بعد انتخابه رئيسا لمجلس حقوق الإنسان.. هل يفرج المغرب عن صحفييه المعتقلين؟

منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

يشكل الصحفيون والمدونون وكتاب الرأي المعتقلون بالمغرب نقطة سوداء في صفحة البلاد الحقوقية، ما حدا بمؤسسات حقوقية وسياسية إلى الدعوة إلى الطي النهائي لهذا الملف، وخلق انفراجة حقوقية.

هذه الدعوات جاءت متزامنة مع إعلان انتخاب المغرب رئيسا لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لسنة 2024، عقب تصويت جرى في 10 يناير/ كانون الثاني 2024 بجنيف.

ووفق ما ورد في بلاغ لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المغربية، حصل المغرب على تأييد 30 عضوا من مجموع الأعضاء الـ47 بمجلس حقوق الإنسان، مقابل جنوب إفريقيا التي حصلت على 17 صوتا.

وذكرت الوزارة أن انتخاب المغرب، ولأول مرة في تاريخه، يعد اعترافا من قبل المجتمع الدولي بالرؤية المتبصرة للملك محمد السادس، في مجال حماية وتعزيز حقوق الإنسان.

ودفع هذا الإعلان، بهيئات حقوقية وسياسية مغربية إلى المطالبة باستثماره كفرصة لأجل الطي النهائي لملف المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي والصحفيين في البلاد، بما يتلاءم مع انتخاب المغرب على رأس هذه المؤسسة الحقوقية الأممية.

ويعد توفيق بوعشرين، والذي اعتقل سنة 2018، من أشهر الصحفيين المسجونين، بعد أن تم الحكم عليه بـ 12 سنة سجنا نافذة ابتدائيا و15 استئنافيا، في تهم جنائية، ربطها دفاعه ومنظمات حقوقية وطنية ودولية بأدائه الصحفي ونشاطه الحقوقي.

فيما تم الحكم على خلفه على رأس جريدة "أخبار اليوم"، سليمان الريسوني، بخمس سنوات سجنا نافذة سنة 2021، بتهم جنائية أيضا.

كما تم الحكم على زعيم حراك الريف في منطقة الحسيمة بشمال المملكة، ناصر الزفزافي سنة 2018 بعشرين سنة سجنا نافذة بتهم "تدبير مؤامرة للمس بسلامة الدولة الداخلية..".

وتم الحكم على عشرات آخرين بمعيته في القضية نفسها، في وقت كانت مطالبهم اجتماعية واقتصادية بالأساس.

الإفراج عن المعتقلين

وفي تفاعلها مع الحدث، رأت حليمة الشويكة، القيادية النقابية والفاعلة السياسية، أن انتخاب المغرب على رأس هذه المؤسسة الحقوقية يعد حدثا تاريخيا مهما للبلد، ويفرض تحديات داخلية كبيرة.

وذكرت لـ"الاستقلال"، أن هذا الانتخاب هو اعتراف دولي بمكانة المغرب الدولية في مجال حقوق الإنسان، والتي جاءت نتيجة انخراطه الدائم في مبادرات دولية حقوقية في مجال حماية حقوق الإنسان والنهوض بها.

واسترسلت، "وهو ما جسده توقيع المغرب على عدد من المعاهدات والاتفاقيات الدولية المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية.. والتزامه بالتوصيات الملاحظات الصادرة عن اللجان الأممية ذات الصلة".

واستدركت الشويكة، لكن بقدر ما يشكل هذا الانتخاب شرفا لبلدنا، بقدر ما يضاعف المسؤوليات على عاتقه، ويفرض عليه أن يقدم صورة ناصعة في مجال الحقوق والحريات داخليا.

وشددت القيادية النقابية على أن "هذا يستوجب الطي النهائي لعدد من القضايا التي ما زالت تشكل خدشا في هذا المسار الحقوقي للمغرب، عبر الإفراج عن كل المعتقلين على خلفية الاحتجاجات الاجتماعية وكتاب الرأي والصحفيين".

وتابعت، "وبالتأكيد، فإن مبادرة كهذه، ستسمح ببث دينامية حقوقية وسياسية متجددة تليق بمكانة المغرب دوليا، وستزيد من تعزيز صورته الحقوقية على المستوى الدولي".

