إشعال الشارع أو إسقاط الحكومة.. أزمة تجنيد “الحريديم” تضع نتنياهو في ورطة

منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

مع تزايد قتلى وجرحى الاحتلال ووجود نقص في عدد المجندين، وفي ظل تخوفهم من حرب على جبهتين في غزة وجنوب لبنان، أشعل وزير الجيش الإسرائيلي يوآف غالانت فتيل قنبلة سياسية يتوقع أن تنفجر نهاية مارس/أذار 2024.

هذه القنبلة، التي تهدد بانهيار حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هي تجنيد المتدينين أو من يطلق عليهم "التيار الحريدي" الذين لا يخدمون في الجيش ولا يؤدون أي عمل سوى عبادة التوراة، وهناك قانون يعفيهم ستنتهي صلاحيته نهاية مارس 2024.

وزير جيش الاحتلال صرح في 28 فبراير/شباط 2024 أنه بسبب أن "إسرائيل لم تشهد مثل هذه الحرب (غزة) منذ 75 عاما، فهذا يدعونا لإقرار تعديلات على قانون التجنيد وفرضه على الحريديم المعفيين".

و"الحريديم" هم طائفة يهودية متطرفة، تطبق الطقوس الدينية وتعيش حياتها اليومية وفق "التفاصيل الدقيقة للشريعة اليهودية" المحرفة.

وقال الوزير إنه "لتحقيق أهداف الحرب، وللتعامل مع التهديدات القادمة من غزة، ومن لبنان، ومن الضفة الغربية، نحتاج إلى تعديل قانون الجيش لتجنيد الحريديم".

أكد أنه "يجب على اليهود المتشددين تقاسم العبء العسكري"، إذ إن تكريس حياتهم لتعليم التوراة لا يغني عن حماية إسرائيل، لأنه بدون وجود مادي لن يكون هناك وجود روحي".

تفاصيل الأزمة
 

ما إن نطق وزير الجيش بذلك حتى اندلعت ثورة غضب بين وزراء الأحزاب والتيارات الدينية اليمينية المتطرفة في حكومة نتنياهو، والذين وصلوا لمناصبهم بأصوات هؤلاء "الحريديم"، وهددوا بترك الحكومة ومن ثم إسقاطها.

الآن ليس أمام نتنياهو سوى خيارين: إما أن يضطر لتعديل قانون التجنيد وإجبار المتدينين "الحريديم" على الخدمة العسكرية، ما يعني سقوط حكومته، أو الهروب للأمام كما يفعل أيضا في مفاوضات تبادل الأسرى حفاظا على منصبه.

لكن السؤال هو: كيف يهرب للأمام؟. محللون إسرائيليون يتوقعون أن يؤجل تجنيد الحريديم ويمدد فترة تطبيق قانون التجنيد عليهم، ما يعني صدامه مع التيار اليساري ومنهم وزراء في حكومة الحرب، أو يختار تفجير الوضع في المسجد الأقصى في رمضان لخلط الأوراق.

وتعد الخدمة العسكرية إلزامية للذكور اليهود، بيد أن الجماعات اليهودية الأرثوذكسية تحظى بإعفاءات لأتباعها، ليتمكنوا من "التفرغ للدراسة في المدارس والمعاهد الدينية"، وفق زعمهم.

وهو الأمر الذي يثير جدلا متجددا في إسرائيل، اتسع بعد إعلان "حالة الحرب" يوم 7 أكتوبر/تشرين أول 2023، عقب طوفان الأقصى.

وظلت أزمة تجنيد "الحريديم" في جيش الاحتلال، مشكلة تواجه الحكومات الإسرائيلية المختلفة بسبب رفض الأحزاب الدينية التي تدافع عنهم، رغم أن الجيش يضم كل الإسرائيليين بما فيهم النساء والبدو والدروز والعرب.

وفي عام 2017 أبطلت المحكمة العليا في إسرائيل قانونا لإعفاء الذكور من هذا التيار الديني المتشدد من التجنيد، بوصفه إجراء تمييزيا ينتهك مبدأ المساواة أمام القانون.

وقالت إن "الحاجة تستدعي مشاركة المجتمع الإسرائيلي كله في تحمل عبء الخدمة العسكرية"، ودعت الحكومة لتجنيدهم بقانون موحد يضم كل الإسرائيليين.

في كل مرة كان يتم طرح هذه القضية في الكنيست (البرلمان) لإصدار قانون بشأنهم، يتدخل الوزراء اليمينيون الدينيون ويعرقلونه فيجري التأجيل.

لهذا ظلت الحكومات تصدر قرارات مؤقتة بإعفائهم من التجنيد، لحين حسم الأمر بقانون دائم.

