يحيى عسيري: المملكة بلا إصلاحات والقضاء مسيس والسلطة تخشى المحاسبة (حوار)

شدوى الصلاح | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في الوقت الذي يزعم فيه كتاب وإعلاميين محسوبين على السلطة داخل المملكة العربية السعودية بتحسن الوضع الحقوقي في البلاد، تتوسع دائرة الاعتقالات داخل البلاد.

يوم بعد يوم تطالعنا المنظمات الحقوقية بأنباء اعتقالات جديدة طالت مؤخرا نساء ومثقفين وكتاب سعوديين، كما كشفت المنظمات عن حملات تعذيب تعرض لها الناشطات المعتقلات.

منظمة "القسط" هي أبرز المنظمات المستقلة لدعم حقوق الإنسان في السعودية، تمارس عملها من لندن، وتنقل معلومات دقيقة عن المعتقلين وأوضاعهم داخل السجون السعودية.

"الاستقلال" حاورت الناشط الحقوقي يحيى عسيري، رئيس المنظمة للوقوف على أهم التفاصيل المتعلقة بالمعتقلين وأوضاعهم ورؤيته للوضع الحقوقي الآن داخل المملكة، وغيرها من القضايا المثارة الآن على الساحة السعودية.

تكريس الاستبداد

  • نبدأ مع الإصلاحات التي أعلن عنها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان منذ وصوله إلى قمة السلطة في المملكة كيف تراها؟

حقيقة لا توجد إصلاحات، "بن سلمان" أعلن عن إصلاحات وحاول أن يقدم نفسه كمصلح وكان يوحي للناس بأنه يتجه إلى الإصلاح الاقتصادي، وحقيقة لم يحدث أي إصلاح حقيقي لا اقتصادي ولا اجتماعي ولا أي مما حاول أن يلمح به، فضلا عن الإصلاح الحقوقي والسياسي.

اعتدنا مع تولي ملك جديد الحكم في البلاد أن يقوم بالإفراج عن معتقلي الرأي السابقين، ثم يقوم بعد فترة بتعبئة السجون من جديد، بحكم أن كلهم "قمعيون"، بالعكس في عهد الملك سلمان وابنه أبقوا على المعتقلين، واستمروا في المحاكمات السابقة، وأضافوا لها أعدادا رهيبة جدا، إذا يمكن القول أن الوضع على المستوى الحقوقي به تدهور رهيب للغاية.

أما من الناحية السياسية، لم يخطو بن سلمان أي خطوة باتجاه الإصلاح السياسي، ولم يتم تمكين الشعب ولا بالسماح له بالتعبير عن رأيه، ولا المشاركة في صنع القرار ولا الإدارة، ولم يخفف من وطأة الأسر الحاكمة والمتنفذين، بل للأسف زاد الاستبداد وتكرس، بدلا من أن يتكرس في أسرة مالكة، تكرس في شخص الملك سلمان ونجله.

أما بالنسبة للإصلاح الاجتماعي، قامت السلطات السعودية ومحمد بن سلمان تحديدا بالسماح بالأغاني والرقص وهو ليس انفتاحا ولا ليبرالية، ولكن السلطات تفرض انحلالا أخلاقيا، وتقمع السعوديين اجتماعيا حين تفرض عليهم التشدد تارة والانحلال تارة أخرى.

وعن الإصلاح الاقتصادي، قامت السلطات بحملات اعتقال رهيبة، ضد مسؤولين سابقين وتجار ورجال أعمال وقالت إن هذا من أجل الإصلاح الاقتصادي، وتبين لاحقا أنه سلسلة جديدة من الفساد حيث قامت السلطات بابتزاز هؤلاء ومحاولة أخذ أموالهم، باسم محاربة الفساد، بينما اتضح أنها تجارة باسم محاربة الفساد.

  • لكن المملكة من أغنى دول العالم

هذه حقيقة، لذلك كل طفل سعودي يشعر بالمرارة أنه يعيش في واحدة من أغنى الدول وأكبر دولة مصدره للنفط، ومع ذلك يعيش أزمة في السكن والمال والفقر والبطالة وأزمة في الطرقات وفي الصحة، كل ذلك علامات فساد مستشري في الدولة.

أضف إلى ذلك، المواطن عندما يرى "بن سلمان" وهو يتربع على عرش السلطة ويدعي أنه يحارب الفساد، ثم يقوم بشراء أغلى لوحة في العالم وأغلى قصر وأغلى يخت في العالم وكأنه طفل يبحث في محركات البحث على الإنترنت عن كلمة أغلى ثم يقوم بالشراء فإنه يشعر بالمرارة واستنزاف رهيب لثروته وطاقته، لأن هذه الثروة ليست ملك لابن سلمان بل هي ملك للشعب ويقوم "بن سلمان" باستنزافها بهذا الشكل.

