عند "جهينة" الخبر اليقين.. لماذا يحارب السيسي أكبر شركة ألبان في مصر؟

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في 5 أبريل/نيسان 2021، فوجئ العاملون بشركة جهينة لمنتجات الألبان والعصائر في مدينة 6 أكتوبر بالجيزة المصرية، بحملة ضخمة تقودها شرطة المرور تتمركز قرب منافذ التوزيع.

بدء الحملة قبل شهر رمضان بثمانية أيام، وهو موسم التوزيع المكثف لمنتجات الشركة، وتوقيفها كل عربات ومبردات الشركة صباحا ومساءا كان أمرا مستغربا.

"جهينة" قالت إن كمائن الشرطة سحبت رخص 132 سيارة نقل وتوزيع للشركة بحجج واهية (أمن ومتانة) لا تطبق على غالبية السيارات التي تسير في شوارع مصر، ما زاد من علامات الاستفهام.

استغربت الشركة قيام إدارة المرور ومباحث مرور الجيزة بالتمركز بشكل شبه مستمر عند مصانعها وأرصفة تحميل المنتجات بالمصانع والفروع، وسحب رخص سيارات نقل منتجات الألبان، بحسب بيان منها نشرته وكالة رويترز 3 مايو/ أيار 2021.

وأكدت أن "وحدة تراخيص 6 أكتوبر امتنعت أيضا عن تجديد رخص 65 سيارة، ورفضت ترخيص ثماني سيارات جديدة موديل 2021 بدون سبب واضح أو معلوم".

حاولت الشركة دفع مخالفات سحب الرخص كي تلحق منتجاتها من الألبان بالسوق الرمضاني، فرفضت الشرطة، ما يشير إلى أن الأمر ليس "حملة مرورية" ولكن "سياسة أمنية عقابية". 

تقدمت بشكاوى رسمية ضد هذه الإجراءات المرورية ووصفتها بأنها «غير مفهومة وغير مبررة»، وتسبب لها خسائر، دون جدوى، ووسط تعتيم إعلامي.

قدمت أيضا شكاوى إلى وزارتي التجارة والصناعة، والتموين، وغرفة الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات، وإلى المحامي العام لنيابات منطقة 6 أكتوبر، ولم يتحرك أحد، أو ترد وزارة الداخلية لتبرر ما تفعله.

مطلوب إزاحتها

خروج مسؤولة كبيرة بالشركة (رئيسة قطاع العلاقات الخارجية) للشكوى العلنية لقناة CNBC Arabia الاقتصادية مما جرى، كان مؤشرا على عجزهم الوصول لحلول مع السلطات المصرية، وأن هناك أمورا أخطر يجري تدبيرها.

في أغسطس/آب 2015 صدر قرار من لجنة قضائية حكومية بالتحفظ على أموال رئيس شركة جهينة صفوان ثابت وممتلكاته بدعوى صلاته بجماعة الإخوان المسلمين، وتم اعتقاله من منزله في الثاني من ديسمبر/كانون الأول 2020.

قبل اعتقاله بأسابيع، قام أحد كبار الشخصيات بواحد من المشاريع المستحدثة للدولة لإنتاج الألبان التابعة للجيش، بزيارات متعددة لمصانع «جهينة» اطلع خلالها على كيفية إدارته وتحديث المعدات وأنظمة التشغيل.

بحسب "مصدر سياسي" تحدث لموقع "مدى مصر" 29 أبريل/ نيسان 2021، تمت مفاتحة صفوان ثابت، بعد هذه الزيارات بضرورة التفكير في إدماج جزء من مصانع «جهينة» مع مصنع ألبان الجيش القادم، لكنه تجاهل الطلب.

تزامنت الزيارات لمصانع جهينة ومطالبة رئيس الشركة بإدماج جزء من مصانعه مع شركة الجيش، مع تكرار رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي توجيهاته المستمرة منذ منتصف مايو/ أيار 2020 وحتى بداية سبتمبر/ أيلول من نفس العام بإنشاء منظومة متكاملة لمراكز تجميع الألبان.

السيسي اجتمع مع رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ووزير الزراعة السيد القصير ومدير عام جهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة، اللواء مصطفى أمين، أول ديسمبر/ كانون الأول 2020 وطالبهم بمنظومة تضم 200 مركز متطور لتجميع الألبان على مستوى مصر.

