سيناريو مطروح.. ماذا لو ضربت طهران محطات تحلية المياه بالخليج؟

محمد الدوسري | منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تعد منطقة الخليج العربي واحدة من المناطق التي تتسم بالحساسية البيئية الكبيرة، فهي تواجه مأزقا حقيقيا في تأمين مواردها المائية، نتيجة لعدة عوامل طبيعية من بينها، الجفاف وانخفاض معدلات سقوط الأمطار.

دول الخليج تعتمد بشكل كبير جدا على محطات تحلية مياه البحر، لسد الفجوة بين موارد المياه الطبيعية المحدودة، والطلب المتصاعد على المياه للأغراض المنزلية والزراعية والحضرية.

ومع تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من جهة، وإيران وأذرعها من جهة أخرى، باتت هذه المحطات هدفا للصواريخ الإيرانية في أية لحظة، الأمر الذي يهدد أهم متطلبات الحياة لملايين البشر.

تحلية المياه

تحلية المياه عبارة عن سلسلة من العمليات الصناعية، تجري لإزالة كل أو جزء من الأملاح الزائدة والمعادن من المياه، وقد يستخدم هذا المصطلح إلى إزالة الأملاح والمعادن الذائبة في الماء، ويمكن تحلية مياه البحر لتصبح من الممكن استخدامها في الحياة العملية كالشرب والزراعة والصناعة.

توجد 70% من محطات تحلية المياه في منطقة الشرق الأوسط، وبالأخص في الإمارات والسعودية والكويت والبحرين، وتخطط دول الخليج لمضاعفة معدلات التحلية، لقلة مصادر المياه الجوفية وبسبب التغير المناخي، وارتفاع درجات الحرارة، وانخفاض معدلات سقوط الأمطار.

تحصل السعودية على نحو 70% من مياهها الصالحة للشرب من محطات تحلية المياه، وتتصدر المملكة دول العالم في إنتاج المياه المحلاة بإنتاج تجاوز مليار و 6 ملايين متر مكعب من المياه سنويا، بنسبة 18% من الإنتاج العالمي.

بينما تحصل الإمارات على حوالي 90% من مياهها الصالحة للشرب من محطات التحلية، وهي تنتج ما يعادل 14% من الإنتاج العالمي، ما يضعها في المرتبة الثانية على مستوى العالم في تحلية المياه بعد السعودية.

وتحصل الكويت على أكثر من 95% من مياهها الصالحة للشرب من تحلية المياه، فيما تحصل قطر على أكثر من 90% من المياه الصالحة للشرب من هذه المحطات.

هذا الاعتماد المفرط ينطوي على مخاطر جمة، سيما وأن هذه الدول تمتلك سعة تخزينية ضعيفة، لا تكفي سوى لعدة أيام فقط. 

خطر قائم

التداعيات العسكرية في الخليج قد تفضي إلى تعرض محطات تحلية المياه في هذه الدول لخطر كبير، خصوصا وأن الإستراتيجية الأمريكية وضعت النظام الإيراني في زاوية لم يعد لديه فيها ما يخسره.

ورغم تأكيدات الإدارة الأمريكية لحلفائها في الخليج، وطمأنتها لهم بأنها تضمن أمن بلدانهم من أي تهديد إيراني، إلا أن أي هجوم أمريكي على إيران سيؤدي بالتأكيد إلى رد أوسع نطاقا.

مسؤولون إيرانيون أكدوا أن بلادهم لن تكتفي باستهداف مصالح الولايات المتحدة فحسب، وإنما حلفائها من دول الخليج العربي أيضا، والذين تتهمهم طهران بشكل مستمر بالتشجيع على استهدافها.

وعلى الأرجح فإن القوة الأمريكية لن تكفي لمنع وصول ردة الفعل الانتقامية من جانب إيران وأذرعها إلى قلب دول الخليج، فدائما ما تستخدم طهران لغة شديدة وملتهبة لوصف مختلف الردود المحتملة على أي هجوم يستهدفها، كإطلاق سيل من الصواريخ، وتحويل الأماكن التي ينطلق منها الهجوم إلى حطام.

إذا ما تعرضت الأراضي الإيرانية لهجوم من أي أرض أو قاعدة عسكرية، فإن طهران سترد عليه بشكل موسع دون الالتفات إلى أن هذا البلد صديق لها أو عدو، وهو ما يعني أن دخان البنادق سيعمي عيون جميع المشاركين في الهجوم بشكل مباشر أو غير مباشر.

الموت عطشا

تمتلك إيران قدرة صاروخية كبيرة، يمكنها أن تغطي مساحات شاسعة، تصل إلى 3 آلاف كيلومتر، وبالتالي فإن المنشآت الإستراتيجية والحيوية في دول الخليج تدخل ضمن مدى هذه الصواريخ.

