تحمي مجرمين وفاسدين.. ما قصة "الأوامر التنفيذية" التي يصدرها رؤساء أميركا؟

إسماعيل يوسف | منذ ٤ أشهر

12

طباعة

مشاركة

ما إن يتولى رئيس أميركي السلطة، حتى يصدر فور دخوله البيت الأبيض، سلسلة من "الأوامر التنفيذية الرئاسية"، لها قوة القانون وتنفذ فورا.

وفي السنوات الأخيرة، أصبح كثير من هذه الأوامر التنفيذية يصدر وفق أهواء الرئيس الشخصية، أو كيدية بين الرؤساء، بحيث يصدر أحدهم أوامر تنفيذية، ويرد الآخر عقب توليه الرئاسة بأوامر مضادة تلغي أوامر سلفه.

والأغرب أن بعضها يتعارض مع القوانين الداخلية؛ لأنها تشمل العفو عن مجرمين، مثل من اقتحموا الكونغرس في يناير/ كانون الثاني 2020، كما فعل ترامب أخيرا، والبعض الآخر يتصادم مع العالم مثل الانسحاب من منظمة الصحة العالمية واتفاقيات المناخ.

أوامر كيدية

يمتلك الرؤساء الجدد في الولايات المتحدة سلطة واسعة في إلغاء الأوامر التنفيذية التي أصدرها أسلافهم، وهذا ما نراه بشكل متكرر عند تغير الإدارات.

فما إن تولى الرئيس السابق جو بايدن الرئاسة عام 2021، حتى أصدر عشرات الأوامر التنفيذية الرئاسية؛ لإلغاء أوامر سابقة أصدرها ترامب خلال فترة رئاسته الأولى (2016-2020)، وبلغت قبل رحيله 155 أمرا.

وتعمد بايدن في الشهر الأخير لنهاية ولايته، إصدار سلسلة قرارات بالعفو عن نجله وشقيقيه المتورطين في قضايا تهرب ضريبي تؤدي بهم للسجن، والعفو عن ضباط ومسؤولين من أركان حكمه يتوقع أن يسجنهم ترامب.

بالمقابل، أصدر ترامب، سلسلة أوامر تلغي ما ألغاه بايدن من أوامره السابقة، مثل الانسحاب من منظمات دولية كالصحة العالمية ومعاهدة باريس للمناخ، وتعهد بـ"إعادة تشكيل السياسة الأميركية من خلال الأوامر التنفيذية التي سيصدرها".

ففي يومه الأول، أصدر ترامب أكبر عدد من هذه الأوامر، بلغت 100 أمر تنفيذي، منها 78 أمرا ألغت 78 أمرا تنفيذيا أصدرها الرئيس السابق بايدن.

وتراوحت بين العفو عن المشاركين في اقتحام مبنى الكابيتول في 6 يناير/ كانون الثاني 2021 إلى رفع عقوبات أقرها سلفه بايدن على مستوطنين إسرائيليين، وإلغاء قيود على تصدير تكنولوجيا الذكاء الصناعي.

والانسحاب من دعم منظمات دولية كالصحة العالمية، وتقييد الهجرة لأميركا، ومنع الإجهاض والشذوذ.

وضمن هذه الأوامر، أصدر ترامب عفوا عن نحو 1500 شخص من مقتحمي مبنى الكونغرس في السادس من يناير 2021، في أعقاب خسارته الانتخابات حينها ضد بايدن، كما وجه الأمر وزير العدل لإسقاط القضايا المتعلقة بشغب اقتحام الكابيتول.

وحسب رويترز، يخفف الأمر التنفيذي أحكاما صدرت ضد 14 عضوا من منظمتي "براود بويز" و"أوث كيبرز" اليمنيتين المتطرفتين، من بينهم أشخاص أدينوا بالتآمر في التحريض على العنف.

ومن بين الأوامر الملغاة التي وقعها بايدن، هناك ما لا يقل عن 12 أمرا تدعم المساواة العرقية ومكافحة التمييز ضد الشواذ.

وأصدر ترامب أمرا تنفيذيا يلغي حق الجنسية الأميركية بالولادة لأطفال المهاجرين الموجودين على أراضي الولايات المتحدة بشكل غير قانوني، حتى لو كانت الأم موجودة بشكل قانوني، ما لم يكن الأب مواطنا أميركيا أو حاملا للبطاقة الخضراء.

كما أمر ترامب بتعليق جميع برامج المساعدات الخارجية الأميركية مؤقتا لمدة 90 يوما؛ وذلك لحين إجراء مراجعات لتحديد مدى اتساقها مع أهداف سياساته.

كما وقع على أوامر تنفيذية فرض بموجبها "حالة طوارئ وطنية" على الحدود الأميركية المكسيكية، وتصنف هذه الأوامر، العصابات الإجرامية "منظمات إرهابية".

