انتخابات أم اتفاقات.. لماذا تأخر اختيار رئيس جديد لبرلمان العراق؟

منذ ٤ أشهر

12

طباعة

مشاركة

أثار قرار تأجيل البرلمان العراقي، اختيار رئيس جديد له إلى ما بعد الانتهاء من الانتخابات المحلية في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2023، العديد من التساؤلات عن أسباب امتناع القوى السياسية عن حضور نوابها إلى الجلسة البرلمانية بعدما اتفقوا على عقدها لأكثر من مرة.

وتأتي مساعي القوى السياسية لاختيار رئيس جديد للبرلمان، بعد إقالة المحكمة الاتحادية (أعلى سلطة قضائية بالعراق) رئيسه السابق محمد الحلبوسي، في 14 نوفمبر، على خلفية "تزويره" طلب استقالة للنائب ليث الدليمي، والتي استند إليه القضاء وفصله من البرلمان.

وينحصر حق ترشيح شخصية بديلة للحلبوسي لتولي منصب رئيس البرلمان بالقوى السُنية فقط، وذلك وفقا للعرف السياسي المتبع بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، الذي منح رئاسة الحكومة إلى المكون الشيعي، بينما تذهب رئاسة الجمهورية للأكراد.

اتفاقات جانبية 

وبعد أن كانت مرتقبة في 13 ديسمبر، قرر البرلمان تأجيل الجلسة المخصصة لانتخاب رئيس جديد له حتى إشعار آخر، رابطا السبب بعدم توفر الظروف الملائمة وانشغال أعضاء مجلس النواب بانتخابات مجالس المحافظات، حسبما ذكرت وكالة الأنباء العراقية الرسمية "واع".

واتهم السياسي، مشعان الجبوري، قوى بالوقوف وراء قرار تأجيل جلسة انتخاب رئيس البرلمان، كاشفا عن اتفاق أبرمته مع الحلبوسي من أجل عدم انعقاد الجلسة.

وقال الجبوري في تدوينة على منصة "إكس" في 12 ديسمبر، إن "انقسام الإطار (الشيعي) وألاعيب شخصية كردية، وسذاجة رئيس كتلة سنية هو الذي أدى لتأجيل الجلسة الاستثنائية المقررة لانتخاب رئيس البرلمان إلى إشعار آخر أي إلى ما بعد انتخابات مجالس المحافظات، وربما إلى الجلسة الأولى الاعتيادية بعد انتهاء العطلة البرلمانية".

وأوضح السياسي المناوئ للحلبوسي أن "رئيس أحد الكتل السنية القريبة من الإطار (الشيعي) اتفق مع المخلوع (الحلبوسي) على إصدار بيان مشترك من كتلتيهما طالبا فيه تأجيل جلسة انتخاب رئيس البرلمان، المقرر انعقادها بعد ظهر 13 ديسمبر، إلى ما بعد انتخابات مجالس المحافظات، مقابل تعهد الآخر الساعي لرئاسة البرلمان".

وكان محمد العلوي القيادي بحزب "تقدم" الذي يرأسه الحلبوسي، قال لوكالة "شفق نيوز" العراقية في 11 ديسمبر، إنه "حتى اللحظة لا يوجد أي اتفاق سياسي على دعم القوى السياسية لمرشح محدد لرئاسة مجلس النواب".

ولفت العلوي إلى أن "المنصب من استحقاق حزبنا وسيبقى من حصتنا".

وفي 3 ديسمبر، رشحت القوى السياسية السنية مجتمعة شخصيتين بشكل رسمي لتوليه، وهما، سالم مطر العيساوي، عن تحالف "القيادة" (يضم حزبي تقدم والسيادة)، ومحمود المشهداني عن تحالف "العزم".

رواية ثانية

وبخصوص حقيقة الأسباب وراء تأجيل انتخاب رئيس البرلمان، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي، لؤي العزاوي إن "العديد من الأمور حالت دون انعقاد جلسة البرلمان قبل انتخابات مجالس المحافظات، وبعضها ذكر والبعض الآخر لم يأت على ذكره أحد في وسائل الإعلام".

وأوضح العزاوي لـ"الاستقلال" أن "معلومات وصلت إلينا تفيد بأن الحلبوسي دفع 60 مليون دولار لتحييد الموقف الكردي، وخصوصا الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة بافل الطالباني، وبعض قوى الإطار التنسيقي الشيعي"، وفق ادعائه.

ورجح أن "الشخصية السنية التي تحدث عنها مشعان الجبوري، التي وصفها بأنها ساذجة، هو رئيس تحالف العزم مثنى السامرائي، وهناك اتفاقية بينه وبين الحلبوسي تخص محافظة ديالى ذات الغالبية السنية في مرحلة ما بعد الانتخابات المحلية"، دون أن يكشف عن تفاصيلها.

من جانبه، قال القيادي في "الإطار التنسيقي" عائد الهلالي، إن "القوى السياسية لم تتوصل بعد إلى اتفاق على أي مرشح محدد لتولي رئاسة البرلمان، فالخلاف على الأسماء المرشحة ما زال مستمرا بين الأطراف".