وفي اليوم التالي مباشرة جرى اعتقال رئيس شركة جهينة، ما يطرح تساؤلات حول وجود رابط بين بيزنس ألبان السلطة والجيش، وعرقلة نشاط أكبر شركة للألبان في مصر (جهينة)؟!.

الأمر لم يكن صدفة، فقد كان هناك ما يدبر لصفوان ثابت من قبل؛ لأنه "رفض مقترحا تقدم به إليه وزير التموين علي المصيلحي لشراء شركتي قها وادفينا المملوكتين للدولة، وتعانيان من عثرات اقتصادية كبيرة"، بحسب مصدر يعمل في الصناعات الغذائية الحكومية لـ "مدى مصر".

المصدر قال إن «عدم إقبال صفوان ثابت على الفكرة لم يكن فقط نابعا من عدم اهتمامه بالمشروع» ولكن أيضا بسبب «المقابل المالي الكبير والمبالغ فيه الذي كان سيكون على الشركة (جهينة) تقديمه مقابل شراء شركتي الحكومة".

بعد رفض "ثابت" طلب السلطة شراء قها وادفينا، ثم اعتقاله، بأربعة أشهر، عاد وزير التموين ليطالب رجال الأعمال 4 أبريل/ نيسان 2021 بشراء أسهم الشركتين قائلا "من فضلكم تعالوا شاركونا"!.

الأصول هي المطلوبة 

بعد القبض على صفوان ثابت، أصبح المطلوب منه التنازل عن أصول شركة فرعون للاستثمارات المحدودة التي تمتلكها الأسرة، ولتجاوز الوضع دفع مبلغا من المال، فالأصول هي المطلوبة وليست الأموال.

"ثابت" دفع 50 مليون جنيه لصندوق "تحيا مصر" عقب لقاء إفطار في رمضان دعا له السيسي، عددا من رجال الأعمال يوم 11 يوليو/ تموز 2014، وجمع فيه 5 مليارات جنيه، ومع هذا استمرت محاولات ابتزازه.

مصادر خاصة من داخل نظام السيسي، كشف لصحيفة "العربي الجديد" 15 فبراير/ شباط 2021 أن المفاوضات مع ثابت بدأت بمطالبة أجهزة استخباراتية له بدفع مبلغ محدد، هو 150 مليون جنيه.

المبلغ كان سيتم دفعه كإتاوة لأنه لصالح إحدى الجهات الأمنية، وبشكل غير رسمي، وهو ما رفضه صفوان ثابت وعرض 50 مليون فقط.

انتقلت المفاوضات لمرحلة أصعب حين قرر مسؤول رفيع في الدولة إلغاء العرض، والتقدم بتصور جديد يقضي بالتنازل عن ملكية 40 بالمئة من مجموعة جهينة بصيغة البيع لإحدى الشركات المدنية المملوكة لهذا الجهاز السيادي.

رفض ثابت هذا العرض ورفض عرضا آخر بتخفيض النسبة المتنازل عنها من 40 إلى 20 بالمئة من جهينة التي تقدر قيمتها بنحو 3 مليارات جنيه فصدرت تعليمات باعتقاله.

جريدة اليوم السابع، المعروفة بما تلقيه من أضواء كاشفة على توجهات الدولة وسياستها الأمنية، أشارت صراحة إلى أن المطلوب من الدولة اليوم هو «إنقاذ» شركة جهينة من مؤسسها.

نشرت «اليوم السابع» مقالا مريبا بدون أسماء (ما قد يضع احتمالية أن يكون مصدره أحد الأجهزة الأمنية) يوم 16 يناير/ كانون الثاني 2021 تحت عنوان: "إنقاذ جهينة يأتي بطرد عائلة ثابت وخضوع جهينة لإدارة الدولة"!.

سعى المقال الأمني لرصد مزاعم عن أن "صفوان ثابت واجهة لجماعة الإخوان الإرهابية، وشريكا معلنا يدير جانبا من أموال التنظيم، ويشارك بشكل مباشر فى تمويل أنشطة الجماعة من خلال عوائد الشركة وأرباحها"، وفق قوله.

رصد المقال "انتماء صفوان ثابت لأسرة إخوانية معروفة، فهو حفيد مباشر للمرشد السادس للجماعة مأمون الهضيبي من جهة الأم، وجده الأكبر المرشد الثاني حسن الهضيبي".

