جلال الورغي: تونس ستكون حالة ضاغطة للأنظمة الاستبدادية (حوار)

لندن - الاستقلال | منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أحدثت نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التونسية ما يُشبه الزلزال في الأوساط السياسية، لم يكن الزلزال الأكبر في عدم نجاح مرشح حركة النهضة الشيخ عبد الفتاح مورو أو رئيس الحكومة يوسف الشاهد أو وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي.

الزلزال الحقيقي كان فيما حققه المرشح المستقل قيس سعيد من نتائج، وحصْده أعلى الأصوات متقدماً على مرشح آخر مثَّل نجاحه في هذه الجولة أيضاً مفاجأة كبيرة خاصة وأنه محبوس وموقوف على ذمة قضايا تتعلق بفساد مالي وهو نبيل القروي.

عن تطورات الأوضاع في تونس وأسباب خسارة النهضة وباقي الأحزاب وتقدُّم المستقلين، والتحالفات السياسية المطروحة الآن على الساحة، ورئيس تونس القادم، أجرت "الاستقلال" هذا الحوار مع جلال الورغي عضو مجلس شورى حركة النهضة وعضو اللجنة المركزية للإعداد للمؤتمر العاشر للحركة.

الورغي أيضاً كاتب وباحث في التاريخ المعاصر والعلوم السياسية، ومتخصص في قضايا شمال إفريقيا والشرق الأوسط، مدير المركز المغاربي للبحوث والتنمية، من مؤلفاته: "الحركة الإسلامية في تركيا" صدر عام 2010، و"الحركة الإسلامية في الدولة: تجربة حركة النهضة في الحكم" صدر عام 2014.

زلزال سياسي

  • بداية كيف رأيتم نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية؟

الحقيقة أن النتيجة كانت متوقعة على مستوى تراجع المنظومة الحزبية بصفة عامة وقد كانت مؤشرات ذلك واضحة في الانتخابات البلدية من العام الماضي عندما تقدّمت قوائم المستقلين على الأحزاب السياسية.

هناك مستوى آخر لم يكن متوقعاً وهو ما يتعلق باختيار شخصيات لا تنتمي للمشهد السياسي أصلاً، قيس سعيد أستاذ وخبير في القانون الدستوري، ولم يُعرف عنه انخراطه في العمل السياسي أو الحزبي ودخل السباق الانتخابي بشعار الموجة الأولى من الربيع العربي وهو "الشعب يريد".

أما نبيل القروي فهو رجل أعمال وإعلامي، ورغم كونه قريباً من الطبقة السياسية، لكنه لم يكن منخرطاً في العمل السياسي المباشر، بل كان نشيطاً في العمل الخيري الجمعياتي، وهو ما كان من أهم نقاط قوته في حملته الانتخابية. 

  • البعض وصف تأهل قيس سعيد للجولة الثانية بالزلزال السياسي في تونس.

في التوصيف بعض الوجاهة، عندما يتقدم مرشح مستقل وغير مدعوم من أي حزب سياسي على جميع الأحزاب التقليدية، فبهذا المعنى الأمر يُمثل فعلاً زلزالاً.

وإذا أضفت إلى ذلك النتائج الضعيفة جداً لتيار اليسار رغم أنه كان في المعارضة وليس في الحكم فهو زلزال لهذه القوى التي لم تنجح في تقديم نفسها بديلاً عن منظومة الحكم.

هي أيضاً رسالة قوية أيضاً للنهضة التي حل مرشحها ثالثاً رغم أن كل التوقعات كانت تميل إلى أنه سيمر للجولة الثانية وهو ما لم يحصل.

هذه الانتخابات أطاحت أيضاً في مشهد لافت بما يمكن أن نسميه "بقايا النظام القديم"، أو منظومة "الثورة المضادة" التي حاولت استعادة حضورها من خلال أحزاب جديدة. وكانت تتبنّى خطاباً تحريضياً ضد المسار الديمقراطي، بل وتُشيد بمنظومة الراحل زين العابدين بن علي. 

لكن يبقى أن التقدُّم الذي أحرزه قيس سعيد أثار مخاوف كبيرة بشأن مآلات العملية السياسية والمسار الديمقراطي الذي لا يزال طري العود. فبأي حزام سياسي سيحكم سعيد إن وصل إلى قرطاج، وماهي رؤيته في التعاطي مع القضايا الكبرى في البلاد. 

مكاسب وخسائر

  • لماذا خسرت حركة النهضة رغم الزخم الشديد الذي صاحب ترشح مورو؟

أعتقد أن السبب الرئيسي وراء هذه الخسارة هو التأخر في اتخاذ قرار الترشيح وتردد النهضة في حسم موقفها وما إذا كانت ستدفع مرشح من داخلها أو من الخارج. ولم يكن من المفيد للنهضة أن تتأخر في اتخاذ قرارها في وقت حسمت بقية القوى مواقفها قبل أكثر من عام بل كانت النهضة في المجمل تتجه للترشيح من خارجها والبحث عن مرشح توافق. لكن لم يكن الأمر سهلاً في ظل اندفاع الكثير للترشح والإصرار على ذلك. 

