كوميديا سوداء.. كيف برر أنصار السيسي تضاعف سعر رغيف الخبز في مصر؟

محمد السهيلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"يسرقون رغيفك؛ ثم يعطونك منه كسرة، ثم يأمرونك أن تشكرهم على كرمهم.. يا لوقاحتهم"، كلمات منسوبة للروائي الفلسطيني الراحل غسان كنفاني، تعبر عن صدمة المصريين إثر توجه سلطات بلادهم لرفع سعر رغيف الخبز لأول مرة منذ 33 عاما.

ولأن الخبز كان أول مطالب ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، حينما خرج الملايين ضد نظام حسني مبارك يهتفون: "عيش، حرية، عدالة اجتماعية"؛ ظل النظام الحاكم يتحين الفرصة تلو الأخرى ليحرك سعر الخبز عن عرشه الأقدم من أية ديكتاتورية شهدتها مصر.

رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، أثار مخاوف ملايين المصريين عندما أعلن يوم 3  أغسطس/ آب 2021، أنه بصدد زيادة ثمن رغيف الخبز، معربا عن استنكاره بقاء سعره ثابتا لأكثر من 30 عاما.

وقال: "آن الأوان لزيادة ثمن رغيف الخبز.. مينفعش يكون ثمن 20 رغيفا يساوي سيجارة".

وادعى السيسي أن هذه الزياة بهدف توفير 8 مليارات جنيه (حوالي 509.6 مليون دولار) لتغذية طلاب المدارس، قائلا: "أريد أن أعطي لأولادي أكل بـ8 مليار جنيه وليس هناك نقود".

خطوة السيسي بحق رغيف الخبز سبقها في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 ، قراره بتقليل وزن الرغيف المدعم بنحو 20 غراما ليصبح وزنه 90 غراما، وهو ما اعتبره البعض مقدمة لقرارات أخرى بحق الرغيف، وتمهيدا لنزع الدعم عن الخبز والتموين.

وفي نفس السياق، أكد مواطنون مصريون لـ"الاستقلال"، أنه جرى "تقليل حصص التموين الشهرية بشكل مبالغ فيه، وأنه مع صرف حصة أغسطس/آب 2021، قللت وزارة التموين عدد زجاجات زيت الطعام لكل فرد إلى واحدة بدلا من اثنتين شهريا".

الفقر وصل في عهد السيسي إلى نسب غير مسبوقة، وبحسب تقرير للبنك الدولي في مايو/ أيار 2019، بلغ نحو 60 بالمئة من سكان مصر، إذ وصفهم التقرير بأنهم فقراء أو عرضة للفقر، في بلد يتعدى سكانه 100 مليون نسمة.

"انتصر للغلابة"

ورغم معاناة المصريين مع تراجع الدخل، وقلة فرص العمل في ظل تغول جائحة "كورونا"، وبسبب قرارات النظام المتتابعة برفع أسعار السلع والخدمات وتقليل الدعم منذ تعويم الجنيه في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، إلا أن هناك من يبرر قرار السيسي الجديد.

هناك من اعتبر القرار متوافقا مع الشرع الإسلامي ويغلق الباب أمام صناعة مادة غذائية محرمة، فيما عده البعض انتصارا للفقراء ولرغيف الخبز نفسه، وفرصة للمرأة لتؤدي دورها الإنتاجي، وللشباب كي يعمل ولا يعتمد على الدعم، وخطوة نحو شعب "غير سمين".

أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر أحمد كريمة، ذهب في تأييده قرار السيسي، بالتذكير بأنه ولي الأمر ويجب طاعته، فيما ربط الخبز ببعض الصناعات المحرمة شرعا.

كريمة قال يوم 5 أغسطس/آب 2021، لأحد البرامج الفضائية المحلية، إن "الفقهاء قرروا أن تصرفات ولي الأمر أو الحاكم منوطة بالمصلحة وأينما كانت المصلحة فثم شرع الله".

وأضاف أن هناك عربات كارو تجمع هذا الخبز لتصنع منه "مشروبا محرما (البوظة) التي توضع في جرار فخار وتقدم للطبقات الكادحة، وهذا محرم، لأن البوظة حرام حرام حرام".

نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، رحب بالقرار وقال يوم 3 أغسطس/ آب 2021: إن السيسي "انتصر للغلابة" (الفقراء)، ورد الاعتبار لرغيف الخبز المصري الذي أهدرت كرامته.

أبو صدام وفي حديثه لفضائية "الحدث اليوم"، اتهم الفلاحين بإهدار القمح وإطعام الحيوانات بقايا الخبز المدعوم.

