لضرب "نووي" إيران.. ما حقيقة تحالف مصر والأردن والخليج مع إسرائيل؟

محمد السهيلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"تجديد خطط العمليات المرسومة لمواجهة إيران"، تصريح مثير للجدل، أطلقه رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي، في 26 يناير/ كانون الثاني 2021، ما اعتبره محللون صبا للزيت على النار في المنطقة المشتعلة بالصراعات والأزمات.

العسكري الإسرائيلي، تحدث عن تشكيل إسرائيل تحالفا إقليميا ضد إيران، يضم مصر والأردن ودول خليجية وأوروبية، لافتا في ذات الوقت إلى أنه وضع خططا لتوجيه ضربة عسكرية لمقدرات طهران النووية.

كوخافي، قال بمؤتمر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي: "في مواجهة المحور الشيعي الذي يمتد من إيران مرورا بالعراق وسوريا ولبنان تبلور تحالف إقليمي قوي يبدأ من اليونان، وقبرص، ومصر، والأردن، ودول الخليج العربي، حيث تقف دولة إسرائيل داخل هذا التحالف".

وشدد على أنه أصدر "تعليمات لجيش الدفاع لوضع عدد من الخطط العملياتية فيما يتعلق بإيران، غير أن قرار تنفيذها يبقى بيد المستوى السياسي"، معتبرا أن عودة أميركا للاتفاق النووي الإيراني المبرم 2015 وانسحب منه الرئيس السابق دونالد ترامب عام 2018، "أمر سيء وخاطئ". 

وتأتي التهديدات الإسرائيلية لإيران أيضا بعد شهرين من استهداف  العالم النووي الإيراني الدكتور فخري زاده، في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، في عملية وصفت بـ"المخابراتية" ووجهت فيها طهران الاتهامات لتل أبيب، كما تأتي وسط تصاعد كبير في لغة التصريحات بين تل أبيب وطهران مؤخرا.

فيما تتزامن مع حالة فزع عاشتها منطقة غرب طهران إثر سماع دوي صافرات الإنذار لبضع دقائق مساء 29 يناير/ كانون الثاني 2021، ما فسره مسؤولون إيرانيون بـ"خطأ تقني".

إعلان الجنرال الإسرائيلي عن خطط عسكرية ضد إيران، وإشارته لوجود تحالف إسرائيلي عربي أوروبي ضد طهران، ورفضه عودة إدارة بايدن للاتفاق النووي، أثار التكهنات حول احتمالات شن تل أبيب عملا عسكريا ضد المنشآت النووية الإيرانية، بدعم حلفائها العرب.

حق الرد

الرد الإيراني على التصعيد الإسرائيلي، جاء في ذات اليوم سريعا وقاطعا ووسط محفل دولي "الأمم المتحدة"، وعلى لسان مندوب إيران الدائم لدى الأمم المتحدة، مجيد تخت روانجي، الذي أكد احتفاظ بلاده بحق الرد على التهديدات الإسرائيلية.

روانجي، الذي لم يرد على حديث الجنرال الإسرائيلي حول وجود تحالف عربي أوروبي مع تل أبيب ضد إيران، قال إن "إسرائيل تواصل الكذب والخداع لإظهار أن برنامجنا النووي يشكل تهديدا للمنطقة"، مضيفا أنها تسعى "للتعتيم على أسلحتها النووية، وتقويض استقرار المنطقة".

لكن، المحلل السياسي الإيراني محمد غروي، قال لوكالة "سبوتنيك" الروسية عن التحالف المزعوم: "إسرائيل بدت وكأنها الناطق الرسمي باسم الدول الخليجية والعربية وأن مصدر القرار في هذه الدول المتحالفة هي تل أبيب، وكان هذا موجود من قبل، لكن ليس بهذه الصورة العلنية".

وأشار إلى وجود "حرب أمنية قوية واقعة هذه الأيام بين إيران وإسرائيل، خاصة بعد تصريحات كوخافي الخطيرة"، مضيفًا: "لكن في النهاية لا يمكن التوقع أن يكون هناك ضربات إسرائيلية على طهران، فدائما من يكون له خطط عسكرية لا يجاهر بها".

 

مناورة استقطاب

بعد يومين من حديث رئيس الأركان الإسرائيلي عن التحالف، دعا وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، دول الخليج للتعاون الإقليمي لإرساء الأمن والاستقرار بالمنطقة مؤكدا استعداد بلاده لذلك.

ظريف قال عبر "تويتر": "جيراننا الکرام، الفرصة متاحة أمامنا لنعيد التأمل في قضية الأمن الإقليمي. كما نعلم مثل هذا الأمن لا يمكن شراؤه بالمال وتحقيقه عبر تكديس السلاح".

