جيزيل حليمي.. يهودية تونسية دافعت عن استقلال الجزائر فاتهمت بالخيانة

تونس- الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في يناير/كانون الثاني 2021، وبتصويت مجلسها البلدي كرمت مدينة نانسي الفرنسية جيزيل حليمي المحامية والناشطة والسياسية التونسية بإطلاق اسمها على أحد شوارع المدينة.

وفي 21 يناير/كانون الثاني 2021، أوصى المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا، بإدخال رفات جيزيل حليمي التي تحمل الجنسية الفرنسية، والمعارضة بقوة لاستعمار الجزائر، إلى مقبرة "بانتيون" بالحي اللاتيني العريق في قلب باريس والتي تضم رفات بعض عظماء فرنسا.

توصية ستورا جاءت في تقريره الذي سلمه للرئيس إيمانويل ماكرون، الذي كُلف بإنجازه حول الاستعمار وحرب الجزائر (1954-1962)، ويحوي مقترحات ترمي لإخراج العلاقة بين باريس والجزائر من حالة الشلل التي تسببها قضايا الذاكرة العالقة.

وأوصى ستورا في تقريره المكون من نحو 150 صفحة، بتشكيل لجنة تسمى "الذاكرة والحقيقة"، لتوثيق شهادات الناجين من حرب الاستقلال الجزائرية، وقدم خلاله، جيزيل حليمي، على أنها "شخصية كبيرة معارضة للاستعمار الفرنسي للجزائر ودافعت عن استقلالها في الخمسينيات".

ستورا ليس أول من أوصى بإدخال رفات جيزيل حليمي التي توفيت في 28 يوليو/تموز 2020، عن عمر ناهز الـ93 عاما، إلى مقبرة "عظماء فرنسا" بباريس، بل طالبت بذلك جمعيات نسوية ومنتخبين يناضلون في هذا الاتجاه، منذ أغسطس/آب عام 2020.

ناشطة حقوقية

 جيزيل إليز الطيب، هي كاتبة وناشطة نسوية ومحامية وحقوقية يهودية، ولدت في 27 يوليو/تموز 1927 بمنطقة "حلق الوادي" شمالي العاصمة تونس لأسرة بسيطة تكونت من أم سفاردية (تعود أصولهم ليهود أيبيريا في إسبانيا و‌البرتغال) ، وأب ذي أُصول أمازيغية، إدوار الطيب، الذي كان ساعيا للبريد بمكتب محاماة.

ولأن والدها لم يكن يحب البنات، أخفى ولادتها عن أصدقائه عدة أسابيع، لكنها فيما بعد أصبحت طفلته المدللة، وتروي حليمي في كتاب "قضية النساء" المنشور عام 1974 عن علاقتها المتوترة مع والدتها.

كما حكت حليمي عن تمردها المبكر على الأعراف الاجتماعية السائدة في أوساط عائلتها اليهودية المحافظة الذي وصل حد إضرابها عن الطعام وهي في سن العاشرة اعتراضا على منعها من القراءة والوصول إلى الكتب.

سافرت جيزيل إلى فرنسا ودرست القانون، قبل أن تعود إلى تونس وتنضم إلى نقابة المحامين عام 1949، دفاعا عن حقوق المرأة ومناضلة في سبيل استقلال بلدها الذي لطالما أحبته وعادت إليه بانتظام لقضاء العطلات والزيارة.

في سن السادسة عشرة، رفضت حليمي زواجا رتبته العائلة، وبعد انتقالها للعيش في فرنسا عام 1956 تزوجت من بول حليمي وغيرت اسمها وأنجبت منه طفلين، يشغل أحدهما الآن (سيرج حليمي) منصب مدير تحرير الصحيفة الفرنسية الشهيرة "لوموند ديبلوماتيك".

ورغم الطلاق، حافظت جيزيل على اسم العائلة (حليمي)، وتزوجت بعده من كلود فو، الذي كان سكرتيرا لدى الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر، وأنجبت منه طفلها الثالث.

