رغم بدء العملية.. لماذا يصعب سحب السلاح الفلسطيني بمخيمات لبنان؟

عملية تسليم السلاح تثير انقسامات لدى المكونات الفلسطينية بالمخيمات
في خطوة أشبه بمحاكاة سيناريو نزع سلاح حزب الله، بدأت السلطات اللبنانية في تسلّم الأسلحة من حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" داخل عدد من المخيمات الفلسطينية في لبنان.
وتأتي هذه العملية في إطار مساعٍ لتعزيز سلطة الدولة اللبنانية وحصر السلاح بيدها بعد شهور على انتهاء مواجهة عنيفة بين إسرائيل وحزب الله، تعرض فيها الأخير لضربة موجعة أدت إلى مقتل أبرز قادته العسكريين والسياسيين.
لكن عملية تسليم السلاح التي بدأت للتو، تثير انقسامات لدى المكونات الفلسطينية داخل المخيمات، لتفتح باب التساؤلات عن دواعي التمسك به ومدى إمكان نجاح الخطوة.

انقسام فلسطيني
وبدأ الجيش اللبناني في 21 أغسطس/آب 2025 تسلم السلاح الفلسطيني من المخيمات ونفذ 3 مراحل من هذه العملية حتى نهاية نفس الشهر.
وأظهرت صور عناصر من الجيش والأمن اللبنانيين قرب شاحنة وضعت فيها بعض الأسلحة، حيث تمتلك الفصائل مسدسات وقنابل يدوية وبنادق آلية ورشاشات متوسطة وقاذفات آر بي جي مضادة للدروع، إضافة إلى صواريخ محمولة ومواد متفجرة.
وتظهر أنواع الأسلحة وتركيبتها هيمنة الطراز السوفييتي عليها، إذ يعد أغلبها من بقايا خروج منظمة التحرير من العاصمة اللبنانية بيروت عام 1982.
وشملت العملية مخيمات برج البراجنة ومار إلياس، وشاتيلا، في بيروت، والرشيدية والبص والبرج الشمالي بمدينة صور (جنوب)، وفق وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية.
وقد جاءت الخطوة بناء على اتفاق وبيان مشترك صدر عن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ونظيره اللبناني العماد جوزيف عون، في 21 مايو/أيار 2025.
وفي ظل الإعلانات الفلسطينية الرسمية عن تسليم منظمة التحرير وحركة فتح السلاح تحت شعارات "تنظيم الوضع الأمني" و"احترام السيادة اللبنانية"، رفضت فصائل أخرى هذه الخطوة.
ولذلك لا تزال العملية محصورة بمجموعات من "فتح" مرتبطة بالسلطة الفلسطينية، في ظل الحديث عن رفض أخرى من نفس الحركة تسليم السلاح.
ومنذ أول يوم لتنفيذ العملية، نفت باقي الفصائل الفلسطينية أن يكون تسليم بعض الأسلحة في مخيم برج البراجنة في ضاحية بيروت الجنوبية بداية لنزع السلاح الفلسطيني في لبنان.
وقالت في بيان حمل توقيع "الفصائل الفلسطينية في لبنان" في 21 أغسطس، إن ما يجري شأن تنظيمي داخلي خاص بحركة فتح ولا علاقة له بالسلاح الفلسطيني داخل المخيمات.
وأضافت أن ما يجري تداوله عن نية تسليم السلاح داخل المخيمات وخاصة في مخيم برج البراجنة، عار تماما عن الصحة ولا يمت إلى الواقع بصلة.
وأكدت الفصائل رفضها تسليم السلاح طالما استمر الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، مشيرة إلى أنه "لن يستخدم إلا في إطار مواجهة العدو الصهيوني حتى يتحقق لشعبنا حقه في العودة والحرية وإقامة دولته المستقلة على أرضه".
وجاء في البيان "نؤكد حرصنا الدائم على أمن واستقرار مخيماتنا وجوارها، ونعيد التشديد على التزامنا الكامل بالقوانين اللبنانية واحترامنا لسيادة الدولة ومؤسساتها، مع الحرص على تعزيز العلاقات الأخوية بين الشعبين".
ويتجاوز عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان 493 ألف شخص، يعيشون ظروفا صعبة داخل مخيمات تُدار أمنيا من جانب الفصائل، بموجب تفاهمات غير رسمية تعود إلى "اتفاق القاهرة" لعام 1969.
ويقيم أكثر من نصفهم في 12 مخيما تعترف بها وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”.
اتفاق 1969 جرى توقيعه بين منظمة التحرير والدولة اللبنانية برعاية الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر ومنح الفلسطينيين حق التنظيم الذاتي داخل المخيمات.
