شركات الاستشارات الغربية.. كيف تصنع حاكما عربيا ديكتاتورا؟

شدوى الصلاح | منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

دور محوري تلعبه الشركات الاستشارية الغربية في ترسيخ الاستبداد بالمنطقة العربية، فهذه الشركات يلجأ إليها بعض الحكام المستبدين لقتل طموحات شعوبهم من جهة، ومن جهة أخرى لتلميع صورتهم في الداخل والخارج.

هذه الاستشارات التي تقدمها الشركات الغربية لبعض الحكام العرب تساعدهم في قمع المعارضة وانتهاك حقوق الإنسان وإطالة أمد الحروب ودمار اقتصاد هذه البلدان.

أغلب سياسات ومبادرات ورؤى حكام دول مثل الإمارات والسعودية ومصر "محور الشر" تخرج من مطبخ هذه الشركات التي تتكسب أموالاً طائلة مقابل وضع خطط وإستراتيجيات تكون في أغلبها طبعة مكررة يتم بيعها لهذه الحكومات.

سوق الاستشارات

مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية نشرت أبريل/نيسان الماضي، مقالا للكاتبة كالفرت جونز الأستاذ المساعد في قسم الحكومة والسياسة بجامعة ميريلاند، والتي تركز كتاباتها على السياسات المقارنة والشرق الأوسط، سلطت فيه الضوء على دور الشركات الاستشارية العالمية ومراكز الدراسات في تقديم النصح لدول مستبدة من بينها المملكة العربية السعودية.

وأشارت الكاتبة الأمريكية، إلى غموض دور الخبراء والاستشاريين ومدى تأثيرهم على الأنظمة الاستبدادية والبلدان النامية، مؤكدة أن الزعماء المستبدين من الصين إلى السعودية يعتمدون بشكل متزايد على الخبراء، وخاصة من الشركات الاستشارية الكبرى والجامعات ومراكز الفكر في الغرب.

وحذرت الكاتبة من خطر استغلال الزعماء لخبرات هذه الشركات في تعميق انتهاكاتهم لحقوق الإنسان وقمع المعارضين.

وأوضحت الكاتبة، أن سوق الاستشارات في دول الخليج بلغ 2.8 مليار دولار في عام 2017، تمثل فيه السعودية ما يقرب من نصف هذا المبلغ، وفقا لـ"جلوبال ريسيرتش"، في بعض الأحيان. وقد اتضح أن كثيرا من الخبراء والمؤسسات غير مستعدين للتعامل مع المخاطر المحتملة للعمل في السياقات والبيئات السلطوية.

تكريس الاستبداد

وتعد نواة الاستبداد هي رفض التداول السلمي على السلطة، وهو ما تكرسه الشركات الاستشارية، فقد كشفت صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية كيف لعبت شركات استشارة أمريكية دوراً بالغ الأهمية في حملة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لتعزيز سلطته.

وخلال الأشهر الماضية، وتحديدا منذ مقتل الكاتب السعودي جمال خاشقجي في السفارة السعودية بتركيا في 2 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عزز "بن سلمان" سلطاته رغم الاضطرابات الناجمة عن القضية، كما تقول صحيفة لاكروا الفرنسية.

وقالت الصحيفة في تقرير لها أبريل/نيسان الماضي، إن الحكم السلطوي الذي مارسه الأمير خلال هذه الأشهر الستة الماضية أضعف المملكة، مشيرة إلى عملية تطهير واسعة النطاق استهدفت الأسرة الحاكمة منذ وصول محمد بن سلمان إلى السلطة في يونيو/حزيران 2017.

إذ تمت إزالة منافسيه الرئيسيين، كابن عمه محمد بن نايف ولي العهد السابق ووزير الداخلية المسؤول عن الأجهزة الأمنية، ومتعب بن عبد الله الرئيس السابق للحرس الوطني، حيث وضعا قيد الإقامة الجبرية.

نقلت لاكروا عن المستشار دينيس بوشار من المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، أن "السعودية انتقلت من نظام حكم جماعي، من خلال توزيع الامتيازات بين فروع الأسرة المختلفة، إلى نظام حكم استبدادي لصالح عائلة من فرع السديري (الملك سلمان)".

دعم إماراتي

بن سلمان الذي يرى نموذج المعلم في الشيخ محمد بن زايد، القائد العسكري لدولة الإمارات وولي عهد أبو ظبي، فإن الأخير يرى في الأمير الشاب ممثلًا لتغيير حيوي في بلد يحتاج إلى بعض الديناميكية.

المسؤولون الإماراتيون شجعوا أفكار "بن سلمان"، واقترحوا عليه بعض شركات الاستشارات البارزة، مثل ماكينزي McKinsey ومجموعة بوسطن للاستشارات Boston Consulting Group، التي قدّمت المشورة للإمارات.

وسرعان ما بدأت شركات الاستشارات العمل على صياغة أفكار ما أصبحت فيما بعد مقترحات طموحة لإصلاح جميع الوزارات السعودية، وتمكن "بن سلمان" من السيطرة على كل من الجيش والروافع الاقتصادية للسلطة.