تعتبر حليمي، من أبرز المدافعين عن قضايا المرأة، وفي عام 1971، أسست مع سيمون دو بوفوار حركة "اختيار قضية النساء"، التي شاركت في جميع النضالات النسوية ونظمت الدفاع في عدد كبير من القضايا المتعلقة بالعنف ضد المرأة.

عُرفت حليمي بمواقفها المؤيدة للقضايا العربية وقضايا المرأة، وعُينت نائبة في البرلمان الفرنسي عام 1981، ثم سفيرة لفرنسا في منظمة اليونيسكو.

تحرير الجزائر

تعتبر حليمي من أبرز المدافعين عن القضايا العربية في سنوات الخمسينيات، ودافعت عن نشطاء استقلال الجزائر عن فرنسا، بما في ذلك نشطاء جبهة التحرير الوطنية.

ساندت حليمي حرب التحرير الجزائرية، وانضمت إلى الحملة التي كان يقودها سارتر وآخرون من موقعي "بيان 121"، في سبتمبر/أيلول 1960، والداعي إلى استقلال الجزائر.

واعتبارا من عام 1960، تولت الدفاع عن الناشطة والمناضلة في جبهة التحرير الوطنية الجزائرية، جميلة بوحيرد (المعروفة ببوباشي)، بعد أن اعتقلها جنود فرنسيون وعذبوها واغتصبوها بتهمة زرع قنبلة.

أطلقت حليمي حملة للدفاع عن جميلة بوباشي (22 عاما)، وضمت الحملة مفكرين وأدباء ومناضلين معروفين، من قبيل سيمون دوبوفوار، وسارتر، ولويس أراغون وجنفييف ديغول، وجيرمين تيليون وغيرهم.

نجحت حليمي في الحصول على براءة جميلة بوباشي، ووقفت أمام الجنرال شارل ديغول، للحصول على براءة محكومين جزائريين آخرين بالإعدام، ونجحت في ذلك، حتى اتهمت بأنها خائنة لفرنسا.

وطيلة مسيرتها النضالية أصدرت جيزيل عدة مؤلفات من أهمها "جميلة بوباشي" بالاشتراك مع سيمون دي بفوار، حيث رسم أيقونة الفن التشكيلي بابلو بيكاسو غلاف هذا الكتاب، أما آخر مؤلفاتها فهو "قصة شغف" الصادر عام 2011.

كانت جيزيل حليمي مقربة من الرئيس الفرنسي الاشتراكي الراحل فرانسوا ميتران، قبل أن تبتعد عن الحزب وتنتقد أدائه كرئيس للجمهورية، واصفة إياه بأنه "ميكيافيلي".

انتخبت نائبة في البرلمان الفرنسي من 1981 إلى 1984 ضمن "المجموعة الاشتراكية"، ثم عملت لسنة واحدة كسفيرة فرنسا لدى اليونسكو من (أبريل/ نيسان 1985 إلى سبتمبر/أيلول 1986).

وفي عام 2002، تجندت حليمي للدفاع عن مروان البرغوثي، القيادي الفلسطيني البارز، وأحد زعامات منظمة "فتح" في الضفة الغربية، الذي اُعتقل إثر نشاطه في الانتفاضة الفلسطينية الثانية.

حليمي اعتبرت البرغوثي "رجل سلام ومفاوضات، ولكونه أستاذا جامعيا ودكتورا في العلوم السياسية، فهو على قناعة مطلقة بضرورة الحوار وإنهاء الاحتلال وقيام دولتين حرتين (إسرائيل وفلسطين) جنبا إلى جنب".

كانت حليمي عضوة في محكمة "راسل" حول فلسطين، وهي محكمة رأي شعبية تأسست في مارس/آذار 2009 من أجل تعبئة الرأي العام، حتى تقوم الأمم المتحدة باتخاذ التدابير اللازمة لوضع حد لإفلات الاحتلال الإسرائيلي من العقاب.

