موافقة حماس على "الانتخابات بالتوالي".. هل تمهد لمصالحة فلسطينية؟

خالد كريزم | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

عاد الحديث عن المصالحة الفلسطينية الداخلية إلى الواجهة من جديد، بعد عقد عدة لقاءات مؤخرا لم تؤت أكلها، وتوالي أحداث سياسية خرقت جدار الثقة بين أطراف الانقسام.

المساعي الجديدة لاستئناف الحوار الوطني من أجل إنهاء الانقسام، كشفت عنها حركة المقاومة الإسلامية "حماس" التي أبدت مرونة في أحد أكثر الملفات تعقيداً وهو الانتخابات. 

وأكد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس "إسماعيل هنية" أن حركته "تجري اتصالات داخلية وخارجية لإنجاح ما بدأناه من خطوات في حوارنا مع الإخوة في حركة (التحرير الوطني الفلسطيني) فتح والفصائل الوطنية والإسلامية لإنجاز متطلبات الوحدة".

وذكر "هنية" في الأول من يناير/كانون الثاني 2021، أن الوحدة الوطنية وفق رؤية حركته تتم عبر "إعادة بناء المؤسسات القيادية الفلسطينية، سواء منظمة التحرير أو السلطة الفلسطينية على قاعدة الشراكة والتوافقات الوطنية".

بعدها بيومين، أعلن هنية قبول حركته إجراء انتخابات فلسطينية برلمانية ورئاسية ومجلس وطني (برلمان منظمة التحرير الفلسطينية) على التوالي والترابط لا التزامن. وقال في كلمة متلفزة: إن إجراء الانتخابات سيكون بضمان "تركيا ومصر وقطر وروسيا".

خطوة للأمام

وكانت "حماس" في السابق تشترط إجراء جولات الانتخابات الثلاث، بشكل متزامن، وهو ما تسبب في عرقلة مباحثات المصالحة، حيث كانت حركة "فتح" تطالب بإجراء الانتخابات "التشريعية" أولا، يليها "الرئاسية"، ثم "المجلس الوطني".

وفي (16-17) نوفمبر/تشرين الثاني 2020، عقدت حركتي "حماس" و"فتح" في القاهرة لقاءات، لبحث جهود تحقيق المصالحة الداخلية وإنهاء الانقسام. 

وخلال سبتمبر/أيلول 2020، أجرى وفدان من الحركتين لقاء بمدينة إسطنبول، اتفقا خلاله على "رؤية" ستُقدم لحوار وطني شامل، بمشاركة القوى والفصائل الفلسطينية.

لكن الجهود تعرقلت بعد ذلك، وتبادلت الحركتان الاتهامات حول الجهة المتسببة في تعطيل جهود المصالحة. وقالت حركة "فتح"، في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، إن حوارات المصالحة الفلسطينية، "لم تنجح" بسبب خلافات مع "حماس" حول مواعيد إجراء الانتخابات.

وتابع "هنية" في تصريحه الأخير أن الحركة أكدت في رسائلها للسلطة الفلسطينية "استعدادها لاستئناف الحوار الوطني، وإنجاز اتفاق لإجراء انتخابات تنتهي في غضون 6 أشهر".

بدوره، رحب رئيس السلطة الفلسطينية "محمود عباس" بتصريحات "هنية"، وقرر دعوة رئيس لجنة الانتخابات المركزية "حنا ناصر"، للاجتماع به لبحث الإجراءات الواجبة الاتباع لإصدار المراسيم الخاصة بالانتخابات، وفق القانون.

وأُجريت آخر انتخابات فلسطينية للمجلس التشريعي مطلع عام 2006، وأسفرت عن فوز "حماس" بالأغلبية، فيما كان قد سبق ذلك بعام انتخابات للرئاسة وفاز فيها "محمود عباس".

وساد الانقسام في عام 2007. بسبب عدم اعتراف المجتمع الدولي بفوز "حماس" وعدم تمكين "عباس" حكومتها ما أدى إلى اقتتال داخلي، فهل تنجح المصالحة الفلسطينية وتجرى الانتخابات بالفعل هذه المرة؟.

المقاومة والسلاح

يرى الكاتب والمحلل السياسي "هشام الشرباتي" أن خطوة حماس الجديدة "لن يكتب لها النجاح إلا إذا كانت هناك نوايا صادقة وجدية بإتمام الانتخابات كاملة بكل مراحلها دون التعذر بعدم إجراء واحدة دون أخرى".

