بعد مقتل الرئيس إدريس ديبي.. لماذا يخيم شبح الحرب الأهلية على تشاد؟

سليمان حيدر | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم تمر ساعات على إعلان لجنة الانتخابات الرئاسية في تشاد 19 أبريل/ نيسان 2021، فوز الرئيس إدريس ديبي بولاية سادسة بنسبة 79.3 بالمئة من الأصوات حتى أعلن مقتله في اليوم التالي متأثرا بجروح أصيب بها خلال معارك مع ما تطلق عليهم "متمردون". 

وقال متحدث باسم الجيش التشادي في 20 أبريل/ نيسان 2021، إن "ديبي قد مات أثناء زيارته القوات على خط المواجهة في المعارك الدائرة ضد المتمردين شمالي البلاد".

ووفق الإعلان الذي تلاه المتحدث باسم الجيش الجنرال عزم برماندوا أغونا فإن مجلسا عسكريا بقيادة نجل ديبي سيتولى إدارة شؤون البلاد.

وقبل إعلان الوفاة، قالت حملة ديبي إنه "يتجه إلى الخطوط الأمامية للانضمام إلى القوات التي تقاتل الإرهابيين"، حيث هاجم المسلحون الرافضون لاستمرار ديبي في الحكم قبل أيام ولاية كانم (300 كيلومتر من العاصمة نجامينا) وأعلنوا سيطرتهم عليها، قبل أن تنفي القوات الحكومية ذلك.

الأحداث التي جرت خلال الأسابيع والأيام الأخيرة أثارت تخوفات محلية ودولية من وقوع حرب أهلية، وربما يعزز وفاة الرئيس ديبي من هذه التخوفات.

الولاية السادسة

سعى ديبي من خلال الانتخابات التي جرت في 11 أبريل / نيسان 2021، إلى الفوز بولاية سادسة ليطيل من فترة حكمه للبلاد الممتدة منذ عام 1990 عبر انقلاب عسكري على حليفه ورئيسه السابق حسين حبري.

لكن النتيجة التي أعلنت عنها لجنة الانتخابات جاءت وسط احتقان واسع من القمع الذي ظل يمارسه ديبي خلال فترة حكمه، ما جعل المعارضة تقاطع تلك الانتخابات.

وأثار إعلان ديبي ترشحه لفترة رئاسية سادسة مظاهرات واسعة النطاق نزل خلالها المتظاهرون إلى الشوارع وهم يهتفون "لا لولاية سادسة، اترك ديبي".

ومع تزايد الاحتجاجات في العاصمة نجامينا والمدن الأخرى صعدت الشرطة من تعاملها العنيف مع المتظاهرين وشنت حملة اعتقالات واسعة في صفوف المعارضة التي خرجت تندد بالسلطة القمعية، وفرضت السلطات حظرا شاملا على الاحتجاجات بالإضافة إلى قيود أخرى على خدمات الإنترنت في البلاد.

وفي 28 فبراير/ شباط 2021، هاجمت قوات الأمن منزل المرشح الرئاسي المعارض يايا ديلو وقتلت والدته وابنه و3 من أقاربه وتسببت في إصابة 5 آخرين من أفراد أسرته.

في تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" قالت نائبة مديرة إفريقيا بالمنظمة إيدا سوير "بينما يتظاهر العديد من التشاديين بشجاعة في الشوارع للمطالبة سلميا بالتغيير واحترام حقوقهم الأساسية، استجابت السلطات التشادية بسحق المعارضة وكل أمل في انتخابات نزيهة وموثوقة".

وفي تقريرها 8 أبريل / نيسان 2021، طالبت المنظمة الحقوقية السلطات باحترام حرية التعبير والتجمع والتحقيق في اعتداءات الشرطة وخاصة الاعتداء الذي أسفر عن مقتل والدة أحد الزعماء المعارضين وغيرها من الانتهاكات.

حرب أهلية

بعد أيام قليلة من الانتخابات كانت المؤشرات تؤكد فوز ديبي بفترة رئاسية جديدة وهو ما دفع "جبهة التناوب والتوافق" المعارضة للتحرك صوب العاصمة نجامينا.

و"جبهة التناوب والتوافق" هي مجموعة سياسية عسكرية تشادية معظم أعضائها من أفراد قبائل الغوران الاتنية الصحراوية وتتمركز في شمال البلاد قرب الحدود الليبية.

وتعتبر الجبهة من أكثر الحركات المتمردة في تشاد وخاضت العديد من المعارك مع القوات الحكومية في سلسلة جبال تيبستي قرب الحدود الليبية، وسبق لها أن سيطرت عام 2019 على أغلب العاصمة نجامينا واقتربت بشكل كبير من القصر الرئاسي والإطاحة بالرئيس ديبي لولا التدخل العسكري الفرنسي الذي أعاد الأمور إلى طبيعتها وأوقف تقدم المتمردين وطردهم خارج العاصمة.

وفي 17 أبريل / نيسان 2021، أعلنت الجبهة سيطرتها على مقاطعة كانم الواقعة على بعد 220 كيلومترا تقريبا من العاصمة نجامينا، بعد اشتباكات كبيرة مع الجيش.

وتحدث تقرير لموقع "أفريقيا" التشادي في 19 أبريل / نيسان 2021 عن تقدم المتمردين للداخل وأن المعارك التي خاضوها مع القوات الحكومية كانت شديدة ومريرة وخلفت خسائر بشرية كبيرة في الجانبين. 

