التصعيد الأمريكي الإيراني.. حرب نفسية وجرس إنذار

رائد الحامد | منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أبدى السفير الأمريكي المعين لدى العراق ماثيو تولر تشاؤماً من أن يكون العراق وقوداً لنار الحرب بين أمريكا وإيران التي تُهدد هذا البلد، وما يستدعيه ذلك من استمرار التزام الولايات المتحدة بحماية العراق من التدخلات الخارجية والتهديدات الإيرانية.

تعتمد إيران في حروبها على قوات محلية حليفة لها من أبناء عدد من الدول، العراق وسوريا ولبنان واليمن. القوات المحلية الحليفة لإيران، أو ما يعرف اصطلاحاً باسم الشبكات الإيرانية، تُعد بمثابة أذرعٍ خارجيةٍ لتنفيذ السياسات الإيرانية وخوض الحروب الإيرانية بالوكالة من خلال الدعم اللوجستي والتسليحي والتدريب العسكري والعقائدي لعددٍ من الكيانات المسلحة "شبه العسكرية"، مثل الحشد الشعبي في العراق الذي يدين 41 فصيلاً من فصائله بالولاء (البيعة الشرعية) للمرشد الأعلى علي خامنئي.

تتمتع كلّ من الولايات المتحدة وإيران بنفوذٍ واسعٍ في قطاعات الاقتصاد والأمن والجيش. ويعتمد العراق على إيران في تلبية جزء من احتياجاته من إمدادات الطاقة الكهربائية والغاز اللازم لتشغيل محطات توليد الكهرباء العراقية، بالإضافة إلى احتياجات السوق العراقي من البضائع والسلع الأساسية الإيرانية منخفضة الأسعار قياساً إلى منتجات دول أخرى. وتشير معظم الدلائل إلى أنّ العراق "قد" يكون ساحةً لانطلاق شرارة أيّ صراعٍ مسلحٍ بين الولايات المتحدة وإيران.

وتحدثت وسائل إعلام غربية عن أنّ قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني استدعى عدداً من قادة المجموعات الشيعية المسلحة العراقية للاجتماع بهم ومناقشة الاستعدادات لخوض حرب "الوكالة" إذا تعرضت إيران لأيّ هجمات خارجية، أو التحضير لاستهداف مصالح أمريكية، ومصالح لدولٍ حليفةٍ وشريكة لها في المنطقة. وتُثير الاستعدادات وحالات التعبئة في صفوف القوات المحلية الحليفة لإيران مخاوف الإدارة الأمريكية في مواجهة تهديداتٍ محتملة لمصالحها في المنطقة.

على لسان أكثر من مسؤول أمريكي، فإن الولايات المتحدة قد تلقت تحذيراتٍ من هجماتٍ محتملة من قبل مجموعات مسلحة عراقية حليفة للحرس الثوري الإيراني على القوات الأمريكية. اعتمدت الولايات المتحدة في تصعيدها الأخير ضدّ إيران، والإجراءات الاحترازية في العراق، على معلوماتٍ استخبارية إسرائيلية اطلعت عليها الإدارة الأمريكية خلال لقاء بين نظراء من الدولتين في واشنطن أواخر أبريل/نيسان الماضي حذرت من "مخطط" إيراني لضرب أهداف أمريكية في العراق أو في سوريا من قبل مجموعات شيعية مسلحة "محلية" حليفة لإيران، بالإضافة إلى تحذيراتٍ مماثلةٍ لمصالح الدول الحليفة في المنطقة، إسرائيل والسعودية والإمارات. 

وفي ضوء تلك المعلومات "غير المؤكدة"، وضعت القيادة المركزية الأمريكية قواتها في العراق في حالة "التأهب القصوى" كإجراءٍ احترازي تحسباً لتهديداتٍ "محتملة" من مجموعات شيعية عراقية مسلحة حليفة لإيران. كما دعت وزارة الخارجية الأمريكية جميع الموظفين غير الأساسيين العاملين بغداد وأربيل لمغادرة الأراضي العراقية.

يمكن لإيران من خلال الإيعاز لقوات حليفة لها أنْ تشنّ هجماتٍ على سفن تجارية وناقلات نفط لدول حليفة للولايات المتحدة في الخليج العربي أو البحر الأحمر مستغلةً صعوبة تأمين الحماية الأمنية للمرات المائية مع الإقرار بقدراتٍ إيرانية على التنقل بقوارب سريعة أو إطلاق صواريخ من منصات ثابتة على سواحل البحر الأحمر عند مقتربات مضيق باب المندب الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي.

