تؤثر على صورتها.. لماذا تقلق إسرائيل من المناهج الدراسية التركية؟

خالد كريزم | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تثير مناهج التعليم في المدارس التركية غضبا إسرائيليا لتناولها قضايا حساسة "تؤثر على صورة" الدولة العبرية ومشاريعها التوسعية نحو الخارج، وسط موجة غير مسبوقة من علاقات التعاون والتطبيع مع دول عربية.

آخر نوبات الغضب الإسرائيلية ترجمتها دراسة جديدة أظهرت كيفية تعامل مناهج التعليم في تركيا مع تل أبيب والقضية الفلسطينية.

ثورة أردوغان

ونشرت صحيفة "يسرائيل هيوم"، في 8 مارس/آذار 2021، تقريرا يتناول أبرز ما جاء في الدراسة التي نشرها مركز الأبحاث الإسرائيلي "IMPACT-SE"، وجاءت تحت عنوان "ثورة أردوغان في مناهج التعليم بتركيا". 

تقول الصحيفة: إن "العلاقات بين تل أبيب وأنقرة في تدهور مستمر في ظل حكم الرئيس رجب طيب أردوغان"، كذلك شهدت مناهج التعليم في تركيا حالة من التدهور على صعيد الصورة التي تعطيها للطلاب عن إسرائيل. 

وأوضحت أن أردوغان "سيحتفل في غضون أسبوع واحد بالضبط، بمرور 18 عاما له في السلطة؛ أولا كرئيس للوزراء ومن ثم كرئيس لتركيا".

وتظهر الدراسة أن "الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لا يزال يتصدر موقعا ذا تأثير ومركزية في نظام التعليم بتركيا، وتحولت الكتب المدرسية إلى مناهج مؤيدة بشكل كبير للفلسطينيين، بل إنها تظهر إسرائيل على أنها عقبة أمام تحقيق السلام".

وتشير إلى أن مناهج التعليم في تركيا تذكر الصهيونية كمشكلة، كما تبرزها كمشرعنة لإقامة حلم "إسرائيل الكبرى" من النيل إلى الفرات.

كما تظهر الدراسة الإسرائيلية أن مناهج التعليم التركية تقلل من شأن ما أسمته "انتصارات" إسرائيل العسكرية، بل وتعلم الطلاب بأن تل أبيب لم تكن لتحقق إنجازاتها لولا المساعدة الأميركية والأوروبية.

فيما يتعلق بالقدس، تقول الدراسة إن "تركيا حريصة على أن تؤكد لطلابها بأنها رافضة بشكل مطلق للاعتراف بالمدينة المقدسة عاصمة لإسرائيل، وتقدم الجهاد لأول مرة، كجزء لا يتجزأ من مادة الدراسة التركية، كما يتم تقديم إحباط محاولة الانقلاب ضد أردوغان عام 2016 على أنها حرب جهادية".

وادعت أنه "يستمر تعزيز القومية في نظام التعليم التركي؛ فالمناهج تركز على الشعب التركي، وبخاصة أذربيجان، وهذه حقيقة ينبغي أن تكون مصدر قلق كبير لأرمينيا، بالنظر إلى هزيمتها الفادحة في حرب قره باغ الأخيرة (عام 2020)".

لكن، هناك أمر إيجابي واحد فقط "لكنه متناول بشكل سطحي" في المناهج التعليمية التركية وهو قضية المحرقة النازية ضد اليهود، بحسب ذات المصدر.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2020، اقترح أردوغان تنفيذ إصلاح جوهري وشامل للتعليم في تركيا، من أجل إفراز ما وصفها بـ"أجيال واثقة تساعد الحضارة التركية على الازدهار".

وقال أردوغان وقتها خلال مشاركته في افتتاح مجمع جامعة "ابن خلدون" بمدينة إسطنبول: "يتعين على تركيا إصلاح تعليمها بدءا من مرحلة ما قبل المدرسة إلى التعليم العالي؛ للتغلب على المشاكل الناجمة عن فهم دام عقودا لاستيراد النظام الغربي وثقافته"، واصفا ذلك بأنه تقليد أعمى للغرب.