وفي نفس اليوم أعلن الجيش أنه قتل أكثر من 300 متمرد في منطقة زيكي بإقليم كانم وأسر 146 منهم، وأكد رئيس الأركان بالجيش التشادي أبكر عبدالكريم أنه تم القضاء على التهديد الذي يمثله المسلحون، وتشتيتهم.

وأشارت العديد من التقارير إلى أن القوات الحكومية حصلت على دعم وإسناد فرنسي تمثل في نقل إمدادات الوقود والذخيرة وإسعاف الجنود المصابين، إضافة إلى توفير معلومات استخباراتية حول تحركات المتمردين.

حوار وطني 

استمرت الاشتباكات بين القوات الحكومية والمتمردين لعدة أيام وهو ما زاد من تخوفات المنظمات الحقوقية وأحزاب معارضة من أن تتحول تلك المواجهات إلى حرب أهلية.

ورغم خلافاتهم السياسية المتشعبة وقعت عدة أحزاب معارضة ومنظمات مجتمع مدني على دعوة لوقف إطار النار، وطلبوا من الرئيس ديبي فتح حوار وطني شامل لتخفيف التوترات. 

وفي تصريحات لإذاعة فرنسا الدولية قال الأمين العام لحزب الحريات والتنمية المعارض محمد أحمد ألهابو، "هذا الصراع المسلح لن يسمح أبدا بميلاد تشاد ديمقراطية".

وأشار ألهابو في 19 أبريل / نيسان 2021، إلى أن أي استيلاء على السلطة بالسلاح سيؤدي تلقائيا إلى مصادرتها أيضا بالعنف والقوة، "لهذا السبب نقول إنه يجب على المتحاربين إعلان وقف إطلاق النار في جميع أنحاء البلاد والجلوس حول طاولة المفاوضات".

وحسب ما نشرته الإذاعة الفرنسية، فإن الدعوة موجهة في الأساس للرئيس ديبي حيث منحه الموقعون على الدعوة مهلة لمدة أسبوع لتقديم رده عليها.

وقال الأمين العام للجنة حقوق الإنسان التشادية محمد نور عبدو: "لدينا خبرة في الحرب إنها ليست احتفالية كما يقولون، حياة السكان على المحك".

وأضاف عبيدو في تصريحاته للإذاعة الفرنسية: "إذا لم يلتزم ديبي باقتراحنا حتى يوم 25 أبريل / نيسان 2021، فسوف ننظم مظاهرات للمواطنين لإعادته إلى رشده".

مخاوف أخرى عبر عنها عبدو من أن يعرض هذا الوضع الأمني بعض المعارضين وأعضاء المجتمع المدني للخطر مستشهدا بالأحداث التي وقعت عام 2008، حينما قام جنود من الحرس الرئاسي أثناء هجوم للمتمردين على نجامينا باعتقال العديد من المعارضين، وتعرضوا لمعاملة سيئة خلال فترة اعتقالهم.

وأضاف عبدو: "قيل لنا أن القتال سيقترب من نجامينا ولذلك خشينا من أن يتكرر السيناريو (وقع قبل 13 عاما) الذي سمح باختطاف واغتيال البروفيسور ابن عمر محمد صالح مع قادة المعارضة والمجتمع المدني، لقد سبق للحكومة أن تحركت في هذا الاتجاه، لذا فهي تجبرنا على اتخاذ احتياطات معينة فيما يتعلق بأمننا".

كما يطالب المشاركون في الدعوة، شركاء تشاد إلى الكف عن دعم معسكر ضد آخر، من أجل تسهيل الحوار السياسي، كما يقولون.

انقلابات عسكرية

بشكل عام تتسم الحالة السياسية في تشاد منذ استقلالها عن الاحتلال الفرنسي عام 1960 بالكثير من الحروب الأهلية والتمرد والانقلابات العسكرية التي أودت بحياة العديد من القادة السياسيين كان آخرهم ديبي. 

سبق أن تعرض ديبي المدعوم بشكل واسع من فرنسا والولايات المتحدة وإسرائيل لمحاولات انقلاب عليه وقامت فرنسا باستخدام القوة العسكرية في عامي 2008 و2019 لمساعدته في هزيمة المتمردين الذين حاولوا الإطاحة به. 

ورغم المساندة الفرنسية والدعم الذي قدمته خلال الأيام الأخيرة لديبي في حربه ضد المتمردين إلا أن ذلك لم يساهم في الحفاظ على حليفهم القوي وسط إفريقيا.

وحمل إعلان العديد من السفارات الأجنبية وأهمها سفارتا الولايات المتحدة وبريطانيا في تشاد مخاوف من اندلاع حرب أهلية جديدة بعد دعوتهما رعايا البلدين إلى مغادرة البلاد مع اقتراب المتمردين من العاصمة.

وأمرت الولايات المتحدة في 18 أبريل / نيسان 2021 موظفيها غير الضروريين بمغادرة البلاد وعبرت الخارجية الأميركية في بيان عن احتمال نشوب أعمال عنف في العاصمة نجامينا بعد اقتراب المتمردين منها.

وحثت الحكومة البريطانية رعاياها على سرعة مغادرة تشاد بعد أن رصدت تقدم قافلتين من متمردي "جبهة التناوب والتوافق" نحو العاصمة.