كارثة مخفية.. لماذا لا تكشف جماعة الحوثي عن أعداد قتلاها؟

آدم يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

خاض الحوثيون معارك ضارية من أجل تثبيت انقلابهم، ودفعوا أثمانا باهظة من أرواح اليمنيين، الذين قتلوا في معاركهم، ففقدت آلاف الأسر معيليها، في "مشروع انتحاري" حوّل الزوجات إلى أرامل، والأمهات إلى ثكالى والأبناء إلى أيتام.

ومع أنه جرى العرف العسكري، أن تعلن كل الأطراف المتحاربة عن أعداد قتلاها، إلا أن الحوثيين لا يوجد لديهم إحصائية رسمية معلنة بعدد قتلاهم منذ بداية الحرب.

ولعل الجماعة تفكر، بحسب مراقبين، بأن نشر إحصائية بعدد القتلى، يؤثر بشكل سلبي في عزيمة المقاتلين، ويتسبب بتراجع حماسهم ومعنوياتهم، كما يؤثر في إستراتيجيتهم بعمليات التجنيد، وهو الأمر الذي تحتاجه الجماعة من أجل رفد جبهاتها بالمقاتلين، لإطالة أمد الحرب، وتحقيق أعلى قدر من المكاسب، وكذلك لتحسين شروط المفاوضات، خصوصا في ظل العجز الذي تواجهه في مختلف الجبهات، بالإضافة إلى ذلك تتعمد الجماعة أيضا إخفاء عدد القتلى ليتماشى ذلك مع مفاهيم الشجاعة والصمود التي تصدّره في خطاباتها لأنصارها وأتباعها.

وبحسب الصليب الأحمر الدولي، فإن الأطفال يمثلون ثلث المقاتلين، إلا أن الجماعة لا تكشف عن عدد المجندين، ولا عن أعداد الضحايا، وليس لديها إحصائية معلنة عنهم.

أعداد مهولة 

ليس متاحا معرفة عدد قتلى الحوثيين بشكل دقيق، وإن كانت بعض المصادر غير الرسمية قد تحدثت عن رقم يفوق المائة ألف قتيل منذ بداية الحرب، وبالطبع لا يمكن تأكيد ذلك، لكن يمكن معرفة ضخامة العدد من خلال الأرقام التي يكشف عنها الجيش الوطني، عن قتلى الحوثيين في المعارك.

وعلى الرغم من أن التصريح بعدد قتلى الحوثيين من قبل الجيش الوطني لا يكشف عن الصورة كاملة، إلا أنه يفصح عن ضخامة تلك الأرقام التي تتحدث باستمرار عن عشرات القتلى بشكل يومي، بل مئات القتلى في بعض الأحيان، وذلك في عموم الجبهات، منذ بداية الحرب، أي منذ أكثر من أربع سنوات. 

قتلى بالجملة

ويضاف إلى ذلك صور القتلى التي تقوم الجماعة بإعلانها وتعليقها في المحافل، تشير إلى حجم القتلى الهائل، فأسر بكاملها قد لقيت مصرعها في معارك الحوثي، على سبيل المثال، قتل في صفوف الحوثيين مواطن يدعى محمد قاسم قفلة، مع خمسة من أولاده، من أبناء مديرية قفلة عذر التابعة لمحافظة عمران، شمالي اليمن.

وتسببت الحرب التي أشعلها الحوثيون في مصرع أربعة أشقاء، هم أبناء مطهر الجعري، من أبناء مديرية بني مطر، بمحافظة صنعاء، سقطوا جميعا خلال مشاركتهم في القتال إلى جانب الجماعة، في جبهات مختلفة تابعة للحوثيين، كما أن 80 فردا من أسرة شرف الدين المعروفة بتعصبها لفكر الجماعة، سقطوا جميعا في معارك متفرقة تابعة للحوثيين، وقد أورد موقع "يمن برس" أسماء القتلى، ليكشف الستار عن حجم الكارثة التي ارتكبتها هذه المليشيا بحق نفسها، وبحق اليمنيين.

مواطن قتل مع خمسة من أولاده من أبناء مديرية قفلة عذر التابعة لمحافظة عمران، شمالي اليمن (وسائل التواصل الاجتماعي)

وكانت إدارة إحدى المدارس في مديرية بني حشيش (شرق صنعاء)، قد نشرت وثيقة لـمقتل 50 طالبا من طلبة مدرسة "العلم والإيمان"، الواقعة في مديرية بني حشيش شمال صنعاء. وكان مصدر محلي قد صرح لموقع "المصدر أون لاين"، أن المدرسة تعد من أكبر المدارس النموذجية في قرية مقريش، وأن أضعاف ذلك العدد من أبناء القرية قد سقطوا في صفوف الحوثيين.