وتحدث عن أنه "جعل من جهينة ذراعا مالية للإخوان من خلال الدعم والتبرعات والمساهمات المالية فى أنشطة اجتماعية وسياسية للجماعة طوال سنوات".

انتهى المقال بالدعوة إلى سيطرة النظام على الشركة وأن "إدارة الدولة هي الحل" بدعوى استمرار 4 من أسرة ثابت (هو ونجله سيف وابنتاه) في مجلس الإدارة.

يفسر هذا اعتقال سيف ثابت نجل "صفوان" لأنه تولى رئاسة مجلس إدارة الشركة بعد اعتقال والده، بينما الهدف إبعاد الأسرة عن الشركة تماما.

الكيانات المستقلة

بعد القبض على صفوان ثابت ونجله بتهمة تمويل الإرهاب، تولى رجل الأعمال السعودي محمد الدغيم رئاسة شركة جهينة للألبان والعصائر 9 ديسمبر/ كانون أول 2020.

بعدها بشهر كشفت صحيفة "الوطن" 16 يناير/ كانون الثاني 2021 أن لجان التحفظ على الأموال أسندت إدارة فروع محلات "التوحيد والنور" لإحدى الشركات التابعة لمؤسسة صحفية قومية لإدارتها، دون ذكر اسمها!.

لم يشفع تبرع صاحب جهينة بـ50 مليون جنية لصندوق السيسي"تحيا مصر" ولا تبرع صاحب سلسلة التوحيد والنور سيد رجب السويركي بـ10 ملايين جنيه، فالهدف أكبر من التبرع وهو التصفية لصالح شركات عسكرية وخليجية منافسة أو الاستحواذ والسيطرة الكاملة.

ما يحدث ليس مجرد حملة أمنية، ولكنها إستراتيجية ضمن خطة توسيع بيزنس العسكر كشفت عنها عشرات الدراسات الأجنبية.

مصادرة أموال رجال الأعمال بشكل رسمي، أو أمني، واعتقال رؤساء شركات وكيانات مستقلة جزء من محاولات إخلاء الطريق لبيزنس الجيش، بحسب متابعين.

هذا التوسيع في بيزنس العسكر، مع التوسع في القروض وصفقات السلاح أمر مستهدف من قبل السيسي لتوريط العالم معه في الدفاع عن نظامه حفظا لمصالحهم، وفق دراسة لمعهد كارنيجي 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2020.

سياسات الاستحواذ والهيمنة علي الكيانات الاقتصادية المستقلة، بجانب أنها تزيح منافسي بيزنس الجيش، فهي تشير لإفلاس خزائن النظام بعد تزايد الديون وفشل الجباية في حل أزمته، فبدأ في السيطرة على الكيانات المنافسة المستقلة.

كان ملفتا التناقص الملحوظ لمنتجات الألبان (حليب ورايب وزبادي) لشركة جهينة في المتاجر المصرية، بعدما كانت شبه مكتسحة السوق، لصالح منتجات شركتي "المراعي" و"بيتي" (نفس الشركة الأم ورأسمال سعودي).

وكذا لصالح منتجات شركة "لاكتيل" الفرنسية المملوكة للنائب محمد حلاوة أمين التخطيط بحزب "مستقبل وطن" المخابراتي، ما يبين جانبا من الخطة الموضوعة لتصفية جهينة تدريجيا.

يمتلك رجل الأعمال محمد حلاوة مجموعة من ثلاث شركات مصرية للألبان بالشراكة بين شركة "لاكتاليس" الفرنسية، هي: شركة "بست تشيز" لصناعة منتجات الألبان ومقرها بالعاشر من رمضان وقليوب.

 وشركة "النور لمنتجات الألبان"، وشركة "بست أوف فرانس" لمنتجات الألبان ومقرها بمدينة العبور. 

الضربة الاقتصادية ليست لشركة جهينة فقط بل أيضا للمستثمرين فيها، فجهينة شركة مساهمة مصرية مدرجة في البورصة المصرية تحت كود JUFO وعلى ذلك الإضرار العمدي بها يشكل جريمة في حق مجموع المستثمرين في البورصة.

لذا انتقد الممثل المصري المعارض للانقلاب عمرو واكد ما يجري مع شركة جهينة متوقعا هروب المستثمرين في مصر وبقاء "المجرمين أو شيوخ المنصر" فقط، وفق وصفه.