إذ تملك الأحزاب الدينية اليهودية ثقلا في الحكومة الإسرائيلية ومن شأن انسحابها أن يسقطها حتما، لذلك يسعى نتنياهو في سياساته لإرضائها.

ومنذ سنوات هناك محاولات متكررة لسن قانون لتجنيد المتدينين لكن يتم تأجيله. وأحد الشروط التي وضعها حزبا "شاس" و"يهودوت هتوراه" على نتنياهو للانضمام إلى الحكومة هو منع سن قانون كهذا.

ولحزبي "يهودوت هتوراه" و"شاس" 18 مقعدا بالكنيست من أصل 64 صوتا داعما للحكومة الحالية.

ويلزم الحصول على ثقة 61 عضو كنيست على الأقل من أجل ضمان بقاء الحكومة، وبالتالي فانسحابهم يسقطها.

وكان آخر إعفاء مؤقت جرى في يونيو/حزيران 2023 حين أمرت حكومة نتنياهو الجيش الإسرائيلي بعدم تجنيد طلاب المعاهد الدينية الحريدية لمدة تسعة أشهر، حتى تصوغ قانونا جديدا للتجنيد.

ما القادم؟

صحيفة "يديعوت أحرونوت" أكدت مطلع مارس/آذار 2024 أن أمر الإعفاء المؤقت الصادر عن الحكومة ينتهي في نهاية ذات الشهر.

وإذا لم يجر طرح قانون ينظم القضية في الكنيست بحلول ذلك الوقت، فسيتعين على الجيش الشروع في تجنيد الحريديم في الأول من أبريل/نيسان 2024.

وقد أخطرت المحكمة العليا الحكومة الإسرائيلية في 26 فبراير/شباط 2024 أن عليها أن تقدم ردها على سبب عدم إلغاء قرارها إعفاء المتدينين الإسرائيليين من الخدمة العسكرية الإلزامية، في الفترة من 24 إلى 31 مارس 2024.

شجع هذا "غالانت" على المطالبة بقانون لتجنيدهم، وأيده وزراء مجلس الحرب "بيني غانتس" و"غادي آيزنكوت" الذين طرحوا خطة لـ "إدارة تجنيد موحدة" و"مسارات خدمة بديلة" لهم في المنظمات الأمنية والطوارئ والخيرية التابعة للجيش.

وبمجرد مطالبة وزير الجيش، ثار وزراء وأحزاب اليمين الديني المتطرف في حكومة نتنياهو وهددوا بالانسحاب لو تم تمرير هذا التعديل.


 

وأعلن الجناحان (الديني واليميني المتشدد) في الائتلاف الحكومي، من حزبي "شاس" و"يهدوت هتوراه" (التوراة اليهودية الموحدة) و(الصهيونية الدينية) رفضهم ذلك، بحسب ما ذكرت قناة "كان" الإسرائيلية 28 فبراير/شباط 2024.

وقال مصدر من حزب يهدوت هتوراه (التابع لوزير الأمن إيتمار بن غفير) للقناة: "إذا أراد نتنياهو البقاء في السلطة بحلول الصيف، عليه رفض تعديل قانون التجنيد والموافقة على تجديد العمل بمشروع قانون الإعفاء من الخدمة لليهود المتشددين".

ونقل موقع "كيكار هاشبات" الإخباري الحريدي عن مصدر رفيع داخل الأحزاب اليهودية الأرثوذكسية المتشددة قوله: "تصريحات غالانت بمثابة خطوة مخططة لإسقاط الحكومة".

وقد اضطر نتنياهو، للقول 28 فبراير/شباط 2024 إن حكومته "ستجد سبيلا" إلى إنهاء إعفاء اليهود المتشددين من أداء الخدمة العسكرية، بسبب ضغوط وزراء مجلس حربه من العسكريين، في مواجهة وزراء حكومته من التيار الديني.

وقالت صحف عبرية إن هذا وضع نتنياهو في مأزق، فهو يريد إرضاء وزراء اليمين الديني المتطرف كي لا ينسحبوا وتنهار حكومته، لذا يعرقل التعديل أو يسعى للتحايل عليه.

 لكنه في الوقت ذاته يضحي بانقسام وخلاف داخل حكومته مع الجيش ومجلس الحرب العسكري.

وخلال حرب غزة وبعد تجنيد كل شرائح المجتمع الإسرائيلي، عاد ملف الحريديم للواجهة من جديد، وتجددت المطالبات من الجميع بتجنيدهم.

