لم يصرح باسمها إطلاقا.. لماذا شكّل محمد مرسي كابوسا لـ"إسرائيل"؟

أحمد يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

السطور الأولى لإعلان فوز الدكتور محمد مرسي رئيسا منتخبا لجمهورية مصر العربية في يونيو/ حزيران 2012، حملت معها رياح القلق إلى دولة الجوار المسماة إسرائيل.

أجمعت المؤسسات الأمنية الإسرائيلية أنه ما من خطر يهدد إسرائيل بالمقارنة مع صعود شعبوية الإسلاميين في مصر، ووصولهم إلى سدة الحكم بعد انتخاب محمد مرسي العدو الواضح للدولة العبرية رئيسا للبلاد.

مرسي لم ينطق ولو لمرة واحدة كلمة "إسرائيل"، ورفض إقامة علاقات دبلوماسية حقيقية معها، ولم يلتق بمسؤول إسرائيلي أبدا، بالإضافة إلى إقدامه على مواقف غير مسبوقة، أشرسها عندما تم الاعتداء على غزة في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012.

وقف مرسي ساعتها ليلقي خطابه الشهير الذي تجلى في عبارة "لن نترك غزة وحدها"، ثم أرسل رئيس وزراء مصر الدكتور هشام قنديل، في خطوة استباقية جريئة، وبفضل موقفه الحاسم وقف العدوان على الشعب الفلسطيني المحاصر هناك.

موقف مرسي الحاد ضد إسرائيل، قابله مزيج سياسي وعسكري، وبُعد إقليمي ودولي، نجح في الإطاحة به في انقلاب عسكري في 3 يوليو/تموز 2013، ليعيد سطوة الجنرالات الذين اجتاحوا الدولة المصرية على جميع الأصعدة، وأعادوا التعاون الوثيق مع إسرائيل، بتطبيع غير مسبوق، يفوق ما بعد اتفاقية "كامب ديفيد" في سبتمبر/ أيلول 1978. 

بعد موت الرئيس مرسي أثناء محاكمته، بعد الانقلاب عليه في 3 يوليو/ تموز 2013، فتح ملف خصومته الحادة مع إسرائيل، لا سيما أن الإعلام العبري احتفى بذلك الموت، وتناوله على قطاعات واسعة.

كابوس تل أبيب

في 1 يوليو/ تموز الجاري، نشر "معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي"، تقريرا بعنوان "محمد مرسي شهيد أم خائن؟" وورد في مقدمته "ردود الفعل في مصر على وفاة محمد مرسي، بعد 6 سنوات من خلعه من منصبه، تعكس الاستقطاب الاجتماعي والسياسي المستمر، في مصر بشكل خاص والشرق الأوسط بشكل عام".

"وفي الوقت الذي سعى فيه نظام عبد الفتاح السيسي إلى التقليل من شأن وفاة مرسي، عمل أنصار جماعة الإخوان في مصر على وسائل التواصل الاجتماعي لاستخدام هذا الحدث لتعزيز نفوذهم"، حسب التقرير.

وذكر المعهد العبري "الحدث جاء تذكرة بأن جماعة الإخوان المسلمين ما زالت تمثل شريحة كبيرة من الشعب المصري، ومن الواضح أن تعزيز العلاقات الإسرائيلية المصرية يعتمد في جملة أمور على إضعاف قوى الإسلام الراديكالي، بما في ذلك جماعة الإخوان، وعلى تعزيز القوى البراجماتية والليبرالية".

وكشف معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أن "موقف إسرائيل من فترة مرسي معقد، على عكس المخاوف الأولية من الأنظمة السابقة، حيث نجحت معاهدة السلام، في تعزيز العلاقات مع مصر، والتعاون معها في فرض الرقابة على حدود قطاع غزة".

مضيفا: "كما ساعدت في التوسط بين إسرائيل وحماس خلال الحروب السابقة، ولكن مرسي جاء بشكل مختلف، وكان يتجنب باستمرار ذكر كلمة (إسرائيل) في خطاباته، وأدلى بتصريحات مؤيدة لحركة حماس، بل مكّن مندوبين أتراك وإيرانيين من زيارات متعددة إلى القطاع غزة".