وأضافت، "كما تتيح هذه المكانة أيضا للمغرب، إمكانات المساهمة الدولية في تعزيز منظومة حقوق الانسان بين الأمم، وهو ما يقتضي من بلدنا أن يغتنم هذه الفرصة في الدفاع عن الشعوب التي تتعرض لانتهاكات حقوقية. وعلى رأسها الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لحرب إبادة يشنها الاحتلال الإسرائيلي الذي دأب على خرق القانون الدولي وانتهاك الحقوق والحريات".

من جانبه، قال نجيب البقالي، عضو لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب السابق، عضو جمعية "محامون من أجل العدالة"، إن الدعوة إلى إطلاق سراح المعتقلين من الصحفيين وجيهة.

وأضاف لـ"الاستقلال"، أن انتخاب المغرب على رأس مجلس حقوق الإنسان، يستدعي اتخاذ القرارات اللازمة لطي ملف هذه الاعتقالات، مشددا أن من شأن هذا أن يطلق دورة جديدة في الحياة السياسية والحقوقية بالبلاد.

وتابع البقالي بالقول: كما أن هذه الخطوة ستمكن المغرب من أن يعمق مسار تطوره الحقوقي ويكرس هذا المسار، خاصة وأن هناك العديد من التحديات الداخلية والإقليمية والدولية القائمة.

وذكر أن المغرب راكم طيلة عقود ماضية، عددا من النقاط الإيجابية على المستوى الحقوقي، ومنه على المستوى التشريعي، عبر دستور 2011، أو على مستوى البناء المؤسساتي لحماية حقوق الإنسان، وعلى رأسه المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والوزارة الخاصة بحقوق الإنسان.

وأشار إلى أن الملك محمد السادس أطلق مسار المصالحة والاعتراف بأخطاء الماضي وطي صفحة الوقائع التي شهدها القرن الماضي، فيما سمي محليا بـ "سنوات الجمر والرصاص"، والتي وقعت فيه انتهاكات حقوقية.

ورأى المحامي والناشط الحقوقي أن رئاسة المغرب لمجلس حقوق الإنسان هو اعتراف دولي بمسار حقوقي متميز لدولة نامية، لدولة من دول المنطقة العربية والإسلامية.

وشدد على أن هذا التتويج، يدعو إلى تعميق المسار الحقوقي في البلاد، بالإفراج عن المعتقلين، خاصة وأن متابعتهم لم تكن بخلفيات الحق العام، بل بخلفيات المطالب الحقوقية والاجتماعية التي دافعوا عنها.

وزاد: أعتقد أن الدولة لها الصدر الرحب لاتخاذ مبادرات في هذا الاتجاه، من خلال مؤسسة ذات طبيعة سياسية وهي مؤسسة العفو، التي تُعبر عن قدرة الدولة على استيعاب الآراء كافة، وطي صفحة الماضي، ومعالجة الأخطاء التي يمكن أن تكون قد ارتكبت من جميع الجهات، سواء من طرف الدولة أو من بعض مكونات المجتمع.

انفراجة منتظرة

من جانبه، ثمن حزب العدالة والتنمية، انتخاب المغرب على رأس مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ويرى أن هذا الانتخاب مسؤولية تدعو إلى بذل المزيد من الجهد لتكريس الحقوق والحريات الدستورية، والحفاظ على المكتسبات الحقوقية، وتجنب كل ما من شأنه أن يمس بهذا المسار وهذه المكانة.

ودعا الحزب في بيان لمجلسه الوطني، في 15 يناير، إلى تقدير هذه المناسبة فرصة مواتية وسانحة لبث دينامية ونفس سياسي وحقوقي جديد باستحضار روح الإنصاف والمصالحة، وإعمال فضيلة العفو الملكي الكريم، والطي النهائي لملفات المحكومين على خلفية الاحتجاجات الاجتماعية والصحفيين وكتاب الرأي والمدونين.

واسترسل: "وذلك بما يحصن المكتسبات والتراكمات التي حققتها بلادنا، ويساهم في تمتين الجبهة الداخلية ويرسخ حرية التعبير والصحافة والإعلام، ومختلف الحقوق والحريات المضمونة دستوريا، ويعزز صورة بلادنا في المجال الديمقراطي والحقوقي".

