كيف ستغير تركيا توازنات الطاقة في المنطقة؟

12

طباعة

مشاركة

يتجه العالم من نظام القطب الواحد إلى نظام القطبين في سياق عوامل متعددة منها الطاقة والتسليح العسكري وغيرها. وتتمتع موارد الغاز الطبيعي والنفط التي يتم اكتشافها في شرق البحر المتوسط بإمكانية كبيرة لتغيير التوازن في المنطقة.

وللتوضيح قال الكاتب التركي إردال تاناس كارجول، في مقال على صحيفة "يني شفق"، إن هناك محاولات لتشكيل نوع من التوازن وفق المصالح، بين طرفين؛ الأول هو تركيا، والثاني كل من إسرائيل وقبرص ومصر واليونان.

وكل هؤلاء جهات فاعلة، تحسب خطواتها وفق المصالح الكبيرة منها والصغيرة، ووفق رؤية دقيقة وحساسة.

دول المنتدى

ولكن، هناك أطراف أخرى ضمن "منتدى الغاز في شرق المتوسط"، تريد إخراج تركيا من المشهد تمامًا والتعاون ضدها، ومنها إيطاليا والسلطة الفلسطينية.

وأعلن وزراء الطاقة في 7 دول، من بينها مصر، في يناير/كانون الثاني عن إنشاء المنتدى الاقتصادي، على أن يكون مقره العاصمة المصرية، القاهرة. والدول المشاركة في إنشاء المنتدى هي، مصر وإيطاليا واليونان وقبرص والأردن وإسرائيل وفلسطين "السلطة الفلسطينية" وأن تكون العضوية مفتوحة لمن يرغب بذلك.

وأعلن مؤسسو المنتدى على أنه فرصة للدول المتوسطية لتحقيق تعاون أكبر يعود بالنفع عليها، خصوصا مع وجود احتياطات كبيرة من الغاز في هذا الإقليم، إذ تقدر بنحو 122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي.

وتابع الكاتب، بالإضافة إلى هذه الدول، يجب إضافة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كلاعبين أساسيين في المشهد الراهن بالمنطقة، والأهم من ذلك، أن شركات الطاقة الدولية التي تبحث عن موارد الهيدروكربون في منطقة شرق البحر المتوسط يجب أن تكون في الجانب الآخر من هذا التوازن. 

تركيا وتغيير التوازن

وتساءل الكاتب، إلى أي مدى وسط كل هذا التعقيد؛ يمكن لتركيا تغيير هذا التوازن في المنطقة؟ قبل أن يستدرك قائلا: تركيا خلال الفترة الماضية فعّلت سفن تنقيب وبحث في البحر المتوسط، وهذا الأمر يعتبر أكثر نشاطًا في هذه المنطقة مقارنة بالسنوات الماضية، وهو بمثابة خطوة إستراتيجية له ولجمهورية شمال قبرص التركية.

ويذكر أن في سواحل البحر المتوسط هناك سفينتا تنقيب وبحث؛ هما السفينة فاتح والسفينة يافوز، وكلاهما محاطتين بفرقاطة عسكرية وزورق حماية إضافة إلى الهليكوبتر وطائرات بدون طيار.

وكان وزير الطاقة والموارد الطبيعية فاتح دونماز، قال إن "ياووز" من السفن الأخيرة التي انضمت إلى الأسطول، وأن سفينة "فاتح" تواصل أعمالها غرب الجزيرة. وأوضح أن الأولى بدأت التنقيب في البئر "كارباز -1"، ووصلت إلى عمق 1710 أمتار.

وبيّن دونماز أن برنامج التنقيب للسفينة سيستغرق نحو 3 شهور وأضاف: "نأمل عندما نصل إلى النقطة المستهدفة، أن نكون قد وصلنا إلى الغاز الطبيعي هنا إن شاء الله". 

وأشار إلى استمرار أعمال سفينة "خير الدين بربروس باشا" للأبحاث في المنطقة المرخص لها من قبل قبرص التركية.

وكشف وزير الطاقة والموارد الطبيعية، أن بلاده تعتزم إرسال سفينة أبحاث ثانية تحمل اسم "إم تي إيه أوروتش رئيس" إلى البحر الأبيض المتوسط، خلال أغسطس/ آب الجاري، مشددا على أن تركيا مصممة على حماية حقوق ومصالح الأتراك في جمهورية شمال قبرص.