أكد المعهد الإسرائيلي في تل أبيب "السلوك العقائدي لجماعة الإخوان المسلمين تجاه إسرائيل، كان من الصعب أن يسمح بالحفاظ على معاهدة السلام الإسرائيلية المصرية بمرور الوقت، ناهيك عن أي تقدم في التعاون (الذي يزدهر في ظل السيسي) حول القضايا الإستراتيجية المتعلقة بالأمن والطاقة".

وشدد التقرير أن "الكابوس الحقيقي الذي كان سيخلفه استمرار حكم مرسي ضد إسرائيل، هو التقارب بين مصر، وتركيا، وإيران، وإنشاء محور إسلامي".

وأضاف: "هناك فجوة واسعة بين النظام الحالي في مصر بقيادة السيسي، والإخوان فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ففي الوقت الذي أرسلت فيه مصر وفداً إلى ورشة العمل الاقتصادية في البحرين، وصفت جماعة الإخوان المسلمين المشاركين بأنهم (أنظمة معادية للشعوب العربية، وخونة للقضية الفلسطينية)، وأقسموا على عدم الاعتراف بالكيان الصهيوني، وأعلنوا أن هناك يوما سيأتي تحتفل فيه القاهرة بتحرير فلسطين".

واختتم المركز الإسرائيلي إصداره بتلك العبارة "لقد كانت إسرائيل محقة في عدم إصدار أي تعليق رسمي على وفاة مرسي، لأن هذا كان سيُنظر إليه على أنه تدخّل في الشؤون الداخلية لمصر، وفي الوقت نفسه، من الواضح أن تقوية علاقات السلام الإسرائيلية المصرية مشروط بجملة أمور من بينها إضعاف قوى الإسلام السياسي، على رأسها جماعة الإخوان المسلمين".

سيدفعان الثمن 

في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، في كلمة لها خلال محاضرة نظمها "معهد الأمن القومي الإسرائيلي، قالت وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني "كل قائد ودولة في المنطقة، يجب أن يقرروا أن يكونوا جزءً من معسكر الإرهاب والتطرف، أو معسكر البراغماتية والاعتدال، وإذا قرر قائد دولة ما مسارا آخر فسيكون هناك ثمن لهذا".

وأكدت ليفني "أعلم أنه عندما أتحدث عن تركيا، وعن أردوغان، والحزب الذي يحتفل الآن بمرور 10 سنوات على نشأته، أن الأمر ليس فقط حول المصالح، بل يتعلق بالأيديولوجية، تركيا تتطرف أكثر".

وعن الرئيس محمد مرسي تحدثت ليفني: "لدينا متطرفين أكثر في المنطقة، وقادة يريدون أن يختاروا مسارهم وطريقهم، لدينا في مصر مرسي الذي يمثل جماعة الإخوان المسلمين، ويجب أن نتكاتف سويا، ونتحد ضد هؤلاء، الذين يعادوننا، وأن نفعل شيئا، فمسئولية أي حكومة إسرائيلية هي العثور على طريقة علنية أو غير علنية، للسيطرة على التغيير الحادث في المنطقة، والتأثير في تشكيل مستقبلها".

 

في 7 يناير/ كانون الثاني 2013، شنت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية هجوما على مرسى، موضحة أنه هاجم إسرائيل منذ عدة سنوات، "ووصف اليهود بأحفاد القردة والخنازير"، وحذر موقع الصحيفة عبر الإنترنت مما أسمته بلغة الرئيس السابقة ضد إسرائيل بصورة خاصة، واليهود بصورة عامة.

وأشارت الصحيفة إلى أن هجوم مرسى عندما كان قياديا في حركة الإخوان المسلمين وصل إلى السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس أبو مازن، حيث اتهمه بأنه يدير سلطة عميلة للولايات المتحدة وإسرائيل.

وأكدت يديعوت أحرونوت أن "أخطر ما قاله الرئيس محمد مرسي هو عدم إيمانه بإمكانية التوصل إلى حل الدولتين، زاعما أن إسرائيل لن تقبل بهذا الأمر على الإطلاق، مشيرا إلى أن كل هذه الأحاديث غير واقعية في ظل السياسات، التي ينتهجها اليهود وإسرائيل ضد شعوب المنطقة".