ورغم هذه الخسارة للنهضة إلا أن فوز قيس سعيد سيُقلل من آثار هذه الخسارة لأننا لا نعرف عن قيس سعيد إلا دفاعه عن المسار الديموقراطي ، بل يُعتبر أكبر دعاة احترام الدستور وعلوية القانون. وبهذا المعنى فهذا انتصار لتونس وما يكون خيراً لتونس فهو بالتأكيد خيراً للنهضة. الأمر الآخر نتيجة النهضة رغم عدم المرور من الجولة الأولى تُعتبر معقولة بالنظر لنتائج بقية الأحزاب الأخرى، فهي حلت ثالثة في رهان لم يكن الأولوية المطلقة للنهضة مقارنة بالانتخابات التشريعية. 

  • البعض يرى أن النهضة أخطأت بتقديم مرشح لخوض هذه الانتخابات، وأنها دفعت الخسارة كثمن للخلافات الداخلية داخل الحركة والتي تزامنت مع إعلان قوائم الانتخابات البرلمانية.

نحن أكدنا منذ وقت طويل أن النهضة وعلى خلاف الاستحقاق الرئاسي في 2014  أننا معنيون بالاستحقاق الرئاسي 2019، وأوضحنا أن الانتخابات الرئاسية ستكون محل اهتمام ومشاركة من النهضة، وذلك بالترشيح من الداخل أو البحث مع قوى سياسية أخرى على مرشح توافقي يكون محل إجماع وطني في حده الأدنى.

ونتيجة للظرف الاستثنائي لهذه الانتخابات وبناء على اقتراح من رئيس الحركة راشد الغنوشي صادَق مجلس الشورى على ترشيح عبد الفتاح مورو بأغلبية ساحقة.

الحقيقة كان هناك شبه انقسام في هذا الصدد داخل الحركة لكن الخوف من تشتّت أبناء النهضة وأنصارها بين المرشحين دفعت النهضة بمورو، البعض تخوّف من أن تكون النهضة استدعت بهذا القرار الاستقطاب والتغوّل من جديد، بيد أن النهضة كانت مدركة لسياساتها العامة وللضوابط التي تحكم سياستها في إدارة هذا الاستحقاق والتعاطي معه بروح وطنية لا حزبية.

أما عن إمكان تداعيات أحدثها الجدل بشأن القوائم الانتخابية وما خلّفه من بعض الخلافات السلبية، ففي الحقيقة عندما انطلقت النهضة في حملتها الانتخابية الرئاسية، شارك الجميع في الدفاع عن حظوظ مرشحها في الفوز.

  • لكن هناك من يتهم الحركة بأنها تلاعبت بعبد الفتاح مورو ولم تضع ماكينتها الانتخابية خلفه بقوة.

المؤكد أن حملة مورو كانت الأقوى على المستوى الوطني بشهادة الكثير من المراقبين. هل حصل تقصير في الأداء خلال الحملة؟ نعم بالتأكيد حصل. هل كان يمكن للحملة أن تكون أفضل وأقوى؟ نعم بالتأكيد. 

لكن المؤكد أيضاً أن الجميع تجنّد لإنجاح الحملة التي من وجهة نظري جاءت متأخرة جداً. وعلى كل حال سيكون لنا وقفة داخل الحركة لتقييم ومراجعة نتائج النهضة في الجولة الأولى.

  • برأيك هل خسارة مورو لهذه الانتخابات سيعود على حركة النهضة بالإيجاب أم بالسلب؟

كنا نرغب في وصول مورو للدور الثاني، لكن ذلك لم يحصل، وأحدث ذلك نوعاً من الصدمة داخل الحركة بل وصل الأمر من الخوف من تداعيات هذه الخسارة ولكني أرى أنه يمكن احتواء هذه الخسارة وتداعياتها.

قد نكون خسرنا هذه الانتخابات الرئاسية والتي لم تكن من حيث المبدأ رهاننا الإستراتيجي ولكن في الوقت ذاته ربحنا الديمقراطية التي تعزّزت وترسّخت، وأطاحت الانتخابات في هذه المحطة الأخيرة ببعض من كانوا خطراً عليها.

دعني أقول الانتخابات الرئاسية كاستحقاق وطني تم الوصول إليه وتنظيمه بنجاح في سياق مسار ديمقراطي تُمثل النهضة أحد رعاته والضامنين له باعتبارها الكتلة الأولى في البرلمان وجزء من الائتلاف الحكومي.

هذا الاستحقاق كان الاتجاه فيه داخل النهضة بدعم مرشح توافق من الخارج، وبالتالي نحن عدنا للمبدأ في سياستنا من خلال هذه النتيجة وهو أن الانتخابات التشريعية هي الرهان الأساسي، ولا خوف من مآلات الرئاسيات في ظل تقدم المرشح الذي أعلنت النهضة دعمه وهو قيس سعيد الذي قد يكون الأمثل للوصول لقصر قرطاج.