وفي الوقت الذي دفع تورط السلطات السعودية في مقتل خاشقجي، المستثمرين من جميع أنحاء العالم إلى الابتعاد عن الحكومة السعودية، ظلت الشركات السابق ذكرها، بالإضافة إلى شركة بوذ ألن Booz Allen على مقربةٍ من السلطات، بعد اضطلاعها بأدوارٍ بالغةٍ الأهمية في حملة الأمير محمد بن سلمان لتعزيز السلطة.

مهام وأرباح

وبالإضافة إلى العمل الاستشاري التقليدي مثل تقديم المشورة الاقتصادية والمساعدة في تلميع صورة "بن سلمان" فقد انخرطت بقدرٍ أكبر في مهام غير تقليدية.

"بوذ ألن" تقدم تدريباتٍ للبحرية السعودية، الذي تفرض حصارا في حربها في اليمن، ما عرَّض الملايين لخطر المجاعة، فيما أصدرت شركة ماكينزي تقريراً ربما يكون قد ساعد في حملة القحطاني القمعية ضد المعارضين، وتقدم شركة BCG الاستشارات الأمنية لمؤسسة الأمير بن سلمان.

وبلغت أرباح الشركات الثلاث مجتمعةً مئات الملايين من الدولارات من المشاريع في السعودية، ونما عمل شركة McKinsey في السعودية من مشروعين سعوديين عام 2010 إلى ما يقرب من 50 مشروعاً في العام التالي، واستمر نموها في التسارع، ووصل إلى ما يقرب من 600 مشروع في الفترة من عام 2011 إلى عام 2016.

قمع المعارضة

ولتركيز السلطة لابد من قمع كل الأصوات المعارضة، وهو ما فعلته السلطات السعودية بوتيرة متتالية ومتسارعة منذ تنصيب "بن سلمان" وليا للعهد، فكانت حملات التضيق والاعتقالات هي سمة العهد السلماني، وكانت مؤشرا بارزا على دور الشركات الاستشارية في تعزيز القمع والاستبداد داخل المملكة وخارجها بقيادة "بن سلمان" لسحق الانتقادات، التي بلغت ذروتها خاصة بعد تورط السلطات في مقتل خاشقجي.

شركة ماكينزي التي اشترت شركة استشارية سعودية تعمل في مجال السياسة أعدت تقريرا خصت فيه بالذكر منتقدي المملكة البارزين على الإنترنت.

وكشفت صحيفة النيويورك تايمز عن التقرير الذي تضمن وصفاً دقيقاً للمعارضين، بمن فيهم خالد العلقمي، وهو كاتب ينتقد السياسات السعودية، وعمر عبد العزيز الزهراني وهو سعودي يعيش الآن في كندا، إلى جانب صورٍ لهما.

وكتب المؤلف، الذي تقول ماكينزي إنَّه باحث مقيم في السعودية، في نقاطٍ منفصلة: "هناك العديد من التغريدات السلبية التي كتبها عمر حول مواضيع مثل التقشف والمراسيم الملكية". وكتب العلقمي "تغريداتٍ متعددة سلبية حول التقشف".

ورغم أنَّ ماكينزي قالت إنَّ التقرير أُعد لعملٍ داخلي، إلا أن السلطات السعودية ألقت القبض على العلقمي بعد صدوره، وقال "الزهراني" إنَّ اثنين من أشقائه اعتُقلا، وأُغلق حسابٌ ثالث تحت اسمٍ مستعار، وما يزال مصير صاحبه غامضاً.

تلاعب بالاقتصاد

وعلى وقع الأزمات الاقتصادية المتوالية في العالم، كلّفت كل دولة من دول الخليج العربي شركة استشارية عالمية لوضع "رؤية اقتصادية" لإرشادهم إلى مستقبل ما بعد النفط.

هذه الرؤى الاقتصادية تبدو متشابهة بشكل ملحوظ، فهي تعد بتنويع الاقتصاد بعيدًا عن الاعتماد على النفط، ونمو الاقتصاد عن طريق تحويله إلى مركز لوجستي ومالي وسياحي، إذًا جوهر تلك الرؤى هي أن تصبح الدول مثل دبي بشكل أو بآخر.

إلا أن بعض هذه الشركات تقوم بدعم أنظمة استبدادية فاسدة ومخططاتها أكثر من تقديم استشارات حقيقية، ومن أبرز هذه الأمثلة شركة ماكينزي الأمريكية السابق الإشارة إليها والتي أسسها أستاذ المحاسبة في جامعة شيكاغو جيمس ماكينزي عام 1926.

كانت البحرين أول زبائن هذه الشركة عام 2008 عندما وضعت ماكينزي بالتعاون مع الحكومة البحرينية، رؤية الدولة  الاقتصادية 2030.

تلتها على القائمة مدينة أبوظبي الإماراتية، حيث صممت لها الشركة رؤية 2030 الاقتصادية، ولم تتوقف ماكينزي عند هذا الحد فقد عملت على خطط اقتصادية في عدة دول عربية أخرى كمصر واليمن. كما عملت الشركة مع نجل الحاكم الليبي السابق معمر القذافي قبل سقوط ولايته.