كما يمكن لإيران الاستفادة من المجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لها للتصعيد ضد القوات الأمريكية في العراق وسوريا، وكذلك استهداف المنشآت الدبلوماسية الأمريكية التي أشار مسؤولون أمريكيون إلى احتمالات وقوف إيران وراء الهجمات التي تعرضت لها السفارة الأمريكية في بغداد والقنصلية الأمريكية في البصرة في أيلول/سبتمبر من العام الماضي، ما دفع وزارة الخارجية الأمريكية إلى إغلاق القنصلية بشكل "مؤقت". 

ومؤخراً، أشارت "أصابع الاتهام" إلى ضلوع إيران، أو من خلال قواتٍ حليفةٍ لها، بالهجمات على السفن الأربع في ميناء الفجيرة بدولة الإمارات، والهجوم بطائراتٍ مسيرة على خط أنابيب سعودي أعلنت جماعة الحوثي تبني الهجوم في حين ثمّة شكوك بقدرات الجماعة على تنفيذ مثل هذه الهجمات على مسافاتٍ بعيدةٍ جداً عن الحدود اليمنية بدقةٍ عالية في إصابة الأهداف تحتاج إلى تقنياتٍ متقدمةٍ تفتقرُ إليها الجماعة.

ويتحدث كبار المسؤولين الأمريكيين عن أنّ الهجمات التي "قد" تشنّها مجموعاتٍ مسلحة حليفة لإيران على جنودٍ أمريكيين، أو مصالح أمريكية في العراق والمنطقة، تُعدّ "عدواناً" إيرانياً مباشراً سترد عليه الولايات المتحدة.

وتحرص إيران على تجنب أيّ مواجهة مفتوحة مع الولايات المتحدة، كما أنها وعلى الرغم من كلّ الاستعدادات والدعم العسكري للمجموعات الشيعية المسلحة في العراق، فإنها تدرك أنّ أيّ هجماتٍ تشنّها هذه المجموعات على مصالحَ أمريكية ستواجهها الولايات المتحدة بردٍ عسكري "حازم" تحدث عنه أكثر من مسؤول أمريكي بتحميل إيران بشكلٍ مباشرٍ أيّ هجماتٍ تتعرض لها مصالحها سواء من قبل قواتٍ إيرانية، أو من قبل قوات حليفة لإيران في المنطقة.

لذلك، ووفقاً لتصريحات مسؤولين إيرانيين، من بينهم المرشد الأعلى علي خامنئي، فإن إيران لا ترغب في الذهاب بعيداً في موجة التصعيد الراهنة مع الولايات المتحدة التي هي الأخرى تُبدي رغبتها بعدم الدخول في حربٍ مع إيران. ويرتبط العراق بعلاقات عميقة مع إيران في جوانب اقتصادية متشعبة وسياسية تفرضها الكتل السياسية الحليفة لإيران في مجلس النواب، وأمنيةٍ وعسكريةٍ فرضها واقع حاجة العراق للمساعدة الإيرانية فور أحداث الموصل 2014 ومساهمتها في تشكيل الحشد الشعبي من مجموعاتٍ شيعيةٍ مسلحة حليفة لإيران من أجل قتال تنظيم داعش.

سوف لنْ يكون باستطاعة الحكومة العراقية تبني موقف إلى جانب الولايات المتحدة في أيّ مواجهة "محتملة" مع إيران سواء على الأراضي العراقية، أو في المنطقة، نتيجة النفوذ الواسع في مؤسسات الدولة لكتلٍ سياسية في مجلس النواب تمثل أجنحة سياسية لبعض أكبر وأقوى فصائل الحشد الشعبي الحليفة لإيران. ولا يسمح الدستور للحكومة العراقية بقبول استخدام الأراضي العراقية منطلقا للهجوم على الدول الأخرى، مثل إيران وغيرها.

إنّ أيّ مواجهة مفتوحة بين الولايات المتحدة وإيران ستدفع بعدد من فصائل الحشد الشعبي لاستهداف الجنود الأمريكيين في العراق وفي سوريا أيضاً، بالإضافة إلى المنشآت والمرافق الدبلوماسية والشركات الأمريكية والعاملين فيها بالعراق.

في كل الأحوال، من المستبعد أنْ تلجأ الولايات المتحدة إلى خيار الحرب "المفتوحة" مع إيران على الأقل في المرحلة الراهنة، وعلى ما يبدو فان كلاً من الولايات المتحدة وإيران يستعرضان قوتهما وقدراتهما على الحرب في المنطقة كوسيلةِ ضغطٍ "متبادل"، بينما قد يكون الخطر الوحيد أنْ يتحول التصعيد العسكري وحرب التصريحات إلى مواجهةٍ حقيقيةٍ جراء تصرفٍ "غير مسؤول" لجهةٍ ما، قد تكون من القوات الحليفة لإيران أو من طرفٍ ثالثٍ لديه مصلحة مباشرة في إدخال المنطقة في دائرة الصراع المسلح، وهو احتمالٌ ضعيف لكنّه وارد.