بعد ثورة "الدرونز".. كيف أحدثت تركيا نقلة نوعية في عالم الزوارق المسيّرة؟

داود علي | منذ ٨ أشهر

12

طباعة

مشاركة

بعدما أحدثت الصناعات الدفاعية التركية، ثورة هائلة في مجال الطائرات المسيّرة، وحققت نتائج مهمة على المستويين التكتيكي والإستراتيجي، جاءت النقلة النوعية الأخرى في دخول أنقرة عالم الزوارق المسيرة، التي أصبحت أحدث سلاح ردع يدخل إلى منظومتها البحرية.

يأتي ذلك بعد أن تم تطويره على مدار سنوات، من قبل رواد الدفاع من كبرى الشركات التركية، ومنها "أسيلسان" و"يونجا-أونوك" و"هافلسان". 

وبهذا يكون هذا السلاح جاهزا للقتال والاشتباك، كفاعل أساسي في صراعات قادمة قد تخوضها تركيا، تحديدا في مناطق حدودها البحرية الملغمة بالبحر المتوسط، في ظل خلافاتها الممتدة والمتصاعدة مع اليونان وقبرص اليونانية. 

مرلين سيدا

وذكر موقع "تي آر تي" التركي الرسمي، في 12 سبتمبر/ أيلول 2024، أن شركة "أسيلسان" للصناعات الدفاعية، قامت بالتعاون مع شركة "سفينة تيرسانيسي" لصناعة السفن، بتطوير الزورق البحري المسير "مرلين سيدا".

وذكر أن "مرلين سيدا" يتمتع بمواصفات فنية متقدمة، تجعله النسخة الأكثر قوة فيما يخص أسطول الزوارق المسيرة التركية الحديث.

ويبلغ من الوزن 21 طنا، وحمولته تصل إلى 4 أطنان، فيما يصل مداه إلى ما يقرب من ألف ميل بحري، مع 72 ساعة عمل بلا توقف. 

وتستخدم المسيرة البحرية محركي ديزل، وسرعتها تصل إلى 35 عقدة بحرية.

وفيما يخص التسليح، يمكن لـ"مرلين سيدا" أن تحمل مجموعة متنوعة من الأسلحة، بدءا من مدفع رشاش بعيار 12.7 ملم، وعدد من الطوربيدات الخفيفة، وأنظمة السونار.

وأشار المهندس المسؤول عن الأنظمة غير المأهولة والمستقلة في شركة "أسيلسان"، لطفي جولك، إلى أن "الزوق المسير قادر على الكشف والتعامل مع أنواع الحرب الإلكترونية والهجمات السيبرانية".

وأضاف أن أنظمة التحكم الموجودة في الزورق “تمنحه قدرة على تحقيق مستوى عالٍ من الأوتوماتيكية باستخدام الذكاء الصناعي”. 

كما أورد أن الأنظمة قادرة على “استقبال معطيات متعددة يمكن تعديلها لتتناسب مع مهام مختلفة، وتوفر عند الحاجة مستوى عاليا من الأوتوماتيكية باستخدام الذكاء الصناعي”، وفق الموقع الرسمي.

ومن التطورات الأخيرة المهمة التي شهدتها "مرلين سيدا" تزويدها بمنصة إطلاق لصواريخ "Kuzgun" تحتوي على 8 صواريخ، من النوع الذي يعمل بالوقود الصلب "Kuzgun-KY".

وقام بتطوير هذه الصواريخ مؤسسة "TÜBİTAK-SAGE" (توبيتاك ساغا)، حيث يبلغ وزن الصاروخ 75 كيلوغراما برأس حربي وزنه 10 كيلوغرامات ومدى يصل إلى 20 كيلومترا.

المقاتلة "سانجار" 

وقبل "مرلين سيدا" كانت تركيا قد دخلت إلى عالم الزوارق المسيرة، تحديدا في 7 يونيو/ حزيران 2022، عندما شهد الشعب التركي والعالم مراسم الإنزال البحري للمسيرة البحرية المقاتلة “سانجار” التي صنعتها شركتا "يونجا-أونوك" و"هافلسان".

وقتها أعلن رئيس مؤسسة الصناعات الدفاعية الحكومية، إسماعيل ديمير، أن "تركيا تسعى لتصبح إحدى الدول الرائدة في العالم في مجال الزوارق البحرية المسيرة، وذلك بالاستفادة من الخبرة والنجاح الذي اكتسبته في مجال المركبات الجوية المسلحة المسيرة (الدرونز القتالية)".

وبحسب تقرير مؤسسة الصناعات الدفاعية، فإن "سانجار تتميز بكونها ذاتية القيادة بسرعة تتجاوز 40 عقدة بمدى إبحار يصل إلى 400 ميل بحري كحد أدنى.

وبإمكانها الإبحار لمدة 40 ساعة متواصلة دون الحاجة للتزود بوقود، ويبلغ طولها 12.7 مترا، إضافة إلى تميزها بتصميم معياري يتيح إمكانية دمج أنظمة مختلفة بها.

كما تتميز "سنجار" بالقدرة العالية على المناورة والسرعة، وأداء واجباتها على أكمل وجه حتى في الأحوال الجوية والبحرية الصعبة والمتقلبة.

وباستطاعتها نقل الصور التي تتلقاها إلى مراكز القيادة في الوقت الفعلي، واكتشاف العناصر السطحية وتصنيفها.

وكذلك التنقل والعمل بشكل مستقل، وتجنب العوائق الثابتة والمتحركة تلقائيا، حتى في حالات فقدان الاتصال. 