"البنى التحتية"

يشير حجم المقابر المستحدثة في المدن والقرى وحتى المدرجات الزراعية إلى الحصيلة المروعة  في أعداد القتلى، فقد كشفت وحدة الرصد بمركز العاصمة الإعلامي عن استحداث الحوثيين لـ16 مقبرة جديدة، في أمانة العاصمة فقط، وخاصة في منطقة الجراف، المعقل الرئيسي للحوثيين في صنعاء والحاضنة الاجتماعية الأكبر لهم، إضافة لعشرات المقابر في القرى والأرياف، فضلا عن توسعة مقابر قديمة في العاصمة صنعاء بعد امتلائها بالآلاف من القتلى المجندين في معارك الحوثي، لتكون تلك هي البنية التحتية التي أنشأها الحوثيون لليمنيين.

وقال الباحث في العلاقات الدولية، زكريا أحمد، لـ"الاستقلال": "تلك هي مشاريع الحوثي، ويخطئ من يظن أن لدى الحوثي مشاريع غير افتتاح المقابر وتوسيعها، لا يوجد لدى الحوثي مشروع غير المحرقة التي أودى بها أصحابه وأبناء اليمن قاطبة، وهي هولوكست أخرى، رائدها ذراع إيران في اليمن عبدالملك الحوثي وجماعته".

من جهته، قال اليمني عبد الرحمن علي، في حديث لـ"الاستقلال"، إن "شقيقي اختفى لأشهر عدة، إثر خلاف مع والدي، وبعد فترة جاء لنا خبر مقتله في إحدى معارك الحوثي في صرواح بمأرب، وأحضر الحوثيون جثته إلى منزل والدي، وأعطوه مبلغا ماليا زهيدا، يعادل 300 دولار، رفض والدي أخذها، وطلب منهم اعتماد مرتب شهري لصغار أخي الذي قتل في صفوفهم، وبالطبع فقد وعدوه بذلك لكن ذلك لم يحصل، وقد مضت أكثر من سنة على ذلك الاتفاق، وأبناؤه يعانون اليتم والجوع معا".

تمجيد القتل

يدشن الحوثيون حملات للتجنيد في المدارس والجامعات والشوارع والأحياء، حيث يمجدون فيها القتال بمعاركهم، ويدفعون الشباب للقتال، بعد غسل أدمغتهم بشرف الشهادة في حرب مقدسة ضد أمريكا وإسرائيل،  وتعددت وسائلهم في التجنيد للقتال في معاركهم بين الإغواء والإغراء.

وقال سام محمد في حديث لـ"الاستقلال": كنت معتقلا في سجون الحوثيين، وكان معي في نفس الزنزانة، شاب في سن المراهقة، قاتل في صفوف الحوثيين لأكثر من مرة، كان الشاب معتقلا ذلك الحين على ذمة قضية "عقوق"، حيث طلب والده إيداعه السجن تأديبا لمدة ثلاثة أيام.

وبحسب سام، فإن "الشاب كان متحمسا في إبداء رغبته بالاستشهاد في المعركة، حتى يتم تعليق صوره في الأحياء وعلى السيارات، ويتم تشييعه في موكب جنائزي كمقاتل بطل في الحرب ضد أمريكا وإسرائيل".

وعادة يقوم الحوثيون بإعادة بعض قتلاهم، خصوصا من الأسر الهاشمية، في توابيت ملفوفة بشعار الجماعة ومعلق عليها صور القتلى، وكذلك تشييعها مصحوبة بأصوات الأناشيد (الزوامل) التي تمجد القتال والمقاتلين في معاركهم، وإضفاء صفات البطولة والشجاعة والشرف عليهم.

أسبوع الشهيد

يحتفل الحوثيون في أسبوع سنوي، يطلقون عليه "أسبوع الشهيد"، وهي احتفالية استوردوها من حزب الله اللبناني، تسعى لتمجيد القتال في معاركهم، ومديح القتلى، حيث يقومون بتدشين معارض صور في المدن الخاضعة لسيطرتهم، وتعليق اللوحات القماشية الضخمة في الشوارع والأحياء، وتزيين المقابر ووضع صور القتلى على قبورهم، وتشغيل الأناشيد الجهادية بمكبرات صوت في الأحياء والشوارع، ولتغطية هذه النفقات يقوم الحوثيون بإلزام التجار وأصحاب المحلات بدفع مبالغ مالية لتمويل هذا الكرنفال السنوي.

يراهن الحوثيون على انتصارهم من خلال إطالة أمد الحرب، ومد الجبهات بالمحاربين، حيث يتم النظر لليمنيين كمخزن لا ينضب من المقاتلين، غير عائبين بحجم الكارثة التي راح ضحيتها مئات الآلاف، وهم بذلك يسعون لتقليص فارق التسليح النوعي الذي يمتلكه التحالف، في معارك اعتادوا على تسميتها بمعارك "النفَس الطويل".

 وعادة ما يردد الحوثيون "سنقاتل حتى لو لم يبق منا رجل"، للتقليل من حجم الشعور بالكارثة في أذهان أتباعهم، في معارك أسفرت عن مصرع أسر بكاملها، في إستراتيجية لا تختلف في عواقبها عن سياسة الأرض المحروقة.