"أفريكان أرجمنتس": من يضمن السلام بجنوب السودان بعد عزل البشير؟

آخر ما فعله الرئيس السوداني المعزول، عمر البشير، قبل إقالته في 11 أبريل/ نيسان هو الإشراف على أحدث اتفاق سلام في جنوب السودان. وتدخل في البلد الذي تخلت عنه معظم المنطقة والمجتمع الدولي، وفي سبتمبر/ أيلول عام 2018، رعى الاتفاق التنشيطي لحل النزاع في جنوب السودان، بحسب موقع "أفريكان أرجمنتس".
وفي تقرير له قال الموقع الأفريقي الناطق بالإنجليزية، إنه "بدعم من الحلفاء مثل الصين وروسيا والسعودية، استخدم البشير الموارد ونفوذه على مختلف الجماعات المسلحة والمعارضة في جنوب السودان للتوسط في صفقة".
واعتبر التقرير، أنه على الرغم من الاعتراف بأن الاتفاقية الناتجة مليئة بالعيوب، إلا أنها صفقة حققت استقرارا نسبيا منذ توقيعها. قبل أن يستطرد، هذا لا يعني أنه تم إحراز تقدم كبير في تنفيذها. وما زال زعيم المعارضة في جنوب السودان، رياك ماشار، يرفض العودة إلى العاصمة جوبا والمساعدة في تشكيل الحكومة الانتقالية، التي من المفترض أن تكون قائمة بحلول 12 مايو/ أيار.
وأفاد التقرير أن الرئيس سالفا كير قال إنه سيشكل الحكومة مع أو بدون مشار، معتبرا أن المرحلة ستكرر الأخطاء المميتة لعام 2015. وأضاف "أفريكان أرجمنتس": "قبل الإطاحة به، كان البشير وسيطًا رئيسيًا في العملية السياسية لجنوب السودان. ومن شبه المؤكد أن تكون قيادة السودان عاملاً حاسماً رئيسياً في التطورات في جوبا اليوم".
وأردف الكاتب: "السؤال الآن هو ما الدور الذي سيلعبه السودان بعد سيطرة الجيش على السلطة في الخرطوم والانتفاضة الشعبية المستمرة؟ وكيف يمكن لإطاحة البشير أن تغير من نهج السودان تجاه جارته الجنوبية؟ وكيف غيرت حسابات القادة في جنوب السودان"؟
ما الذي تغير في السودان؟
وزاد التقرير قائلا: "إلى جانب علاقتهما التاريخية، يرتبط السودان وجنوب السودان اليوم ارتباطًا وثيقًا بصناعة النفط التي تمتد بين الدولتين. ويقع الخام بشكل كبير في جنوب السودان، لكن طريقه الوحيد إلى البحر يتطلب المرور عبر السودان. كما يعتمد اقتصاد البلدين اعتمادًا كبيرًا على النفط، وهو المسؤول عن أكبر عنصر في الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة".
ولفت التقرير إلى أن هذه الحقيقة تشير إلى أن السودان يجب أن يظل ملتزماً بالكامل بضمان السلام في جنوب السودان، موضحا أن هذا من شأنه أن يسمح للنفط بالتدفق بشكل آمن، وهو أمر مهم للغاية لاستمرار أسباب الاحتجاجات الضخمة للسودان، التي ولدت جزئياً من المظالم الاقتصادية.
وأضاف الموقع، في محاولة لشرح الوضع، "غير أن سياسات المنطقة تتحدى هذا النوع من المنطق التقليدي في كثير من الأحيان. بدلاً من ذلك، غالبًا ما تكون القرارات مدفوعة بعوامل مثل السياسة المحلية، والمنافسة العرقية، والطموح الفردي، وتصورات المجتمع، وشبكات المحسوبية المعقدة".
ومضى "أفريكان أرجمنتس" يقول: "هناك أيضا حقيقة أخرى تتمثل في معارضة واستياء بعض القادة في السودان من اتفاق السلام الذي أبرمه البشير مع المتمردين الجنوبيين في عام 2005، في أعقاب حرب أهلية طويلة ومريرة".
وتابع: "الشخصيات التي عارضت هذا الاتفاق، وأدت في النهاية إلى استقلال جنوب السودان في عام 2011، قد تؤكد نفسها بعد إطاحة البشير". لكن في الوقت نفسه، لا تزال الاضطرابات الداخلية في السودان مستمرة إلى حد كبير. طالما بقيت حالة عدم اليقين هذه دون حل، فقد لا يتمكن قادتها من تحويل انتباههم إلى قضايا خارج حدود البلاد، بحسب المصدر ذاته.
ما الذي تغير في جنوب السودان؟
وفي ضوء تراجع اهتمام الدول الغربية والأمم المتحدة إلى حد كبير بالفعل، فإن هذا سيترك جنوب السودان بدون توجيه أو بقليل من الدعم الخارجي. ومضى الموقع يقول: "من جنوب السودان، يراقب القادة الأحداث في الخرطوم عن كثب ويقومون بإعداد ردود فعلهم".
