اعتقال رؤساء شركات كبرى.. ما علاقته باقتصاد العسكر في مصر؟

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في توقيت واحد تقريبا، تحركت السلطات المصرية ضد مجموعة من أصحاب المشروعات الغذائية والتجارية الناجحة، بالتزامن مع استعداد محاكم للحكم خلال أيام بمصادرة أموال عدد آخر من رجال الأعمال المتهمين بالانتماء لجماعة الإخوان المسلمين.

فقد أجلت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة في جلستها يوم 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 الحكم في الدعوى القضائية المقامة من لجنة التحفظ على أموال الإخوان -والتي تطالب بالتصرف ونقل ملكية أموال وممتلكات قيادات الجماعة للخزانة العامة للدولة بشكل نهائي- إلى يوم 30 ديسمبر/كانون الأول من نفس العام.

الحملة الأخيرة بدأت بمالك صحيفة "المصري اليوم"، وصاحب سلسلة شركات تجارية "صلاح دياب"، باعتقاله بداية سبتمبر/أيلول 2020، 15 يوما على ذمة التحقيق باتهامات تتضمن: بناء مصانع على أرض الدولة بدون ترخيص، والتهرب من الضرائب العامة، وعدم دفع مبلغ 11 مليار و135 مليون جنيه مستحقة للدولة.

ولكن أفرج عنه في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2020 بدون ضمانات، بدعوى أنه على المعاش، وترك ملكية الشركة المتهمة منذ 2013.

ويأتي ذلك على الرغم أن النيابة العامة المصرية سبق أن أمرت بضبط وإحضار "دياب" على ذمة قضية المنتجع السكني "نيو جيزة"، في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، بعد التحفظ على أمواله ومنعه من السفر، على عكس المعتاد في القضايا المالية.

انتهت الأزمة وقتها بسداده نحو 300 مليون جنيه لحفظ التحقيقات المتهم فيها بالفساد في مجال تسقيع وبيع أراضي الدولة المخصصة للاستصلاح الزراعي، رغم أن النيابة العامة طلبت منه سداد 800 مليون جنيه.

ثم انتقلت الحملة لرئيس مجلس إدارة شركة "جُهينة" للألبان "صفوان ثابت"، الذي اعتقل من منزله في الثاني من ديسمبر/كانون الأول 2020، بعد قرار سابق من لجنة قضائية حكومية في أغسطس/آب 2015 بالتحفظ على أمواله وممتلكاته بدعوى صِلاته بجماعة الإخوان المسلمين.

وجاء ذلك أيضا بعد حكم لمحكمة جنايات القاهرة في يناير/كانون الثاني 2017 بإدراجه على قوائم الإرهابيين لمدة 3 سنوات، وإدراج اسمه على قوائم المنع من السفر وترقب الوصول، وسحب جواز السفر الخاص.

أيضا طالت الحملة الأمنية مالك "مجموعة التوحيد والنور التجارية" محمد السويركي، الذي قبض عليه يوم 5 ديسمبر/كانون الأول 2020 بتهمة "تمويل جماعة إرهابية".

ثم انتشر "هاشتاج" بعنوان "أولاد_رجب" يوم 9 ديسمبر/كانون الأول، تصدر التريند المصري، يزعم القبض على أحمد رجب صاحب سلسلة محلات "أولاد رجب" بتهمة "تمويل جماعات إرهابية" أيضا.

ولم تنشر الخبر أي صحيفة مصرية، ولا يعرف مدى مصداقيته، في وقت تشارك سلسلة "أولاد رجب" في حملات وزارة الداخلية لبيع السلع المنخفضة التابعة للشرطة.

سبق هذا كله، التضييق على آخرين، والسعي لانتزاع توكيلات تجارية منهم؛ مثلما حدث مع "شركة العربي"، وتوكيل "توشيبا الياباني" في يونيو/حزيران 2020.

ويتوقع مراقبون أن تمتد الحملة لاحقا إلى رجل الأعمال "نجيب ساويرس"، أحد أغنى خمسة رجال أعمال مصريين بحسب تصنيف "فوربس" الأخير.

وتشير التقديرات في مصر إلى أن هذه الحملة ليست أمنية، ولكنها تأتي ضمن خطة إستراتيجية لتوسيع "بيزنس العسكر" كشفت عنها عشرات الدراسات الأجنبية، وربما تتبع أسلوب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع الأمراء ورجال الأعمال.