ملكية دستورية

  • برأيك من ماذا تخاف الأسرة المالكة في السعودية تحديدا؟

يخشون من المحاسبة، ليس لديهم أي رغبة في التصحيح، لذلك يكون القمع رديفا للاستبداد والفساد، لدينا في السعودية استبداد سياسي وفساد مالي رهيب ومطلق في السلطة وعلى كل الأصعدة، والسلطات لا تريد أحد أن يتحدث عنه، ولذلك لا تسمح بأي انتقاد، لأن لو سمح لأي مواطن بأن يعبر عن رأيه بحرية، فإن السؤال الأول الذي سيسأله سيكون عن الاستبداد والفساد، ويسأل عن ثروته.

  • تعتقد هل يمكن للمعارضة السعودية أن تقبل بتحويل البلاد لملكية دستورية في الحكم إذا وافق النظام على ذلك؟

السلطات ترفض كل الأصوات المعارضة سواء كانت داخلية أو خارجية، سواء كانت جوهرية تطالب بإسقاط النظام أو استبداله أو تبديل منظومة النظام الكامل والشكل الهرمي والوجودي للنظام، أو كانت معارضة أخف من ذلك تطالب بملكية دستورية أو إصلاحات، وأيا كان فإن كل أنواع المعارضة مرفوضة جملة وتفصيلا من السلطات السعودية.

السلطات لا تستطيع أن تسمح بأي قدر من المعارضة أو الحريات لأنها تخشى على مصالحها التي لا تأخذها إلا بالفساد والقمع والظلم، فبدون هذا الفساد سوف يصبح "بن سلمان" مثل أي مواطن أخر، ويحاسب على جرائمه وما ارتكبه في حق الوطن.

أما إذا كان هناك فساد جزئي وقبلت فكرة الملكية الدستورية، فسوف يحد كثيرا من صلاحيات الأسرة الحاكمة وهو ما لا يريدوه، هم يريدون استبدادا كاملا مطلقا دون سؤال ودون رقيب عليهم من قبل الشعب، ولذلك لا يوجد لدينا دستور، ولا أي مؤسسات مجتمع مدني على الإطلاق للحفاظ على المكتسبات من قبل الفساد والاستبداد.

مقتل خاشقجي

  • برأيك لماذا تم قتل جمال خاشقجي وبهذه الطريقة البشعة؟

رسالة للعالم الداخل والخارج من نظام الحكم الجديد في المملكة.

  • لكن في النهاية تركيا كشفت عن تفاصيل الجريمة وأجبرت المملكة على الاعتراف بها

السلطات السعودية تخبركم ما الذي يجدي معها وما الذي يجب أن نفعله نحن، استمرار الضغط في قضية "خاشقجي" أجبرها على الاعتراف بجريمتها النكراء، ولو استمرينا بهذا الضغط إعلاميا وحقوقيا وسياسيا، وبالأعمال المنظمة والحملات في كل القضايا فستجبر السلطات على الاعتراف بجرائمها أو على الأقل نحد من هذه الجرائم، فالسلطات السعودية لا يمكن استجدائها أو الوثوق بها.

  • وهل يمكن أن يثمر هذا الضغط في إنقاذ معتقلي الرأي من مصير خاشقجي؟

إذا كان هناك ضغط حقيقي على السلطات السعودية فسوف تفرج عن مرغمة عن جميع معتقلي الرأي، وإذا لم يكن هناك ضغط، فلا نعلم ما الذي ستفعله تلك السلطات التي لا تريد أي شخص يدعو إلى الإصلاح أو يناهض تصرفاتها القمعية، مؤخرا أفرج عن ثلاث سيدات معتقلات، وقبل ذلك تم إطلاق سراح إبراهيم المزينية وإبراهيم الروشيدي وذلك تحت ضغط هذه المنظمات والضغط الدولي، بينما كانت السلطات السعودية تريد أن تأخذ عدد كبير من الناس للإعدامات من حقوقيين وإصلاحيين وأكاديميين وسياسيين، وكانت ذاهبة إلى جنون أسوأ من الجنون الذي ارتكبته، الضغوط أدت حققت بعضا من النتائج الإيجابية، لذا يجب أن تستمر وأن تكون أقوى وأكثر استمرارية حتى نضمن تغيير إيجابي حقيقي، لأن ما يحدث الآن أهون مما كان سيحدث لولا وجود الضغوط.