فضلا عن قدرتها على التنقل وفقا لإحداثيات المستشعرات الدقيقة الموجودة فيها.

وكشفت “أسيلسان”، عن تزويد "سانجار" بصواريخ من نظام "روكيتسان" ونظام المدفع الرشاش الثابت "ستامب"، بهدف توفير حماية مستقلة للمركبات من القواعد البحرية وما شابه.

ويمكن لسنجار التكامل مع صواريخ "أمتاش" و"أل أمتاش" المزودة بتلسكوب ورادار ملاحة وكاميرا وأنظمة مضادة للتصادم. 

كما يمكن نقل هذه الزوارق البحرية عبر طائرات الشحن أو السفن العسكرية أو عبر البر.

لكن أهم ما يميز "سانجار" بحسب "أسيلسان" قدرتها على أداء مهام قتالية واستطلاعية تصل إلى 4 بحار.

ويمكنها تركيب مدفع رشاش "عيار 7.62 أمتار"، وقاذفة قنابل يدوية بطول 40 مترا عليها.

كما تمتلك القدرة على إجراء مناورة شديدة العدوانية دون تعريض حياة المدنيين للخطر باستخدام جهاز التحكم عن بعد.

ألباتروس-س 

ومن المركبات المهمة الداخلة في سرب الزوارق البحرية التركية القتالية، هي مسيرة "ألباتروس-س" (Albatros-S) البحرية.

وهي زورق له قدرات عسكرية متقدمة وتابع لشركة "أسيلسان"، التي أنتجت وطورت مسيرة "ألباتروس-س".

ويتميز الزورق بمقدرة عالية على المناورة، وقدرة اتصال شبكية تكتيكية متقدمة تتناسب مع البيئة البحرية، خاصة في البحر المتوسط. 

وبحسب "أسيلسان" لـ"ألباتروس-س" قدرة حمولة عالية، وتفوق سرعتها 200 ميل بحري في الساعة. 

وتستطيع تلك الزوارق التي يبلغ طولها حوالي 7 أمتار، مواصلة عملها بأمان ضد مختلف الصعوبات والعقبات. 

وتمتلك قدرات متقدمة مثل نظام الاتصال المحلي، ونظام التحكم عن بعد، وهندسة أنظمة الاتصالات المتعددة، ونظام الملاحة العالمي عبر الأقمار الصناعية (GNSS).

إضافة إلى القدرة على مواصلة واجبها في بيئة منقطعة الاتصالات، ومواجهة التشويش خلال المهام الاستطلاعية على القواعد العسكرية البحرية للعدو. 

تهديدات أردوغان 

وفي 16 سبتمبر 2022، أصدر موقع "أوراسيا تايمز" ومقره "كندا" تقريرا عن إستراتيجية تركيا في الدخول بقوة إلى عالم الزوارق البحرية المسيرة، وإلى أي مدى يمثل تهديدا لغريمتهم الأولى اليونان. 

وأشار الموقع إلى أن سعي تركيا لامتلاك الزوارق البحرية المسيرة غير المأهولة ليس بالأمر الجديد.

ففي مايو/ أيار 2022، أجرت شركة "ديرسان" التركية بالاشتراك مع “أسيلسان”، في بحر مرمرة، اختبارات على قوارب "سالفو" المسلحة المسيرة.

وخلال الاختبارات، تمكن الزورق من إطلاق صاروخ موجه بالليزر من نوع (CIRIT) المحلي وإصابة هدف متحرك بنجاح.

قبلها في يوليو/ تموز 2021، عرضت شركة الدفاع "أسيلسان"، بالتعاون مع شركة "سفينة" التركية لصناعة السفن، تصميمين لزورق حربي بدون ربان مضاد للغواصات، ومركبة بحرية مسيرة. 

وكلتا المركبتين قادرة على الوصول إلى سرعات تصل إلى 40 عقدة ولهما مدى يصل إلى 600 ميل بحري.

وبجانب تمتعهما بقدرة تحمل تصل إلى قرابة الأربعة أيام دون الحاجة إلى إعادة الإمداد.

وصممت الزوارق المسيرة التركية لتستخدم في العمليات الحربية البحرية لأغراض دفاعية وهجومية، وتتعاظم أهميتها في ظل تصاعد التوترات بين أنقرة وأثينا، بحسب  تقرير موقع “أوراسيا تايمز”.

وتصرح أنقرة أن أثينا تنتهك الاتفاقيات الدولية من خلال عسكرة الجزر القريبة من ساحلها بالبحر المتوسط، لدرجة أن خفر السواحل التركي اتهم نظيره اليوناني بإطلاق النار على سفينة شحن تبحر في المياه الدولية في بحر إيجة.

ويعقب التقرير على هذه الحادثة قائلا إن "في مثل هذه السيناريوهات يصبح تطوير المركبات البحرية المسيرة ونشرها أمرا شديد الأهمية لتركيا".

واستدل أنه في 3 سبتمبر 2022، أصدر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تهديدا مبطنا لليونان بـ"الغزو"، ردت عليه أثينا بإعلان استعدادها لحماية سيادتها. ولا تزال النزاعات الإقليمية في بحر إيجة والخلافات حول مدى المجال الجوي قائمة بين البلدين.

ويضيف التقرير أنه قبل ثورة الصناعات العسكرية التركية، كانت اليونان مسلحة بطائرات مقاتلة متطورة مثل رافال الفرنسية وإف 16 الأميركية المطورة، في وقت كانت فيه تركيا تعاني من أسطول قديم من المقاتلات، لكن الوضع حاليا تغير جملة وتفصيلا لصالح أنقرة المتطلعة.