أبو ظبي في ليبيا.. من دعم الانقلاب إلى تقويض جهود السلام

زياد المزغني | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"الإمارات، وتحديداً أبوظبي، تسعى فسادًا في كل الدول العربية لتخريب أية ديمقراطية، وهي تدعم الاقتتال عبر دعم حفتر"، تصريح خارج عن السياق المعتاد الذي انتهجته المؤسسات الرسمية في غرب ليبيا، جهر به رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي خالد المشري في ندوة صحفية عُقدت بمقر السفارة الليبية في تونس، الخميس 18 أبريل / نيسان 2019.

فمن رغبة في الاتفاق والحوار مع خصومه في ليبيا، انحرفت بوصلة اللواء المتقاعد خليفة حفتر إلى خوض حرب فاصلة ظن أنّها ستنقله إلى حكم البلاد بشكل مطلق ودون منافس، ليفتح من جديد ملف مغامرات الإمارات في ليبيا بعد العام 2011.

فرحى الحرب الدائرة في ضواحي العاصمة الليبية طرابلس وعلى تخومها، أعادت الاتهامات مجدّدا لدولة الإمارات التي تعتبر الداعم الرئيس لحفتر وقواته، ضمن أجندتها الإقليمية المعادية للربيع الديمقراطي وطموح شعوب المنطقة في التغيير.

خطّة الانقلابات

منذ هبوب نسائم ثورات الربيع العربي على ليبيا وإطاحتها بواحد من أشد وأعتى الأنظمة الاستبدادية التي عرفتها البلدان العربية، دخلت الإمارات على خط المواجهة مع تطلعات الشعوب والأوضاع الجديدة التي أفرزتها الثورات الشعبية.

فبعد أن قدّمت دعما سخيّا للنّظام المصري بعد الانقلاب على أول رئيس منتخب ديمقراطيا محمّد مرسي في 3 يوليو/تموز 2013، بدا وكأن سيناريو الانقلابات هو الأفضل لدى الإمارات من أجل الإطاحة بالتجربة الليبية التي تعاني من عدد من المشاكل والأزمات الداخلية.

ففي يوم 14 فبراير/شباط 2014، خرج حفتر على شاشة قناة العربية التي تبث من الإمارات للإعلان عن انطلاقه في تمرّد عسكري وانقلاب على السلطة الشرعية في ليبيا والتي يمثلها حينها المؤتمر الوطني العام، وأطلق عليها "عملية الكرامة"، مقرّرا حسب زعمه تجميد عمل المؤتمر الوطني العام (البرلمان) والحكومة والإعلان الدستوري الصادر في أغسطس/آب 2011 وتسليم السلطة للقضاء في مشهد مشابه لانقلاب السيسي في مصر.

هذه المغامرة التي قادها حفتر، ورفع لها شعارا "الحرب على الإرهاب" جامعا في طياته كل معارضيه من الإسلاميين، بدأت تتكشّف سريعا بصمات الدعم الإماراتي له، حيث لم تخف الدولة الخليجية دعمها منذ العام 2014 لحفتر بمئات المدرعات والسيارات والأموال، وساعدته على خوض معاركه ضدّ القوات الحكومية المعترف بها دولياً، و"الثوار" الرافضين لتوسع قواته.

سبق وأن ظهر ظهر مقطع فيديو تداوله نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي لرئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح (الداعم لحفتر)، يتحدث عن الدعم الكبير الذي قدمته الإمارات إلى حفتر، قائلا "الجيش بدأ من 300 سيارة أخذناها من شخص معرفة لأننا لا نملك المال، وكان سعر الواحدة 47 ألف دولار، وهذه السيارات كانت من ضمن بداية عملية الكرامة (بقيادة حفتر).

وأضاف "ذهبنا إلى الإمارات لنطلب الدعم، وعلى الليبيين أن يذكروا ويرووا لأولادهم أن الإمارات وقفت معنا موقف الأخ، بالحرف الواحد الشيخ محمد بن زايد قال من أول لقاء "حلالنا حلالكم  (يعني مالنا هو مالكم) ولم يقصروا معنا رغم الضغط".


تدخّل مباشر

وتملك الإمارات قاعدتين عسكريتين في ليبيا لطائرات دون طيار ومروحيات وطائرات مقاتلة ومقر عمليات، الأولى في منطقة "الخروبة" على بعد 100 كيلومتر جنوب غربي حقل السرير النفطي، والثانية في منطقة "الخادم" تبعد نحو 100 كيلومتر عن مدينة بنغازي، حيث كشف  التقرير السنوي للجنة العقوبات الدولية الخاصة بليبيا في العام 2017 والمكون من 130 صفحة صورا لقاعدة الخادم العسكرية شرقي البلاد، كما كشف تقرير لـ "التايم" أنها تحولت لقاعدة سرية إماراتية نشرت فيها أبو ظبي عدة طائرات أمريكية تتبع لقوات حفتر.