  • لكن برأيك من هي أكثر جهة قادرة على إخضاع السعودية للمسائلة بشأن انتهاك حقوق الإنسان؟

لكي نجيب على هذا السؤال لابد أن نعرف من الجهة التي تعطي السلطات السعودية الحصانة وتقويها، بالتأكيد أن هذه القوة مستمدة من الخارج، والحلفاء، لذلك نحن نريد أن نمارس ضغطا على الحلفاء حتى يتوقفوا عن دعم السلطات السعودية، والمجتمع الدولي والإعلام والمجتمع السعودي كلهم يمكنهم إخضاع السلطات السعودية إذا كان هناك مواقف جادة وجريئة.

  • اسم سعود القحطاني المستشار السابق بالديوان الملكي ذكر في أكثر من حالة انتهاك حقوقي كان آخرها قضية مقتل خاشقجي

القحطاني هو ذراع بن سلمان ويده اليمنى، وهو كما قال عن نفسه أنه لا يتصرف من رأسه بأي شئ وكل ما يقوم به هو بأمر ولي العهد ووالده، ولذلك لا يمكن أن يحدث أي انتهاك يدخل به اسم القحطاني إلا بأمر مباشر من بن سلمان.

  • لكن مصادر كشفت أن القحطاني ليس من ضمن الأسماء المشتبه بهم في قضية قتل خاشقجي

محمد بن سلمان كان يريد التخلص من سعود القحطاني وأحمد عسيري وكان لا يمانع بأخذهم إلى الإعدام حتى لا ينكشف هو، ولكن بعد أن تدهورت الأمور، حاليا يفكر في إنقاذ القحطاني والعسيري واستبدالهم بخمسة آخرين، ولو اشتدت الضغوط سوف يحاكم القحطاني وعسيري، ولو اشتدت أكثر فسوف يسقط بن سلمان.

  • ما حقيقة تجسس المملكة على المعارضين بالخارج وخاصة من كانوا على تواصل مع خاشقجي؟

السلطات السعودية ثبت أنها اشترت نظام تجسس من شركة NSO جروب الإسرائيلية وحاولت التجسس على عدد من الأشخاص، وأنا كنت من ضمن من استهدفوا لكنها لم تتمكن من اختراق جوالي، وثلاثة من أجهزة المحمول الخاصة بي قد دمرت ومازال الأمر قيد الدراسة.

  • صحيفة نيويورك تايمز قالت إن ولي العهد أنشأ مجموعة سرية للتدخل السريع وأوكل إليها مهمة إسكات المعارضين عبر القتل والخطف التعذيب والتحرش بالنساء

هذا الأمر صحيح وأتفق مع الصحيفة في هذا الأمر، وأظن أن من يقوموا بتعذيب السيدات، ومن قتلوا جمال خاشقجي ومن يديروا المشهد حاليا في السعودية ومن يقوموا بالمداهمات هم فرقة محمد بن سلمان.

وفي سجون النساء حين كانوا يتعرضون للتعذيب، كانوا يؤخذون إلى مكان خارج السجن، ويمارس التعذيب فرقة خاصة ليست من أمن الدولة وليست من المباحث، وسميت في بعض الأوقات باسم الأمن السيبراني.

  • هل هناك حصر لعدد المعتقلين بالمملكة؟

لا يوجد.. لأننا في بلد لا يسمح فيه بمؤسسات مجتمع مدني، فعندما تقوم السلطات بقمع رهيب فإن الحديث عن الأرقام أمر غير صحيح، لأنها غير ممكنة في ظل سلطات تخفي كل شيء وتدلس كل شئ وتهدد الأشخاص من التواصل مع المنظمات والإعلام المستقل.

تحدثنا عن حملة اعتقالات طالت 150 شخص، وعند سؤل بن سلمان قال إنه تم اعتقال 1500، فهذا دليل على أننا لا نعرف الأرقام، ويجب أن نتحدث عن نوعية القمع وشكل القمع وليس عن الأرقام.

  • والمخفين قسريا….

أيضا لا يوجد عدد لهم، وإن كان أبرز أسماءهم تركي الجاسر، عبد الرحمن السدحان ومروان المربسي، بالإضافة إلى شخص سوري اسمه خالد عبد العزيز حضر إلى الحج واختفى، وسليمان الدويش الذي غرد ضد محمد بن سلمان ثم اختفى، ولا نعرف هل هؤلاء أحياء أم أموات، وإذا كانوا أحياء فبالتأكيد أنهم ليسوا داخل السجون، وربما مسجونين في مكان لا يعلمه أحد، لأننا لم نستطع الوصول إليهم ضمن مصادرنا الموجودة داخل السجون.

الخطاب الديني

  • هل ترى تراجعا للخطاب الديني في المملكة حاليا؟

الخطاب الديني في السعودية انتهى بشكل كامل، لأن السلطات السعودية استخدمته منذ تأسيسها وحتى اليوم، لإسكات الناس واستعبادهم وإرضاخهم للحاكم، وتسير المملكة بهذا الخطاب عكس حقوق الناس وضد الشعب ومع الحاكم تسترزق بذلك.