مضيفا: "السبيل الوحيد لإرساء الأمن والاستقرار هو التعاون الإقليمي الواسع بين دول المنطقة"، متابعا: "ولطالما أكدت إيران استعدادها لتفعيل مثل هذا التعاون".

حديث الجنرال الإسرائيلي عن التحالف العربي معها ضد إيران، ومبادرة ظريف لدول الخليج، تأتي في ظل تغير بعض الظروف الدولية والإقليمية، خاصة مع بدء حقبة بايدن، وسط رسائل عديدة من إدارته تؤكد تغير السياسة الأميركية إزاء المنطقة وبشكل سلبي تجاه الخليج ومصر، وإيجابي بعض الشيء لإيران.

كما تأتي في ظل تقارب إسرائيلي عربي غير مسبوق، خاصة مع عقد اتفاقيات تطبيع من قبل الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، لينضموا إلى مصر 1979، والأردن 1994، وسط حديث عن تقارب سعودي أيضا مع تل أبيب، في مقابل اتساع الفجوة بين أغلب الدول العربية وإيران.

مراقبون مصريون وأردنيون، أشاروا إلى أن بناء تحالف إقليمي، أمر صعب الحدوث وغير مقنع، وأكدوا أن القاهرة وعمان على سبيل المثال لن تتورطا في أية خطط إسرائيلية ضد نووي إيران، وأن موقفهما ثابت إزاء النووي الإيراني والإسرائيلي معا.

الكاتب الصحفي المصري كارم يحيى، أوضح أن موقف مصر من السلاح النووي هو "العمل سلميا على إخلاء المنطقة كلها من السلاح النووي بما في ذلك قدرات إسرائيل الفعلية، وليس الافتراضية والمستقبلية كحال إيران".

السيسي وإيران

ويرى الأكاديمي المصري الدكتور ممدوح المنير، أن "هذه التصريحات تمثل حربا نفسية إعلامية بالمقام الأول أكثر منها موقفا جديا للكيان الصهيوني لشن حرب على إيران"، مشيرا إلى أن "الأوضاع الداخلية الإسرائيلية واقتراب الانتخابات في 23 مارس/ آذار 2021، لن تجعل نتنياهو يغامر بحرب قد تخسره المزيد من أصوات الناخبين".

مدير المعهد الدولي للعلوم السياسية والإستراتيجية بإسطنبول، أكد في حديثه لـ"الاستقلال " أن "طهران لن تقف مكتوفة الأيدي على ضرب منشآتها النووية، ولديها منظومة صاروخية متقدمة تستطيع الوصول لأي نقطة في إسرائيل"، منبها كذلك إلى أن "إدارة بايدن غير مستعدة لبدء حقبته بحرب سهل اندلاعها وصعب إنهاؤها" .

لذلك يعتقد المنير أن "تل أبيب ستظل حركتها تجاه طهران بالجانب الاستخباراتي العسكري، كما حدث مع اغتيال قائد البرنامج النووي الإيراني (فخري زاده) مؤخرا، وضرب الأطراف كما تفعل في سوريا".

وحول احتمالات تخلي مصر عن سياستها الهادئة تجاه إيران ودعم أي عمل ضد منشآتها النووية، يرى المنير أن النظام بمصر "لا يمكنه أن يكون ضمن تحالف معلن ضد إيران".

وأكد أن "إيران أحد أوراق السيسي التي يحتفظ بها لابتزاز الخليج، فضلا عن أن عدم خسارته لطهران يعني احتفاظه بعلاقات جيدة مع موسكو، التي يحرص على توازناته معها، مقابل واشنطن التي لا يأمن جانبها على الدوام".

الأكاديمي المصري، قال عن موقف مصر من قدرات إيران النووية: "القاهرة بلا وزن فعلي للتأثير بهذا الملف، فهي مجرد تابع لعدة تابعين إقليميين ودوليين، وهي تحاول إرضاء الجميع، وفي الخيارات الصعبة والنهائية ستنحاز فقط لمن يضمن بقاء السيسي بالحكم بغض النظر عن مصالح الأمن القومي المصري التي لا يلتفت إليها السيسي كثيرا".

بناء التحالفات

من جانبه، يرى الباحث المصري في الشؤون الإيرانية أسامة الهتيمي أن "تصريحات كوخافي لاقت انتقادات المسؤولين السياسيين والعسكريين بالكيان الصهيوني، واعتبروها ضمن صفقة سياسية مع نتنياهو على خلفية الصراع الانتخابي".

الهتيمي قال لـ"الاستقلال": "التصريح يعد سقطة لكوخافي الذي ما كان له أن يقحم نفسه بالأمور السياسية أو يكشف علانية عما يناقش بالغرف المغلقة، وفق ما شدد عليه وزير الحرب الصهيوني، بني غانتس".