وأوضح أنه في فبراير/ شباط ومارس/ آذار، ومع تصاعد الاحتجاجات في الخرطوم، أعرب رئيس جنوب السودان، سالفا كير ميارديت عن دعمه للبشير. غير أن حكومة جنوب السودان سرعان ما غيرت موقفها بعد إطاحة البشير، وهنأت الحكام العسكريين الجدد.
وبينما تستمر قيادة السودان في التبلور، من المرجح أن تواصل حكومة كير تقديم دعمها لمن يبدو أنه في السلطة. وأردف التقرير: "قد يبدو هذا متقلبًا، لكن جوبا ليس لديها خيارات. بعد استقلال جنوب السودان، وافق البشير وكير على إنهاء دعمهما للمتمردين في أراضي بعضهم البعض. وسمح إنهاء الخرطوم دعمها للجماعات المسلحة والمعارضة في جنوب السودان لجوبا بتأكيد سلطتها السيادية في البلاد بشكل أكثر فعالية. وبعد إطاحة البشير، لا يمكن أن يتحمل كير تنفير جارته والمخاطرة بإلغاء الاتفاق".
ومع ذلك، فإن رحيل البشير سيغير بالضرورة بعض جوانب العلاقة، وعلى الرغم من وجود العديد من الروابط بين النخبة في البلدين، إلا أن البشير كان الشخص الرئيسي الذي يقود عملية السلام، وكان يعمل في بعض الأحيان ضد مصالح دائرته الداخلية.
الآن لم يعد يقود المفاوضات، وبالتالي فإن شخصيات في كل من حكومة جنوب السودان والمعارضة يمكن أن تنتهز الفرصة كي تفسد الأمور على أمل الحصول على صفقة أفضل.
ومضى "أفريكان أرجمنتس" يقول: "قد تكون حالة عدم اليقين الجديدة مدمرة بشكل خاص داخل معارضة جنوب السودان، حيث يطالب زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان - مشار حالياـ بتمديد الموعد النهائي 6 أشهر لتشكيل حكومة انتقالية ويرفض العودة إلى جوبا، متذرعا بالمخاوف الأمنية وضعف الموارد".
وتابع التقرير: "كان لمشار صلات وثيقة مع البشير، الذي دعم قواته المتمردة كوكلاء في الحرب الأهلية الثانية في السودان (1983-2005)، واستمر في تلقي الدعم المادي من القادة العسكريين الآخرين في السودان. لكن منذ خلع البشير، يبدو أن النخبة في الخرطوم غير قادرة أو غير راغبة في توفير الضمانات والموارد التي يبحث عنها مشار".
وعلى نطاق أوسع، من المرجح أن تسهم التحولات في الخرطوم في مناورات سياسية داخل معارضة جنوب السودان. ولفت الموقع إلى أن ثمة تقارير بأن أفرادًا مثل تابان دينج جاي وبامبيني مونيويل وجاتكوث غاثوث وجونسون أولوني، من بين مجموعة من زعماء الجماعات المسلحة المعارضة الأخرى، يعملون جميعًا لتأمين علاقات جيدة مع النظام الناشئ في الخرطوم.
وتابع: "منذ وفاة القائد العسكري المعارض القوي بيتر جاديت في وقت سابق من هذا الشهر، فإن عددا من نوابه وأتباعه يؤكدون أنفسهم، مجتذبين دعما كبيرا وهم يتطلعون إلى وراثة صدارة جاديت وقدرته على السيطرة على سياسات العلاقة بين جنوب السودان والسودان". ويبدو أن بعض هؤلاء الأفراد يتنافسون، بحسب التقرير، من أجل علاقات أقوى مع القادة العسكريين الجدد في السودان عن تلك التي يتمتع بها مشار.
الارتباك ثم الانهيار
يجب ألا تؤثر الأحداث في السودان على أولوياته ودوره في الإشراف على عملية السلام في جنوب السودان، بحسب التقرير. وأضاف: "تحتاج الخرطوم إلى الاستقرار في جارتها الجنوبية لضمان عائدات النفط للبلدين. لكن الواقع هو أن السياسة في السودان وجنوب السودان تتضمن مجموعة واسعة من الشخصيات المتنافسة، والمصالح الشخصية، والعناصر المتناقضة في كثير من الأحيان".
ولفت التقرير إلى أن الارتباك الناتج إلى مزيد من التأخير في تنفيذ اتفاق السلام، وفي حالة عدم وجود أي تدخل سوداني أو دولي آخر، فإن انهياره أمر محتمل.
وبحسب التقرير، قد يحاول السودان إيجاد طريقة لضمان الاستقرار الكافي في جنوب السودان للحفاظ على تدفق النفط، ربما بدعم من الصين وروسيا. لكن إذا ما تزعزع الوضع، فإن النتائج ستكون كارثية لكل من السودان وجنوب السودان، خاصة أن المتظاهرين في السودان في الشوارع، بدافع جزئي من الأزمة الاقتصادية المستمرة في البلاد وارتفاع الأسعار.
أما في جنوب السودان، تعتمد هياكل المحسوبية الخاصة بالرئيس كير واتفاق السلام الهش على التمويل الكبير والدعم الخارجي في استمرارها.