عملية طوفان الأقصى.. هل توقف قطار التطبيع العربي مع الكيان الإسرائيلي؟

منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

في 22 سبتمبر/أيلول 2023، وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالجمعية العامة للأمم المتحدة وهو يحمل خريطة في يده، تشير إلى الدول العربية المطبعة وتلك التي تسير في طريق التطبيع.

وقال نتنياهو وقتها "عندما يرى الفلسطينيون أن معظم العالم العربي قد تصالح مع الدولة اليهودية، فمن المرجح أيضا أن يتخلوا عن وهم تدمير إسرائيل وأن يتبنوا أخيرا طريق سلام حقيقي معها".

لكن المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية حماس كان لها رأي آخر. ففي صباح 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 بدأت عملية "طوفان الأقصى" على مستوطنات الغلاف ردا على انتهاكات الاحتلال في القدس. 

ونتج عن العملية مقتل أكثر من ألف جندي ومستوطن وأسر عدد غير معروف، وفي المقابل، أطلق جيش الاحتلال ما أسماه عملية "السيوف الحديدية"، ويواصل شن غارات مكثفة على مناطق عديدة في قطاع غزة، الذي يسكنه أكثر من مليوني فلسطيني يعانون من أوضاع معيشية متدهورة، جرّاء حصار إسرائيلي متواصل منذ 2006.

مستقبل التطبيع

وهنا صدرت تحليلات عديدة تشير إلى إمكانية تأثر عملية التطبيع المحتملة بين الكيان الإسرائيلي والسعودية، في ضربة لاحتفالات نتنياهو وتوهمه بعدم مواجهته مقاومة قوية ترد على انتهاكات حكومته التي تعد الأكثر تطرفا في تاريخ الكيان.

صحيفة نيويورك تايمز قالت في 8 أكتوبر 2023 إن المسؤولين السعوديين في حالة ترقب وانتظار قبل الاستمرار في جهود التطبيع.

ونقلت الصحيفة الأميركية عن دينيس روس المستشار في معهد واشنطن، والرجل الأول لمفاوضات التطبيع في الشرق الأوسط أثناء ولاية كل من جورج بوش الأب وبيل كلينتون، قوله إنه "بعد حديثي مع مسؤول سعودي بعد بدء الهجوم، كل شيء معلق في الوقت الحالي".

وأضاف روس: "هناك متغيران أساسيان عند الرياض أولهما عدد الضحايا، وثانيهما كيف سيخرج الإسرائيليون من هذه الحرب".

وتسير السعودية بخطى متسارعة نحو التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، فقد سمحت لطيرانه باستخدام أجوائها في 4 أغسطس/آب 2022، كما حضر وزير السياحة الإسرائيلي مؤتمرا في الرياض 26 سبتمبر/أيلول 2023.

وبدوره، صرح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مقابلة أجرتها معه شبكة فوكس نيوز الإخبارية بثت في 21 سبتمبر/أيلول 2023 قائلا: "نقترب كل يوم أكثر فأكثر من تطبيع العلاقات مع إسرائيل".

وعن ما قد يجرى بعد العملية الأخيرة، قال السفير الأميركي السابق لدى الاحتلال مارتن إنديك، في تصريحاته لنيويورك تايمز إن الرد العسكري الإسرائيلي سيعقد تقارب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع إسرائيل وإن الغضب في العالم العربي سيتفاقم.

وأضاف موقع فرانس 24 أن الهجوم الذي شنته حماس وجه ضربة للزخم الذي اكتسبه المسعى الأميركي لإبرام اتفاق تطبيع بين إسرائيل والسعودية. 

واستشهد التقرير المنشور في 8 أكتوبر 2023  بتصريحات لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قال فيها إن "عرقلة التطبيع المحتمل للعلاقات بين إسرائيل والسعودية ربما يكون من دوافع الهجوم الذي شنته حماس". 

وأشار التقرير إلى أن الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حماس إضافة إلى كامل "محور المقاومة" تعارض بشدة اتفاقيات التطبيع وتنظر إليها على أنها "طعنة في ظهر" الفلسطينيين.

ونقلت فرانس 24 عن نائب رئيس السياسات في معهد الشرق الأوسط في واشنطن براين كاتوليس تأكيده على أن اتفاقا كهذا (في إشارة إلى التطبيع بين السعودية وإسرائيل) "كان دائما قمة يصعب تسلقها والآن ازداد ذلك صعوبة". 

وأكد كاتوليس أن الاشتباكات الجديدة تعيد تسليط الضوء على النزاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين "وتجعل من الصعوبة بمكان إخفاء هذه المسائل المعقدة كما فعلت اتفاقات أبراهام المبرمة عام 2020". 

ويرى الكاتب المتخصص في الشأن الإسرائيلي أحمد الزعتري أن الدول التي تريد التطبيع مع إسرائيل ستفكر كثيرا قبل الإقدام على هذه الخطوة. 

