بعد سنوات القطيعة.. ما أبعاد التقارب سياسيا وعسكريا بين السودان وإيران؟

منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

أحاديث جنود السودان في قتالهم المستعر وصلت من أبوظبي إلى طهران، فكل فريق يضبط بوصلته بما يحقق مصالحه ويضمن له تحقيق النصر المنتظر الذي سيحكم به البلاد لفترات طويلة. 

ففي 5 فبراير/ شباط 2024، التقى وزير الخارجية السوداني علي الصادق علي في طهران مع نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان.

وذلك في أول زيارة لوزير خارجية السودان منذ قطع العلاقات بين البلدين عام 2016، خلال حكم الرئيس المعزول عمر البشير.

زيارة الصادق علي إلى طهران حددت معالم دبلوماسية الحرب التي ينتهجها رئيس مجلس السيادة، قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وجنرالاته في صراعهم مع مليشيا "الدعم السريع" المتمردة بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي". 

خطوات التقارب 

ومنذ سنوات تلعب "الدعم السريع" بورقة الإمارات التي دعمتها ماليا وعسكريا وحولتها من قوة ذات طبيعة خاصة داخل الجيش إلى غول قوامه أكثر من مئة ألف مقاتل يسعى لابتلاع الجيش والسودان برمته.  

لذلك فمع بداية القتال بين القوتين في أبريل/ نيسان 2023، تأرجحت علاقات السودان الخارجية، فالتحركات الإقليمية والدولية في الأزمة أظهرت دورا لقوى خارجية، وجعل ميزان الحرب ميدانيا متذبذبا في كفتيه بين الطرفين المتحاربين.

لكن طرق البرهان باب طهران أخيرا، ساهم في تحولات متعددة في دائرة الصراع، خاصة على المستوى العسكري، لكنه فتح أيضا محور جدل عن دور إيران المرتقب في السودان، والتخوفات من سياستها التي قد تؤثر سلبا على الخرطوم كما حدث في عواصم عربية أخرى. 

وعرفت العلاقات السودانية الإيرانية تقدما قويا على مدار ثلاثة عقود، تحديدا مع وصول البشير إلى رئاسة السودان (1989)، رافعا شعارات إسلامية "تتوافق مع هوى الجمهورية الإيرانية".

وتزامن ذلك أيضا مع نهاية حرب الخليج الأولى (1980-1988) حيث سعت إيران إلى توطيد علاقاتها مع دول المحيط، وكانت الخرطوم بالنسبة لها بوابة الدخول إلى القارة الإفريقية.

ووصل الأمر في التعاون المشترك بين الدولتين أن أصدر معهد دراسات الأسلحة الصغيرة في سويسرا، تقريرا في مايو/ أيار 2014، أوضح فيه أن "التعاون العسكري بين إيران والسودان شهد تطورا لافتا بعد اتهام الخرطوم إسرائيل بإرسال 4 طائرات لضرب مجمع اليرموك للصناعات العسكرية جنوب الخرطوم، في أكتوبر/تشرين الأول 2012".

وأضاف "كانت إسرائيل تعتقد بقوة أن المصنع يعمل به خبراء إيرانيون، ويمد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة بالأسلحة التي تصلها عبر شرق السودان، وأن التعاون العسكري بين الخرطوم وطهران يمثل تهديدا مباشرا عليها".

واستمر الحال على ما هو عليه من تعاون وتواصل وتنسيق سياسي واستخباراتي حتى يناير/ كانون الثاني 2016، عندما قرر البشير قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران.

جاء هذا القرار ردا على اقتحام محتجين غاضبين سفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مدينة مشهد شرق إيران حينها، في أعقاب تنفيذ حكم الإعدام بحق رجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر، مع مجموعة مدانين آخرين، بتهمة الإرهاب.