السيناريو الأكثر كابوسية، هو أن الضربات الانتقامية الموجهة لدول الخليج لن تتوقف عند المواقع العسكرية والاقتصادية، وإنما قد تطال أيضا أهدافا مدنية بالغة الحساسية والخطورة.

كمثال على ذلك، تستطيع القوة الصاروخية الإيرانية تدمير محطات تحلية المياه في هذه الدول، وهو ما سيصعب الحياة كثيرا فيها، ويعرض ملايين السكان لخطر الموت عطشا.

الأمر أكده قائد القوات البحرية في الحرس الثوري علي رضا تنكسيري، الذي هدد في أغسطس/ آب 2019، بأن دول الخليج التي تمتلك محطات لتحلية المياه، لن يبقى لديها ماء للشرب وستموت من العطش حال وقوع أي حادثة في مياه الخليج.

وفي يونيو/حزيران الماضي، سقط صاروخ كروز أطلقه الحوثيون قرب محطة لتحلية المياه في مدينة الشقيق جنوبي السعودية، ولم ينتج عن الهجوم أي أضرار، لكنه كان رسالة واضحة بأن محطات التحلية ضمن ما تراه إيران وأذرعها أهدافا مشروعة.

مخاوف سعودية

أمام هذه التهديدات الإيرانية الخطيرة، لا يبدو أن للمملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى، القدرة على مواجهتها، والتصدي لها، خصوصا بعد الفشل الذريع لمنظومات الدفاع الأمريكية في تحصين الرياض من الهجمات القادمة من الجو، وهو ما ظهر جليا في الفترة الأخيرة.

فمنذ الهجوم الواسع الذي استهدف منشآت نفطية تابعة لشركة أرامكو (بقيق وهجرة خريص)، في سبتمبر/أيلول 2019، لم يتوقف الجدل بشأن فعالية هذه المنظومات وطبيعة عملها ومواقعها.

الهجوم أثبت أن الأجواء السعودية باتت مكشوفة إلى أقصى حد أمام الصواريخ والطائرات الإيرانية الآخذة بالتطور، كما سلط الضوء على هشاشة وضعف المملكة رغم الإنفاق العسكري الهائل الذي بلغ 70 مليار دولار خلال العام الجاري 2019.

تراجعت الثقة في قدرة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على تأمين البلاد، سيما أنه المشرف على السياسات الخارجية والأمنية والدفاعية، فيما تتصاعد المخاوف من أن تطال الهجمات القادمة مواقع أكثر حساسية من أرامكو.

كشف تقرير صحفي أن بعض أفراد الأسرة الحاكمة في السعودية وعدد من رجال الأعمال، عبروا عن شعورهم بالإحباط لأن ولي العهد لم يتمكن من منع الهجمات التي استهدفت منشآت أرامكو.

ويعتقد هؤلاء أن السياسة الخارجية العدوانية التي ينتهجها محمد بن سلمان وتورطه في حرب اليمن عرّضا السعودية للهجمات.

مخاطر مستمرة

رغم تصريحات القيادتين الإماراتية والسعودية التي أكدت أن الدولتين تفضلان الحل السياسي على العسكري مع طهران، وترحيب الأخيرة بهذه التصريحات، بالإضافة إلى تأكيد الإدارة الأمريكية على استبعادها للحل العسكري في الأزمة مع إيران، إلا أن احتمال نشوب مواجهة عسكرية لا يزال قائما.

فالنظام الإيراني يبدو أن صبره قد شارف على النفاد، إثر الضغوط الأمريكية المتصاعدة ضده، وأخذت نبرته منحى تصعيديا وصل حد إعلانه بدء العد العكسي لزيادة تخصيب اليورانيوم إلى مستويات تقارب مستويات صنع الأسلحة.

وهددت طهران بالإقدام على المزيد من الإجراءات إذا لم تحمها القوى العالمية من العقوبات الأمريكية، وهو ما ينذر بتفجر الصراع في أية لحظة.

تعد محطات تحلية المياه مسألة أمن قومي بالنسبة لدول الخليج، خصوصا وأن توافر المياه الصالحة للشرب بات أكثر صعوبة بسبب الضغط السكاني في هذه الدول، وفي حال تعرضها لأي استهداف ينتج عنه انقطاع إمدادات المياه لفترة طويلة فإن ذلك سيترك عواقب خطيرة تهدد الاستقرار الاجتماعي والسياسي في الخليج.

ينبغي على حكومات هذه الدول التوصل إلى فهم أفضل للتهديدات المحدقة بإمدادات المياه لمواطنيها، ووضع تدابير وقائية، والاستعداد الدائم لسيناريوهات المواجهة.