عقب "شراكة" الجزائر وتونس وليبيا.. ما مصير حلم اتحاد المغرب العربي؟

منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

يطرح التوافق الثلاثي بين رؤساء الجزائر وتونس وليبيا على تنسيق المواقف السياسية والاهتمامات المشتركة، كثيرا من التساؤلات، بخصوص مدى فعاليته، وتأثيره السلبي على مسيرة الاتحاد المغربي المعطلة.

وفي 3 مارس/ آذار 2024، أعلنت الرئاسة الجزائرية أن الرئيس عبد المجيد تبون، ونظيره التونسي قيس سعيد، رفقة رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد يونس المنفي، عقد لقاء ثلاثي بالجزائر.

وأضافت: تدارس الرؤساء الأوضاع السائدة في المنطقة المغاربية، وخلص اللقاء إلى ضرورة تكثيف الجهود وتوحيدها لمواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية بما يعود على شعوب البلدان الثلاثة بالإيجاب.

وتقرّر عقد لقاء قمّة مغاربي ثلاثي على مستوى الرؤساء كل 3 أشهر "لتنسيق أُطر الشراكة والتعاون" على أن يكون الأول في تونس بعد شهر رمضان المبارك.

ويأتي اللقاء في ظل التعثر الذي يعرفه تفعيل اتحاد المغرب العربي، الذي يضم إلى جانب الدول الثلاث، كلا من المغرب وموريتانيا.

الاتحاد الذي تأسس في 17 فبراير/شباط 1989 بمراكش المغربية، لم يعقد أي قمة على مستوى القادة منذ قمة 1994 في تونس، خاصة مع تنامي حدة الخلاف السياسي بين الجزائر والمغرب.

حيث تحتضن الجزائر وتدعم جبهة البوليساريو التي تطالب باستقلال إقليم الصحراء، بينما يقترح المغرب حكما ذاتيا موسعا لأقاليمه الجنوبية لحل النزاع المستمر منذ خمسة عقود.

ويهدف الاتحاد حين تأسيسه إلى فتح الحدود بين الدول الخمس لمنح حرية التنقل الكاملة للأفراد والسلع، والتنسيق الأمني، وانتهاج سياسة مشتركة في مختلف الميادين.

انعكاسات إيجابية

عقب الإعلان عن إطار الشراكة والتعاون بين الدول الثلاث، رحب الإعلام الجزائري بالخطوة، مبرزا أهميته الاقتصادية والسياسية.

ونشر موقع "أخبار الوطن"، في 3 مارس، مقالا للكاتب عماد الدين بن جامع بعنوان: "الجزائر تُحيي رميم الاتحاد المغاربي؟"، قال فيه إن هذا اللقاء المغاربي المتميز، أعاد للأذهان صور الاتحاد المغاربي، الذي يعرف شللا منذ سنوات.

ورأى ابن جامع أن قمة الدول المُصدرة للغاز التي انعقدت في الجزائر كانت فرصة لإعادة بعث العلاقات والأوضاع المغاربية، في ظل تكتلات إقليمية تعمل على حماية مصالح الدول.

وأردف: "والجزائر وتونس وليبيا، دول معروفة بمواقفها الموحدة خاصة باتجاه القضايا العادلة، ومن بينها القضية الفلسطينية والصحراوية، ورفض التطبيع".

واسترسل: "لذلك فالأوضاع الحالية تعد مواتية لإحداث تنسيق بين هذه الدول الثلاث، ولِمَ لا يؤدي ذلك لميلاد تكتل مغاربي جديد بين هذه الدول؟ بالإضافة إلى موريتانيا وهذا ما تطمح له الجزائر في ظل عالم تطبعه التغيّرات المتسارعة".

من جانبه، رأى عمار سيغة، الباحث في الشؤون الأمنية وأستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، أن لقاء الرؤساء الثلاثة له بعدان.

وأوضح سيغة لموقع "الأمة بريس"، بالقول: البعد الأول أمني وإستراتيجي ويتمثل في التنسيق رفيع المستوى لإدراك طبيعة المخاطر والتهديدات التي تواجه الدول الثلاث، وذلك على خلفية تعثر المسارات الدستورية خاصة في ليبيا وانعكاساتها الأمنية، ناهيك عن الوضع الاقتصادي في تونس.

أما البعد الثاني، فيتمثل في وجود أرضية بين هذه الدول تم وضعها ورسمها بإحكام من خلال خارطة اقتصادية تكاملية تبدأ مؤشراتها بإرساء معالم مناطق التبادل الحر بين الدول الثلاث، وتحوله إلى تكتل اقتصادي تجاري تتقاسم فيه الدول الثلاث المصالح الجيواستراتيجية خاصة منها الاقتصادي، بما يتماشى وطموحات التنمية المشتركة والمستدامة.

ورأى سيغة أن "لذلك انعكاسات إيجابية على تعزيز البنية الاقتصادية وعلى البعد الأمني، من خلال تفعيل المقاربة التنموية لمواجهة كل التهديدات والمخاطر الأمنية التي تواجه هذه الدول".