وفي 2 يوليو/ تموز 2023، بدأ السودان اتخاذ خطوات حثيثة نحو استعادة العلاقات عندما التقى وزير الخارجية علي الصادق، مع نظيره الإيراني، عبد اللهيان، على هامش اجتماع "حركة عدم الانحياز" التي عقدت في عاصمة أذربيجان باكو، حيث بحثا سبل استئناف العلاقات الدبلوماسية "على الفور" بين البلدين.

بعدها في 9 أكتوبر 2023، أعلن السودان رسميا استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إيران، في وقت كانت تحتدم فيه الحرب بالبلاد، ويتعرض فيه الجيش لهجمات شرسة من "الدعم السريع". 



موازين القوة

وسرعان ما تكشف أن عودة العلاقات الدبلوماسية بين السودان وإيران، هدفه الأول لدى الجانب السوداني هو إمداده عسكريا في مواجهة خصمه اللدود "الدعم السريع".

وقد لاقى بغيته بالفعل وظهر هذا في رصد تغير موازين القوى لصالح الجيش خلال معركة أم درمان

ففي 8 فبراير 2024، نشرت الصفحة الرسمية للجيش السوداني عبر "فيسبوك" مشاهد مصورة للبرهان، وهو يتفقد المواقع الأمامية للقوات المسلحة بمنطقة أم درمان.

وكان في استقباله مجموعة من جنرالات الجيش على رأسهم عضو مجلس السيادة الانتقالي، ومساعد القائد العام، الفريق أول ركن ياسر العطا.

وأراد البرهان أن يبعث رسائل طمأنة للمواطنين، فوقف وسط جنوده في أم درمان وخطب فيهم مؤكدا أن "القوات المسلحة والشعب في خندق واحد لاستئصال سرطان المليشيا المتمردة ومرتزقتها". 

السؤال الذي طرح نفسه وقتها أمام هذا التقدم للجيش، هو عن العامل الفارق الذي رجح كفة القوات المسلحة في هذه المعركة.

جاءت الإجابة في التقرير الذي نشرته وكالة "بلومبيرغ" الأميركية في 24 يناير/كانون الثاني 2024، وذكرت فيه أن "أقمارا اصطناعية التقطت صورا لطائرة من نوع (مهاجر 6) الإيرانية، في قاعدة خاضعة لسيطرة الجيش شمالي الخرطوم".

ونقلت الوكالة عن ثلاثة مسؤولين غربيين، طلبوا عدم الإفصاح عن هوياتهم لكشفهم عن معلومات حساسة، أن "الجيش السوداني تلقى شحنات من طائرة (مهاجر 6)، وهي مسيرة ذات محرك واحد تم تصنيعها في إيران".

وذكرت أن الطائرة "تحمل ذخائر موجهة بدقة"، فيما أكد محللون فحصوا صورا للأقمار الاصطناعية "وجود الطائرة من دون طيار في البلاد".

من جانبه، كشف رئيس مشروع نزع السلاح في "منظمة باكس" الهولندية، "ويم زوين نبرغ"، أن "من بين الأدلة التي تثبت وجود (مهاجر 6) في السودان، صور الأقمار التي التقطت المسيرات في قاعدة وادي سيدنا الجوية (الخاضعة لسيطرة الجيش)".

ووفقا لبلومبيرغ فإن "مهاجر 6 قادرة على شن هجمات (جو-أرض) والحرب الإلكترونية، والاستهداف المباشر في ساحة المعركة".



الشايب 

ورأى السياسي السوداني، عمر الخضر، أن "البرهان باعتماده على إيران، وإدخالها ولو جزئيا في الصراع كمن استخدم ورقة (الشايب) في لعبة (الكوتشينة/الورق) ليحبط مخططات وألاعيب خصمه".

وقال الخضر لـ"الاستقلال": "لن أبالغ لو قلت أن هذه أهم خطوة فعلها البرهان منذ بداية الحرب، خاصة وأن حلفاءه خذلوه ولم يقدموا له الدعم الكافي".