وتابع: "أنا مش بطبل.. كلامي للصالح العام ومستعد لتحمل كل الشتائم لأني أتكلم عن مصلحة الدولة، ومن الضروري تقنين وضع الدعم في كافة السلع".

وفي حديث صحفي آخر أكد نقيب الفلاحين يوم 3 أغسطس/آب 2021، أن رفع سعر الخبز فرصة لكي تعود المرأة المصرية لدورها في الإنتاج بصناعة الخبز مجددا بعدما اعتمدت لسنوات على العيش المدعم.

أبو صدام طالب رئيس النظام بتحرير سعر رغيف الخبز بالكامل، وقال: إن "الرئيس السيسي والدولة المصرية لن تقبل أن ينام مصري بدون عشا".

وقال رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية، إبراهيم العربي، لصحيفة "الشروق" المحلية: "تقليص ميزانية دعم الخبز وتوجيهها لمشروعات جديدة يحدث نقلة في تمويل المشروعات القومية التي تحسن المناخ الاقتصادي وتخلق فرص عمل للشباب".

وعلى نفس المنوال قال رئيس الغرفة التجارية بمحافظة البحر الأحمر خالد رضا، في تقرير "الشروق" ذاته، يوم 5 أغسطس/آب 2021: إن "اعتماد الفرد على الدولة في دعم غذائه يخلق مناخا من التكاسل بين فئة الشباب".

رئيس شعبة المخابز بغرفة القاهرة، عطية حماد، قال يوم 5 أغسطس/آب 2021، لـ"سي إن إن العربية": "لا توجد سلعة في السوق بـ5 قروش، كما لا توجد سلعة يستقر سعرها لنحو 40 عاما دون زيادة حتى أن عملة 5 قروش نفسها لم تعد متداولة".

معظم الإعلاميين المصريين برروا قرار السيسي وربطوه بحياة المصريين الكريمة وبالصرف على مشروعات سيرون مردودها قريبا، وتغذية أطفال المدارس.

لكن الإعلامي محمد الباز، أشاد بالسيسي نفسه، وجزم بأن حديثه عن سعر الرغيف وتحمله قرار رفعه "سلوك شخص مصلح"، بل ذهب للتأكيد عبر بث مباشر بـ"فيسبوك"، أن "الرئيس رجل إصلاح".

وفي أول رد فعل برلماني، وصف النائب علاء عابد قرار السيسي بالشجاع، وحياه "على صراحته مع الشعب المصري وقدرته على الخوض في القضايا الشائكة".

عابد قال في تصريحات صحفية يوم 3 أغسطس/آب 2021: إن "الرئيس تحمل مسؤولية كل القرارات الصعبة، بداية من إطلاق برنامج الإصلاح الاقتصادي مرورا بتعويم الجنيه وأيضا قراره الشجاع اليوم".

عضو المجلس القومي للمرأة نشوى الحوفي، اعتبرت القرار فرصة لتغيير "ثقافة المصريين المرهونة برغيف العيش"، مؤكدة عبر "فيسبوك"، أن هذا لا بد من تغيره "لصحتهم ومصلحة الدولة".

وشددت على وجوب تغيير "ثقافة أكلنا عشان (لكي) نقدر نكمل".

صفحات عديدة مؤيدة للسيسي عبر فيسبوك، زعمت أن الفقير في مصر توفرت له "حياة كريمة" ويسكن في "شقة محترمة" بدلا من العشوائيات ويعالج من فيروس "سي"، وعولج على حساب الدولة من مرض "ضمور العضلات" بملايين الجنيهات، ولديه كهرباء وغاز في قريته.

وأضافت تلك الصفحات وبينها "الصفحة الرسمية للواء عمر سليمان"، أن كل هذا لم يكن يحدث للغلبان: "لولا القرار الجريء بتحريك أسعار المحروقات و شرائح الكهرباء".

وختم البوست بالقول: "ولسه الغلبان وأولاده سيستفيدون أكثر وحياتهم ستتغير للأفضل من التحريك المتوقع لسعر رغيف العيش".

معنى ذلك المنشور جرى تداوله بطرق عديدة من خلال صفحات متنوعة عبر "فيسبوك"، و"تويتر"، ولكن بصيغ مختلفة بعض الشيء.

تبرير غير مقنع

داعمو السيسي بهذه الطريقة، أثاروا غضب بعض المراقبين وبينهم رئيس تحرير صحيفة "الأهرام" الأسبق عبدالعظيم حماد،  الذي انتقد حديث الشيخ كريمة تحديدا.

حماد، كتب: "ذلك الشيخ إما طموح  لمشيخة الأزهر وإما من الذين يرون القش في عيون الغلابة ولا يرون الخشب في عيون الكبار".