وعزا البعض الحملة إلى تزايد الاقتراض الخارجي في مصر، وتأثير "فيروس كورونا" على الاقتصاد، وشحّ مصادر التمويل اللازمة للسلطة.

خلفية الاعتقالات  

اعتقال صفوان ثابت -رغم أن قرارات المحاكم بحقه قديمة- يطرح الكثير من التساؤلات.

فرغم قرار التحفظ على أمواله في 2015، ووضعه على قوائم الإرهاب 2017، لم يستطع رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي التحفظ سوى على جزء ضئيل من أمواله (7.204%) فقط من أسهم "شركة جهينة"، تمثل 14.2% من أصل صندوق بـ51.023%، وفقا لما أوردته وسائل إعلام محلية.

لهذا جاء اعتقاله وترحيله للسجن بعد 3 سنوات من مصادرة أمواله ليطرح ذات السؤال عن الجديد في القضية، دون إجابات معلنة، باستثناء تكهّنات على مواقع التواصل أن ذلك جزء من حملة لابتزاز رجال الأعمال ماليا للتبرع للحكومة، أو انتزاع الاستيلاء على أموالهم بدعاوى الإرهاب.

وهناك سبب آخر تحدث عنه البعض، وهو: تدمير "شركة جهينة" أكبر منتج للألبان والعصائر بمصر، تحقيقا لمسعى جنرالات الجيش المصري، بعد سيطرتهم على تجارة ألبان الأطفال المجففة ضمن صناعة الدواء، للسيطرة على هذه التجارة.

ويحاول الجيش السيطرة على هذه التجارة عن طريق ما يسمى: "المشروع القومي لإنشاء وتطوير مراكز تجميع الألبان على مستوى الجمهورية"، الذي تتولاه وزارة الإنتاج الحربي مع وزارة الزراعة، وأمر به السيسي.

فمن المفارقات: اعتقال "ثابت" بعد 3 أيام فقط من اجتماع للسيسي مع رئيس الوزراء ووزراء الإنتاج الحربي والزراعة ومدير مشروعات الجيش (الخدمة الوطنية) لتسريع "المشروع القومي لإنشاء وتطوير مراكز تجميع الألبان"، وسط أحاديث متواترة عن دخول الجيش سوق منتجات الألبان بقوة، كما يفعل مع باقي السلع.

أما "سيد السويركي" صاحب شركات وفروع "التوحيد والنور"، الذي وجهت له نفس التهمة الموجهة للمعارضين، وهي: تمويل جماعة إرهابية، فهناك حملة إعلامية مضادة له منذ فترة، وعملية تشويه شخصية له.

وجاء اعتقاله وربما تجميد أمواله أيضا كخطوة لاحقة منتظرة لنفس الهدف، وهو: الاستيلاء على أمواله، فضلا عن احتكار جنرالات الجيش أيضا للاستيراد.

في هذا الصدد نشرت الصحف المحلية قصصا مثيرة عن كيفية استيراده قمصانا ومنتجات من الصين بأسعار رخيصة، واتباعه سياسة بكين "بيع رخيص تبيع كتير تكسب أكتر"، وربحه ملايين الدولارات منها، رغم أنها قصص قد لا تدين "السويركي". 

وقبل واقعة القبض على "صفوان ثابت، وسيد السويركي، وخالد الأزهري" وزير القوة العاملة السابق وضمهم في قضية واحدة، تم القبض على رجل الأعمال "صلاح دياب" وبنفس الطريقة، مطلع أيلول/سبتمبر، ولم يتم الإفراج عنه إلا بعد تقديم  تنازلات مالية.

وعقب تداول واقعة إجبار الجيش شركة "العربي" للأجهزة المنزلية التنازل له عن توكيل "توشيبا"، ضمن توسيع أنشطة الإنتاج الحربي في الأجهزة المنزلية، نفت "شركة العربي" ذلك، ولكن منتجات توشيبا العربي اختفت من الأسواق تدريجيا، وظهر منتج جديد باسم "تورنيدو" لنفس المنتجات.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2019 أبرم جنرالات العسكر صفقة شراء شركة يونيفرسال للأجهزة المنزلية والكهربائية، لتضاف إلى سجلهم في احتكار هذا السوق.

وسبق للسيسي أن اجتمع برجال الأعمال الكبار، وبينهم: صفوان ثابت، عام 2014، ودعاهم للتبرع لصندوق "تحيا مصر"، ما يبدو كتهديد مبطن بالتبرع أو الاستيلاء على أموالهم، وأثيرت ضجة حينئذ دفعت بعضهم مثل نجيب ساويرس للتبرع.

