بعد 10 سنوات.. كيف تفادت أنظمة الخليج اندلاع ثورات واسعة ضدها؟

12

طباعة

مشاركة

تحدثت صحيفة "الإندبندنت" عن كيفية تفادي منطقة الخليج ثورات الربيع العربي، بعد مرور 10 سنوات على انطلاقها، والمكاسب التي حققتها والتحديات التي واجهتها تلك الدول في الشرق الأوسط على مدى العقد الأخير.

وقالت الصحيفة البريطانية - النسخة التركية في مقال للكاتبة سينيم جنكيز: "قبل 10 سنوات بالضبط، انطلقت شرارة الانتفاضات العربية الأولى عندما أشعل محمد البوعزيزي النار في نفسه في تونس وبدأت مرحلة مؤلمة أطلق عليها الربيع العربي أثرت على العديد من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا".

وأضافت: "تميزت هذه المرحلة التي استمرت طوال العقد الماضي، باحتجاجات مؤيدة للديمقراطية، وسقوط الأنظمة القديمة، والحروب الأهلية، والهجرات الجماعية، وتعميق الصراعات الطائفية".

وانتهت المرحلة التي بدأت باسم "الربيع العربي" لأناس ملأوا الشوارع مطالبين بـ "الخبز والحرية والكرامة" تاركة خلفها فجوة كبيرة من الخيبة وأزمة غير مسبوقة. 

مركز القوى الجديد

واستطردت جنكيز قائلة: "أطاحت الثورات العربية بالأنظمة الاستبدادية في مصر واليمن وليبيا، لكنها أدخلت أيضا صنعاء وطرابلس ودمشق في حرب أهلية وتسببت في مظاهرات كبيرة مناهضة للنظام في البحرين".

 وهكذا، بينما أطاحت الموجة الثورية بقادة بعض الدول، تسببت في حرب أهلية في دول أخرى، تاركة لها أزمة إنسانية أثرت عميقا على العالم بأسره.

ولفتت إلى أنه ونتيجة لفقدان القوى التقليدية في الشرق الأوسط مثل سوريا ومصر والعراق مكانتها في النظام الإقليمي، أصبحت منطقة الخليج مركز الثقل الجديد.

وكان الخليج المنطقة الوحيدة التي حافظت على استقرارها في الشرق الأوسط في مواجهة الثورات بسبب سماتها الفريدة، التي دفعتها لمقاومة ملحوظة لرياح التغيير.

وشرحت ذلك بالقول: "ففي الوقت الذي واجهت فيه الدول عدم الاستقرار والفقر في ظل رياح التمرد القوية، سارعت دول الخليج إلى إجراء إصلاحات في بعض المجالات، بل وصل الأمر ببعضها إلى إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل".

وفي هذا السياق تعتبر استجابة دول مجلس التعاون الخليجي -المكونة من السعودية والكويت وقطر والبحرين والإمارات وسلطنة عمان- للثورات العربية والسياسة الخارجية التي اتبعتها خلال هذه المرحلة، مهمة لفهم المنطقة التي أعيد تشكيلها في العقد الماضي. 

وتابعت الكاتبة التركية: "شمرت الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي عن سواعدها لاتباع سياسة خارجية طموحة في مواجهة المشاكل الإقليمية التي ظهرت نتيجة هذه الثورات، ولتولي دور من يضع قواعد اللعبة خلال هذه الفترة الانتقالية".

فبينما فضلت قطر والسعودية والإمارات اتباع سياسة أكثر نشاطا، تولت الكويت دور الوسيط واختارت عُمان مواصلة سياستها الخارجية المحايدة. 

لقد شهدت جميع دول "مجلس التعاون الخليجي" تقريبا احتجاجات لمدة قصيرة بشكل أو بآخر، لكن كانت هناك عوامل مهمة لعبت دورا في تخفيف تأثير رياح الثورة على دول الخليج باستثناء البحرين وعمان.

 أهمها، كان التأثير الذي أحدثته الإصلاحات الاقتصادية التي أجرتها دول الخليج بدلا من القيام بالمبادرات السياسية العميقة واتباع سياسة تهدف إلى الحفاظ على سلطتها الحالية، وفقا للكاتبة.

ديناميات محددة

وترى "جنكيز" أن هناك ديناميات وطنية وإقليمية وعالمية تحدد السياسات الخارجية لدول الخليج. فعلى الصعيد الوطني يبرز الاهتمام بضمان الوحدة الوطنية واستمرار الأنظمة السياسية القائمة في المقدمة.

وعلى الصعيد الإقليمي، يأتي التهديد الأمني ​​والطائفي الذي يرونه من إيران وتهديد الإخوان المسلمين لبعض دول الخليج في البداية. أما على المستوى الدولي، فيأتي استمرار أمن سوق الطاقة والعلاقات الإستراتيجية العميقة مع الولايات المتحدة الأميركية على قائمة الأولويات.

ونوهت إلى أنه من المهم أن ننظر إلى الهيكل الأمني ​​للخليج، وتصورات التهديد خاصتها والسياسات التي وضعتها ضد هذه التهديدات في فترة ما بعد "الربيع العربي" عندما أعيد تشكيل النظام الإقليمي.

ووفقا للكاتبة، فإن التأثير المتزايد لإيران على الشيعة في الخليج، ووصول الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر، واكتساب القوة في عدة دول أخرى في المنطقة، دفع دول الخليج إلى مراجعة إستراتيجياتها الإقليمية.