وأحد أبرز عملاء الشركة حالياً النظام السعودي وحكومات ذات معدل فساد عالٍ مثل جنوب إفريقيا، وأوكرانيا وروسيا، دون أي تحفّظ من جانب الشركة.

وتعد السعودية أحد أكبر عملاء الشركة حيث عملت فيما يقارب 600 مشروع في الفترة من 2011 إلى 2016 وحدها في المملكة التي اختارتها للمشاركة في مؤتمر استثماري سعودي كبير في أكتوبر/تشرين الأول، رغم مقاطعة شركات كثيرة للمؤتمر بسبب حادث مقتل خاشقجي.

وتحاول ماكينزي حالياً قيادة التحول الاقتصادي السعودي عبر استشاراتها والانتقال إلى مرحلة ما بعد النفط رغم تاريخ خططها غير الناجحة.

ورغم الترويج لـ "رؤية 2030"، لا تزال السياسات التي أمر بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان تدفع بالاقتصاد السعودي إلى مزيد من التأزم، حيث أعلنت وكالة بلومبيرغ الأمريكية للأنباء عن أن اقتصاد المملكة بات بين التسعة الأكثر بؤساً في العالم.

دعم الانقلابات

وكشفت وثائق سربتها صحف أجنبية في 2015 أن توني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق والمبعوث السابق للشرق الأوسط، يدير مركزًا للاستشارات يحمل اسم "توني بلير أسوشيتس"، أو "توني بلير وشركاه"، ولديه فرق عمل تعمل مع 10 بلدان في إفريقيا و10 بلدان خارج إفريقيا.

وكشفت صحيفة الديلي ميل البريطانية عن زيارة قام بها "أليستر كامبل"، المستشار الإعلامي السابق لـ"بلير" لمصر في مايو/ أيار 2014، ما أثار جدلا حول طبيعة الزيارة وماهية الدعم الذي يقدمه "كامبل" لحملة السيسي، المرشح الرئاسي آنذاك.

وفي يوليو/ تموز 2014 قالت صحيفة "الجارديان" البريطانية، إن "بلير" الذي أيد الانقلاب العسكري على الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي سيقوم بدور المستشار الذي يقدم نصائح للإصلاح الاقتصادي بالتعاون مع الإماراتيين في القاهرة.

ومضت الصحيفة تقول: "لكن قرار بلير بالضلوع في الدعم التمويلي الخليجي لنظام السيسي، الذي تشير التقديرات إلى قتله لأكثر من 2500 متظاهر، وحبسه لأكثر من 20 ألف معتقل، خلال 2013، قوبل بهجوم، وهو ما نفاه "بلير" الذي أكد دعمه للسيسي ولكنه نفى أن يكون قد عمل مستشارًا له.

استشارات للخليج

وخلال حملتها الشعواء ضد أنشطة جماعة "الإخوان المسلمين"، قامت الإمارات باستئجار مكاتب استشارية بريطانية للضغط على الحكومة البريطانية لحظر نشاط الجماعة في المملكة المتحدة.

وتشير وثائق نشرتها صحيفة صانداي تايمز 2015 إلى أن شركة "توني بلير أسوشيتس"، وقعت عقدًا لتقديم الاستشارات للإمارات لمدة 5 سنوات، قابلة للتمديد، بقيمة تتراوح بين 25-35 مليون جنيه إسترليني، ويشمل الاتفاق الإشراف على المشاريع في دول أخرى مثل كولومبيا وفيتنام، وربط رجال الأعمال الإماراتيين وشركات الاستثمار الإماراتية بفرص فيما وراء البحار.

ولم تقتصر أنشطة "بلير" في منطقة الخليج على الإمارات، ففي (نوفمبر/تشرين الثاني) 2014، كشفت مصادر صحفية بريطانية عن قيام شركة "بلير" بتوقيع عقد سري مع شركة نفط سعودية تدعى بترو سعودي أسسها كل من الأمير "تركي بن عبد الله" ورجل الأعمال السعودي "طارق عبيد"، ووعدته براتب 41 ألف جنيه إسترليني شهريًا، بالإضافة الى عمولة في حدود 2% عن كل صفقة يساهم في تسهيلها، حيث وعد بلير أصحاب الشركة بتقديمهم إلى الأشخاص الذين يعرفهم في الصين.

وفي الكويت، وقع "بلير" عقدًا بقيمة 40 مليون دولار مقابل عمل استشاري يقدمه لأمير الكويت لمدة 4 سنوات، ما بين عامي 2009-2012.

ومع عدم إمكانيّة التحقّق من إجمالي الأعمال التي تنفّذها شركات بلير، لكنّه بات معروفاً أنّه يعمل مستشاراً لحكومات وجهات رسميّة في فيتنام، والبيرو، وكازاخستان، والكويت، وكولومبيا، والبرازيل، وبورما، وجنوب السودان، ومنغوليا، وسيراليون، وراوندا، وليبيريا وغينيا. كما يعمل مستشاراً، غير معلن، لحكومات وجهات رسميّة في مصر، والإمارات، والسعوديّة، ورومانيا، وتايلاند، وهونغ كونغ والصين.