مازن حمادة.. ناشط سوري فضح الأسد بالمحافل الدولية ثم عاد إلى دمشق

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لا يزال مجهول مصير المعتقل السابق في سجون النظام السوري، مازن حمادة، وذلك بعد عودته إلى العاصمة السورية دمشق قادما من العاصمة الألمانية برلين في 23 فبراير/ شباط 2020 تحت ظروف غامضة، واقتياده من أجهزة بشار الأسد إلى جهة أمنية تابعة للنظام.

عودة قصة حمادة إلى الواجهة مجددا، جاءت بعد الحديث عن تكهنات من قبل مواقع سورية وصحف غريبة عن مصيره، والتساؤلات الكثيرة عن الأسباب التي دفعت اللاجئ السوري للعودة إلى أحضان جلاديه بعدما فضح وحشيته في محافل دولية كثيرة.

وينحدر مازن حمادة البالغ من العمر 45 عاما من مدينة دير الزور السورية، وكان قد حصل منذ سنوات على حق اللجوء في هولندا، لكنه كان يتردد بكثرة على ألمانيا، قبل أن يعود بشكل مفاجئ إلى دمشق.

قصة العودة

مازن حمادة الذي تعرض للاعتقال والتعذيب مرات عديدة، عاد إلى دمشق بمكيدة دبرتها سفارة النظام السوري في برلين، إذ أنه لم يرجع بشكل طوعي عندما ساءت أحواله المادية والنفسية كما جرى الترويج بالسابق، حسبما ذكر صهره المقيم في هولندا.

صهر حمادة (لم تكشف هويته) الذي تحدث إلى مواقع سورية معارضة في 6 مارس/آذار 2021، نفى في ما أشيع مؤخرا عن وفاة مازن، مشيرا إلى أن "سفارة النظام السوري في برلين لعبت دورا أساسيا في إعادته إلى العاصمة دمشق".

وأوضح أن أشخاصا شاهدوا مازن في مطار برلين قبل العودة إلى دمشق، مع سيدة مؤيدة ومقربة من سفارة النظام، وسألوه هل أنت ذاهب إلى دمشق، إلا أنه أجاب بالنفي وقال أنا ذاهب لبيروت، لكن السيدة ذاتها ردت بالقول: "بل إلى دمشق".

ولفت صهر مازن إلى أن النظام استغل المشاكل النفسية التي كان يعانيها في الفترة الأخيرة، على إثر التعذيب الذي تلقاه من النظام الذي حطم نفسيته، حتى بات يتلقى العلاج في مركز للأمراض النفسية والعصبية في أمستردام.

نشاط مازن في المحافل الدولية كونه قابل مسؤولين في محكمة لاهاي ومسؤولين في بريطانيا وأميركا والأمم المتحدة للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين ومحاسبة نظام الأسد، جعلت الأخير يعمل على استدراجه.

وعن كيفية وصول المعتقل السابق إلى دمشق، أفاد صهره أن "مازن سافر من برلين إلى مطار بيروت عبر شركة أجنحة الشام ومن هناك إلى مطار القامشلي ومنها إلى دمشق ليجري اعتقاله هناك".

وأخبر مازن ابن أخيه المقيم في ألمانيا خلال آخر مكالمة بينهما عندما وصل مطار دمشق بأنه تورط، وقال له: "ادعيلي"، حسبما ذكر صهر المعتقل السابق مازن حمادة.

ونشر ناشطون سوريون مقطعا مصورا للمعتقل السابق مازن حمادة، في فبراير/ شباط 2021، قالوا إنه عندما كان في برلين قبل عودته بمدة إلى دمشق، حيث ظهر يتحدث مع أحد الأشخاص عن إنجازاته في القضية السورية.

لكن الأخير قال له كيف تريد العودة إلى سوريا عن طريق إيران، فرد عليه "حمادة" أنها "حركة مني أسقطت فيها الكثيرين، وظهروا بأنهم مرتزقة وشبيحة، ولو أريد العودة لرجعت دون أن يعرف أحدا بذلك، ولن أعود للنظام لأن إخواتي ما زالوا عنده بالسجن".