ووقع ترامب أيضا على وثيقة لإنهاء ما وصفه بأنه "تسليح" الحكومة (استغلال مواردها) ضد المعارضين السياسيين.

ويوجه الأمر الحكومة بأن "تحدد وتتخذ الإجراء المناسب لتصحيح التصرفات الخاطئة التي أقدمت عليها الحكومة الفيدرالية، فيما يتعلق بتسليح مسؤولي إنفاذ القانون وتسليح مجتمع المخابرات".

وخلال ولايته الأولى، أصدر ترامب 220 أمرا تنفيذيا وهو أكثر من أي رئيس آخر في ولاية واحدة منذ جيمي كارتر، مقابل 155 أمرا تنفيذيا لبايدن حتى يوم تنصيب خلفه الجمهوري.

ومن أبرز الأوامر التنفيذية التي أصدرها ترامب خلال ولايته الأولى، والتي أثارت جدلا واسعا، حظر السفر من بعض الدول ذات الأغلبية المسلمة، وهو الأمر الذي ألغاه بايدن عقب توليه الرئاسة.

معركة الطاقة والبيئة

من أبرز نقاط الخلاف بين بايدن وترامب، مسألة البحث عن النفط في مناطق حيوية تعد محميات طبيعية أو مياها اتحادية؛ حيث مال بايدن لمنع تنقيب شركات النفط في هذه المناطق، بينما أقر ترامب ذلك؛ لزيادة الأموال والتغلب على العجز الفيدرالي.

حيث ألغى ترامب مذكرة من عام 2023 أصدرها بايدن، تحظر التنقيب عن النفط في نحو 16 مليون فدان في القطب الشمالي، وقال إن الحكومة يجب أن تشجع استكشاف الطاقة وإنتاجها على الأراضي والمياه الاتحادية.

ووقع على أوامر تهدف إلى تعزيز تطوير النفط والغاز في ألاسكا، وألغى جهود بايدن لحماية أراضي القطب الشمالي ومياهه من التنقيب.

وتشير هذه التحركات إلى تحول كبير في سياسة الطاقة في واشنطن، بعد أن سعى بايدن إلى تشجيع التحول بعيدا عن الوقود الأحفوري؛ لمكافحة الاحتباس الحراري.

وخاض ترامب حملته الانتخابية على أساس خفض أسعار الطاقة الأميركية إلى النصف في أول 18 شهرا من ولايته وزيادة إنتاج النفط.

وتعهد بتوسيع مساحة الأراضي الفيدرالية المفتوحة أمام منصات الحفر، بما في ذلك فتح محمية الحياة البرية الوطنية في القطب الشمالي في ألاسكا وتقليص الرسوم على شركات إنتاج النفط التي زادتها إدارة بايدن.

وفي 6 يناير 2025، وقبل مغادرته البيت الأبيض، أصدر بايدن قرارا تنفيذيا لحماية الساحل الشرقي للولايات المتحدة بالكامل، وخليج المكسيك، والمحيط الهادئ قبالة سواحل واشنطن وأوريغون وكاليفورنيا وأجزاء إضافية من بحر بيرنغ الشمالي في ألاسكا من "عمليات تأجير النفط والغاز الطبيعي في المستقبل"، بحجة أن "المخاطر والأضرار البيئية والاقتصادية التي قد تنتج عن الحفر في هذه المناطق تفوق إمكانات موارد الوقود الأحفوري المحدودة".

وبموجب هذا القرار حمى بايدن أكثر من 625 مليون فدان من أراضي ومياه أميركا، لمعرفته أن ترامب سيكلف رجال أعمال موالين له للتنقيب عن النفط فيها، لكن ترامب وصف قرار بايدن بأنه "مشين وسيفشل".

ووصفت إدارة ترامب القرار بأنه “يهدف إلى الانتقام من الشعب الأميركي الذي أعطى ترامب تفويضا لخفض أسعار الغاز”.

وقال ترامب "سأرفع الحظر الذي فرضه بايدن على حفر النفط على الفور"، وهو ما فعله في أوامره الرئاسية الأولى.

لكن خبراء طاقة يرجحون الطعن على قرار ترامب، لأن قرار بايدن استند إلى مادة بالقانون الفيدرالي عمرها 72 عاما تمنح الرؤساء "سلطة سحب المياه الإقليمية الأميركية من ترتيبات التأجير لاستخراج النفط والغاز".

ويمنح قانون عام 1953 الرئيس سلطات واسعة لمنع الحفر في المياه الفيدرالية من أجل النفط والغاز، وسبق أن حكمت قاضية المحكمة الجزئية الأميركية "شارون جليسون" عام 2019 بأن مثل هذه القرارات لا يمكن التراجع عنها دون قانون من الكونجرس. 