وقالت الصحيفة: "إن مطالبة الرئيس محمد مرسي بعدم التعامل مع إسرائيل سواء بالشراء أو بالبيع، هو أمر يصيب بالقلق خاصة وأن هذه الأفكار التى يروّج لها مرسي ويقتنع بها بالتأكيد سينفذها في وقت من الأوقات".

غزة 2012

في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، بدأت إسرائيل بشن عدوان شامل على قطاع غزة المحاصر، في عملية أطلقت عليها اسم "عمود السحاب" دشنتها باغتيال رئيس الجناح العسكري لحركة حماس أحمد الجعبري. لترد حماس وفصائل المقاومة في قطاع غزة بقصف المدن والبلدات الإسرائيلية في عملية أطلقوا عليها رمز "حجارة السجيل". 

وكان هذا الاختبار الأول للسلطة في مصر بقيادة الرئيس مرسي، الذي ألقى خطابه الشهير وسط القاهرة وقال: "لن نترك غزة وحدها، إن مصر اليوم مختلفة تماما عن مصر الأمس، ونقول للمعتدي إن هذه الدماء ستكون لعنة عليكم وستكون محركا لكل شعوب المنطقة ضدكم، أوقفوا هذه المهزلة فورا وإلا فغضبتنا لن تستطيعوا أبدا أن تقفوا أمامها، غضبة شعب وقيادة".

وتجاوز التضامن مع غزة ذلك الخطاب، بل أتبعه بسلسة قرارات تمثلت في فتح المعابر بين مصر وغزة، مع السماح لمئات المتضامنين العرب والأجانب، والقوافل الإنسانية والطبية، بالوصول إلى المستشفيات الفلسطينية. 

وسحب السفير المصري من "تل أبيب"، وأرسل وفدا حكوميا يتقدمه رئيس الوزراء هشام قنديل لتقديم الدعم السياسي إلى غزة. وخلال زيارة قنديل لغزة التي كانت تقصف من الاحتلال الإسرائيلي، أكد مبعوث مرسي أن بلاده تعمل على تحقيق التهدئة في القطاع، إضافة إلى دعمها للشعب الفلسطيني الذي يعاني من جراء العمليات العسكرية في غزة.

انقلاب مصر

في 20 أغسطس/ آب 2013، قال رئيس الوزراء التركي حينئذ رجب طيب أردوغان إن لديه وثائق تؤكد وقوف إسرائيل وراء الانقلاب في مصر، وانتقد بشدة الدعم المادي الكبير الذي تقدمه دول الخليج لما سماه النظم الدكتاتورية، والموقف المخزي للغرب تجاه المشهد الدموي في مصر.

وكان ذلك بعد أيام معدودة من الفض الدموي لاعتصام رابعة العدوية والنهضة، في 14 أغسطس/ آب 2013، على يد الجيش وقوات الأمن. وأكد أردوغان خلال اجتماع لحزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أن "إسرائيل تقف وراء ما يقال في مصر من أن الديمقراطية لا تقوم على صناديق الاقتراع".

ونقل رئيس الوزراء التركي تصريحات لوزير العدل الإسرائيلي ومثقف يهودي قبل الانتخابات الرئاسية في مصر قالا فيها: "حتى وإن فاز الإخوان المسلمون في الانتخابات فلن يخرجوا منها منتصرين، لأن الديمقراطية لا تقوم على صناديق الاقتراع".

وفي سياق متصل، استهجن أردوغان الدعم الذي تقدمه الدول العربية للأنظمة الدكتاتورية، في إشارة إلى المساعدات والمنح المالية الكبيرة التي قدمتها بعض الدول الخليجية للحكام الجدد في مصر.

وأسف أردوغان لأن العالم الإسلامي يحتاج إلى الزكاة بسبب الظروف الاقتصادية التي تعيشها الشعوب، في الوقت الذي "نرى فيه بعض الدول العربية تغدق الدعم على أنظمة دكتاتورية".

