بيل بوتينجر.. شركة علاقات عامة لتبييض وجه الأنظمة العربية

أحمد مدكور | منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

عقود بملايين الدولارات أبرمتها أنظمة دول عربية مع شركات علاقات عامة أجنبية، لتلميع صورة حكام وأمراء وملوك، في أبوظبي والرياض والقاهرة والمنامة.

فشركات العلاقات العامة، أصبحت مصدرا لصناعة متخصصة في علوم الاتصال التي تدر أموالا طائلة، وتعمل بشكل وثيق مع وسائل الإعلام، وتسعى للعثور على المؤيدين، وتبحث عن المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى قيامها بعمل حملات تشمل كتابة البيانات الصحفية، والقيام بالأبحاث، وتخطيط الأحداث، وإدارة الأزمات التي يواجهها العملاء وعلى رأسهم قادة دول.

أبرز العملاء

ومن أبرز عملاء هذه الشركات، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي ينفق بسخاء بالغ، من أجل تحسين صورته بسبب الضغوطات الدولية على المملكة بعد حرب اليمن والدور السعودي فيها، وإراقة دماء المدنيين، وبعد جريمة مقتل الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، واتهام بن سلمان فيها.

كذلك رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، الذي أكد تحقيق نشرته مجلة "ذي أتلانتيك" الأمريكية في 18 يوليو/ تموز 2017، استخدامه حملات العلاقات العامة، ليستمر في قمع المعارضة في الداخل وانتهاك حقوق الإنسان، ورغم الأزمات الاقتصادية المحيطة بالدولة، ودعوات التقشف التي يطلقها السيسي، ولكنه يدفع ببذخ في سبيل تلك الحملات.

حليفة الأنظمة

تعد بيل بوتينجر البريطانية، واحدة من أكبر شركات العلاقات العامة والتواصل الإعلامي الرائدة في العالم، وشاهدة على استراتيجية أغلب الحكام العرب، في تقديم أنفسهم بشكل أفضل أمام دوائر صنع القرار والرأي العام الغربي.

وعلى مدار عقدين من الزمن، نشطت الشركة البريطانية في منطقة الشرق الأوسط، حيث أن مقرها الرئيسي في العاصمة الإماراتية أبوظبي، بالإضافة إلى امتلاكها مكاتب في البحرين، الدوحة، دبي وبيروت.

وارتبط اسم بيل بوتينجر في البداية، بفضيحة كشفها الموقع الرسمي لمنظمة "يو إس أن كت"، التي تستهدف الكشف عن الفساد والعلاقات المشبوهة داخل الولايات المتحدة، عندما أعلن في 4 أكتوبر/تشرين الأول 2016، بأن البنتاجون دفع لشركة العلاقات العامة البريطانية 450 مليون دولار من أجل فبركة فيديوهات تتعلق بعمليات إرهابية في العراق.

فخلال الفترة بين 2006 - 2008، صدق مدير (سي-آي-إيه) الجنرال ديفيد بترايوس على صناعة فيديوهات الدعاية السلبية، تتمثل في بث إعلانات تلفزيونية تصور عناصر القاعدة في صورة سيئة، ومقاطع إخبارية مفبركة تبدو وكأنها صناعة عربية.

وكانت شركة بيل بوتينجر تصور مقاطع رديئة الجودة لهجمات إرهابية ثم تقوم بعملية مونتاج لتظهر وكأنها حزمة أخبار، مع تركيب أصوات عربية، على أن يرسل المنتج النهائي إلى محطات التلفاز عبر أنحاء الشرق الأوسط.

                                                           مقطع مفبرك لهجمات في العراق من إنتاج شركة بيل بوتينجر

احتجاجات البحرين

وفي العام 2011، مع بدء الاحتجاجات في البحرين، بدأت بيل بوتينجر عملها هناك من خلال إنشاء مكتب لها في المنامة، وبحسب تحقيق موسع نشرته مجلة "نيويوركر" الأمريكية في 16 يناير/ كانون الثاني 2016، قدمت الشركة البريطانية للحكومة البحرينية قائمة بحسابات المعارضين الأكثر تأثيرا في وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى تبييض سمعة النظام دوليا، بعد الانتهاكات التي أقدم عليها ضد معارضيه، وبحسب المجلة تقاضت بيل بوتينجر مبلغ 3 ملايين ونصف المليون دولار سنويا مقابل ما قامت به.

وبحسب تقرير مرصد الشركات في أوروبا الذي صدر عام 2015، كان من بين خدمات تلك الشركة، تأسيس مركز إعلامي في المنامة للاتصال بالصحفيين الأجانب، وإرسال تقارير عن التعامل الجيد للنظام مع المتظاهرين، إلى جانب كشف وتعقب المعارضين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبث معلومات ترويجية عن النظام على موقع "ويكيبيديا".

مركز العمليات

اتخذت الشركة البريطانية من العاصمة الإماراتية أبوظبي، وإمارة دبي مركزا لعملياتها في الشرق الأوسط وإفريقيا، واعتمد النظام الإماراتي على الشركة بعد فترة ثورات الربيع العربي، لتنفيذ مخططات تستهدف تلميع أطراف الثورات المضادة، وتشويه الأنظمة والحكومات المناوئة لتوجهات الرياض وأبوظبي، كما حدث مع دولة قطر.