وشدد الرئيس التركي على أن "تقليد الآخرين لن يساعد أي دولة على تجاوز المستوي الفعلي للحضارة في العالم، ما تحتاج إلى تبنيه هو عقلية تقدمية تستقي أفكارها من التقاليد". وأكد على ضرورة تحقيق "هيمنة فكرية".  

لماذا هذا القلق؟

في تحول غير متوقع للأحداث في المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2009 في دافوس بسويسرا، خرج أردوغان عندما كان رئيسا للوزراء التركي من المنصة بعد جدال حاد مع الرئيس الإسرائيلي وقتها شيمون بيريز بشأن العدوان العسكري الإسرائيلي الأخير على غزة (2008-2009).

وبعد 16 شهرا، علقت تركيا وإسرائيل علاقتهما التي استمرت ستة عقود بعد مقتل 10 أتراك على متن أسطول مافي مرمرة بالقرب من سواحل قطاع غزة.

وفي هذا الصدد، قالت دراسة مركز الأبحاث الإسرائيلي "IMPACT-SE": "تغض مناهج التعليم التركية العين عن أفعال الفلسطينيين"، كما تسلط الضوء على ملفات حساسة مثل قضية سفينة "مافي مرمرة" التركية"، وفق وصف الصحيفة. وتبدو هذه إحدى أكبر نقاط الخلاف.

وتوترت العلاقات بين الجانبين بشكل غير مسبوق منذ 31 مايو/أيار 2010، وهو اليوم الذي هاجمت تل أبيب فيه سفينة "مافي مرمرة" التي كانت متوجهة ضمن أسطول مساعدات عرف باسم "أسطول الحرية".

وقد رصد المركز ما أسماه تناقضا في الكتب الدراسية، حيث أظهرت تركيا احتراما للغة العبرية ومفهوم "الحضارة اليهودية"، لكنها في نفس الوقت وصفت اليهود بـ"الكفار"، بالإضافة إلى تشويه سمعة "دولة إسرائيل"، بحسب قوله.

ووصفت الكتب الدراسية قطاع غزة بأنه "أكبر سجن مفتوح" في العالم، وحاولت تكوين علاقة عاطفية مع قضايا الفلسطينيين، يقول المركز.

وأكدت الدراسة أن المناهج التركية "مثيرة للقلق، لأنه في غضون 20-30 عاما، سيتلقى صانعو القرار هذا التعليم ولا توجد معلومات إيجابية عن إسرائيل، وكل شيء سلبي".

وتأتي الدراسة بعد شهور قليلة من توقيع الإمارات والبحرين والمغرب والسودان اتفاقات لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، في وقت تبذل تل أبيب جهودا كبيرا لمحاولة دفع الشعوب الرافضة لأي شكل من أشكال المحادثات مع الاحتلال، إلى تقبل تلك الفكرة.

ويقول الكاتب ماجد عزام في مقال على موقع العربي الجديد في 3 فبراير/شباط 2021، إن "القضية الفلسطينية هي نقطة الخلاف المركزية بين الجانبين، وطالما هذه القضية لم تحل، واستمرت إسرائيل في سياستها العدائية ضد الشعب الفلسطيني الأقرب والأحب إلى الشعب التركي، لن يكون في الوسع إعادة الدفء للعلاقات الرسمية".

وفي أغسطس/آب 2020، أي بعد تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات، هاجم أردوغان ووزارة خارجيته "السلوك المنافق" للإمارات تجاه الفلسطينيين وتحدث عن إمكانية تعليق عمل السفارة الإماراتية ردا على ذلك، لكن الأمر لم ينفذ.

وتركيا إحدى أبرز الدول الرافضة لقرار واشنطن اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل. ودائما ما تسلط تل أبيب الضوء على ما تسميه نفوذا متصاعدا لدى أنقرة في المدينة المقدسة، خاصة بالنظر إلى رمزية المكان لدى الأتراك الذين يعتبرونه بمثابة عمرة أخرى قبل ذهابهم لأداء مواسم الحج.