مضيفا: "الجميع بمن فيهم الصهاينة والأميركيون والإيرانيون يدركون أن هذه التهديدات تكررت مرارا، وسبق للاحتلال دراسة شن هجوم مستقل على إيران عامي 2009 و2013 ، ما لم يتم لاعتبارات سياسية وأمنية وعسكرية وقتها ولم تتغير حاليا، بل يضاف لها تحمس إدارة بايدن لتقليل التوتر مع إيران بعد تصاعده بعهد ترامب".

وبالنظر لتصريحات كوخافي، المتعلقة بتشكيل تحالف، يعتقد الهتيمي أنه "يعبر عن أمنيات أكثر من الواقع، فمعلوم أن سياسة مصر الخارجية لا تميل للمشاركة بتحالفات عسكرية وترجح كفة تفعيل آليات العمل السلمي، ورغم اتسام علاقتها بإيران بالفتور، حرصت دائما على مناشدتها الوفاء ببنود الاتفاق النووي والإعراب عن قلقها من سياسات توسيع رقعة النفوذ الإيراني بالمحيط العربي".

الكاتب والمحلل السياسي، أكد أن "كوخافي، وفي سياق الضغط على إيران يحاول استغلال المواقف السياسية لبعض البلدان ومن بينها مصر التي تنتقد السياسات الإيرانية، فيصور الأمر وكأن هناك تحالف عسكري لا يملك أي طرف أي دليل على وجوده من الأصل، فالتحالفات وخاصة العسكرية لا يمكن أن تبنى في الخفاء".

وتساءل: "هل أوروبا التي عملت بكامل جهدها الدبلوماسي لعودة واشنطن للاتفاق النووي وحرصت على التعاون الاقتصادي مع إيران لتخفيف وطأة العقوبات، يمكن أن تكون ضمن تحالف يسعى لشن هجوم عسكري ضد إيران؟!".

ويعتقد الباحث المصري، أن "القاهرة تعلم أن قدراتها لم تصل حد امتلاك سلاح نووي، وتعمل بإطار إقليمي ودولي لإقناع إيران بوقف نشاطها عند الاستخدام السلمي، وتؤمن أنه ليس لإيران أن تتمادى أكثر حتى لا تفتح المجال لسباق تسلح نووي بالمنطقة، وليقينها بأنها تمتلك مشروعا لمد السيطرة والنفوذ بالعديد من بلدان المنطقة ما يزعزع استقرارها".

وختم الهتيمي حديثه بالقول: "الموقف المصري السابق لا يعني أنها بحالة رضا إزاء امتلاك إسرائيل للسلاح النووي، لكن ذلك تم في ظل ملابسات سياسية وأمنية خاصة، فضلا عن الدعم الغربي والأميركي لتل أبيب، ومع ذلك مصر لم تتوقف مساعيها الدبلوماسية المطالبة بإخلاء الشرق الأوسط من السلاح النووي وأسلحة الدمار الشامل الأخرى".

مبالغة كبيرة

وفي رؤية أردنية، يعتقد مدير مركز شُرُفات لدراسات وبحوث العولمة والإرهاب في عمان، الدكتور سعود الشَرَفات، في حديثه لـ"الاستقلال"، بأن "هناك مبالغة من قبل رئيس أركان الجيش الإسرائيلي حول مسألة تموضع الأردن بهذا التحالف الذي يتحدث عنه ضد إيران".

ويعتقد الباحث، أن "أي دور للأردن لن يتعدى الدعم اللوجستي والمعنوي لأي تحالف يقف ضد الطموحات الإيرانية التوسعية بالمنطقة،" مضيفا: "وأظن أنه سيكون متوافق مع الدور الأميركي مستقبلاً والتنسيق معه".

وجزم الشَرَفات بأنه "ليس من مصلحة الأردن وجود دول نووية بالمنطقة لا إسرائيل ولا إيران ولا غيرهما، وهي في كل هذا إنما تضع مصالحها وأمنها القومي بمقدمة مقارباتها للأمن الوطني والقومي العربي".

ولفت إلى أن "الأردن ينظر لمصالحه الوطنية والقومية أولا، وللتوازن في هذه المسألة الحساسة يسعى للتوافق مع الدول العربية المعنية بالملف الإيراني، ويتفهم مخاوف هذه الدول خاصة السعودية والخليج وهو ينسق حاليا مع مصر بهذا الشأن".

ويرى الشَرَفات "إذا كان ملف السلاح النووي الإسرائيلي قد خرج من سيطرة ورغبة الدول العربية والمجتمع الدولي بمرحلة مبكرة في ظل ضعف الدول العربية، فإن الموقف الرسمي الأردني سيقف ضد وجود إيران نووية".

مضيفا: "لأن بنية وسلوك النظام الإيراني منذ 1979 يناصب الدول العربية خاصة الأردن العداء، والدول في النهاية تبني علاقاتها الخارجية في الغالب حسب النظرية الواقعية وعلى قاعدة المصالح".