وأضافت: "اعتبرت مجموعة السلطة الحالية، التي تشكل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية جوهرها ولبها، أن الجهات الفاعلة التي تسببت في ظهور رياح الثورة على المسرح السياسي تشكل تهديدا لأمنها القومي، وهكذا انخرطت في جهود مكثفة ومكلفة مضادة للثورات".

لكن الكاتبة أشارت إلى أنه وبينما كانت "السعودية والإمارات" تنظر إلى الديناميات المتغيرة مع الثورات كتهديد لأمن النظام، رأت "قطر" في موجة التغيير هذه نقطة إيجابية.

فقد رغبت "الدوحة" بتبني دورا تضع فيه قوانين اللعبة في المنطقة. وهكذا وعلى الرغم من أن قطر نفسها كانت ملكية، إلا أنها دعمت الثورات، ليظهر بذلك محورين في منطقة الخليج.

وتابعت: "هكذا بدأت حروب المحور، التي شاركت فيها دول مثل قطر التي دعمت الإخوان المسلمين من جهة، والسعودية والإمارات والبحرين من جهة أخرى، لتختنق عمليات التغيير في خضم هذه المعارك".

وبحسب الكاتبة التركية، كانت الثورات العربية بمثابة اختبار للعلاقات بين دول الخليج. حتى أن خلافات السياسة الخارجية بين قطر والسعودية ـ الإمارات تسببت في الأزمة الخليجية التي اندلعت في عام 2017.

 لكن المحددين الرئيسين للصراع بين قطر والمحور السعودي ـ الإماراتي كانتا مصر وسوريا. 

وتجدر الإشارة هنا، إلى أنه وعلى الرغم من أن دول الخليج وقفت ضد "الربيع العربي"، إلا أن الصراعات الناجمة عنه سلطت الضوء على هشاشة دول الخليج. 

فعلى سبيل المثال، أصبحت البحرين تشكل الوجه الناعم للمحور السعودي ـ الإماراتي. فالثورات التي اندلعت في عام 2011. في المنامة التي يحكم فيها السنة مع أن غالبية الشعب من الشيعة من بين دول الخليج، واجهت تدخلا قاسيا من الحكومة.

وعندما لم تتمكن إدارة البحرين من قمع التظاهرات بالرغم من كل جهودها ومساعيها، تدخلت قوات درع الجزيرة التي تعتبر بمثابة "ناتو" دول مجلس التعاون الخليجي، وفقا للكاتبة.

آليات تعاون جديدة

ورأت أن التدخل الأول لمحور السلطة الحالي، الذي تشكل الإمارات والسعودية جوهرها، كان في البحرين عام 2011، بينما كان التدخل الثاني في مصر عام 2013.

وانحازت "قطر" إلى الرئيس المنتخب محمد مرسي، الذي انقلب عليه، وإلى حركة الإخوان المسلمين التي يمثلها، فيما دعمت السعودية والإمارات الانقلاب العسكري في البلاد اقتصاديا ودبلوماسيا من أجل إبطاء رياح الثورة.

لقد أزعج موقف الولايات المتحدة من الثورات المملكة العربية السعودية بشكل خاص ودول الخليج الأخرى بشكل عام.

هذا الأمر، كان يعني أن على دول الخليج التي تشهد توترا مع الولايات المتحدة أن تغير سياساتها الأمنية أحادية البعد بحسب واشنطن. وأردفت الكاتبة: "كانت هناك دول مثل الصين وروسيا وتركيا في نطاق الأمن لدول الخليج أيضا خلال هذا العقد". 

وأضافت أنه "في المرحلة الحالية غيرت دول الخليج سياساتها تجاه الحرب الأهلية السورية أيضا".

وواصلت: "لقد دفعوا سياساتهم الداعمة ضد المعارضة التي تم شنها في بداية الحرب إلى المرحلة الثانية في السنوات الأخيرة. ولم يكن شغلهم الشاغل هو نظام الأسد، بل الحد من نفوذ إيران والإخوان المسلمين الإقليمي".

من ناحية أخرى، هناك اختلافات كبيرة في مواقف دول الخليج تجاه إيران. فبينما كانت قطر وعمان على علاقة أوثق مع طهران، كانت الكويت في الوسط. فيما اتخذت الدول الثلاث المتبقية موقفا مناهضا تماما للجمهورية الإسلامية.

وختمت "جنكيز" مقالها لافتة إلى أن التغييرات التي حدثت في الكوادر القيادية الخليجية شكلت نقطة انطلاق لعصر جديد في الخليج خلال هذا العقد. فعند النظر في سياق السياسة الخارجية والأمن الإقليمي، نرى أن "الربيع العربي" غيّر آليات التعاون في المنطقة.

وأوضحت ذلك قائلة: "ففي النظام الإقليمي الجديد، تحالفت الممالك الخليجية مع دول أخرى، ووصلت إلى نقطة تطبيع العلاقات مع إسرائيل".

 وبدأت هذه المرحلة حقبة جديدة أيضا في بناء الهوية الوطنية في دول الخليج الأخرى، وخاصة السعودية. وبذلك أصبح دور الهوية الوطنية أكثر أهمية في سياسات دول الخليج التي تتشكل وفقا لمصالحها الوطنية، وفقا لما خلصت إليه الكاتبة.