وقال في تصريحات لقناة "الغد" العربي في 2 يناير/كانون الثاني 2021، "إن المناقشات بين الطرفين كانت حول ملفين أساسيين هما المقاومة الشعبية في مواجهة صفقة القرن، والدخول إلى مرحلة الانتخابات وتجديد الشرعيات الفلسطينية".

وبالحديث عن المقاومة، تطفو على السطح دائما علامات استفهام بشأن إمكانية إتمام المصالحة الداخلية بسبب اختلاف نهجي السلطة الفلسطينية و"حركة حماس" في التعامل مع الاحتلال الإسرائيلي.

وأوضح "هنية" في ديسمبر/كانون الأول 2020، أن قرار السلطة الفلسطينية، إعادة العلاقات مع إسرائيل (نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام) "شكّل عائقا كبيراً" أمام تحقيق المصالحة.

ويتبنى الرئيس "عباس" خيار التفاوض مع "إسرائيل" ويدعو إلى المقاومة الشعبية السلمية غير المسلحة، وإلى وقف العمليات العسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي، حتى إنه شدد على أنه لن يسمح بحدوث انتفاضة فلسطينية ثالثة، في حين أن الفصائل الفلسطينية تقر بأهمية المقاومة المسلحة لتحرير فلسطين.

وفي اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية الذي عقد في سبتمبر/أيلول 2020. بعد انقطاع دام أكثر من 8 سنوات، شدد "هنية" على أن أي مقاربة تتفق عليها "حماس" مع بقية الفصائل لن تمس سلاح المقاومة.

وفي فبراير/شباط 2020، أكد "هنية" أن "سلاح المقاومة غير قابل لأن يوضع في أي خطة أو تسوية". ويبرز الحديث عن السلاح دائما في خضم التنسيق والتعاون بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.

تكريس شرعية

لذلك، يعتقد الكاتب الفلسطيني "ماجد أبو دياك" أن "محادثات (السلطة الفلسطينية) بشأن المصالحة مع الفصائل لم تكن إلا محاولة لكسب الوقت، فيما كان عباس يدير علاقات مع الاحتلال انتظاراً لنتائج الانتخابات الأميركية".

وقال في مقاله على موقع "تي ري تي" عربي في 5 يناير/كانون الثاني 2021. إن عباس "لم يسعَ لمصالحة حقيقية وإنما يحاول استخدام مواقف المعارضة والتقرُّب إليها لجرِّها إلى انتخابات التشريعي والرئاسة لتكريس شرعيته واستخدام ذلك بالمفاوضات مع إسرائيل".

ويعلق الكاتب هنا على عودة السلطة الفلسطينية في نوفمبر/تشرين الثاني 2020. إلى التنسيق مع "إسرائيل" بعدما قالت إنها حققت "انتصارا" بدفعها "تل أبيب" للعودة نحو العمل بالاتفاقيات المبرمة بين الجانبين، عقب وقفها في 19 مايو/أيار 2020. احتجاجاً على مخطط إسرائيلي يستهدف ضم نحو ثلث مساحة الضفة الغربية المحتلة‎.

ويبدو، بحسب الكاتب أنه "في خضم هذه التطورات دخلت أنظمة عربية -مطبِّعة مع إسرائيل ومتخوفة من توسُّع الرفض الشعبي لدورها- على خط إقناع عباس للعودة إلى المفاوضات خوفاً من استمرار حالة الفراغ بالأراضي المحتلة، وخطورة أن يمثل ذلك فرصة لتعزيز برنامج المقاومة في الداخل وتصاعد معارضة التطبيع".

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2017، هيمنت قضية سلاح المقاومة وموضوع السيطرة الأمنية على تصريحات طرفي الانقسام، فبينما شددت "حركة حماس" على أن السلاح خط أحمر، قالت "حركة فتح" إنه لا بد من تسليمه وأن المصالحة لا تتم إلا بوجود سلاح واحد وسلطة واحدة وقانون واحد، بحسب تصريحات لعضو اللجنة المركزية في حركة فتح "حسين الشيخ".

وطالبت خطة السلام الأميركية المزعومة (صفقة القرن)، التي أعلنها الرئيس الأميركي "دونالد ترامب"، في 28 يناير/كانون الثاني 2020، بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بـ"تفكيك" سلاح الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، وإعلانه منطقة منزوعة السلاح.