واعتبر أنه من "المخزي أن لا يعترف الغرب بأن ما حدث في مصر انقلاب عسكري، خاصة أن الانقلاب كان دمويا"

وفي 2 أبريل/ نيسان 2019، كتب البروفيسور "آرييه إلداد" الجنرال في الجيش الإسرائيلي، مقالا بصحيفة "معاريف" العبرية، قال فيه: "إن اندلاع ثورة يناير تزامن مع تقديرات أوساط الأمن الإسرائيلي بأن الرئيس المنتخب محمد مرسي، رجل الإخوان المسلمين، كان ينوي إلغاء اتفاق السلام مع إسرائيل، وإرسال المزيد من القوات العسكرية المصرية إلى شبه جزيرة سيناء".

وكشف الجنرال الإسرائيلي أن "إسرائيل سارعت في تلك المرحلة إلى تفعيل أدواتها الدبلوماسية، وربما وسائل أكبر من ذلك، من أجل إيصال عبد الفتاح السيسي إلى الحكم في مصر، وإقناع الإدارة الأمريكية آنذاك برئاسة الرئيس باراك أوباما بعدم معارضة هذه الخطوة".

وفاة مرسي

في 24 يونيو/ حزيران 2019، نشر موقع "سيحا مكوميت"، الذي يعبر عن اليسار غير الصهيوني، مقالة للباحثة الإسرائيلية "أورلي نوي" قالت فيها: "إن إسرائيل فرحت بموت الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، لأنّ وصوله للحكم جسّد في حينه إرادة الشعب المصري في تحقيق التحوّل الديمقراطي، وهذا ما يتعارض مع مصالح تل أبيب". 

وأشارت أن "إسرائيل معنية بإفشال عمليات التحول الديمقراطي في العالم العربي، لأنها تعي أن بإمكانها فقط بناء تعاون وتحالفات مع الحكام الشموليين".

وأكدت أن "كل ما أثار اهتمام دوائر الحكم في تل أبيب في أعقاب وفاة مرسي، هو قلقها إزاء قدرة نظام عبد الفتاح السيسي على قمع أي مظهر من مظاهر الاحتجاج الجماهيري التي يمكن أن تتفجر ردا على هذا الحدث".

وفي 29 يونيو/ حزيران 2019، نقلت صحيفة معاريف الإسرائيلية عن "يسرائيل شرنتسل" الخبير الإسرائيلي بتاريخ الإخوان المسلمين بجامعة "تل أبيب" قوله: "من وجهة نظر إسرائيلية، فإن سقوط مرسي كان أفضل بشرى لإسرائيل، بل أن الأخيرة ووزارة دفاعها نظرت للأمر على أنه معجزة، هذا الأمر يتأكد إذا نظرنا إلى مدى التعاون السري بين إسرائيل ومصر منذ ظهور السيسي".

وعلى الجانب الآخر نعت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، لمصر وشعبها، والشعب الفلسطيني، والعالمين العربي والإسلامي، وأحرار العالم، وفاة الرئيس المصري محمد مرسي.

وقالت حركة "حماس" في بيان صحفي: إن" مرسي توفي بعد مسيرة نضالية طويلة قضاها في خدمة مصر وشعبها وقضايا الأمة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، على جميع الأصعدة الإقليمية والدولية، في سياق المشوار الطويل في الصراع مع العدو الصهيوني، وقدم الكثير دفاعاً عن القدس والأقصى منذ أن كان عضواً في البرلمان المصري".

وشددت على أن "غزة ستسطر مواقفه الخالدة والشجاعة تجاهها، والعمل على فك حصارها، والتصدي بكل مسؤولية قومية للعُدوان الإسرائيلي عليها عام 2012 في حينه، بمداد من ذهب، وستبقى خالدة في وجدان الشعب الفلسطيني والأمة". 

كذلك، نعت حركة "الجهاد الإسلامي" في قطاع غزة، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطياً بمصر. وقالت الحركة في بيان لها إنه "قضى حياته مدافعاً عن قضايا الأمة، وفي مقدمتها فلسطين والقدس".

وأضافت: "تتقدم حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، للأمة الإسلامية عامة، وللشعب المصري، ولأسرة الدكتور محمد مرسي، بأصدق التعازي بوفاة الرئيس المصري السابق".

وتابعت: "لقد قضى حياته مدافعاً عن قضايا الأمة وفي مقدمتها قضية فلسطين والقدس، والتصدي لعُدوان الاحتلال الصهيوني 2012 على قطاع غزة.