الهيئات الدينية الحكومية كهيئة كبار العلماء وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لم تعد محل احترام على الإطلاق وأصبح ممثلوها لا قيمة لهم، المدرسة الدينية سقطت بشكل كامل ولم تبق محل احترام وتقدير عندما وصل الفساد في السلطة لأن تستخدم الأشخاص في غير محلهم، ورأينها تستخدمهم في الدعاية للسياحة والعري والبلوت (طريقة لعب بأوراق اللعب، وتشتهر في المجتمعات الخليجية، مثل المجتمع السعودي) وغيره.

  • أين هيئة كبار العلماء وباقي الدعاة من تلك الحملات؟

هيئة كبار العلماء موجودة وحاضرة وداعمة للسلطات السعودية وواقفة بجانبها ومؤيدة، الدعاة بعضهم متلون ويقلب الرأي والفتوى مثلما تريد السلطات وهم لازالوا حتى الآن يسايرون مواقفها، وبعضهم يواجه ويرفض ممارسات النظام وأثبت أنه رجل مبدأ وليس متلون وهؤلاء الآن فى السجون.

القضاء والمعتقلين

  • هل القضاء السعودي مستقل من وجهة نظرك؟

القضاء السعودي هو نظام هزيل للغاية ليس له علاقة لا بقانون ولا بشرعية وليس له أي استقلال، بل هو نظام مسيس بشكل كامل تتدخل السياسة في كل تفاصيله، وكل ما يصدر عنه مرفوض رفضا قاطعا وكل من قالوا إنه نظام شرعي أو يمثل الشريعة يرتكبون جريمتين الأولى بشهادة الزور لهذا النظام القضائي المفترى الظالم بأنه نظام حق، والثانية في ظلم الشريعة وتلبسيها ظلم النظام السعودي.

  • معنى كلامك أن الأحكام الصادرة بحق المعتقلين ظالمة

الأحكام قاسية وظالمة وجائرة وتطول مدتها وتتجاوز الخمس سنوات وتصل إلى 10 و15 سنة، حتى تضمن السلطات ألا ينتقدها أحد، وهذه الأحكام تصدر ضد أشخاص لم يرتكبوا أي خطأ وتم اعتقالهم تعسفيا وأخذهم إلى المحكمة أصلا ظلم، وحتى لو صدر حكم ببراءتهم فالقضية من أولها باطلة، لأنه من الخطأ اعتقالهم ومحاكمتهم من الأصل لأنهم لم يرتكبوا جرما.

  • لكن يتم الترويج على أن السجون في السعودية فنادق خمس نجوم

هناك أماكن تجهزها السلطات للزيارات لكي تخرج مثل هذه الشهادات، ومن قاموا بالزيارة وأدلوا بتلك التصريحات وقعوا في مأزق أخلاقي.

الزيارة الحقوقية للسجون يجب أن تكون زيارة حرة، يتجه فيها الزائر أو المفتش للمكان الذي يطلبه هو لا المكان الذي تحدده السلطات، كما يجب أن يلتقي الأشخاص الذي يريد هو، لا التي تحددهم له السلطات، وأن يلتقي بعدد كبير من الأشخاص وعلى انفراد بدون وجود أي ممثل للسلطة ولا كاميرات أو أجهزة تصنت، وأن يصدر تقريرا عما سمع من الأشخاص بمختلف آرائهم.

عندما يلتقي الحقوقي بـ 30 شخص في أماكن مختلفة من السجون وبأشخاص مختلفة وسجون أيضا مختلفة كعينة عشوائية هنا يستطيع أن يتحدث عن زيارة للسجون وهذه هي الطريقة الحقوقية والقانونية لزيارة السجون، أما أن تقوم السلطات بدعوة صحفي أو حقوقي وتأخذه إلى أماكن معينة وتعد لقاء مع أشخاص معينة قد هددتهم السلطة من قبل أو قدمت لهم رشى أو رتبت معهم، ويرى ألعاب التنس والبلاي ستيشن ثم يخرج ويكتب عنها هذه مجرد شهادة زور أو سذاجة واستخدام من قبل السلطات وخيانة لتضحيات الأشخاص، ولجهد المنظمات في كشف حقيقة السجون.

  • لكن السلطات السعودية تمنع الزيارة المفاجأة للسجون

لأنها تخشى معرفة الحقيقة، السلطات السعودية لديها ما تخشاه وتعلم أن زيارات مستقلة من جهات مستقلة ونزيهة ستكشف مزيدا من الانتهاكات لديها، لذلك لا تسمح لمنظمات المجتمع المدني بممارسة دورها، ولا تسمح لمن في الخارج بالزيارات التفتيشية.