك الغليان
- شركةٌ إسرائيليّةٌ تستخرج النّفط السوري المَسروق
- خطة أمريكية لإعادة تأهيل الحقول النفطية في سوريا
- روسيا تصف تحرك الولايات المتحدة لحماية حقول النفط السورية بـ "اللصوصية"