في ظل العدوان الإسرائيلي على غزة.. لماذا عاد حي الشيخ جراح إلى الواجهة؟

منذ ١٢ يومًا

12

طباعة

مشاركة

منذ 15 عاما، يقاوم المقدسي صلاح دياب محاولات طرده وعائلته من منزلهم في حي الشيخ جراح وإحلال مستوطنين فيه، رافضا كل التسويات والعروض والإغراءات من أجل إخلائه.

وبعد استنفاد كل المحاولات من أجل طرده، تتدخل اليوم محكمة إسرائيلية لاتخاذ قرار ينهي هذا الملف بضغط من مستوطنين وجمعيات استيطانية.

وعادت قضية حي الشيخ جراح في القدس المحتلة إلى الواجهة من جديد في ظل العدوان الإسرائيلي على غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 والانتهاكات المتصاعدة في الضفة الغربية.

ما الجديد؟

وقضت محكمة إسرائيلية، في منتصف أبريل/نيسان 2024 بطرد عائلة دياب من منزلها في حي الشيخ جراح بمدينة القدس المحتلة لصالح مستوطنين إسرائيليين.

ويشمل القرار طرد أهالي 3 منازل تعود إلى عائلة دياب التي تتكون من 20 شخصا وتقيم في هذا المنزل منذ أكثر من 50 عاما. 

وفي تصريحات صحفية بعد صدور الحكم، قال مالك المنزل، صالح دياب: “قررت محكمة الصلح الإسرائيلية طرد عائلتنا من منزلها وأمهلتنا حتى منتصف يوليو/ تموز”.

وأضاف أن “المحكمة أصدرت قرارها تحت ضغط الجماعات الاستيطانية الإسرائيلية، واستغلت انشغال العالم بالحرب على غزة والصراع مع إيران”.

ووفقا لما ذكرته العائلة ومصادر حقوقية، فإن المحكمة الإسرائيلية قررت طردهم من ثلاث شقق سكنية، ومنحتهم فترة 60 يوما للاعتراض على القرار.

وكشف دياب أنه يعتزم الطعن ضد القرار في المحكمة المركزية. وفي حال رفضت الأخيرة، سيتوجه إلى المحكمة العليا.

واستغرقت المداولات في المحكمة سنوات طويلة، ليصل دياب اليوم إلى أول قرار قضائي يقضي بطرده من منزله.

وتقيم 28 عائلة فلسطينية في الشيخ جراح منذ 1956، ولكن جماعات استيطانية تزعم أن منازلها أقيمت على أرض كانت ملكية يهودية قبل 1948.

 وتخوض تلك العائلات صراعا قضائيا مع الجمعيات الاستيطانية منذ عام 1972، في محاولة للحفاظ على منازلهم وممتلكاتهم في وجه سياسة التهويد والاستيلاء على الأراضي بمدينة القدس المحتلة.

ولدى المستوطنين أطماع قديمة في منطقة "كرم الجاعوني" الشق الشرقي من حي الشيخ جراح بالقدس التي يقع فيها منزل دياب.

وقدم المستوطنون طلبا للمحكمة بإجلاء عائلة دياب عام 2009 بعد استيلائهم على منزلي عائلتي الغاوي وحنّون المقابلين لمنزلها في نفس العام.

عملية انتقامية

جاء الحكم الأخير رغم أن المحكمة الإسرائيلية العليا أصدرت قرارا في الأول من مارس/آذار عام 2022 يقضي بشكل نهائي بإلغاء طرد 4 عائلات في منطقة كرم الجاعوني بالشيخ جراح من بينها عائلة دياب.

وعن هذا قال دياب لـ"الجزيرة نت" إن الكثير من قضاة محكمة الصلح تجنبوا إصدار قرار بملف إخلاء منزله بسبب وجود قرار سابق من العليا، لكن القاضي الذي أصدره مستوطن متطرف.

وتابع بعد إصدار الحكم: "داخل المحكمة قال القاضي لمحامي المستوطنين إن هناك قرارا من العليا يقضي بعدم الإخلاء، فردّ عليه الأخير بأنه يريد ردا مباشرا فأصدر القاضي قرارا ضدي (دياب)".

ويرى أن قرار المحكمة يندرج في إطار الانتقام منه كونه ناشطا في الدفاع عن عقارات الحي، وفي تنظيم وقفات أسبوعية ضد أوامر الإخلاء.

وأشار إلى أن المستوطنين قادوا حملة تحريض ضده في بداية العدوان الأخير على غزة أدت إلى فصله من عمله.

وأضيفت هذه الحملة إلى أخرى سابقة شنها المستوطنون ضده صيف عام 2021 عندما اندلعت هبة شعبية في حي الشيخ جراح.

