زها حديد.. مهندسة عراقية اقترن اسمها بأجمل الصروح المعمارية بالعالم

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رغم مضي 5 سنوات على رحيل المعمارية العراقية زها حديد، إلا أن تصاميمها التي تتسم بالانسيابية والغرابة والإغراق في الخيال الحر أحيانا، لا تزال تأخذ طريقها للتنفيذ في بلدان العالم، ولعل من آخر ما أنجز بعد وفاتها هو مطار بكين على شكل نجم البحر عام 2019.

المهندسة العراقية التي توفيت بمدينة ميامي الأميركية 31 مارس/آذار 2016، اقترن اسمها بأجمل الصروح المعمارية وأكثرها جاذبية في العصر الحديث، وأحدثت ثورة بفن العمارة وبرعت وأبدعت في تطويع المنحنيات وجعلها تحفا فنية في حواضر العالم.

ملكة المنعطفات

زها حديد، ظهر تفردها في أسلوب عملها وفي طريقة تقديمها لذاتها حتى تركت بصمة كبيرة على المشهد المعماري العالمي المعاصر، وتعتبر من أشهر معماريات عصرها.

تتميز تصميمات حديد الهندسية بالجرأة، مع إحساس بالتفتت وعدم الاستقرار والحركة، وقادها هذا الأسلوب التفكيكي إلى نفس التصنيف مع كبار مهندسي الهندسة المعمارية التفكيكية التي تعتبر واحدا من الأشكال المعمارية التي ظهرت في القرن العشرين بأميركا وأوروبا بفضل استخدام برامج تصميم تم تطويرها من برامج صناعة الطائرات.

وتعارض البنية التفكيكية في الهندسة، البنية المنطقية التقليدية، وتتبع في تصميماتها خطوطا غير مستقيمة متعددة المناظير، لينتج التصميم في النهاية قائما على تحريف أو تفكيك الخطوط المعمارية، الأمر الذي يتماشى مع جوهر التفكيكية الفلسفية والفنية للمفكر الفرنسي جاك دريدا.

وتمثل الهندسة التفكيكية ثورة على التراث الهندسي الإقليديسي والأفكار الكلاسيكية، وتتجه نحو الثورة والانقلابية على الماضي، ووصفتها صحيفة "نيويورك تايمز" بأنها "ملكة المنعطفات، التي حررت الهندسة المعمارية وأعطتها هوية جديدة معبرة بالكامل".

وبحسب الناقد والمنظر المعماري، أندريس روبي، فإن "مشاريع زها حديد تشبه سفن الفضاء، التي تسبح دون تأثير الجاذبية في فضاء مترامي الأطراف، لا فيها جزء عال ولا منخفض، ولا وجه ولا ظهر".

مضيفا: "هي مبان تظهر وكأنها في حركة انسيابية في الفضاء المحيط، ومن مرحلة الفكرة الأولية لمشاريع زها إلى مرحلة التنفيذ، تقترب سفينة الفضاء إلى سطح الأرض، وفي استقرارها تعتبر أكبر عملية مناورة في مجال العمارة".

وبناء على ذلك، فإنه مِن الصعب جدا تقليد أي من أعمال حديد المعمارية، فكل مبنى هو حالة خاصة فريدة. فحديد لا تستقي أفكارها من أي معماري سابق لها، بل تخلق العمل وتبتكره ابتكارا حتى وإن كانت تتبع في فلسفتها ككل مذهبا معماريا معينا ألا وهو "العمارة التفكيكية".

امرأة حديدية

كان لها شهرة في الأوساط المعمارية الغربية، بدأت نشاطها المعماري في مكتب ريم كولاس وإليا زنجليس، ثم أنشأت مكتبها الخاص عام 1978، وفي عام 1994 عينت أستاذة في قسم التصميم في "جامعة هارفارد" وأستاذة في "جامعة شيكاغو" بأميركا.