واستأنفت إدارة ترامب القرار في ذلك الوقت، لكن الحكومة الفيدرالية أسقطت الاستئناف بعد تولي بايدن منصبه، لذلك لم تتدخل محكمة أعلى في الأمر.

ما الأمر التنفيذي؟

الأوامر التنفيذية أداة رئيسة يستخدمها الرؤساء الأميركيون في بداية ولاياتهم، لترسيخ توجهات إداراتهم الجديدة، وتستمد شرعيتها من المادة الثانية في الدستور الأميركي.

وتأتي هذه الأوامر في شكل توجيهات رسمية يصدرها الرئيس لتنظيم عمل المؤسسات والوكالات الفيدرالية وتحديد كيفية استخدام مواردها، مع الالتزام بالضوابط والحدود التي رسمها الدستور والتشريعات الصادرة عن الكونغرس.

والأمر التنفيذي يصدره الرئيس بشكل فردي، وله قوة القانون، وبمجرد أن يوقع الرئيس الأمر، يمكن أن يدخل حيز التنفيذ فورا أو بعد أشهر، اعتمادا على ما إذا كان يتطلب إجراء رسميا من جهة فيدرالية.

وتأتي صلاحية إصدار الأوامر التنفيذية من قبل الرئيس، من المادة الثانية في دستور الولايات المتحدة التي تجعله القائد العام للقوات المسلحة ورئيسا للفرع التنفيذي للحكومة، ومن السلطات التي يمنحها الكونغرس له بشكل صريح.

على سبيل المثال، دخل حظر ترامب (في ولايته الأولى) دخول بعض مواطني دول ذات أغلبية مسلمة، حيز التنفيذ فورا، لأنه استند إلى قانون اتحادي لعام 1952 يخول الرئيس منع "أي فئة من الأجانب" دخول البلاد إذا ما عدهم ضارين.

وأصدر الرؤساء الأميركيون على مر التاريخ أوامر تنفيذية، باستثناء ويليام هنري هاريسون، الذي توفي بعد شهر من توليه المنصب، وفقا لموقع "مشروع الرئاسة الأميركية".

هناك اختلاف كبير في عدد الأوامر التنفيذية التي أصدرها كل رئيس، حيث أصدر بعضهم أمرا واحدا فقط خلال فترة رئاسته، مثل جون آدامز، جيمس ماديسون، وجيمس مونرو، بينما وصل آخرون الآلاف.

في المقابل أصدر رؤساء آخرون عددا كبيرا من الأوامر التنفيذية، مثل فرانكلين روزفلت الذي أصدر 3721 أمرا خلال فتراته الأربع في المنصب.

قيود على الأوامر

وتخضع الأوامر التنفيذية لمجموعة من القيود والضوابط التي تحد من نطاق تأثيرها وديمومتها، فهي ليست تشريعات دائمة، إذ يمكن للرؤساء اللاحقين إلغاؤها أو تعديلها بسهولة، وهذا ما نشهده في التغييرات المتتالية بين الإدارات الأميركية.

إذ لا يستطيع الرئيس سن قوانين جديدة تتجاوز السلطات الممنوحة له بشكل صريح، من الدستور أو الكونغرس، من خلال إصدار أمر تنفيذي.

ولا يمكن للأوامر التنفيذية أن تنتهك الحقوق الدستورية الأساسية أو القوانين التي أقرها الكونغرس، كما أنها تخضع لرقابة المحاكم.

وهناك حالات تم فيها تعطيل الأوامر بسبب تجاوزها سلطة الرئيس، مثل تعطيل أمر ترامب الخاص بحجب التمويل الفيدرالي عما يسمى بـ "المدن الملاذ" التي لم تتعاون مع سياسات الهجرة الخاصة به.

حيث وجد القاضي أن الرئيس لا يمكنه فرض شروط على "الإنفاق الفيدرالي الذي أقره الكونغرس".

وفي عام 2023، ألغت محكمة استئناف فيدرالية أمرا تنفيذيا من بايدن يقضي بفرض تطعيم الموظفين الفيدراليين ضد فيروس كوفيد-19، معتبرة أنه "تجاوز سلطته بالتدخل في القرارات الطبية الشخصية".

ولا تتطلب الأوامر التنفيذية موافقة الكونغرس المسبقة، كما أنه لا يملك سلطة إلغائها بشكل مباشر، وفقا لنقابة المحامين الأميركية.

لكن الكونغرس يمتلك أدوات مهمة للتأثير على تنفيذ هذه الأوامر، إذ يمكنه حجب التمويل اللازم لتنفيذها، أو سن تشريعات تجعل تطبيقها صعبا.

كما أن العديد من الأوامر التنفيذية، خاصة المتعلقة بالجوانب الاقتصادية والمالية، لا يمكن تنفيذها بشكل كامل إلا بعد موافقة الكونغرس على تخصيص الأموال اللازمة لها، نظرا لسلطته الدستورية الحصرية على الميزانية.