ولكنهم خرجوا في مظاهرات تهدد، بإسقاط حكومة نتنياهو لو اتخذت هذا القرار حيث إن وزراءهم جزء من الحكومة، وهتفوا: "نموت ولا نتجند".

وزعمت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية 28 ديسمبر/كانون أول 2023، أن بعض هؤلاء الأرثوذكس المتشددين (الحريديم) بدأوا يلتحقون بالجيش، رغم إعفائهم من التجنيد، لقتال حركة المقاومة الإسلامية حماس بعد عملية 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

لكن الجيش الإسرائيلي أكد أنه من بين 2000 متقدم من الحريديم منذ 7 أكتوبر، تم قبول 450 فقط.

 وهذا جزء صغير من الجيش، الذي يقدر عدد أفراده بنحو 170 ألف فرد في الخدمة الفعلية، وفق الصحيفة الأميركية.

غير أن مديرية شؤون الموظفين في جيش الاحتلال، كشفت أمام لجنة في الكنيست أواخر فبراير 2024، أن نحو 66 ألف شاب من "الحريديم" حصلوا على إعفاء من الخدمة العسكرية خلال عام 2023، فيما وافق 540 منهم فقط بسبب حرب غزة.

الانهيار أم التصعيد؟

وإذا جرى تعديل قانون التجنيد لفرض الخدمة العسكرية على الحريديم، فإن ذلك سيؤدي لسقوط حكومة نتنياهو التي تضم عدة وزراء من تيار الصهيونية الدينية وغيرها.

وسيحدث ذلك عبر انسحاب الوزراء اليمنيين المتدينين والذين كان أحد شروط مشاركتهم في الحكومة هو عدم تجنيد أنصارهم، وفقا لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل" 29 فبراير/شباط 2024.

وهو ما يحلم به المعارضون لنتنياهو ليحاكموه على أخطائه في حرب غزة. 

ولهذا قال الكاتب "يوسي فيرتر" في صحيفة "هآرتس" مطلع مارس/آذار 2024 إن الوزير غالانت "نجح فيما فشلت فيه حماس وهو تعريض مستقبل ائتلاف نتنياهو الحكومي للخطر بتأييده تجنيد الحريديم".

برغم أن نتنياهو أعلن أنه سيبحث عن وسيلة لحل هذه الأزمة، يرى محللون إسرائيليون أنه يراوغ فيما يخص خطة تجنيد الحريديم.

وأنه قد يلجأ إلى التصعيد في المسجد الاقصى في رمضان وقبول خطط وزير الأمن الصهيوني بن غفير بالتضييق على المصلين المسلمين، إرضاء لهذا اليمين الديني المتطرف وشراء صمته لخلق حجة أخرى لتأجيل تجنيد الحريديم.

صحيفة "إسرائيل هيوم" رجحت 25 فبراير/شباط 2024 أن يحاول نتنياهو تأخير قضية التجنيد الحريدي سواء من خلال طلب تمديد إعفائهم من المحكمة العليا أو عبر إيجاد بناء قانوني من خلال سلطة وزير الجيش ليبقي الوضع كما هو.

أو أن يلجأ للاتفاق مع وزراء اليمين الديني المتطرف على حل قانوني يزيد حصص مشاركة الحريديم في وزارة الجيش ولكن في أعمال غير عسكرية مثل الخدمات الدينية والاجتماعية بالتزامن مع السماح لهم بدراسة التوراة خلال هذه الخدمة.

وقد مهد نتنياهو لذلك في 29 فبراير/شباط 2024 حين قال في مؤتمر صحفي: "أثمن عاليا دراسة التوراة من قبل أشقائنا الحريديم، وأعترف وأثمن كذلك تجنيدهم لمنظمات الطوارئ والإغاثة الأهلية التي تؤدي عملاً مقدسًا"، في إشارة لتجنيدهم في أعمال غير عسكرية.

واستدرك: "لكن على هذا الجانب، يجب القول أيضا إنه لا يمكن تجاهل الشعور السائد لدى الجمهور بوجود فجوة في تقاسم عبء الأمن".

وأكد أن "جمهور اليهود الحريديم يعترف بهذه الحاجة أيضًا، وهو مستعد لتغيير الوضع". لكنه عاد ليحدد تجنيدهم في صفوف الجيش "للخدمة المدنية".

ويبدو أن حديث نتنياهو عن تمهيد الطريق لتجنيد اليهود المتشددين، ولو في أمور اجتماعية، جاء بعدما تعهد وزير جيشه باستخدام "حق النقض" ضد تجديد قانون يسمح بمواصلة إعفائهم من التجنيد، وفق وكالة "رويترز" البريطانية 29 فبراير/شباط 2024.