بعد أميركا وكندا.. هل تتهم أوروبا الصين بارتكاب إبادة بحق الإيغور؟

12

طباعة

مشاركة

سلط موقع "معهد الدراسات السياسية الدولية" الإيطالي الضوء على تزايد الضغوط الدولية ضد الصين، على خلفية تورطها في قمع الإيغور، الأقلية المسلمة التي تقطن إقليم شينغيانغ.

يأتي ذلك بعدما اتهمت كندا السلطات الصينية بارتكاب إبادة جماعية، لتنضم بذلك إلى الولايات المتحدة التي وجهت سابقا نفس الاتهامات إلى العملاق الآسيوي، في حين تشكل هذه المسألة اختبارا وشيكا لأوروبا بالنظر إلى المصالح التجارية والاستثمارات التي تجمعها بالصين.

منذ أيام قليلة، صوّت البرلمان الكندي بالإجماع على اعتبار ما تتعرض له  أقلية الإيغور المسلمة "إبادة جماعية". وأيدت جميع أحزاب الأغلبية والمعارضة وبعض المشرعين من الحزب الليبرالي الحاكم هذا المقترح، في المقابل، امتنع رئيس الوزراء جاستن ترودو ومعظم أعضاء حكومته عن التصويت. 

كما أدخل نواب البرلمان تعديلا على المقترح يدعو اللجنة الأولمبية الدولية إلى نقل دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2022، التي ستستضيفها بكين، "إذا استمرت الحكومة الصينية في ارتكاب الإبادة الجماعية".

وفي كلمة ألقاها قبل التصويت، قال زعيم المعارضة إيرين أوتول: "من الضروري إرسال إشارة واضحة لا لبس فيها بأننا سنناضل من أجل حقوق الإنسان حتى لو كلفنا ذلك التضحية ببعض الفرص الاقتصادية". 

ضغوط متزايدة

ولفت الموقع إلى أن "اعتراف البرلمان الكندي قد يحفز صدور مبادرة مماثلة من البرلمان البريطاني، لا سيما وأن وزير الخارجية دومينيك راب كان قد ندد بانتهاكات حقوق الإنسان في القطاع الصناعي بشينغيانغ". 

من جانبها، لم تتأخر بكين طويلا في الرد على هذه الاتهامات، ووصفتها بـ"الأكاذيب المختلقة" ودعت المفوضة السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، ميشيل باشيليت، لزيارة المنطقة الشمالية الغربية. 

وذكر الموقع أن "الاتهام بارتكاب الإبادة الجماعية لن يخلف عواقب على المستوى القانوني فحسب، وإنما استخدام المصطلح في حد ذاته يشكل وصمة عار شديدة، في وقت تشعر فيه بكين بتزايد الضغط الدولي عليها".

وقال إن "مسألة قمع الإيغور تأتي في سياق علاقات معقدة ومتدهورة باستمرار بين بكين وأوتاوا، انطلقت بالقبض على منغ وانزهو، المديرة المالية لشركة هواوي في ديسمبر/كانون الأول 2018، وردت الصين باعتقال مواطنين كنديين في الصين، والانخراط في ما أسماه ترودو، دبلوماسية الرهائن". 

ومؤخرا، أصبحت كندا رسميا ثاني دولة بعد الولايات المتحدة تتهم بكين علانية بارتكاب "الإبادة الجماعية". 

وتجدر الإشارة إلى أن كل من وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو وسلفه أنتوني بلينكن، أعلنا أن سياسات الصين ضد مسلمي الإيغور والأقليات العرقية الأخرى في منطقة شينغيانغ الغربية "ترتقي إلى محاولات إبادة جماعية".

من جهتها، حاولت حكومة ترودو، التي تحكم دون أغلبية برلمانية، تحقيق توازن صعب بين استقلال سياستها الخارجية، والضغط من حليفتها الولايات المتحدة والحاجة إلى الحفاظ على علاقات ودية مع بكين.

إلا أنه من المتوقع أن يزيد تصويت البرلمان الكندي -وإن لم يكن ملزما- من التوترات بين البلدين، وفق الموقع الإيطالي.

واعتبر الموقع أن "كندا لاعب رئيس في منطقة المحيط الهادي، ورغم كونها عضوا في حلف الشمال الأطلسي ولها روابط تاريخية عميقة مع أوروبا والولايات المتحدة، إلا أن مستقبلها مرتبط على نحو متزايد بالقارة الآسيوية". 