وبيّن الهلالي لصحيفة "العربي الجديد" في 10 ديسمبر، أن "الإطار التنسيقي لا يدعم أي مرشح محدد لتسلّم رئاسة البرلمان، وكل طرف داخل الإطار له وجهة نظر معينة بشأن الأسماء المرشحة، والأمر سيترك للنواب لاختيار الشخص الذي يرونه مناسبا لهذه المهمة خلال المرحلة المقبلة".

وأضاف أن "إخفاق البرلمان من جديد بحسم اختيار رئيس البرلمان، يعني أن الملف سيحسم بعد إعلان نتائج انتخابات مجالس المحافظات، وربما أيضا سيكون ما بعد تشكيل الحكومات المحلية (اختيار المحافظين)، خصوصا أن الكتل والأحزاب ستكون منشغلة بمفاوضات تشكيل الحكومات".

وتشترط قوى الإطار التنسيقي الشيعي، أن يحظى المرشح لمنصب رئاسة البرلمان بتأييد غالبية الكتل السنية البرلمانية، أي أكثر من نصف عددهم في البرلمان (51 بالمئة)، حتى تصوت له بالأكثرية البرلمانية التي يمتلكونها نحو (160 مقعدا)، حسب تصريح النائب عنهم عقيل الفتلاوي.

وقال الفتلاوي خلال مقابلة تلفزيونية في 23 نوفمبر، إن "قوى الإطار التنسيقي، ومنهم ائتلاف دولة القانون الذي أنا نائب عنه، نريد شخصية سنية تحظى بإجماع أكثر نواب هذا المكون لتولي منصب رئاسة البرلمان، وبالتالي سنصوت له تحت قبة البرلمان على هذا الأساس".

النتائج تحدد

وفي السياق ذاته، قالت صحيفة "المدى" العراقية، في تقرير نشرته في 13 ديسمبر، إن أطرافا في الإطار الشيعي كانت "غير مرحبة بعقد الجلسة قبل الانتخابات، لأنها تحتاج إلى وقت أطول لتحديد خياراتها واسم المرشح"، مؤكدة أنه "حتى الساعات الأخيرة من المفاوضات السياسية لم يتم التوافق على مرشح واحد".

ونقلت الصحفية عن القيادي السني، أثيل النجيفي، الذي وصفته بأنه قريب من المفاوضات أن "الملف تم تأجيله إلى ما بعد 9 يناير/ كانون الثاني 2024، أي بعد إعلان نتائج انتخابات مجالس المحافظات".

وقال النجيفي القيادي في تحالف "الحسم الوطني" السني، والذي يضم العديد من القيادات السُنية، إن "الإطار التنسيقي هو من يمسك بملف اختيار رئيس البرلمان، لكنه أيضا لا يريد أن يصطدم مع إدارة المجتمع السُني".

وتشكل تحالف "الحسم الوطني" في 19 يوليو، برئاسة وزير الدفاع الحالي، ثابت العباسي، ويتولى أمانته العامة رئيس البرلمان الأسبق أسامة النجيفي، ومن أبرز أعضائه الوزراء السابقون، رافع العيساوي، وسلمان الجميلي، ونوري الدليمي، وزعيم حزب "الحل" جمال الكربولي.

وأكد النجيفي أن "الإطار التنسيقي سينتظر إجراء الانتخابات ليرى إلى أين سيتجه خيار المجتمع السني ومن هي الجهات التي ستحظى بأكبر تأييد ثم يتوافق (الإطار) معها".

ورأى أن "الإطار التنسيقي يمكنه حاليا التحالف مع أية جهة سنية يمكن أن يثق بها، لكنه بالمقابل لا يريد التصادم مع أي طرف آخر"، مشيرا إلى أن "الأفضل للإطار الانتظار بعد ظهور النتائج ودعم الشخصية أو الجهة الأكثر موثوقية في الشارع السني".

وعن الانقسام داخل الإطار التنسيقي حيال المرشحين لرئاسة البرلمان، لفت إلى أن نوري المالكي، زعيم دولة القانون (أحد مكونات الإطار)، يدعم ترشيح محمود المشهداني.

في المقابل، فإن أطرافا أخرى في الإطار التنسيقي، مثل عمار الحكيم (رئيس تيار الحكمة) وحيدر العبادي (زعيم ائتلاف النصر)، يميلان إلى الاتفاق مع مرشح يقدمه الحلبوسي، فيما يدعم قيس الخزعلي (زعيم مليشيا عصائب أهل الحق) مرشح تحالف العزم.

ولفتت صحيفة "المدى" إلى أن "الإطار التنسيقي، قد توصل إلى قناعة بأن يجري تأجيل اختيار رئيس جديد للبرلمان إلى ما بعد الانتخابات المحلية، تجنبا لوقوع أي اهتزاز سياسي قد يعرقل الاقتراع".

ويعد رئيس البرلمان هو المنصب الأعلى المخصص للسنة، ويشكل رمزية كبيرة لمن يتولاه، لا سيما أنه ينظر إليه داخليا وخارجيا على أنه زعيم المكون في العراق خلال مرحلة توليه رئاسة السلطة التشريعية في البلاد.