وفي رؤيته يقول الخبير الاقتصادي المصري عبدالنبي عبدالمطلب: إن "رغيف العيش يمثل الغذاء الرئيس للمواطن المصري بشكل عام، وللمواطن الفقير على وجه الخصوص".

ويضيف لـ"الاستقلال": "الحصول على هذا الرغيف يتم من خلال الأفران البلدية والمنتشرة في كافة أحياء وقرى مصر؛ ويدخل الخبز المدعوم داخل منظومة السلع التموينية".

ويوضح أنه "بذلك لا يحصل عليه إلا من يحمل بطاقة تموين، أو مثبت على تلك البطاقة".

ويشير في رده على من يبرر قرار رفع سعر الخبز، إلى أن "البعض حاول الحديث عن أن رفع الدعم عن رغيف الخبز ربما يساهم في ترشيد الأموال المخصصة للدعم والتي تبلغ نحو 53 مليار جنيه سنويا".

الخبير المصري يعتقد أن هذا غير مقنع وأن "المطلوب هو التدقيق في عدد المواطنين الذين يحصلون على الدعم، والبحث عن آلية تسمح بوصوله لمستحقيه".

ويبين: "مثلا إذا كان الفرد يحصل على 2 كيلو سكر، وكيلو زيت من المنظومة التموينية مقابل ثلاثة جنيهات شهريا، فما المانع من 150 رغيف شهريا مقابل سبعة جنيهات ونصف".

ويؤكد أن "هذا يضمن استقرار حياة الفقراء، والعمالة غير المنتظمة، وغيرها، إذ تمثل الحصة اليومية من رغيف الخبز، الغذاء الوحيد لعدد غير قليل من المواطنين، ولعدة أيام".

"وعلى ذلك فإنني أعتقد أن رفع سعر الرغيف لن يوفر الكثير من الأموال للموازنة، ولكنه سيؤدي إلى ارتفاع وجبات الغذاء الشعبية (السندوتشات)، وهذا سيؤدي إلى زيادة الأعباء على الطبقات الأكثر فقرا"، وفق عبدالمطلب.

من جانبه يدعو رئيس "حزب الجيل" والمنسق العام للائتلاف الوطني للأحزاب السياسية ناجي الشهابي، "إلى عدم المساس بثمن رغيف الخبز التمويني غذاء الملايين من المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر ويعانون من شظف الحياة وقسوتها".

وفي رسالته إلى "الاستقلال"، تساءل الشهابي: "إذا كانت المخابز تبيع رغيف الخبز السياحي بـ50 قرشا وتحقق أرباحا فكيف يكون تكلفة رغيف التموين 65 قرشا، ما يتطلب مراجعة دقيقة لوزارة التموين ومحاسبتها".

ويعتقد أن "كل المصائب التي لحقت بدول العالم وخربتها كان وراءها صندوق النقد الدولي".

ويضيف أن "الصندوق الآن يستعجل تفجير الأوضاع في مصر، ويؤكد أن مطالبه كانت دائما من القاهرة وغيرها من دول العالم النامي تهدد السلام الاجتماعي وتستفز الشعب وتدفعه للغضب".

مصر تستورد 12 مليون طن قمح وتنتج تسعة ملايين طنا، فيما يبلغ عدد المستحقين للخبز المدعم والمسجلين على بطاقات التموين نحو 71 مليونا، وفق إحصاءات حكومية.

وتعد خطوة السيسي هي الزيادة الأولى في سعر رغيف الخبز المدعم في مصر منذ 33 عاما، حيث ظل ثابتا عند سعر 5 قروش.

فالرئيس المصري الأسبق أنور السادات عجز عن رفع سعر رغيف الخبز، وعمت المظاهرات القاهرة في يناير/ كانون الثاني 1977 .

تلك المظاهرات استمرت حتى تراجع السادات عن قراراته، وهو ما دفع خلفه حسني مبارك لعدم المساس طوال 30 عاما بسعر رغيف الخبز ولا وزنه.

ووفق وزارة التموين المصرية فهناك 23 مليونا و179 ألفا و156 بطاقة خبز يستفيد منها 71 مليونا و479 ألفا و859 مواطنا.

ويجري صرف 5 أرغفة لكل مواطن بإجمالي 150 رغيفا شهريا، يشكو الأهالي من سوء صناعتها.

ودعم العيش يتكلف 50.5 مليار جنيه سنويا في ميزانية العام المالي (2021- 2022)، فيما تبلغ عدد المخابز البلدية المدعمة 28 ألف مخبز في الجمهورية.