وذكر الموقع في هذا الصدد، أن "المبادلات التجارية الكندية مع الدول الآسيوية فاقت إجمالي تجارتها  مع أوروبا وأميركا اللاتينية وإفريقيا حتى قبل الانضمام إلى اتفاق الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ عام 2018". 

وأضاف أن "ما يقرب من 18 بالمئة من الكنديين من أصول آسيوية، كما يتحدث السكان في مدن مثل تورنتو وفانكوفر، الماندرين والكانتونية أكثر من الفرنسية". 

بالإضافة إلى ذلك، يعيش حوالي 300 ألف كندي في هونغ كونغ مما يجعل حكومة أوتاوا تركز بشكل خاص على التوترات التي يشهدها الإقليم. 

ورغم هذه الروابط، أكد الموقع الإيطالي أنه "من الصعب تصور إستراتيجية أميركية ناجحة في التعامل مع الصين لا تشمل كندا على الجبهة الغربية للرئيس جو بايدن". 

وقد كشفت الإدارة الجديدة صراحة عن نواياها في مواصلة مجابهة بكين، وقد يشجع موقف أوتاوا في حال عدم الالتزام بهذه الإستراتيجية، الحلفاء الآخرين، الذين لا يتوافق تاريخهم وقيمهم وأيضا مصالحهم مع ما تمتلكه واشنطن، إلى اتخاذ قرار بالوقوف بعيدا عن هذه التطورات.

اختبار حقيقي

وفي السياق، قال الموقع: إن "أوروبا تراقب، وتجري اتصالات مع الإدارة الأميركية الجديدة". 

ووصف المفوض السامي الأوروبي للشؤون الخارجية جوزيب بوريل، الاجتماع الأول بين بلينكن ووزراء الخارجية الأوروبيين منذ أيام بأنه "كان إيجابيا". 

وتناول الاجتماع بالإضافة إلى إمكانية تبني عقوبات جديدة ضد روسيا والجنرالات التي تقف وراء الانقلاب في ميانمار، مسألة هونغ كونغ والخيارات المتاحة "في حال تدهور الوضع أكثر". 

وبخصوص الملف النووي الإيراني، أكد وزير الخارجية الأميركي استعداد واشنطن لإعادة الاتفاق مع إيران في حين عبر بوريل عن تفاؤله.

من ناحية أخرى، يرى موقع المعهد الإيطالي أن "الاختبار الحقيقي أمام إصلاح العلاقات عبر الأطلسي التي شهدت اضطرابا في عهد ترامب، يتعلق بالصين ومتى الاستعداد الأوروبي في التضحية بالمصالح الاقتصادية قصيرة المدى التي تجمعها ببكين". 

وفقا لآخر البيانات الصادرة عن "يوروستات" (مديرية عامة تهتم بتزويد المفوضية الأوروبية بالمعلومات الإحصائية)، تجاوز حجم التجارة بين القارة العجوز والقوة الآسيوية الأرقام المسجلة بين أوروبا والولايات المتحدة. 

وفي ذات السياق، لفت الموقع إلى أن "المخاوف المشتركة مع حلفائه بشأن الممارسات التجارية والتكنولوجية غير الأخلاقية لبكين، لم تمنع الاتحاد الأوروبي من التوصل في نهاية العام الماضي إلى اتفاق مبدئي مع الصين حول تعزيز الاستثمارات المتبادلة".

من جهته، برّر بوريل هذا الاتفاق بالقول إن التجارة "شيء آخر غير القمع في شينغيانغ أو هونغ كونغ". 

وعلق الموقع بأن "هذا الموقف المدافع لا يخفي معضلة أوروبا، التي تدفعها الفطرة نحو تعددية الأطراف، لكنها تدرك أنها لا تشارك بكين نفس الأولويات والقيم".

وفي ختام التقرير، أكدت الباحثة بالمعهد الإيطالي، جوليا شوراتي، أن "دور بكين في النظام الدولي تأثر بشدة بما يحدث في إقليمي شينغيانغ وهونغ كونغ، ويتأكد ذلك من خلال ما أثارته مسألة العمل القسري للإيغور، الذي تجاهلته (الاتفاقية الشاملة بشأن الاستثمار) بين الصين والاتحاد الأوروبي". 

وأوضحت أن "تأثير المسائل الداخلية سيشكل ضغطا على خيارات السياسة الخارجية الصينية وعلى مكانتها العالمية، لا سيما إذا استمر نظام العلاقات الدولية في العمل وفقا لنمط المعارضة بين الأنظمة الاستبدادية والديمقراطيات".