وتابع: "فالقاهرة عجزت عن إنقاذه إرضاء للإمارات الداعمة للدعم السريع، والتي لم تبخل عليه بالمدد العسكري والمالي والدبلوماسي، فأبوظبي كانت عازمة على وضع حميدتي في قلب قصر الحكم في الخرطوم كحاكم أوحد للسودان، بعد تفكيك الجيش ومؤسسات الدولة". 

واستطرد: "أنظر إلى البرهان والجيش الذي تلقى خسائر إستراتيجية صادمة في الفترة الأخيرة أخطرها خسارة ولاية الجزيرة ومدينة ود مدني، وكذلك تزايد نفوذ الدعم السريع على أم درمان واقتراب إسقاطهم للعاصمة، ومع ذلك لم يجد الجيش من يسعفه فراح إلى التجنيد الشعبي والتعبئة القصوى، ولولا سلاح الطيران لحسمت المعركة تماما".

ورأى الخضر أن "النتائج السريعة التي أظهرها الدعم الإيراني للجيش تبرهن أن البرهان اختار الاختيار السريع، فانتصاره في أم درمان ثبت أقدامه بعد زلزال الجزيرة، والأهم أعطى للجنود والمقاتلين دفعة معنوية لاستكمال الحرب المصيرية". 

واستدرك قائلا: "مع ذلك لن نغفل أن إيران حليف له أطماعه وخططه التوسعية، وأنه لم يعط البرهان دون مقابل، بل سيأخذ من السودان أضعاف ما أعطاه، خاصة وأن طهران دائما تنظر للسودان على أنه كنز إستراتيجي وموطئ قدم مهم في سواحل البحر الأحمر". 

ولفت الخضر إلى أنه "قبل زمن اتخذت إيران السودان مدخلا نحو القرن الإفريقي شرقا والساحل الإفريقي غربا، لتعزيز نفوذها، وهذا يقلق دول الخليج خاصة الإمارات والسعودية، من جهة أخرى يدخل في محور التنافس الأميركي الروسي الصيني الخليجي على المنطقة، بينما السودان هو القصعة التي تتكالب عليها الذئاب". 

وهناك إشارات مقلقة أن وجود إيران في السودان قد يمثل عديدا من التهديدات، خاصة أن التوغل الإيراني في دول المنطقة شابه كثير من الأحداث والوقائع الدموية كما في سوريا واليمن والعراق ولبنان. 

وحتى التاريخ الإيراني في السودان عليه علامات استفهام فيما يخص نشر العقيدة الأيديولوجية الإيرانية المتمثلة في المذهب الشيعي الإثنى عشري.

ففي 7 يوليو 2023 نشر موقع "الحرة" الأميركي تقريره عن تقاربات طهران والخرطوم، وأورد فيه أنه قبل قطع العلاقات بين البلدين كانت هناك اتهامات من أطراف في الخرطوم تنتقد محاولات طهران التدخل بإنشاء مراكز دينية طائفية في البلاد. 

وبالفعل في عام 2014، تم إغلاق المراكز الثقافية الإيرانية في السودان، وبررت الخرطوم قرارها بتزايد نشاط هذه المراكز في نشر المذهب الشيعي.  

إذ يعتنق أغلب السودانيين المذهب السني، وحتى الجماعات الصوفية الضخمة واسعة الانتشار لا تميل إلى التشيع، على العكس ارتبطت وتواصلت مع الحركات الدينية الأخرى كالإخوان المسلمين والسلفيين.

وقال الموقع الأميركي إن "الحرس الثوري الإيراني لديه علاقات سابقة مع مسؤولين عسكريين سودانيين".

وهذا ما يعزز المخاوف من التدخل الإيراني الداعم لأحد الأطراف (الجيش)، والذي قد يكون من نتائجه نشر المذهب الشيعي، ووصول الحرس الثوري بشكل أو بآخر لأن يكون لاعبا رئيسا في السودان، وقتها ستنقلب المعادلة في المنطقة ككل.