ومن الناحية الاقتصادية، أوضح الخبير عبد القادر سليماني، أن "اللقاء المغاربي الثلاثي الذي سيُنظم كل ثلاث أشهر، وأوله سيكون بعد شهر رمضان في تونس، يدل على قوة العلاقات الثلاثية الجزائرية، التونسية، الليبية، التي تحمل إرادة سياسية واضحة لدى قادة هذه الدول في تكريس الاندماج الاقتصادي".

وأضاف لموقع "المصدر الاقتصادي"، أن الجزائر تعتمد على رؤية جديدة للاندماج الاقتصادي والتوغل أكثر في القارة الإفريقية، وهذا اللقاء سيكون تمهيدا لفتح وإنشاء مناطق حرة تجارية واستثمارية، بين الدول الثلاث".

وقال الخبير الاقتصادي إن المبادلات التجارية بين تونس والجزائر تفوق تقريبا 1.5 مليار دولار، إلا أن أغلبها مواد طاقية وكهرباء وغاز ومحروقات.

وبالتالي تريد الجزائر تنويع شركائها الاقتصاديين، وتريد كذلك تحقيق الإدماج الاقتصادي وخلق الثروة من خلال هذا اللقاء الثلاثي، لخلق الأمن المنطقة وخلق التنمية الاقتصادية، وفق سليماني.

حسابات سياسية

الأبعاد السياسية لخطوة تشكيل هذا الإطار الثلاثي لا تخفى، في ظل الصراع الدائر بين الجزائر والمغرب، حيث لا يستبعد الإعلامي التونسي نصر الدين السويلمي، أن يكون غياب المغرب وموريتانيا عن هذا التنسيق هو بسبب ملف الصحراء.

وذكر السويلمي لـ "الاستقلال"، أن الخصومة بين البلدين أخذت أبعادا دراماتيكية، ولم تعد لها أي حدود، بل بلغت مستوى يمكن وصفها بـ "الخصومة الفاجرة".

ورأى الناشط السياسي أن الصراع بين الجزائر والمغرب يستنزف البلدين معا، كما يستنزف المنطقة المغاربية ككل، ويشكل أحد أسباب استمرار التدخل الأجنبي بالمنطقة، عبر الأبواب الاقتصادية والثقافية وغيرها.

وعن تقييمه لدور قيس سعيد في هذا الإطار، قال السويلمي إن الرئيس الذي لم تعد له شرعية منذ انقلابه على دستور ومؤسسات البلاد سنة 2019، يسير خلف الجزائر بتهور، ويحاول الصيد في الماء العكر.

وأضاف، ومن ذلك الأزمة التي خلقها مع الرباط بسبب استقباله زعيم جبهة البوليساريو في تونس قبل مدة، وبشكل رسمي، وهو موقف غير مسبوق من جميع رؤساء تونس، سواء تعلق الأمر ببورقيبة أو ابن علي أو المرزوقي أو السبسي، والذين كانوا يحاولون تقريب وجهات النظر وطي الخلاف، وليس توسيع رقعته.

ورأى السويلمي أن قيام سعيد بهذه الخطوة غير المحسوبة، مردها هو جهله التام بتفاصيل الصراع بين المغرب والجزائر، مشيرا إلى أن هذا الجهل لا يتوقف عند القضايا الإقليمية، بل يشمل أيضا الشأن الداخلي لبلاده، وهو ما أثبته الواقع منذ وصوله إلى السلطة، وفق تعبيره.

ووصف السويلمي العمل القائم على تقليص اتحاد المغرب العربي وحصره في الدول الثلاث بالجريمة التاريخية، مشددا على ألا مبرر للرئيس قيس سعيد للمشاركة في هذا التوجه.

وقال إنه لا مستقبل لهذا التحالف، لأنه لم يقم على أساس إستراتيجي متين، بل على أساس حسابات سياسية ضيقة، قوامها الصراع مع المغرب بسبب قضية الصحراء، ومحاولة استغلال ضعف الرئيس التونسي والأزمة الليبية في هذا الصراع الذي يجب العمل على إيقافه دون تأخر.

من جانب آخر، تساءل المؤرخ التونسي ورئيس المنتدى المغاربي للتنمية والديمقراطية، عبد اللطيف الحناشي، عن خلفيات عزل المغرب وموريتانيا من اللقاء الثلاثي؟

وأضاف الحناشي في تدوينة عبر فيسبوك: "هل بالإمكان أن نتحدّث عن مغرب موحد بغياب دولتين أو ضلعين؟ ألم يكن من الأجدى أن تحاول الدول الثلاث العمل على تجاوز الخلافات البينية ورتقها حتى في الحدّ الأدنى؟".

وأضاف: "إن كان التطبيع مع الكيان الصهيوني أحد الأسباب، فالدول الثلاث (الجزائر وتونس وليبيا) لها علاقات مع بقية الدول العربية المطبّعة. كما أن الدول الخمس لا تتردد في الحضور معا في قمة الاتحاد المتوسطي وغيرها ومن التجمّعات".