وفي مايو/أيار 2021، كان حي الشيخ جراح في قلب معركة لم يسبق لها مثيل بين العائلات من جهة وجنود الاحتلال والمستوطنين من جهة أخرى بهدف طردهم من منازلهم.

آنذاك شهدت مدينة القدس توترًا شديدًا، إثر نصب النائب الإسرائيلي اليميني وقتها ووزير الأمن القومي حاليا إيتمار بن غفير، خيمة على أرض فلسطينية خاصة، في حي الشيخ جراح، عادا إياها مكتبا له.

ورافق بن غفير، عشرات المستوطنين الإسرائيليين الذين هاجموا منازل العرب في الحي بالحجارة، ما فجّر مواجهات بين الفلسطينيين من جهة، والمستوطنين والشرطة الإسرائيلية من جهة أخرى.

وقتها أطلقت المقاومة الفلسطينية معركة “سيف القدس” من 10 حتى 21 مايو 2021، ووجهت خلالها ضربات صاروخية في العمق الإسرائيلي على أثر اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى والمخططات الإسرائيلية لترحيل سكان حي الشيخ جراح.

وبجانب ضربات المقاومة، شكلت قضية الحي رأيا عاما دوليا متضامنا مع الفلسطينيين حتى اضطرت سلطات الاحتلال للتراجع عن مخططاتها بشأن تهجير أهله.

ما الهدف؟

يرى خطيب المسجد الأقصى المبارك الشيخ عكرمة صبري، أنّ قرارات الاحتلال بإخلاء منازل عائلات فلسطينية في حي الشيخ جراح بمدينة القدس، لصالح المستوطنين، يأتي في سياق الجهود الإسرائيلية الهادفة لتهويد الأحياء المقدسية وإقامة طوق استيطاني بجوار "الأقصى".

وأكد "صبري" في تصريحٍ لـ "وكالة سند" المحلية أنّ الاحتلال يسعى لتنفيذ مشاريع تهويدية تشمل أحياءً عدة محيطة بالمسجد الأقصى تستهدف بشكلٍ خاص أحياء وادي الجوز، والشيخ جراح وباب الزاهرة.

وأوضح أن هذه المعركة تهدف لتهجير وترحيل الفلسطينيين بهدف محاصرة المسجد الأقصى من الجهة الشمالية عن طريق السيطرة على الشيخ جراح، ومحاصرته من الجهة الجنوبية عبر السيطرة على حي سلوان.

وأشار "خطيب الأقصى" إلى أن المخططات التي تستهدف القدس عموما تسير على قدمٍ وساق وصولًا إلى الهدف المنشود بتهويد المدينة وعدها بشقيها "عاصمة موحدة ليهود العالم وليس فقط لإسرائيل".

ورأى أن هذا المخطط يدفع الاحتلال لإثارة الأوضاع بين الفينة والأخرى كلما هدأت، "والآن هناك من يريد استغلال الوضع لصالح تهويد المدينة".

بدوره، أكد رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد ناصر الهدمي، أن الاحتلال الإسرائيلي يستغل الظروف العامة في الساحة الفلسطينية لحسم قضية حي الشيخ جراح، وطرد السكان منه.

وفي تصريح صحفي بعد قرار المحكمة، أوضح أن الاحتلال يحاول العبور إلى وادي الجوز الذي يعد آخر طبقة من الأحياء الفلسطينية القريبة من المسجد الأقصى.

وعد الهدمي تجاوز القضاء للإجراءات القانونية خطوة تمهيدية لحسم القضية عسكريا، في ظل الظروف المحيطة.

وأكد أن القضية تتمثل في محاولة تفريغ الحي من مضمونه، والسيطرة العسكرية الكاملة عليه، وبدء السيطرة الفعلية على وادي الجوز بعد تدمير المناطق الصناعية الموجودة فيه، بذريعة إقامة مشاريع سياحية.

وقضية هذا الحي ليست جديدة، فبعد 3 سنوات من احتلال شرق القدس، صادق البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) عام 1970 على قانون يزعم وجود أراض وعقارات لليهود في الشيخ جراح، وادّعى أنهم تملكوها قبل قيام إسرائيل.

ومنذ ذلك الحين تعاقبت الحكومات الإسرائيلية على زرع البؤر الاستيطانية وإحلال اليهود المتدينين "الحريديم" في قلب الحي بمستوطنات مثل "شمعون هتصديق" و"فندق الشبرد".

كما أقامت إسرائيل مقر قيادة الشرطة وحرس الحدود ووزارة الداخلية في تلك المنطقة بهدف محاصرة الوجود الفلسطيني وطرد السكان.