كما أتاح لهم ممارسة العمل الفدائي انطلاقًا من الجنوب اللبناني، ومنع دخول القوى الأمنية اللبنانية إلى المخيمات والاكتفاء بفرض إجراءات مشددة حولها.
ورغم أن البرلمان اللبناني ألغى هذا الاتفاق عام 1987 بعد اشتباكات بين الفلسطينيين وحركة “أمل” في عدة مخيمات، فقد ظلّت آثاره قائمة عمليًا، لتُشكّل أساسًا لاستمرار السلاح حتى اليوم.

التوقيت والإشكاليات
وكان من اللافت ربط السلاح لدى الفصائل الفلسطينية بذات العملية المتعلقة بحزب الله، ففي 5 أغسطس، أقر مجلس الوزراء اللبناني حصره جميعه بيد الدولة ليشمل الطرفين.
كما كلف المجلس النيابي الجيش بوضع خطة لهذا الغرض قبل نهاية أغسطس 2025 وتنفيذها قبل نهاية 2025، في عملية تأتي وسط التغيرات السياسية الأخيرة في لبنان بعد تراجع نفوذ حزب الله.
ويقف الجيش اللبناني أمام مهمة صعبة في الداخل، مع ضغوط أميركية وعدوان إسرائيلي متجدد، يقابلها إصرار من "حزب الله" على عدم تسليم سلاحه.
وقال الموفد الأميركي إلى سوريا توماس باراك، في 26 أغسطس، إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب "يريد أن يرى لبنان مزدهرا، وأن يتم نزع السلاح"، متسائلا: "لماذا حزب الله مسلّح؟".
وتلقى قضية نزع السلاح اعتراضات من "حزب الله" و"حركة أمل" اللذين يدفعان أحيانا بأنصارهما للاحتجاج على قرار الحكومة والرئاسة في لبنان.
وأكد الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم في خطاب متلفز، أن الحزب لن يسلم سلاحه إلا في حال انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية وإيقاف عدوانها على البلاد والإفراج عن الأسرى وبدء إعادة الإعمار، ملوحا أن اتخاذ خطوة كهذه دون تطبيق هذه الشروط قد يتسبب في "حرب أهلية".
كما جدد قاسم، في كلمة أخرى التأكيد على أن الحزب "لن يتخلى عن السلاح الذي يحميه من العدو الإسرائيلي"، واصفا إياه بأنه "روحنا وأرضنا وكرامتنا ومستقبل أطفالنا".
في الأثناء أكد الرئيس اللبناني جوزيف عون أن “قرار سحب السلاح لا عودة عنه، والآلية التي سيضعها الجيش لتسليمه قبل نهاية العام ستُنفّذ، مهما علت الأصوات المعترضة”.
ويسود الحذر في لبنان مع انتظار خطة سيقدمها الجيش للحكومة اللبنانية لنزع سلاح حزب الله، والتي سيقرها مجلس الوزراء في 2 سبتمبر/أيلول 2025.
ومن هذا المنطلق، جاءت فكرة تسليم الفصائل الفلسطينية في المخيمات للسلاح، لكن يرى كثيرون أهمية الفصل بين الأمرين.
ويرى الإعلامي الفلسطيني المقيم في لبنان أحمد ليلى أن العملية جرت في البداية على نطاق ضيق جدا وتحديدا في مخيم برج البراجنة، وكان من اللافت أن حجم الشاحنة التي نقلت الأسلحة صغيرة جدا ما أثار سخرية كبيرة في الأوساط الحزبية والسياسية اللبنانية.
وأردف ليلى لـ"الاستقلال" أن “العملية كانت مجرد رسالة فقط تهدف للترويج لبدء التسليم، لتتبعها لاحقا مراحل أخرى”، مبينا أنه بعدها بدأت ترتفع الوتيرة ولكن بقيت بنفس الكمية الصغيرة من الأسلحة.
وبالتالي يعتقد أن ما يجري حتى الآن لا يعدو عن كونه عملية تسليم محدودة، بدفع سياسي وأمني من السلطة الفلسطينية.
وأكد أنه داخل حركة فتح هناك اعتراض كبير من كثيرين على الأمر برمته، موضحا أن عملية التسليم سبقتها إقالات للعديد من القيادات والإداريين في مؤسسات منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية في لبنان.
وعلى صعيد باقي الفصائل، شدد ليلى على أنها جميعها رفضت تسليم السلاح (باستثناء حركة فتح)، إذا لم يكن وفق سلة كاملة تعنى بالحقوق الفلسطينية في لبنان.
بمعنى أنه كيف يمكن تسليم السلاح للدولة اللبنانية دون بحث الحقوق المدنية والإنسانية والسياسية للفلسطينيين في هذا البلد، يتساءل الإعلامي ليلى.