واسترسل، كما أن "شعوب المنطقة بحاجة للعمل معا في إطار واحد في الحد الأدنى، وهي الصيغة الوحيدة التي تساعد على تقليص ما تعانيه المنطقة من أزمات اجتماعية واقتصادية. فكل الرجاء أن يقع التدارك لمصلحة شعوب المنطقة راهنا ومستقبلا".

معضلة ليبيا

يرى متابعون أن الانقسام السياسي المتواصل بين حكومتي الشرق والغرب وانسداد الأفق بشأن بناء مسار واضح في ليبيا، أمر يقلق الجزائر التي وجدت نفسها في تعامل مباشر مع حكومة الوحدة الوطنية بسبب الحدود المشتركة.

ويضيف هؤلاء أن الجزائر تريد أن تسهم في الوصول إلى حل يعالج الأزمة، مخافة من ارتداداتها الأمنية عليها، على غرار مخاطر الهجرة والجريمة المنظمة وكذلك التهديدات الإرهابية.

وفي هذا الصدد، أفاد المحلل السياسي والخبير الأمني خليفة الشيباني، بأن "الدول الثلاث تتعامل مع حكومة غرب ليبيا باعتبار الحدود المشتركة، وتداعيات الأزمة الليبية ترمي بظلالها على الجزائر وتونس".

وقال الشيباني لموقع "العرب" اللندني، إن "حكومة غرب ليبيا التي يقودها عبدالحميد الدبيبة هي على الحدود مع تونس والجزائر، وهذا ما يتطلب تسوية للأزمة الليبية، وبالتالي الجغرافيا تلعب دورها، كما أن تونس تريد أن تكون طرفا في حل الأزمة".

ولفت الشيباني إلى أن "سنّة التشاور التونسي – الجزائري قائمة منذ عقود، وعمق تونس والجزائر ودول شمال إفريقيا هي ليبيا".

في المقابل، رأى موقع "صحراء زووم" المغربي، أن المبادرة الجزائرية تسعى إلى الترويج لإنشاء إطار مغاربي خارج تكتل اتحاد المغرب العربي المجمد منذ سنوات، وذلك بهدف تمرير أجندتها المعادية لمصالح المغرب ووحدته الترابية.

وذكر أن هذا التحالف أو التنسيق الثلاثي شهد غياب الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، رغم أنه كان مشاركا في قمة الغاز المنعقدة بالجزائر في الثاني من مارس 2024.

وأبرز الموقع أن الرئيس الجزائري كان قد أوفد في منتصف فبراير/شباط 2024 وزير خارجيته أحمد عطاف في جولة شمت تونس وليبيا وموريتانيا سلم خلالها رسائل خطية للدول الثلاث.

واسترسل، حيث ذكرت حينها مصادر متطابقة، أنها تتعلق بمقترح لخلق إطار مشترك يتيح تنسيق المواقف ومناقشة مشكلات المنطقة المغاربية.

بدوره، يرى لحسن أقرطيط، كاتب متخصص في العلاقات الدولية، أن "إعلان الجزائر موجه فقط للاستهلاك الإعلامي والاستهلاك الداخلي، لأن فاقد الشيء لا يعطيه".

وتساءل أقرطيط لموقع "هسبريس" المغربي: ماذا يمكن للنظام الجزائري أن يقدم لتونس وليبيا، خصوصا أن هاتين الدولتين الجارتين للجزائر تعيشان منذ أكثر من عشر سنوات أزمة اقتصادية، وأخرى سياسية واجتماعية؟

وزاد: "الجزائر خلال هذه الفترة الكاملة لم تقدم أي شيء لهاتين الدولتين غير الابتزاز السياسي".

وأدخل أقرطيط الإعلان في خانة "الدعاية السياسية لا أقل ولا أكثر"، على اعتقاد أن "الاقتصاد الجزائري هو اقتصاد ريعي ينبني على الغاز وعلى البترول، وليس هناك اقتصاد موجه"، بحسب قوله.

وأضاف: "لا تمتلك الجزائر اقتصادا قويا أو مهيكلا بشكل يسعفها أن تقدم شيئا للاقتصاد التونسي أو نظيره الليبي، لذلك هي تراهن على الماركوتينغ السياسي أكثر من البعد العملي على الأرض مثلما هو الأمر بالنسبة لما يطرحه المغرب".

وأشار الأكاديمي إلى أن "الجزائر لم تتجاوز في سياستها الخارجية تقليد الدبلوماسية المغربية أو محاولة العمل على التشويش على كل ما تقوم به المملكة المغربية".

وخلص للقول بأن "هذا الإعلان يعدّ فارغا ولا يستند إلى أي رؤية سياسية، لا سيما أن الجزائر هي التي عرقلت التكتل المغاربي بسبب السياسات العدائية تجاه المغرب باستثمارها في الانفصال في المنطقة"، وفق قوله.