كما دعا رئيس الحكومة الأسبق، عبد الإله بنكيران، إلى مصالحة تسمح بإطلاق سراح الصحفيين المعتقلين، متوجها بملتمسه إلى الملك محمد السادس للعفو عنهم، وعلى رأسهم الصحفي توفيق بوعشرين.

وحث خلال لقاء حزبي ببوزنيقة، في 13 يناير، على بذل جهد إضافي في تكريس الحريات والديمقراطية وحقوق الانسان في مجالات الرأي والصحافة، والإفراج عن الصحفيين المعتقلين، بافتراض أن معظمهم قضى في السجن ما يكفي إذا كان لا بد من السجن، وفق تعبيره.

 

بدورها، قالت جمعية "الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان"، إن تولي المغرب مسؤولية رئاسة مجلس حقوق الإنسان خلال هذه السنة، ينبغي أن يكون فرصة لحزمة من القرارات والتدابير الجريئة على مستوى تعزيز حماية حقوق الإنسان والنهوض بها بالبلاد.

وبحسب موقع "لكم" المحلي، في 14 يناير، أكدت "الوسيط" في بيان، أن هذه السنة، ينبغي أن تكون سنة بعث الآمال في انفراج في الساحة السياسية والحقوقية وتسوية حكيمة لبعض الملفات العالقة.

وفي هذا الصدد، أبرزت الجمعية أن إصدار عفو شامل على كافة المعتقلين على خلفية حراك الريف، وعلى الصحفيين والمدونين المحكومين منهم والمتابعين، من شأنه أن يقوي المناعة الوطنية والجبهة الداخلية ويوطد الثقة والأمل في المستقبل، ويُعطي دفعة قوية في ترسيخ الممارسة الديمقراطية ودعم جهود التنمية التي لا تزهر إلا في تربة الحرية وسيادة القانون.

كما وجه "الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان"، والذي يضم 22 هيئة حقوقية، رسالة مفتوحة إلى رئيس الحكومة عزيز أخنوش، رأى فيها أن انتخاب المغرب على رأس مجلس حقوق الإنسان تكليف ومسؤولية.

وبحسب موقع "صوت المغرب" المحلي، في 15 يناير، أضاف الائتلاف الحقوقي في رسالته، خاصة أمام الوضع "السيئ لحالة حقوق الإنسان ببلادنا، مما يستوجب توفر إرادة فعلية لدى الحكومة لتغييرها، لتكون في مستوى الانتظارات التي تفرضها المهمة التي تقع على أية دولة تتحمل مسؤولية رئاسة دورة من دورات مجلس حقوق الإنسان".

وحث الائتلاف الدولة المغربية على ضرورة تقديم نموذج في السلوك الحقوقي، الذي يتعين الالتزام به مستقبلا من أية دولة ترغب في الحصول على ثقة بقية الدول لمسؤولية رئاسة دورات المجلس.

وقدم الائتلاف أمام أخنوش ست مطالب مستعجلة، للمبادرة إلى تحسين حالة حقوق الإنسان بالمغرب، وتنفيذ الالتزامات التي اتخذتها الدولة على عاتقها في هذا المجال أمام المنتظم الدولي، واتخاذ المبادرات كافة التي يتطلبها ذلك.

ومن أول المطالب التي دعت إليها الرسالة، "الإفراج الفوري عن كل معتقلي الرأي والصحفيين والمدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان، والمدونين، ورواد مواقع التواصل الاجتماعي وناشطي الحركات والاحتجاجات الاجتماعية وفي مقدمتهم معتقلو حراك الريف".

مطالب أولية

بدوره، رأى عادل تشيكيطو، رئيس "العصبة المغربية لحقوق الإنسان"، أن المطالب التي عبر عنها الائتلاف "ذات راهنية وأولية، وهي مدخل لكل مبادرات رسمية إصلاحية تروم تصفية الأجواء الحقوقية في البلاد".

وعبر تشيكيطو لصحيفة "العربي الجديد"، في 15 يناير، عن اعتقاده بأن "لا بد من بث دينامية جديدة عبر تعزيز ضمانات احترام حقوق الإنسان وضمان عدم الرجوع إلى ممارسات الماضي".

وأضاف: "وقبل هذا وذاك الإفراج عن المعتقلين على خلفية قضايا الرأي وبعث روح جديدة في سلوك الإدارة، خاصة عندما يتعلق الأمر بعدد من الحقوق التي تم الهجوم عليها أخيرا، بشكل مقلق كالحق في التعبير والحق في الاحتجاج والحق في التنظيم".