ففي 25 أبريل/ نيسان 2018، كشف موقع "ديلي بيست" الأمريكي، أن مسؤولا سابقا في وحدة عمليات الدعاية بوزارة الدفاع الأمريكية، كان وراء إنتاج فيلم دعائي بتمويل من الإمارات يربط الدوحة بدعم الإرهاب،

وفي سبتمبر/أيلول 2017، قامت هيئة العلاقات العامة والاتصالات البريطانية بفرض عقوبة رادعة على "بيل بوتينجر"، وأوقفت عضويتها لمدة 5 أعوام بعد تورطها فى حملة لإشعال التوتر العرقى فى جنوب إفريقيا.  

والعقوبة التى لم يسبق لها مثيل بالنسبة لشركة كبرى بحجم "بيل بوتينجر"، بعدما صدرت التحقيقات فى شكوى قدمها حزب المعارضة الرئيسى فى جنوب إفريقيا، بأن الشركة سعت إلى إشعال فتنة طائفية عبر بوابة "الاحتكار الأبيض و"أبارتهيد (فصل) اقتصادي" في البلاد.

وأكد التحقيق على أن بيل بوتينجر حصلت على 100 ألف إسترلينى  فى الشهر من قبل شركة "أوكباى كابيتيال" القابضة التي تملكها عائلة "جوبتا" الثرية والمثيرة للجدل والتى اتهمت بالاستفادة ماليا من صلتها القريبة بالرئيس الجنوب الإفريقى جايكوب زوما.

                                                                    تحقيق استقصائي من إنتاج بي.بي.سي عن فضيحة بيل بوتينجر في جنوب أفريقيا

مسميات أخرى

وضعت فضيحة، بيل بوتينجر في جنوب إفريقيا، حدا لعمل ونشاط الشركة في جميع أنحاء العالم، بما فيها منطقة الشرق الأوسط، لكن رجالها الذين تولوا زمام إدارتها لسنوات، استمروا في عملهم تحت مسميات أخرى، وشركات مماثلة.

من بين هؤلاء تشارلز أندريه الذي ترأس الشركة في السابق، وقام بإنشاء شركة "أندريا آند أسوشيتس"، والتي قامت بإنتاج فيلم مسيئ لقطر في أبريل/نيسان 2018، بعدما حصلت من إمارة دبي على 500 ألف دولار.

الفيلم الوثائقي كان مكونا من 6 أجزاء، ويربط قطر بالإرهاب والعنف، بحسب موقع "ذا ديلي بيست" الأمريكي، الذي أكد أن التعاقد بين الجانب الإماراتي والشركة المنتجة للفيلم كشفت عنه بيانات جماعات الضغط المسجلة بوزارة العدل الأمريكية.

ومن أبرز رجال شركة بول بوتينجر، تيم ويلكنسون، الذي شغل منصب رئيس عملياتها في الشرق الأوسط منذ 13 ديسمبر/ كانون الأول 2013، والذي قال عنه اللورد بيل، رئيس مجلس إدارة الشركة إنه "يمتلك خبرة عريقة وإلماما كافيا في منطقة الشرق الأوسط، وسيعمل على تكريس خبراته وعلاقاته الإقليمية والدولية لتعزيز نمو قاعدة أعمالنا في كل من الإمارات والكويت والبحرين".

وبتتبع الحساب الرسمي لويلكنسون على موقع لينكد إن، تجد أنه شغل منصب مستشارا في مكتب رئيس وزراء الكويت في الفترة من يونيو/ حزيران 2010، حتى أغسطس/آب 2012.

وهو ما أكدته صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية في تقرير بتاريخ 13 مارس/آذار 2013، عندما ذكرت أن تيم ويلكنسون شغل منصب مستشارا في مكتب رئيس وزراء دولة الكويت، وتحديدا كمدير للاتصالات والعلاقات العامة، في فترة صعبة ومضطربة.

غسيل السمعة

في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، كشفت شركة هانوفر الشرق الأوسط، عن توقيعها اتفاقية لشراء أسهم شركة بيل بوتينجر التي تعرضت لانهيار كامل إثر فضيحتها في جنوب إفريقيا.

وتعد شركة هانوفر الشرق الأوسط التابعة لمجموعة هانوفر، إحدى أسرع الشركات الاستشارية نموا في مجال الاتصال المؤسسي والشؤون العامة في أوروبا، والتي تمتلك مكاتب في كل من لندن وبروكسل ودبلن. وتختص بتقديم الاستشارة الاستراتيجية في الخدمات المالية، والصحة، والتكنولوجيا والاتصالات، ووسائل الإعلام.

خلاصة الأمر، أن بعض الأنظمة العربية الغارقة في الاستبداد باتت تعتمد على شركات علاقات عامة دولية، تقتصر مهمتها على غسيل السمعة، وتجاوز آثار الجرائم الفجة التي تقترفها داخليا وخارجيا، بالإضافة إلى وجود أنشطة استخباراتية لتلك الشركات تتعلق بجمع المعلومات، وتتبع جهات وأطراف بعينها، ما يمس الأمن القومي للبلاد بشكل مباشر.