وخلص التقرير إلى أنّ مساعدات حكومة أبوظبي أدت بدون شك إلى تزايد أعداد الضحايا المدنيين في النزاع الدائر في ليبيا، وإطالة أمد الحرب القائمة، ومخالفة القرارات الأممية التي فرضت حظرا على تصدير الأسلحة إلى ليبيا بعد سقوط نظام معمّر القذافي في العام 2011 .

هذه التقارير المتكرّرة تؤكّد عمق التدخّل الإماراتي في ليبيا، ومحاولاتها فرض أمر واقع سياسيا وعسكريا خدمة لأجندتها الإقليمية، حيث سبق ونقلت "الاستقلال" جزءا من تقرير نشرته الإندبندنت أونلاين يذكر فيه مراسلها للشؤون الدولية بورزو داراغي أن "الأمم المتحدة بدأت بالفعل تحقيقا موسعا في الاتهامات التي وجهت إلى الإمارات بتوفير شحنات من الأسلحة، وتوجيهها إلى الأراضي الليبية لصالح المجهود الحربي الخاص باللواء حفتر".

وينقل داراغي عن مسؤول بارز في الأمم المتحدة دون أن يسميه تأكيده أن هذه الاتهامات -لو صحت- فسيشكل ذلك انتهاكا واضحا من الجانب الإماراتي للحظر الدولي المفروض على دخول السلاح إلى الأراضي الليبية.

لم يكن حديث  رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا خالد المشري شديد اللهجة ضدّ دولة الإمارات مبنيا من فراغ، إذ بدا بالكاشف عن تورطها في أعمال عسكرية مباشرة في عملية طرابلس، حيث اعترف أحمد المسماري الناطق باسم قوات حفتر بأن طائرات أجنبية وصفها بالصديقة قصفت عدة مواقع تابعة لقوات حكومة الوفاق الوطني في ضواحي العاصمة طرابلس، وأكّد رئيس حكومة الوفاق الحادثة واصفا إياها بالاعتداء الصارخ على السيادة الليبية.

ورغم تراجع قوات حفتر في أكثر من محور ووقوع خسائر فادحة في قواته المهاجمة حسب ما نقلته وسائل إعلام محليّة نشرت فيديوهات لأسرى وعتاد قالت إن القوات الموالية لحكومة الوفاق قد غنمته من القوات المهاجمة، إلاّ أن الإمارات لازالت تقدّم دعما كبيرا لحفتر وقواته المهاجمة لطرابلس.

أكّد الإعلامي والخبير في الشأن الليبي ياسين خطاب في حديث لـ"الاستقلال" أنّ ضباطا إماراتيين وصلوا إلى غريان رفقة ضباط فرنسين من أجل إنشاء قاعدة تحكم وسيطرة في المنطقة، مضيفا "الإمارات يبدو أنّها لن تفرّط في استثمارها في حفتر منذ 5 سنوات، فهو جزء من أجندتها في المنطقة".

إجهاض السلام

هذا التدخل الإماراتي الخشن في ليبيا المضاد لجهود المجتمع الدولي أمام التوافق الوطني الليبي، والتعدي على القرارات الدولية التي تحظر تزويد الأطراف بالسلاح، وإرسال طائراتها للعمل عند حفتر في غرفة عمليات واحدة أدّى إلى إفشال الجهود الدولية التي تسعى للتوصل إلى السلام في البلاد التي تمزقها الحرب.

إذ جاء التصعيد العسكري من جانب حفتر تزامنا مع  تحضير الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للحوار في مدينة غدامس كان مقرراً بين يومي 14 و16 أبريل/نيسان الجاري، ضمن خريطة طريق أممية لحل النزاع، إذ يبدو أن من أبرز الأهداف التي دفعت حفتر في تحريك قواته، ممارسة مزيد من الضغوط السياسية والعسكرية لإفشال ملتقى الحوار الوطني.

وبمرور الوقت يبدو أن التدخل الإماراتي في ليبيا سيتحول إلى عبء دولي يحمّل الضفة الشمالية للمتوسط أزمات المهاجرين المتدفقين من سواحل ليبيا، ويوفر مناطق ملائمة لتمركز تنظيمات مصنّفة إرهابيا على غرار "القاعدة" و"تنظيم الدولة"، والتي سبق وأن تدخّلت الولايات المتحدة داعمة لعمليّة  "البنيان المرصوص" التي قادتها قوات مسلّحة داعمة لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا.

هذا التحرّك العسكري يبدو أنّه قد أنهى أي أمل في تحقيق مصالحة وطنية في ليبيا، حسب خطاب قائلا "لا أرى في الأفق أي برنامج لتسوية سياسية، وربّما حتى إذا انتهت المعركة فإن الفرقاء الليبيين سيعودون إلى مفاوضات غير مباشرة ولن يلتقوا على طاولة واحدة".

ويضيف "السراج لن يقبل أن يتفاعل مع حفتر بأي شكل من الأشكال ومصادر مقربة من السراج أكّدت لي أنّ موقف السراج من حفتر تحوّل إلى موقف سياسي وشخصي، ولن يلتقي بحفتر حتى يجلي الأخير قواته من الشرق الليببي".