كما عملت معيدة في كلية العمارة في لندن عام 1987، وانتظمت كأستاذة زائرة في عدة جامعات بأوروبا وأميركا منها "هارفارد" و"شيكاغو" و"هامبورغ" و"أوهايو" و"كولومبيا و"نيويورك" و"ييل". كما كانت أيضا عضو شرف في "الأكاديمية الأميركية للفنون والأدب" و"المعهد الأميركي للعمارة".

وفي عام 1998، حققت نجاحا باهرا عندما تم اختيار تصميمها لمركز "روزنتال" للفن المعاصر. وكان هذا أول مشاريعها بالولايات المتحدة، وحصل تصميمها على جائزتين: جائزة المعهد الملكي للمعماريين البريطانيين عام 2004، وجائزة المعمار الأميركي من متحف شيكاغو المعماري عام 2005.

ومن أبرز ما صممت محطة إطفاء الحريق في ألمانيا عام 1993، ومبنى متحف الفن الإيطالي في روما عام 2009 والأميركي في سينسياتي، ومركز لندن للرياضات البحرية، الذي تم تخصيصه للألعاب الأولمبية التي أقيمت عام 2012، ومحطة الأنفاق في ستراسبورج، والمركز الثقافي بأذربيجان.

بالإضافة إلى المركز العلمي في ولسبورج، ومحطة البواخر في سالرينو، ومركز للتزحلق على الجليد في إنسبروك، ومركز حيدر علييف الثقافي في باكو عام 2013 الذي يعد من أبرز المشاريع التي أوصلت حديد بجدارة إلى الساحة العالمية.

كما نجحت في تصميم مركز للألعاب الأوليمبية في لندن عام 2012، وكان من المفترض أن تشرف على بناء الملعب الأوليمبي في طوكيو عام 2020، والذي صممته ليسع 80 ألف مقعد، غير أنه لم تتم الموافقة عليه بسبب تكلفته الباهظة التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار.

لم تقتصر أعمال زها على الغرب، لكن العالم العربي كان له نصيب منها، حيث صممت دار الأوبرا في دبي، وجسر أبوظبي بالإمارات.

أما في العراق فلم يكتب لمشاريع زها حديد أن ترى النور وهي على قيد الحياة، إذ أن العمل لا يزال قائما في مبنى البنك المركزي العراقي بمنطقة الجادرية وسط العاصمة بغداد، وهو مشروعها الأول في بلدها الأم.

في سيرة زها حديد نحو 950 مشروعا من تصميمها في 44 دولة بالعالم من بينها المغرب. وكانت إحدى أكثر القصص الملهمة في العالم، حيث جاءت في المرتبة الـ69 لأقوى النساء في العالم عام 2008 وفق مجلة "فوربس".

جوائز وألقاب

كانت أول امرأة عربية تحصل على جائزة "بريتزكر" عام 2004، وبذلك كانت أول وأصغر امرأة تنال تلك الجائزة التي تعتبر معادلة في قيمتها لجائزة نوبل في العلوم والآداب، والتي يرجع تاريخها لنحو 25 عاما.

بداية من عام 2000، كانت زها حديد تحصل على جائزة سنويا، حتى حصلت على 12 جائزة في عام واحد، إضافة إلى العديد من الجوائز العالمية المرموقة، كما حصلت على وسام التقدير من الملكة البريطانية واختيرت كرابع أقوى امرأة في العالم عام 2010، حسب تصنيف مجلة "التايمز".

كما نالت جائزة متحف لندن للتصميم لعام 2014، لتصميمها مركز حيدر علييف في باكو عاصمة أذربيجان وأيضا مما جعلها أول امرأة تفوز بالجائزة الكبرى في المسابقة التي دشنت منذ 7 سنوات.

حديد قالت عن سر تميز هذا المبنى وهو أحد إنجازاتها الذي يختزل خبرة 30 سنة من الأبحاث: "هذا المشروع لم تبخل عليه باكو، عاصمة أذربيجان بشيء، فالميزانية كانت مفتوحة، وهذا مهم، لأنها عندما لا تكون كذلك، يكون هناك تنازل أو حل وسط لا يكون في صالح العمل".