وقال في تصريحات لـ "الاستقلال"، إن "حرب طوفان الأقصى غيرت من الصورة الذهنية لدولة الاحتلال مثل أنه -الجيش الذي لا يقهر- والدولة التي تمتلك أحدث تكنولوجيا في الشرق الأوسط وأقوى منظومة أمنية، وكل هذا قد تغير".

ويعتقد الزعتري أن "الدول التي تريد أن تطبع، ستفكر كثيرا قبل الإقدام على هذه الخطوة، فلماذا تطبع مع دولة لم تستطع أن تحمي شعبها وهي التي تمتلك أحدث منظومة تسليح في الشرق الأوسط؟"

وبعد انطلاق العملية، دعت وزارة الخارجية السعودية في 7 أكتوبر إلى "الوقف الفوري للتصعيد بين الجانبين وحماية المدنيين وضبط النفس".

مخاطر وخيمة

وقد تباينت ردود الفعل العربية حول عملية طوفان الأقصى، فالبعض حمل الاحتلال مسؤولية ما حدث، وآخرون دعوا لضبط النفس بين كلا الطرفين، وهناك من ألقى اللوم على المقاومة. 

والبداية في رصد ردود الفعل من مصر والتي تعد أول دولة عربية تُطبع رسميا مع الاحتلال (عام 1978)، رغم عدم وجود اعتراف شعبي بالتطبيع.

ففي بيان على صفحة وزارة خارجيتها على فيسبوك، حذرت القاهرة من "مخاطر وخيمة للتصعيد الجاري بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي ودعت إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس".

وذكرت وكالة أسوشيتد برس الأميركية في 9 أكتوبر 2023 أن "المخابرات المصرية أحاطت إسرائيل علما بعملية كبيرة تعد لها حماس في غزة، وحذرتها من ذلك أكثر من مرة، لكن تل أبيب استخفت بالتحذيرات ولم تأخذها على محمل الجد".

ورغم هذا التعاون، فقد قصفت طائرات الاحتلال معبر رفح في 10 أكتوبر للمرة الثانية في أقل من 24 ساعة. وأشار مصدر مصري إلى أن الهجوم أسفر عن تدمير مدخل المعبر، مما أدى إلى إغلاقه بشكل مؤقت.

ونقلت القناة 12 العبرية في 10 أكتوبر أن "إسرائيل حذرت مصر من إدخال إمدادات إغاثية إلى الفلسطينيين في قطاع غزة".

وإذا انتقلنا إلى الأردن والتي تعد ثاني دولة عربية تطبع مع الاحتلال، فقد أكدت وزارة الخارجية وشؤون المغتربين في بيان نشرته في 7 أكتوبر 2023 على صفحتها في موقع إكس على "ضرورة وقف التصعيد الخطير في غزة ومحيطها".

كما حذرت من "الانعكاسات الخطيرة لهذا التصعيد الذي يهدد بتفجر الأوضاع بشكل أكبر، خصوصا في ضوء ما تشهده مدن ومناطق في الضفة الغربية من اعتداءات وانتهاكات إسرائيلية على الشعب الفلسطيني وعلى المقدسات الإسلامية والمسيحية وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه".

ويذكر أن المملكة الأردنية وقعت على اتفاق سلام مع الاحتلال الصهيوني في 26 أكتوبر/تشرين الأول 1994 عرف باتفاق وادي عربة.

إدانة المقاومة

أما عن ثالث الدول العربية المطبعة فهي الإمارات التي وصفت ما فعلته المقاومة الفلسطينية "بالتصعيد الخطير والجسيم".

وأعربت وزارة خارجيتها في بيان على موقعها الرسمي 8 أكتوبر "عن استيائها الشديد إزاء التقارير التي تفيد باختطاف مدنيين إسرائيليين من منازلهم كرهائن".

وأكدت "على ضرورة أن ينعم المدنيون من كلا الجانبين بالحماية الكاملة بموجب القانون الإنساني الدولي، وضرورة ألا يكونوا هدفا للصراع".

ولم تكتف أبو ظبي بإدانة حماس وتحميلها المسؤولية، بل صرح رئيس المعارضة الصهيونية يائير لابيد، 7 أكتوبر أنه تحدث هاتفيا مع وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، "الذي أعرب عن تضامنه مع إسرائيل".

وجاء ذلك وفق ما نشره لابيد عبر منصة "إكس"، تزامنا مع تكثيف الطيران الإسرائيلي لقصفه على قطاع غزة.

ويذكر أن الإمارات وقعت على اتفاق سلام مع الاحتلال الإسرائيلي في 13 أغسطس/آب 2020 ، فيما عرف باتفاقات أبراهام.