وتابع المتحدث ذاته: "منطلقات مطالب المنظمات الحقوقية والسياسية والنقابية، انطلقت من إحساسها بنزوح العقل الحقوقي للدولة إلى تهدئة الأوضاع واتساع خاطره في التعامل مع قضايا اجتماعية خلال الآونة الأخيرة، ثم إلى السياق المرتبط بانتخاب المغرب رئيسا للجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة".

وأضاف تشيكيطو: "إذ يرى جميع الفاعلين أن هذا المعطى ملزِم بضرورة تنقية الأجواء الحقوقية، حتى نكون في مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقنا من قبل المنتظم الدولي".

ولفت إلى أن التحديات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية والرياضية لا يمكنها أن تعبر إلى بر النجاح من دون الإعلان عن طي بعض القضايا وبث نفس سياسي ديمقراطي حقوقي جديد.

وفي حوار مصور مع موقع "العمق المغربي"، في 13 يناير، قال تاج الدين الحسيني، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، إن أحسن وسيلة لإعطاء سمعة ومصداقية على المستوى الدولي أن تبدأ مسألة إصلاح قضايا حقوق الإنسان من الداخل.

وأضاف الحسيني في حوار خصص لتحليل دلالات فوز المغرب برئاسة مجلس حقوق الإنسان، "هذا يعني اليوم أنه أصبح من واجبنا أن ننظف أكثر فأكثر بيتنا الداخلي، لأننا مطالبون بأن نشكل النموذج والمثال الأسمى على الصعيد العالمي".

واسترسل المتحدث ذاته، "وأعتقد أنه كل التجاوزات التي عرفها بعض المراحل في تاريخ المغرب وحتى في السنوات الأخيرة ينبغي اليوم أن نتجاوزها بشكل مطلق".

 

أما أستاذ العلوم السياسية بجامعة فاس، إسماعيل حمودي، فرأى أن انتخاب المغرب على رأس مجلس حقوق الإنسان "حدث دبلوماسي مهم، إلا أنه لن يكتمل إلا بإخلاء السجون المغربية من المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي وأبرزهم الصحفيون ومعتقلو حراك الريف".

وأكد حمودي لـ "أصوات مغاربية"، في 14 يناير 2024، أن هذه الخطوة هي "مطلب ملح في ظل الوضع الحالي الذي يعيشه المغرب".

وشدد الأستاذ الجامعي أن "إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين سيقوي الموقع التفاوضي للمغرب أكثر ويعزز مصداقيته بعد تحقيقه لمكسب رئاسة مجلس حقوق الإنسان"، غير مستبعد أن "يسلك المغرب هذا الاتجاه بإصدار عفو ملكي في هذه الملفات".

ومن جهة أخرى، ذكر المتحدث ذاته أن "هناك نوعا من الوعي لدى النخب السياسية والحقوقية بأن انتخاب المغرب لرئاسة لمجلس الأممي لحقوق الإنسان لا يعني بأن ملفه سليم من الانتهاكات في هذا المجال".

وأوضح حمودي رأيه بالقول، لأن "هناك من يعتقد أن هذا الانتخاب يعطيه المشروعية للاتجاه في المزيد من التضييق على الحقوق والحريات لا سيما أنه يأتي بعد توصيات البرلمان الأوروبي".

يُذكر أن البرلمان الأوروبي سبق أن أقر بالأغلبية، خلال شهر يناير 2023، قرارا يطالب السلطات المغربية باحترام حرية التعبير والصحافة، وبالإفراج عن الصحفيين المعتقلين، والوقف الفوري لجميع المضايقات ضد جميع الصحفيين ومحاميهم وعائلاتهم.

وصوّت على القرار 356 نائبا أوروبيا من أصل 430 نائبا، فيما رفض 32 نائبا الإدانة، في حين امتنع عن التصويت 42 برلمانيا أوروبيا.

ويحث قرار البرلمان الأوروبي السلطات المغربية على احترام حرية التعبير وحرية الإعلام، وتوفير محاكمات عادلة للصحفيين المسجونين، ولا سيما عمر الراضي وسليمان الريسوني وتوفيق بوعشرين، مع المطالبة بالإفراج الفوري عنهم.