انهيار نفسي

وفي السياق ذاته، أفاد الناشط السوري بدوي المغربل بأن مازن في الأشهر الثلاثة الأخيرة من وجوده في برلين كان يذكر أنه يريد العودة، لكن لم يأخذ أحد قوله على محمل الجد،. كما أخبره أنه يرغب بالجلوس مع بشار الأسد لحل مشاكل المعارضة والنظام.

المغربل ذكر خلال تصريحات لمواقع معارضة في 6 مارس/آذار 2021 أن "مازن أصبح يهلوس كثيرا في الفترة الأخيرة ويعاني من وضع نفسي سيء، حتى أنه أخبرني ذات يوم أنه سيقترح على الأسد تقاسم البلاد، بإعطائه دمشق ودرعا والجنوب، ويأخذ هو (مازن) دير الزور وشمال سوريا".

وأوضح الناشط أن "سفارة النظام السوري في برلين هي من أمنت لحمادة، جواز سفر سوري عوضا عن الذي أتلفه ابن أخيه في ألمانيا سابقا، ومن ثم أخذه إلى دمشق".

وفي تقرير نشرته "واشنطن بوست" في 6 مارس/ آذار 2021، أوضحت أن مازن اتصل بصديقة له اسمها ميسون بيرقدار وهي ناشطة سورية معروفة تقيم في ألمانيا منذ 27 عاما، وقال لها: "ذهبنا إلى أميركا وأخبرناهم بكامل القصة (التعذيب في سجون النظام)، وسافرنا إلى ألمانيا وأخبرناهم بكامل القصة، وسافرنا إلى هولندا وفرنسا بل حتى إيطاليا، لم يصغ الناس لنا، بل كل العالم لم يسمعنا".

وبعدها تحول إحباطه لغضب، فأكد لها بأن دمشق وجهته بالفعل، وذكر لها بأنه تعب من محاولته إقناع العالم بالوقوف ضد الأسد، وبأنه يرغب بإيجاد السبل الكفيلة بالتوصل إلى حل سياسي للحرب.

كما أخبرها بأنه يرغب بطرد الأكراد (المسلحين) والأميركان الذين اتهمهم باحتلال المحافظة التي ينتمي إليها، إلى جانب السعي لإطلاق سراح السجناء السياسيين الآخرين، وذكر بأنه على استعداد للتضحية بنفسه لوقف حمام الدم المستمر، وفقا للصحيفة.

وبعدما توسلت إليه ميسون حتى لا يسافر، وأخبرته بأن الاحتمال الأرجح هو أن يعتقل ويتعرض للتعذيب من جديد، بدلا من أن يجري الترحيب به كمصلح يسعى نحو السلام وذلك من قبل النظام الذي سبق له أن انتقده على العلن، فما كان منه إلا أن رد عليها بالقول: "سنموت على أية حال".

مساومة النظام

وبخصوص آخر التطورات عن قضية مازن، قال صهره في تصريحاته الصحفية إن "نظام الأسد عرض مؤخرا الإفراج عنه مقابل شرط وحيد، وهو أن يخرج إلى وسائل الإعلام وينفي كل ما قاله في المحافل الدولية، ولكن مازن رفض ذلك".

وأشار الصهر إلى أنه "حصل على هذه المعلومة من معتقل كان محتجزا مع مازن في أحد الأفرع الأمنية بدمشق"، كاشفا عن "تحرك دولي حول القضية، إذ أن وزير خارجية هولندا قال إن ملف مازن أصبح على طاولة الأمم المتحدة، كما أن هولندا تجري اتصالات مع ألمانيا لمعرفة معلومات عن دور سفارة الأسد في استدراجه إلى دمشق".

عمل في سوريا موظفا في شركة "شمبرغير" الفرنسية للتنقيب عن النفط في محافظة دير الزور بصفة فني، وكان مساهما في إجراءات لمحاكمة نظام الأسد، وظهر في أفلام وثائقية سورية تحدث فيها عن التعذيب في معتقلات النظام.