وبين أنه “كان هناك اتفاق سابق بأن عملية مثل هذه لا يمكن أن تتم دون اتفاق، لكن حركة فتح انفردت الآن بتسليم سلاحها، ولذلك ترى الفصائل الأخرى أنها غير معنية بالأمر”.

الأهمية والتوقعات
وعن أهمية الخطوة، يرى الأكاديمي والمحلل السياسي اللبناني د. باسل صالح أن حصر السلاح بيد الدولة، قرار ضروري وتاريخي على المستوى السياسي في بلد عانى الكثير مثل لبنان، وهو بمثابة علامة على وجود الشرعية من عدمه.
وأكد صالح لـ"الاستقلال" أنه “لا بد أن تتمكن الدولة من فرض سيادتها وتطبيق القانون على كل الأراضي اللبنانية، وأن تكون الجهة الوحيدة التي تمتلك السلاح، لا ان يستمر حكم المليشيات للقرار السياسي وتجييره لصالح المحاور الخارجية ومصالحها”.
وعلى صعيد المخيمات الفلسطينية، تحدث عن وجود عوائق كثيرة لناحية تطبيق القرار أبرزها اعتبار بعض المنظمات أن السلاح مرتبط بحق العودة.
وهذا بالإضافة إلى الخلافات الفلسطينية- الفلسطينية سواء بين فصائل منظمة التحرير أو داخل حركة فتح، وصولا إلى العوائق الناجمة عن كيفية التعامل مع الجماعات الإسلامية الموجودة في المخيمات.
كما أن هذا الموضوع شائك من ناحية آلية تعامل السلطات اللبنانية مع الفصائل، وعما إذا كانت ستلجأ إلى القوة أم ستستمر في سياسة الحوار في حال لم يتم الالتزام بهذا الأمر، وفق صالح.
واستدرك أنه “بالعموم، يلاحظ عدم وجود معايير موضوعية في التعامل مع السلاح خارج إطار الدولة، في ظل الضغوط الدولية على لبنان، ومع غياب أي ضمانات دولية عموما، وأميركية إسرائيلية خصوصا”.
وينفع ذلك من إمكان “أن تخرج أميركا وإسرائيل للقول إن الأسلحة ما زالت منتشرة ولم يجر تسليمها بالكامل، وتكون هذه ذريعة لاستمرار الغارات، او توسعها، خاصة أن القرارات والتحركات الدولية أخيرا لم تحمِ البلاد”.
ولا تتوقف الولايات المتحدة عن مطالبة لبنان بنزع سلاح حزب الله، لكن دون تقديم ضمانات بعدم وقوع اعتداءات إسرائيلية على البلاد، إذ لا تزال إسرائيل تنفذ غارات شبه يومية على مواقع تقول إنها تعود للحزب أو تستهدف عناصر يتبعون له.
كما لم تلزم واشنطن، تل أبيب بتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 بالكامل فيما يخص الانسحاب من الأراضي اللبنانية، حيث لا تزال إسرائيل تحتل 5 تلال سيطرت عليها في المواجهة الأخيرة.
كل هذه المعطيات، برأي الأكاديمي اللبناني “قد تعيق تطبيق قرار حصر السلاح"، لكنه يرى أن "على الدولة تنفيذه سريعا”.
وأرجع أهمية تنفيذ الخطوة إلى أن “لبنان في لحظة سياسية مصيرية، فالخيار الآخر يعني العودة للمواجهة، كما أن البلد عانى الويلات من موضوع حكم المليشيات ومن طريقة إدارة الدولة”.
ولفت إلى أن خيار المواجهة اليوم صعب أمام حزب الله الذي لم يستطع حماية لبنان وفقد، وما زال يفقد أغلب قياداته خلال المواجهة الأخيرة والغارات المستمرة، بعد أن دُمرت العديد من القرى في الجنوب بشكل جزئي أو كلي، مؤكدا أن الحزب لم يستطع إقامة أي رادع أمام عمليات التدمير تلك.
ولهذا، يشدد صالح على أن أهمية خيار حصر السلاح بيد الدولة تنبع من تثبيت شرعيتها اولا، ومن ثم التفكير في كيفية وقف الانهيار الذي يضرب البلاد منذ سنوات وتأمين الأموال اللازمة لإعادة الإعمار.
وتنبع أهمية القرار كذلك من ضرورة تجنب حرب جديدة لا تبقي ولا تذر، والحيلولة دون الذهاب إلى سيناريوهات أكثر كارثية مثل ما يجري في غزة من توغل إسرائيلي بري واسع، في ظل عدم قدرة لا الدولة ولا الحزب اليوم على فرض أي واقع جديد، وفق تقديره.