وكتبت حليمي إبان حرب غزة 2014 في صحيفة "الإنسانية" مقالا للتعبير عن إدانتها للحرب قائلة: "الشعب الفلسطيني بأيديه العارية يذبح. إن جيش الاحتلال يحتجزه كرهينة. لماذا؟ أي قضية يدافع عنها هذا الشعب ولم معارضته؟ أقول إن هذه القضية عادلة وسيتم الاعتراف بها على هذا النحو على مر التاريخ".

وتعتبر حليمي من أبرز المدافعين عن القضايا العربية، حيث ساندت حرب التحرير الجزائرية، وانضمت إلى الحملة التي كان يقودها سارتر وآخرون من موقعي "بيان 121"، في سبتمبر/أيلول 1960، والداعي إلى استقلال الجزائر. 

أطلقت حليمي حملة للدفاع عن الشابة -آنذاك- جميلة بوباشي (22 عاماً) بعد أن اعتقلها جنود فرنسيون وعذبوها واغتصبوها بتهمة زرع قنبلة، وضمت الحملة مفكرين وأدباء ومناضلين معروفين، من قبيل سيمون دوبوفوار، وسارتر، ولويس أراغون وجنفييف ديغول، وجيرمين تيليون وغيرهم.

تجندت المحامية عام 2002 للدفاع عن مروان البرغوثي، القيادي الفلسطيني البارز، وأحد زعامات منظمة "فتح" في الضفة الغربية، الذي اُعتقل عام 2002 إثر نشاطه في الانتفاضة الفلسطينية الثانية في سجون الاحتلال الإسرائيلي.

واعتبرته: "رجل سلام ومفاوضات، ولكونه أستاذا جامعيا ودكتورا في العلوم السياسية، فهو على قناعة مطلقة بضرورة الحوار وإنهاء الاحتلال وقيام دولتين حرتين (إسرائيل وفلسطين) جنبا إلى جنب".

كانت حليمي عضوة في محكمة "راسل" حول فلسطين، وهي محكمة رأي شعبية تأسست في مارس/آذار 2009 من أجل تعبئة الرأي العام، حتى تقوم الأمم المتحدة باتخاذ التدابير اللازمة لوضع حد لإفلات الاحتلال من العقاب.

وكتبت حليمي إبان حرب غزة 2014 في صحيفة "الإنسانية" مقالًا للتعبير عن إدانتها للحرب كاتبة: "إن الشعب الفلسطيني بأيديه العارية يذبح. إن الجيش (في إشارة لجيش الاحتلال) يحتجزه كرهينة. لماذا؟ أي قضية يدافع عنها هذا الشعب ولم معارضته؟ أقول إن هذه القضية عادلة وسيتم الاعتراف بها على هذا النحو على مر التاريخ".

عزاء الرئيس

تصدّر اسم جيزيل حليمي المشهد السياسي في تونس عام 2019، عندما قال عنها الرئيس قيس سعيّد إن "والده كان جارا لجيزال حليمي في طفولتها، وكان يحملها على دراجته الهوائية إلى المدرسة لحمايتها من الجنود الألمان النازيين، في زمن وجودهم بتونس عام 1943، خلال الحرب العالمية الثانية".

بعد وفاة حليمي، أرسل الرئيسان التونسي قيس سعيّد، والجزائري عبد المجيد تبون رسالتي تعزية، أشادا فيها بالمحامية التي ولدت في تونس ودافعت عن استقلال الجزائر.

وحيا سعيّد المحامية، معتبرا أنها "ترمز إلى أجيال من النساء والرجال التزمت بقيم الحرية والمساواة الكونية"، وأضاف سعيّد في رسالة تعزية بعثها إلى عائلة الراحلة، وفق الرئاسة، أنها "شخصية طليعية في الحركة النسوية، دافعت عن قضية المرأة، وكذلك عن استقلال بلدها الأصلي، تونس".

من جهته، أشاد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في رسالة تعزية بحليمي التي اعتبرها "مثالا للمرأة الحرة الشجاعة ولصوت الحق"، وأضاف أنها "من الأسماء اللامعة في سجل أولئك الرجال والنساء، من مشاهير الكتاب والحقوقيين الذين واللائي لم يترددوا في إدانة بشاعة الاستعمار وممارساته البغيضة".