واعتقل "حمادة" ثلاث مرات منذ بداية الثورة السورية، إذ امتد الاعتقال الأول في 24 أبريل/ نيسان 2011، أسبوعا كاملا على يد أمن الدولة بدير الزور، أما الاعتقال الثاني فكان بتاريخ 29 ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه لمدة أسبوعين، لكن الاعتقال الثالث كان الأطول والأقسى، حيث اعتقل في دمشق حتى العام 2014.

وقدم حمادة شهادات عن التعذيب ضد النظام في محكمة لاهاي، وقال: "بمجرد دخولنا إلى المخابرات الجوية بدؤوا بضربنا بالعصي، وجعلونا نخلع ثيابنا ونقف عارين موثوقي الأيدي، ومن ثم جرى أخذنا إلى مبنى الدراسات، وبعدها إلى ما يسمى أمن الطائرات وهو مهجع بطول 12 مترا وعرض 7 أمتار، وكنا 170 معتقلا نقف في تلك المساحة".

وتابع: "بقينا ثلاثة أشهر هناك، وبعدها تم تحويلنا إلى فرع التحقيق القديم، لنجد أنفسنا 12 شخصا ضمن زنزانة لا تزيد أبعادها عن المترين طولا ومترين عرضا".

وأكد حمادة في شهاداته أنه تعرض لأنواع مختلفة من التعذيب منها "الشبح والخازوق والتعذيب عن طريق استهداف الأعضاء التناسلية، واستخدام الزيت الحار والماء المغلي، وإطفاء السجائر على أجساد المعتقلين".

كما برز حمادة كناشط سياسي حيث نشر مقاطع فيديو قال فيها إنه "التقى مسؤولين غربيين لدراسة قضايا تتعلق بالثورة السورية".

لاجئ سوري

عند وصوله إلى هولندا في عام 2014، انهمك مازن بفضح ونشر فظائع منظومة السجون في سوريا، حيث تواصل مع منظمات دفاع سورية وسافر إلى مختلف أنحاء أوروبا والولايات المتحدة ليروي تجربته مع تلك المنظومة.

كما تحدث إلى صناع القرار في واشنطن وإلى جنرالات في القيادة الأميركية الوسطى بفلوريدا، وإلى طلاب جامعة برينستون، وإلى محققين في مجال حقوق الإنسان، وإلى كثير من الصحفيين.

وصف مازن لكل هؤلاء كيف حفرت السلاسل التي استخدمت لتعليقه من السقف أخاديد في معصميه، وكيف كسر الحراس أضلاعه عندما قفزوا فوق جسده، وكيف أحرقوا جلده بأعقاب السجائر، وكيف كان جسمه يهتز بفعل الصعقات الكهربائية.

وعندما كان يصل للحديث عن تعذيبه واغتصابه، كان ينهار دوما، وهذا ما دفع جمهوره في كل مرة للبكاء أيضا.

في تلك اللحظة من التحقيقات استسلم لهم، حيث اعترف لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية في عام 2017، وقال: "عندما بدؤوا بتحريك العصا اعترفت بكل شيء طلبوه مني".

كان مازن حمادة مصمما على محاسبة النظام السوري على ما اقترفه، ليس فقط من أجل ما تعرض هو له، بل من أجل أولئك الذين رآهم يموتون في السجن أمام عينيه.

وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" في 6 مارس/آذار 2021 أن الدموع أخذت تنهال كأنهار من عينيه وهو يقول في الفيلم الوثائقي: (المختفون قسريا في سوريا): "لن أرتاح حتى أراهم، حتى ولو دفعت حياتي ثمنا لذلك. سألاحقهم وأحاكمهم، مهما كلفني ذلك".

وتعتبر غزارة الدموع التي يذرفها مازن، دليلا على تردي حالته النفسية والعقلية، وبعيدا عن أعين العامة، لم تكن حياته تسير على ما يرام، فقد كان يعيش بمفرده في شقة محدودة الأثاث بأمستردام قدمتها له الحكومة الهولندية، بحسب الصحيفة.