ومع أن "صفوان ثابت وشركة جهينة" دفعت 50 مليون جنيه، كما دفع صلاح دياب وغيره، إلا أن إفلاس خزائن النظام بسبب كورونا ونضوب التمويل الخليجي  ربما دفع لشن حملة جديدة، ولكن هذه المرة بحجة دعم الإرهاب، وهي ضربة تؤكد هيمنة وتوسيع اقتصاد الجيش.

ويأتي هذا وسط تصاعد الدَّين الخارجي لمصر إلى 123.49 مليار دولار بنهاية يونيو/حزيران 2020 بحسب بيانات صادرة عن "البنك المركزي المصري" يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول 2020.

"بيزنس" الجيش

وبدوره، تحدث "معهد كارنيجي" لدراسات الشرق الأوسط في 26 تشرين الأول/أكتوبر 2020، وتحت عنوان "أولياء الجمهورية: تشريح الاقتصاد العسكري المصري"، عن كيفية تدخّل الجيش المصري في الاقتصاد، ما أدى إلى ظهور صيغة جديدة من رأسمالية الدولة المصرية.

التحليل خلص إلى أن نظام السيسي وسّع مصالحه التجارية حتى وصلت لتهميش المقربين من النظام الذين أطاح بهم، وأن السيسي نجح في خلق "طبقة حاكمة جديدة من الضباط العسكريين" يقومون بعمليات فساد بشعة، تَرهَن مستقبل مصر لعشرات السنين في ظروف غامضة.

وأوضحت الدراسات أن السيسي يركز على استعادة مركزية دور الدولة في صنع القرار الاقتصادي، وتطويع القطاع الخاص خدمة لاستراتيجية الدولة للاستثمار الرأسمالي.

أيضا ذكرت دراسة ثانية لمعهد "كارنيجي" في 15 أبريل/نيسان 2020 أن استيلاء السيسي على السلطة في العام 2013 "حوَّل دور الجيش من الدفاع عن مصر إلى "البيزنس" والعمل في كافة مجالات الاقتصاد المصري".

وتحدثت عن "دور فاعل رئيسي مستقل للجيش يمكِّنه من إعادة تشكيل الأسواق والتأثير على وضع السياسات الحكومية واستراتيجيات الاستثمار، ما يبين حجم الإمبراطورية الاقتصادية العسكرية ومعدل توسّعها المرعب".

وقد حاول "روبرت سبرنغبورغ" أستاذ شؤون الأمن القومي في كلية الدراسات العليا البحرية، والباحث في المعهد الإيطالي للشؤون الدولية في روما، واللواء "بينك وليامز" الملحق العسكري السابق في السفارة الأميركية بالقاهرة من 2008 إلى 2011، تفسير هذا التحوّل في دور الجيش في دراسة بعنوان "الجيش المصري: العملاق المُستيقظ من سباته".

أكدت الدراسة التي نشرها موقع "دويتشة فيله" 6 فبراير/تشرين الثاني 2020 أن "السيسي يركز على إشغال الجيش بالبيزنس كي يضمن ولاءه"، وأنه سعى في سبيل ذلك لتغيير عقيدة الجيش العسكرية بما يجعله أكثر قدرة على مواجهة الانقلابات التي قد تحدث ضده، وجرى التركيز على إشغاله بالأنشطة الاقتصادية.

وتقول صحيفة "دي فليت" الألمانية في تقرير نشرته 11 مايو/أيار 2014: "إن ثمة بيانات مختلفة حول النسبة المئوية التي يسيطر الجيش عليها من الاقتصاد المصري إذ تشير بعض التوقعات إلى تراوحها بين 5 - 60 بالمئة وهو ما نفاه السيسي وتحدث عن 1 أو 2 بالمئة بينما تحدث نجيب ساويرس عن 20 بالمئة".

وأوضحت دراسة نشرها "مركز السياسة العالمي" في سبتمبر/أيلول 2020: أن "الجيش المصري يعاني عجزا كاملا بسبب تسييسه وانشغاله بالسياسية والبيزنس".

وتحدثت عن مفارقة بين القفزة الكبيرة في تحديث تسليح الجيش المصري وبين ترهّل أدائه، على النحو المختبر يوميا في سيناء؛ حيث لا يزال بضع عشرات من المسلحين يوقعون خسائر شهرية في الجيش العاجز عن قمعهم منذ انقلاب 2013.