خريطة التحالفات

  • في 2014 تركت النهضة حرية التصويت لأعضائها بين الرئيس الراحل باجي قايد السبسي والمنصف المرزوقي، لكنها في 2019 أعلنت دعمها لقيس سعيد في الجولة الثانية بشكل واضح وصريح.. لماذا تغير الموقف؟ 

النهضة من حيث المبدأ تقف وتدعم كل من يحافظ على المسار الديمقراطي ويعززه، والنهضة أكدت منذ 2011 أي منذ قيام الثورة أنها تشتغل مع الجميع بدون استثناء، ما دام الجميع مستعد للعمل في إطار دستور الثورة ومسارها الديمقراطي.

في 2014 أُشيع أن الحركة وقفت مع الباجي قايد السبسي رحمه الله في مواجهة الدكتور منصف المرزوقي وهو غير صحيح، الحركة وقفت على الحياد، وأعطت لأنصارها حرية التصويت بما يرونه صالحاً. علماً أن الغالبية اتجهت للتصويت لصالح المرزوقي.

مجلس شورى الحركة اجتمع الإثنين 23 سبتمبر/أيلول الجاري وحسم موقفه من الجولة الثانية بإعلان دعمه قيس سعيد والقاعدة العامة هي دعم من يحترم الديمقراطية ويعزز مسار الثورة وأهدافها.

  • هل باتت الجولة الثانية الآن مواجهة ثنائية بين مرشح يمثل الثورة ومرشح آخر يمثل الدولة العميقة بمؤسساتها؟

تقديري أن الجولة الأولى من الانتخابات، بدت في جزء منها كأنها موجة ثانية من الثورة. إذ اختار التونسيون المرشح الذي اختار شعار "الشعب يريد" غير أنني رغم ذلك أُفضِّل أن ننظر للمسار من زاوية أخرى أيضاً فما تحقق هو مسار ديمقراطي، من شارك فيه يُعتبر متعهداً ضمنياً باحترام دستور الثورة ومؤسسات تونس الجديدة. لذلك لا خطر على تونس اليوم مما يسمى بـِ "الدولة العميقة". 

الشعب اليوم هو الدولة العميقة، وهو الذي اختار قيس سعيد أولاً في الجولة الأولى، في الجولة الثانية من الانتخابات ستتوحد كل القوى المؤمنة بالتغيير واستكمال الأهداف الاجتماعية والاقتصادية للثورة، ولذلك أتوقع أن يكون نصرها ساحقاً.

مستقبل التجربة

  • مع هذه النتائج والاستقطاب الذي ينمو شيئا فشيئا هل عصفت هذه الانتخابات الرئاسية بمستقبل التجربة الديمقراطية في تونس أم أنها خطوة على الطريق الصحيح؟

تقديري أن العكس هو الذي حصل في هذه الانتخابات تحديداً، فقد اختفى الاستقطاب السياسي والفكري، وترسّخت التجربة الديمقراطية في البلاد، لم نشهد أي عنف أو توتر.

قبِل الجميع بنتائج صناديق الاقتراع، وهنّأ الخاسرون الفائزين، لذلك أتوقع أن تدخل البلاد مرحلة جديدة في معالجة الاستحقاقات الاقتصادية والاجتماعية التي تُمثل أولوية مطلقة للتونسيين بعد أن اطمأنوا على تجربتهم الديمقراطية.

  • محور الثورة المضادة عربيا "مصر - السعودية - الإمارات" إلى جانب فرنسا برأيك إلى أي مرشح ستميل هذه الدول؟

بعثت التجربة التونسية من خلال الاستحقاق الرئاسي برسالة مفادها أن الشعب التونسي من النضج بما فيه الكفاية لتدبير شؤونه بشكل سيادي، والمتوقع من أشقائه العرب والمسلمين وأصدقائه من الغربيين دعم هذه التجربة الفتية.

الكثير من الدول حاولت بأشكال مختلفة وعملت على التدخل السلبي في المشهد التونسي والتأثير فيه، فواجه التونسيون ذلك بالوحدة ورصِّ الصفوف والتوافق على عدم السماح للتدخلات الخارجية بالمس من استقرار البلاد أو سيادتها.

أعتقد أن تونس اليوم ستكون حالة ضاغطة ومحرجة للكثير من الأنظمة الاستبدادية في المنطقة، التي تروّج بأن الاستقرار لا يأتي إلا عبر الاستبداد والدكتاتورية.

  • أخيرا،  وحسب توقعاتك الشخصية، من هو رئيس تونس القادم؟

الرئيس القادم هو من سيختاره الشعب التونسي في الجولة الثانية من الانتخابات.. والراجح أن يكون قيس سعيد.