ويقول الصحفي الإسرائيلي مردخاي غولدمان، في مقال نشره موقع "المونيتور" الأميركي في أكتوبر/تشرين الأول 2019: "هناك دور تركي متزايد في العملية التعليمية (داخل القدس المحتلة)، وتنظيم رحلات مجانية متبادلة من تركيا إلى الأقصى، هذا يعني أننا أمام عملية كبيرة".

ما الهدف؟

عماد أبو عواد، الباحث في الشؤون الإسرائيلية بمركز "رؤية" للدراسات يعلق على هذا الأمر بقوله إن "إسرائيل كان من ضمن أهدافها القومية أنه بعد 20 عام (من قيامها) أن تصبح جزء أساسيا من المنطقة دون وجود أي مشوشات".

ويضيف في حديث لـ"الاستقلال": "مضى 70 عاما، صحيح هناك تطبيع وأن إسرائيل دولة قوية عسكريا، لكنها تواجه تحديات أهمها التحدي الأمني وكذلك عدم وجود شرعية لها في المنطقة ولدى شعوبها، وهي هنا تحاول على مستوى العالم أن تؤكد صورتها كدولة شرعية وأنها تستحق هذه الأرض والوجود".

لكنه يعتقد أن الأمر مختلف عند الحديث عن تركيا، فهو ليس تأكيد شرعية بقدر ما هو الخوف من أن تشكل أنقرة تهديدا حقيقيا لها.

ويتابع: "إسرائيل تعرف أن تركيا تشكل تهديدا حقيقيا لإسرائيل، فالصعود التركي المتسارع في كافة المجالات تعتبره تل أبيب تهديد لأمنها القومي وتحاول محاربته بكافة الوسائل".

وأردف الباحث: "العلاقات تدهورت، وإسرائيل تنظر لتركيا على أنها تحاول إعادة الأمجاد العثمانية وتعتقد أن المناهج التعليمية هي أحد الأساسيات التي تحاول أنقرة من خلالها استعادة هذا النفس".

ويرى أبو عواد أن التقرير الإسرائيلي الأخير بشأن تهديد المناهج التركية "تعتبره تل أبيب بمثابة ترسيخ لموجة عداء قادمة ومستمرة".

وعن احتمالات أن يكون مرد التخوف الإسرائيلي هو تشويه صورتها والتأثير على مستقبل التطبيع، قال الباحث إن "إسرائيل تدرك أن التطبيع هو على مستوى الأنظمة وليس الشعوب ولكن تحاول من خلال كل المجهودات أن تقلل من العداء وتحسن صورتها أمام الدول وشعوب العالم".

وأكد أن إسرائيل "تدرك أن التطبيع إنجاز كبير ولكن مسألة التحول لدى الشعوب صعبة، ونسبة العداء بالأوساط العربية كبيرة جدا لن تستطيع تل أبيب مهما حاولت أن تقلل منها".

ويلخص مقال كتبه مستشار الرئيس التركي، ياسين أقطاي، في يناير/كانون الثاني 2021، العلاقة بين الطرفين قائلا: "كانت تركيا منذ البداية واضحة في علاقاتها مع إسرائيل، ومعروف عنها أنها كانت أول بلد إسلامي يعترف بوجودها؛ لكن هذا لا يعني أنها كانت راضية عن سياساتها أو سكتت عن الانتهاكات".

وتابع في مقاله المنشور على موقع "الجزيرة نت": "وحتى خلال الفترات التي كانت فيها العلاقات جيدة نسبيا، فإن ذلك كان في صالح تركيا والشعب الفلسطيني، وفي كل الأحوال، مهما كان مستوى هذه العلاقات، فإن تركيا تعد التنازل عن القدس والقضية الفلسطينية خطا أحمر لن تتجاوزه أبدا".

وأردف أقطاي: "مؤخرا، أفسدت تركيا علاقتها مع إسرائيل، ووضعت نفسها في الواجهة، ردا على السياسات الظالمة التي تمارس في حق الفلسطينيين. لهذا السبب، من الخاطئ اعتبار أنقرة جزءا من مسار التطبيع مع تل أبيب".