لماذا كل هذه السفن؟

قال الكاتب، إن هذا كله يأتي ضمن الجهود التي بدأتها تركيا منذ العام 2000، ضد الجهود التي تريد إخراج أنقرة من المشهد تمامًا، ومن سباق التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط.

ويعمل استكشاف تركيا المستمر لاحتياطيات الطاقة على خلق توازن للقوى في شرق الأبيض المتوسط، وكذلك يدفع بهذه القوى التي تحاول فرض توازن ما لتغيير خططها، كنتيجة للسياسات النشطة التركية التي سيتم تنفيذها في الفترة المقبلة.

بدأ حراك في العالم وفرضت مجموعة من العقوبات والقرارات، بمجرد أن أعلنت تركيا نيتها توسيع عمليات الحفر، وعند العثور على الغاز الطبيعي بالفعل، أخذ التوازن وتيرة أسرع، وبالتالي، فإن اكتشاف المصادر الطبيعية في شرق المتوسط، سيكون سببًا في تحول المصالح لصالح تركيا قطعًا، بحسب المقال. 

الدور التركي الروسي

ومضى الكاتب في مقاله مستعرضًا، المواقف الأخيرة بين تركيا وجوانب متعددة، كالأزمة مع واشنطن في مسألة الصواريخ الروسية وإصرار تركيا على استلامها وقد فعلت ذلك رغم سيل الوعيد الأمريكي، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي وفرضه سلسلة تدابير "عقابية" ضد أنقرة.

وعلّق صاحب المقال قائلا: بلا شك أن القادم هو نذير توازن جديد يتشكل في المنطقة.

والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن الآن، هل تتحرك تركيا جنبًا إلى جنب مع روسيا ضد هذه المواقف الأوروبية والأمريكية الأخيرة، التي تتعارض كلها مع توجهات أنقرة؟

ويميل الكاتب إلى ذلك بالفعل، مضيفًا، "من الواضح أن هذه خطوة مهمة لمعادلة الطاقة في المنطقة".

وعلل رأيه بالقول، إن تركيا تعمل على زيادة الاعتماد على الجانب الروسي في مسألة إمدادات الطاقة، فيما تعتمد روسيا نفسها على تركيا في مد أنبوب خطوط الغاز الطبيعي الروسية إلى أوروبا عبر تركيا.

وشدد الكاتب على أن الخطوات بين تركيا وروسيا بقدر ما هي إيجابية ومحفزة للجانبين، إلا أن هذا التقارب سيء جدًا ومزعج لدول الاتحاد الأوروبي.

ومع حقيقة أن الولايات المتحدة أصبحت دولة مصدرة للطاقة، فإن نقل الغاز الطبيعي الروسي إلى دول الاتحاد الأوروبي للغاز الطبيعي المسال، عن طريق تركيا، يعني وجود روسيا في المنطقة بشكل كبير وهذا الأمر هو الآخر مزعج لواشنطن. 

نقطة حاسمة

ورأي الكاتب أن أكثر النقاط الحساسة بالنسبة لتركيا؛ هي خطوط الغاز التي ستكتشف، وتمتد عبر خطوط TANAP، وهو خط أنابيب الغاز الطبيعي في تركيا، وهو الجزء المركزي من ممر الغاز الجنوبي، الذي سيربط حقل غاز "شاه دنيز" العملاق في أذربيجان بأوروبا عبر خط أنابيب جنوب القوقاز، من خلال تركيا.

وفي هذه الحالة، يزيد المقال، ستلعب تركيا دورًا حساسًا ومهمًا لإفشال توازن الطاقة الاصطناعية المتشكل في الطرف الآخر. 

وذكر الكاتب أن التقارب الأخير بين الجانبين التركي والروسي، ليس ابتداءً بالصواريخ الروسية وموضوع الطاقة والبحث المشترك عن الغاز، وليس انتهاءً بإعفاء التأشيرة عن تركيا حين السفر لروسيا، وكذلك، الهواء المنعش في شرق المتوسط وأعداد السياح الهائل القادم سنويًا لتركيا، هذا كله يصب في الاتجاه الصحيح، وسوف يسرّع تشكيل توازن جديد أو بالأحرى معادلة طاقة جديدة.