عبر دعم الانفصاليين.. هكذا تحاول إسرائيل تفكيك إيران من الداخل

إسرائيل تسعى لاستغلال التنوع العرقي في إيران من أجل إثارة الاضطرابات
لطالما كانت إيران بصفتها أحد أبرز الفاعلين في منطقة غرب آسيا، في مركز الاهتمام الإقليمي والدولي، خاصة مع ما تمتلكه من موقع جيوسياسي، وتاريخ يمتد لآلاف السنين، وموارد طبيعية غنية، وقدرات عسكرية وثقافية.
غير أن إسرائيل ترى في إيران تهديدا إستراتيجيا، ليس بسبب برنامجها النووي أو مواقفها السياسية فحسب، بل لكونها كيانا موحدا قويا قادرا على لعب دور فاعل في الشرق الأوسط، بحسب موقع "وطن أمروز".

تفكيك الدولة
ومن هذا المنطلق، يرى الموقع الإيراني أن صانع القرار الإسرائيلي يتبنى إستراتيجية لا تستهدف مجرد "احتواء" إيران، بل تسعى إلى تفكيكها وتحويلها من دولة متماسكة إلى كيانات صغيرة ضعيفة.
في هذا السياق، أثارت تغريدة يائير نجل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، جدلا واسعا على منصة "إكس" بعد أن زعم أن "الأكراد شعب علماني وحليف طبيعي للغرب، إلا أن أراضيهم قسمت واحتلت من قبل أربع دول: تركيا وإيران والعراق وسوريا".
وعقب الموقع على هذا المنشور: "هذه التصريحات تبدو في ظاهرها تعاطفا مع الأكراد، لكنها تنطوي على رسالة إستراتيجية أعمق: إسرائيل تستخدم الحركات الكردية الانفصالية كأداة لزعزعة استقرار دول المنطقة، وخاصة إيران".
ولا ينظر الموقع إلى تصريحات يائير نتنياهو بصفتها مجرد رأي شخصي، ويرى أنه "يتمتع بنفوذ سياسي بحكم انتمائه لعائلة رئيس الوزراء، وغالبا ما تعكس مواقفه توجهات الدائرة المقربة من الحكومة الإسرائيلية".
ويرى أن "إشارته إلى الأكراد كحلفاء محتملين للغرب، تعكس محاولة لإضفاء شرعية دولية على الحركات الانفصالية، واستخدامها لتحقيق أهداف جيوسياسية إسرائيلية".
وأضاف: "الرسالة واضحة: إسرائيل تسعى لاستغلال التنوع العرقي في إيران من أجل إثارة الاضطرابات وإضعاف السلطة المركزية".
في هذا الصدد، نقل الموقع ما ذكره البروفيسور جون ميرشايمر، أحد أبرز منظري المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية، في مقابلة مع الإعلامي الأميركي تاكر كارلسون، عن الأهداف الحقيقية لإسرائيل تجاه إيران.
إذ أكد ميرشايمر أن "الهدف لا يقتصر على منع إيران من امتلاك سلاح نووي، بل يتعداه إلى تفكيك الدولة وتحويلها إلى نموذج مشابه لسوريا: دولة غارقة في الفوضى الداخلية، والصراعات العرقية، وعاجزة عن لعب أي دور إقليمي".
وأشار إلى أن إسرائيل تفضل وجود جيران ضعفاء ومفككين، مستشهدا بحالتي الأردن ومصر، اللتين تحولا إلى فاعلين سلبيين في المنطقة نتيجة اعتمادهما الاقتصادي على الولايات المتحدة وبسبب ضغوطها السياسية.
أما إيران -بحسب الموقع- فإنها "بفضل استقلالها النسبي سياسيا واقتصاديا، يصعب إخضاعها عبر أدوات الضغط التقليدية، ما يدفع إسرائيل إلى تبني إستراتيجية التفكيك، عبر تأجيج النزاعات العرقية الداخلية".

دعم الانفصاليين
في السياق نفسه، أشار إلى ما نشرته مجلة "نيوزويك" الأميركية، إذ أكدت في تقرير حديث صدر أخيرا على هذا التوجه.
فقالت: "بعد فشلها في إثارة اضطرابات داخلية خلال الحرب التي استمرت 12 يوما (خلال يونيو/حزيران 2025)، بدأت إسرائيل دعم الجماعات الانفصالية، خصوصا الكردية، بشكل أكثر وضوحا".
وتحدث التقرير الأميركي عن "مساع إسرائيلية لتوفير المزيد من الأسلحة والمعدات العسكرية لهذه الجماعات لتمكينها من إشعال حرب أهلية في إيران".
ويرى الموقع الإيراني أن "هذه الشواهد مجتمعة تشير بوضوح إلى أن العقيدة الأساسية لإسرائيل هي تجزئة إيران إلى وحدات أصغر وأضعف، لا تغيير النظام والإطاحة بالجمهورية الإسلامية".
هذا التفكيك سواء على أساس عرقي أو مناطقي، من شأنه أن "يحد من قدرة الدولة المركزية على إدارة مواردها والسيطرة على أراضيها ولعب دور إقليمي فاعل".
واستشهد بالوضع في دمشق قائلا: "تعد سوريا نموذجا ناجحا لهذه الإستراتيجية، حيث تحولت بعد الحرب الأهلية (اندلاع الثورة عام 2011) إلى مناطق نفوذ متعددة، وفقدت قدرتها على دعم محور المقاومة".
وأردف أن: "تجربة سوريا أثبتت أن إشعال صراعات طائفية وعرقية يمكن أن يُقصي دولة قوية من المشهد الإقليمي لعقود".
ووفقا له، "تسعى إسرائيل الآن إلى تكرار هذا السيناريو في إيران، مستفيدة من تنوعها العرقي الذي يوفر أرضية خصبة لإشعال النزاعات الداخلية".
في المحصلة، يشدد الموقع الفارسي على أن "عقيدة إسرائيل تجاه إيران تكمن في تفكيكها"، مبينا أن هذا التوجه ينبع من قلق تل أبيب العميق من قوة طهران وتماسكها".
وخاصة بعد أن أظهر الشعب الإيراني وحدة غير متوقعة في مواجهة عدو خارجي خلال الحرب الأخيرة مع إسرائيل، وفق تعبيره.