"ميدل إيست آي": بن زايد لن يقبل أي انتصار مدني للربيع العربي 

12

طباعة

مشاركة

وصف موقع "ميدل إيست آي" البريطاني ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد بـ"مهندس الثورات المضادة" في العالم العربي، موضحا أن شبكات التضليل الإماراتية تسعى إلى الفوز بعقول وقلوب الصحفيين ومراكز الأبحاث وصناع القرار لترسيخ رواية الاستقرار التي تهدد التغيير في أنحاء المنطقة.

واعتبر الأستاذ المساعد في قسم الدراسات الدفاعية في كلية "كينجز كوليدج" بلندن، أندرياس كريج، في مقال منشور على الموقع أن "أسابيع دراماتيكية مرت على العالم العربي شهدت تنحي الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة بعد 20 عامًا في السلطة، وقرار اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر منفردا التحرك إلى العاصمة الليبية طرابلس، وعزل الرئيس السوداني عمر البشير بعد 30 سنة من الحكم".

وبينما تدخل ليبيا في الجولة الثانية من حربها الأهلية بعد الثورة، نجح الشعبان في الجزائر والسودان -حتى الآن- في تحقيق مطالبهم بعد أشهر من الاحتجاجات التي أطلق عليها "الربيع العربي 2".

من دكتاتورية إلى أخرى

ومضى كريج يقول: "في حين أن التطورات في الجزائر والخرطوم هي دافع للأمل، فإن حالة حفتر في ليبيا تظهر أن الحماس المبدئي لسقوط نظام القذافي كان سابقًا لأوانه".

وأردف قائلا: في الحالات الثلاث، فإن إنجازات وإرث المتظاهرين في الشارع مهددة من قبل المؤسسات العسكرية أو الرجال الأقوياء، الذين يمكن أن يؤدي طموحهم في الحكم العسكري المباشر أو غير المباشر  إلى الانتقال من دكتاتورية إلى أخرى تالية.

ولفت إلى أنه عندما اندلعت ثورات 2011 في جميع أنحاء العالم، أثارت صور المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع للتنديد بالظلم الاجتماعي والقمع السياسي حماسة ليبرالية في الغرب.

وأفسحت المثالية الساذجة في الأيام الأولى من الربيع العربي الطريق إلى السخرية على نطاق واسع، حيث انزلقت بعض البلدان إلى حرب أهلية، بينما تحولت بلدان أخرى، مثل مصر، إلى ديكتاتورية عسكرية بعد عام قصير من الحكم المدني في ظل جماعة الإخوان. 

الاستقرار السلطوي 

واعتبر الكاتب أن الانقلاب العسكري في القاهرة في صيف عام 2013، كان نقطة تحول في الربيع العربي، حيث تمكن المعادون للثورة من إعادة تأكيد أنفسهم تحت شعار "الاستقرار الاستبدادي". وأضاف "باستثناء تونس، فإن كل الثورات تعثرت في حروب أهلية فظيعة أو شهدت تولي الناجين من الأنظمة القديمة للسلطة".

ونوه بأن "المهندس لهذه الثورة المضادة يوجد في أبوظبي، لافتا إلى أن محمد بن زايد آل نهيان، هو الحاكم الفعلي لدولة الإمارات والعقل المدبر لصعود الجنرالات كقوة عسكرية حازمة في المنطقة".

وأشار إلى أن بن زايد، المهووس بانعدام الأمن، يرى في المجتمع المدني المحرر في العالم العربي، تهديدا للأمن القومي، مضيفا "أي انتصار للحكم المدني التعددي في المنطقة سيكون هزيمة لنموذج الحكم العسكري الذي ترعاه الإمارات".

وبحسب كريج، فقد تم بناء الرواية الإستراتيجية لأبوظبي حول "الاستقرار السلطوي" على فرضية أن التعددية الاجتماعية والسياسية تؤدي إلى الفوضى في ظل الحكم المدني.

وتابع: "هذه الرواية موصولة بمخاوف قائمة لدى المحافظين في الغرب حول الوضع الاجتماعي والسياسي الجديد الناشئ، الذي من شأنه أن يعزز الإسلام السياسي -عدو المحافظين الجدد الكارهون للإسلام- الذين تتعامل معهم الإمارات منذ عام 2014".

مصر: دراسة الحالة

وأشار الباحث إلى أن مصر كانت بمثابة دراسة الحالة التي قدمتها أبوظبي دائما، إذ تم تبرير قمع المجتمع المدني في أعقاب الانقلاب العسكري الذي قام به عبدالفتاح السيسي في عام 2013، بأنه إعادة للنظام والاستقرار ومكافحة الإرهاب.

وبحسب الكاتب، لم تتم الإشارة إلى حقيقة أن الإمارات لعبت دوراً إستراتيجياً في تقويض حكم الرئيس المدني محمد مرسي من خلال خلق ذريعة يمكن للجيش استغلالها. مضيفا: "تم نشر نفس الرواية من قبل دولة الإمارات في الترويج لصعود حفتر في ليبيا منذ عام 2014".