وإذا انتقلنا إلى البحرين رابع الدول العربية تطبيعا، فقد أعربت وزارة خارجيتها في بيانها على موقعها الرسمي 9 أكتوبر "عن استنكارها لما ورد في بعض التقارير عن اختطاف المدنيين من منازلهم كرهائن"، مطالبةً بوقف التصعيد وتجنب العنف الذي يهدد الأمن والاستقرار الإقليمي وينذر بعواقب وخيمة على المنطقة، وفق قولها.

وأكدت وزارة الخارجية على "ضرورة الوقف الفوري للقتال الدائر بين حركة حماس والقوات الإسرائيلية".

وحذرت من أن "الهجمات التي شنتها حماس تشكل تصعيدا خطيرا يهدد حياة المدنيين"، معبرةً عن أسفها البالغ للخسائر الكبيرة في الأرواح والممتلكات وعن تعازيها لأسر الضحايا، وتمنياتها للمصابين بالشفاء العاجل.

ووقعت البحرين على اتفاق التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي في 11 سبتمبر/أيلول 2020.

أما السودان خامس الدول العربية تطبيعا (23 أكتوبر 2020)، فقد قالت وزارة الخارجية فيها إنها "تتابع بقلق التطورات الخطيرة الجارية الآن في فلسطين المحتلة، وذلك من واقع الاهتمام الخاص والمتصل الذي يوليه للقضية الفلسطينية بصفتها جوهر الصراع في الشرق الأوسط".

وبدورها، أعربت المملكة المغربية سادس الدول المطبعة في بيان على موقع وزارة خارجيتها 7 أكتوبر "عن قلقها العميق جراء تدهور الأوضاع واندلاع الأعمال العسكرية في قطاع غزة وتدين استهداف المدنيين من أي جهة كانت".

كما دعت "المملكة المغربية التي طالما حذرت من تداعيات الانسداد السياسي على السلام في المنطقة ومن مخاطر تزايد الاحتقان والتوتر نتيجة لذلك، إلى الوقف الفوري لجميع أعمال العنف والعودة إلى التهدئة وتفادي كل أشكال التصعيد التي من شأنها تقويض فرص السلام بالمنطقة".

ووقع المغرب على اتفاق سلام مع الاحتلال الإسرائيلي في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020.

الاحتلال هو المسؤول

أما عن الدول العربية التي لم تطبع مع الاحتلال، ومنها الجزائر، فقد قالت وزارة خارجيتها في 7 أكتوبر إنها "تتابع بقلق شديد تطور الاعتداءات الصهيونية الغاشمة على قطاع غزة، التي أودت بحياة العشرات من أبناء وبنات الشعب الفلسطيني الأبرياء".

وبينت أن الشهداء "سقطوا في ظل تمادي الاحتلال الصهيوني في سياسة التجبر والاضطهاد التي يفرضها فرضا على الشعب الفلسطيني الباسل".

وأدانت الجزائر بشدة هذه السياسات والممارسات المخلة بأبسط القواعد الإنسانية ومراجع الشرعية الدولية.

وفي هذا السياق، جددت "الطلب بالتدخل الفوري للمجموعة الدولية من خلال الهيئات الدولية المعنية لحماية الشعب الفلسطيني من الغطرسة والإجرام الذي جعل منهما الاحتلال الصهيوني سمة من سمات احتلاله للأراضي الفلسطينية".

 أما قطر فقد ذكرت في بيان على موقع وزارة خارجيتها في 7 أكتوبر: "إسرائيل وحدها المسؤولية عن التصعيد الجاري الآن، بسبب انتهاكاتها المستمرة لحقوق الشعب الفلسطيني، وآخرها الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى المبارك تحت حماية الشرطة الإسرائيلية". 

وشددت الدوحة "على ضرورة تحرك المجتمع الدولي بشكل عاجل لإلزام إسرائيل بوقف انتهاكاتها السافرة للقانون الدولي وحملها على احترام قرارات الشرعية الدولية، والحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، والحيلولة دون اتخاذ هذه الأحداث ذريعة لإشعال نار حرب جديدة غير متكافئة ضد المدنيين الفلسطينيين في غزة".

هذا التباين في ردود الفعل العربية جعل الشارع الفلسطيني يشعر بحالة من الإحباط وهو ما عبر عنه الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني إبراهيم المدهون. 

وقال المدهون لـ "الاستقلال"، إن "الشارع الفلسطيني يشعر بحالة من الإحباط جراء ردود الفعل العربية الرسمية، فما يحدث من إبادة جماعية لأهالي قطاع غزة يتم بضوء أخضر من أميركا". 

وأضاف: "لا وقت للعتاب أو للوم التقاعس العربي"، مشددا على "ضرورة العمل من أجل وقف العدوان الصهيوني الذي قطع الماء والكهرباء والغذاء وأغلق كل المعابر عن القطاع المحاصر". 

وحول الموقف الحالي للمقاومة أكد المدهون أنها ستفرض معادلة جديدة في إدارة الصراع مع الاحتلال تختلف عما كان يحدث في السابق وأنه "على الجميع أن يعي ذلك".