في آخر حياتها، كانت زها قد حصلت على ما يربو عن المائة جائزة ووسام، من بينها وسام الشرف البريطاني برتبة سيدة قائد، والميدالية الذهبية للتصميمات المعمارية، والوسام الإمبراطوري الياباني، وغيرها.

كانت أيضا واحدة من النساء المائة الأكثر تأثير في بريطانيا حسب "بي بي سي" عام 2013. واحتلت المرتبة 21 لأكثر النساء العربيات تأثيرا عام 2015، في التصنيف الذي يجريه موقع " أرابيان بيزنس".

ابنة وزير

زها محمد حسين حديد اللهيبي، المعروفة أيضا باسم زها حديد، ولدت في بغداد 31 أكتوبر/ تشرين الأول 1950، ووالدها محمد حديد، كان أحد قادة "الحزب الوطني الديمقراطي العراقي" والوزير الأسبق للمالية بين عامي 1958-1960.

ظلت زها تدرس في مدارس بغداد حتى انتهائها من الثانوية، وعن هذه المرحلة، قالت زها خلال مقابلة تلفزيونية عام 2014: "التحقت بمدرسة الراهبات في بغداد، كنت فتاة مسلمة في الدير، وهناك فتيات يهوديات، كنا ملتزمات بالذهاب إلى الكنيسة، والصلاة بها".

وأردفت أنها عند عودتها إلى المنزل كانت تسأل والدها، لماذا لا نصلي مثلهم، وما كان من والدها إلا أن أخبرها بأنهم ليسوا مسيحيين، وبالتالي، ليس عليهم الذهاب إلى الكنيسة.

وأشارت حديد إلى أنها تلقت تربية عصرية في العراق، واستفادت من تربية والديها المستنيرة لها ولدعمهما غير المشروط، وأنهما كانا الملهمين الكبيرين لها، إضافة إلى أن حماسهما وتشجيعهما هو ما أيقظ طموحها وأعطاها ثقة كبيرة في نفسها.

في سن السادسة من عمرها، اصطحبها والداها إلى معرض خاص بفرانك لويد رايت في دار الأوبرا ببغداد، ووقتها انبهرت كثيرا بالأشكال التي شاهدتها، وفي سن الحادية عشر، حددت زها اهتماماتها لتصبح معمارية، فقامت بتصميم ديكور غرفتها، وكانت تراقب التصميمات المعمارية للمباني.

تعلمت الرياضيات في الجامعة الأميركية ببيروت وحصلت على البكالوريوس في الفترة من 1968 حتى 1971. وذاع صيتها في الأوساط المعمارية الغربية، حيث درست العمارة في الجمعية المعمارية في لندن في الفترة من 1972 حتى 1977، حيث منحت شهادة الدبلوم.

أقامت زها حديد العديد من المعارض الدولية لأعمالها الفنية التي تشمل التصاميم المعمارية والرسومات واللوحات الفنية، وبدأتها بمعرض كبير في الجمعية المعمارية بلندن عام 1983.

كما أقامت مجموعة من المعارض الأخرى الكبيرة في متحف جوجنهايم بنيويورك عام 1978، ومعرض "جي آي جاليري" بطوكيو عام 1985 ومتحف الفن الحديث في نيويورك عام 1988.

كما أقامت معرض قسم الدراسات العليا للتصميم في جامعة هارفارد عام 1994، وصالة الانتظار في المحطة المركزية الكبرى بنيويورك عام 1995. وشكلت أعمالها جزءا من المعارض الدائمة في متحف الفن الحديث بنيويورك ومتحف العمارة الألمانية في فرانكفورت.

توفيت حديد 31 مارس/آذار 2016، عن عمر ناهز 66 عاما، إثر إصابتها بأزمة قلبية في إحدى مستشفيات ميامي بالولايات المتحدة، كما أعلن مكتبها في لندن: "بحزن كبير تؤكد شركة زها حديد للهندسة المعمارية أن زها توفيت بشكل مفاجئ في ميامي هذا الصباح، وكانت تعاني من التهاب رئوي أصيبت به مطلع الأسبوع وتعرضت لأزمة قلبية أثناء علاجها في المستشفى".