وذلك بتعاون مع العميل السابق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية  (سي آي ايه) إلى ليبيا، لإسقاط البرلمان المنتخب و"تطهير البلد من الإرهاب" -وهو مصطلح يستخدم بشكل عشوائي ضد أي شكل من أشكال المعارضة السياسية لطموحه لتعزيز الحكم العسكري- بحسب المقال.

وفي اعتقاد الباحث "كان على أبو ظبي والقاهرة توفير الدعم المالي والتشغيلي والمادي لـ "عملية الكرامة" التي يشنها حفتر، مما يمنح جيشه الفضفاض من الميليشيات التفوق العملياتي ضد خصومه - لأسباب ليس أقلها أن حفتر يمكن أن يعتمد على القوة الجوية الإماراتية والمصرية المشتركة".

على الخط

وأوضح الكاتب، أنه في الجزائر -البلد الذي يقال عنه جيش له دولة- خلقت الاحتجاجات الجماهيرية المستمرة ومغادرة بوتفليقة نافذة من الفرص للانتقال السلمي إلى الحكم المدني. مستدركا، لكن البعض يرى قائد الأركان القوي قايد صالح عقبة محتملة، إذ يريد تأمين المصالح المؤسسية والتجارية للجيش، ويعارض أي نظام معاد للوضع الراهن، وهو أمر ترحب به الإمارات.

وقد شوهد قايد صالح يزور دولة الإمارات عدة مرات منذ اندلاع الاحتجاجات وأقام في الأعوام الأخيرة علاقة ودية مع قيادة أبوظبي، بحسب كريج الذي أوضح أن كلاهما يدافع عن جيش قوي كضامن للاستقرار ويرى أن الإسلام السياسي تهديد إستراتيجي.

وانتقل الباحث في مقاله إلى السودان، حيث سيطر الجيش بعد أشهر من الاحتجاجات العنيفة، وطرد الرئيس عمر البشير من السلطة، ووعد بالانتقال إلى السلطة المدنية بعد فترة انتقالية مدتها سنتين. في الوقت الذي يهتف فيه المحتجون في الوقت الراهن باعتقال البشير، يأمل الجيش ضمان بقاء دولته العميقة على المدى الطويل.

ونوه المقال بأن الجنرال عبدالفتاح عبدالرحمن برهان يبدو الرجل القوي العسكري الأمثل لأبو ظبي بعد تنحي وزير الدفاع عوض بن عوف.

ولفت إلى أن البرهان كان شريكا موثوقا لدولة الإمارات في حرب اليمن، وهو أحد القادة العسكريين السودانيين القلائل الذين ليس لهم أي صلة بالحرس الإسلامي القديم.

وبالتالي، تكمن مشكلة رواية دولة الإمارات عن الاستقرار القائم على النظام السلطوي، في دعوتها إلى الاستبداد القائم على العسكريين، بما يقوض التعددية الاجتماعية-السياسية وبما يقيد المجتمع المدني في محاولة لإلغاء إنجازات الربيع العربي.

إقناع الغرب

وأشار كريج في مقاله على "ميدل إيست آي" إلى أن مكمن الخطر في هذه الرواية يتمثل في تطبيعها في الغرب، حيث تحاول شبكات المعلومات المضللة في الإمارات كسب قلوب وعقول الصحفيين ومراكز الفكر وصناع السياسات، لتبني وجهة نظر عالمية مبسطة تخدم أغراض المستشرقين ومن لديهم فوبيا من الإسلام.

ونوه بأن حرب أبوظبي فيما يتعلق بالروايات في مجال المعلومات أثمرت بالفعل في السياق الليبي، حيث تبنت فرنسا قصة "الاستقرار السلطوي" في مواجهة عمليات الإعدام التي يقوم بها تنظيم الدولة على عتبة أوروبا.

وزاد الكاتب قائلا: "منذ ذلك الحين، كانت باريس حريصة على دعم أمير الحرب الذي تدعمه أبو ظبي سياسيا وعسكريا، مما يهدد بعواقب تحول حفتر إلى وجه عسكري بدون دولة"، لافتا إلى أن المحافظين الجدد في إدارة ترامب أخذوا بنفس الرواية.

ومضى كريج يقول، تم استدعاء السيسي، رجل الإمارات في مصر، في واشنطن كضامن للاستقرار من جانب الإدارة خلال زيارته الأخيرة"، محذرا من تبني رواية ​​"الاستقرار السلطوي" دون أي اعتبار إستراتيجي للعواقب طويلة الأجل.

وأضاف: "لقد تطور نظام السيسي إلى مثال ساطع لجيش لديه دولة تخدم القلة ولكن ليس الأغلبية، مما أدى إلى تكوين جماهير محرومة من حقوقها، لكنها مترابطة وتستعد لثورة أخرى.

وخلص الكاتب إلى أنه على الرغم من الجهود الإماراتية، إلا أنه تم إطلاق العنان لثورة شعبية، مما يدل على أنه لا توجد أي سلطة عسكرية محصنة ضد القوة الكلية للأفراد الذين يشعرون بالعزلة والحرمان بسبب الديكتاتوريين الذين يرتدون الزي العسكري.