كانت اللجنة الرباعية الدولية (تضم الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة)، قد طالبت "حماس" عام 2006. بـ"نبذ الإرهاب، والاعتراف بحق "إسرائيل" بالوجود، وبالاتفاقات الموقعة بين "تل أبيب" والسلطة الفلسطينية ونزع سلاح الحركة"، مقابل الاعتراف بها كطرف مقبول به في الساحة.

وتجدد هذا المطلب عام 2017، عندما رهنت "إسرائيل" استئناف مفاوضات السلام مع السلطة الفلسطينية بنزع سلاح "حماس"، لكن لم تنجح أي من تلك المحاولات.

قفز على الانقسام

بدوره، يرجح رئيس مجموعة الحوار الفلسطيني "صادق أبو عامر" وجود إرادة حقيقية للتوجه نحو الانتخابات، مدفوعة برغبة إقليمية ودولية لإعادة تجديد الشرعية الفلسطينية.

ويقول الباحث في الشأن الفلسطيني لـ"الاستقلال": "لا مناص ولا هروب من الاستحقاق الانتخابي خاصة مع تلاقي مجموعة من المصالح الإقليمية والدولية مع هذا الخيار، ووجود جملة من التغيرات التي قد تدفع نحو ذلك ومنها المصالحة الخليجية ووصول جو بايدن إلى البيت الأبيض".

ويرى أن الرئيس "عباس" يتبنى هذه الرؤية وصولا إلى مسار تفاوضي جديد مع "إسرائيل" بصيغة المؤتمر الدولي، بدعم من مصر والأردن.

وفي نهاية ديسمبر/كانون الأول 2020، جدد "عباس" دعوته لعقد مؤتمر دولي للسلام في النصف الأول من 2021. برعاية دولية لحل الصراع مع إسرائيل، وهي خطوة تدعمها مصر والأردن.

وبين "عباس" أن اللجنة الرباعية الدولية هي الجهة الوحيدة المخولة لرعاية المفاوضات، "ويمكن أن نضيف دولا أخرى لها"، معربا عن تطلعه للعمل مع الإدارة الأميركية المقبلة.

ويستبعد "أبو عامر" أن يترك أمر الانتخابات هذه المرة للفلسطينيين وحدهم، بعد فشل الكثير من المحاولات السابقة لإنجازها، متوقعا سيناريو أسوأ حال إخفاق الأطراف الفلسطينية مجددا.

وبين أن "الانتخابات جاءت هذه المرة كحل بديل عن المصالحة التي أخفقت الأطراف فيها مرارا (..) فلو نجحت لتم تشكيل مرحلة انتقالية يجري خلالها إصلاح مجموعة من المشاكل الداخلية مع جملة توافقات ثم نذهب للانتخابات".

بدوره، يرى الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني "يوسف رزقة" أنه "ما زالت المسافة بين التقاربات السياسية والإجراءات العملية بعيدة بقدر يمكن أن يحتمل أكثر من قراءة، بين أن تحصل قريبًا، وأن تؤجَّل لتواريخ لاحقة، لسببين على الأقل: الأول، أن مسألة التوازي والتوالي ليست كل شيء في معوقات المصالحة".

والثاني، أن هناك جدولًا منافِسًا للمصالحة والانتخابات، يبدأ برغبة "عباس" في العودة إلى المفاوضات رغم لاءات نتنياهو وتعنتاته، ولا ينتهي بخطب ودّ "بايدن" وطلب رعايته للمفاوضات دون شروط فلسطينية، على أمل تجديد المساعدات الأميركية للسلطة، وفتح مكتب "منظمة التحرير" في واشنطن.

معوقات خارجية

وأشار الكاتب في مقاله بموقع "المركز الفلسطيني للإعلام" في 4 يناير/كانون الثاني، إلى تصريح لعضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" "عباس زكي" قال فيه: إن المرسوم الرئاسي للانتخابات سيصدر قريبًا رغم رفض أميركا وإسرائيل ودول التطبيع العربي، "وفي هذا إشارة مقصودة لمعوقات خارجية، كلنا يعرف ما تعنيه"، في إشارة على ما يبدو إلى دولة الإمارات.

وفي يوليو/ تموز 2020، قال أمين سر اللجنة المركزية بحركة فتح "جبريل الرجوب": "إن هناك دولة خليجية غير راضية عن المصالحة الفلسطينية، بين حركتي فتح وحماس". 

وركز "الرجوب" في معرض حديثه عن معوقات المصالحة الفلسطينية على إحدى الدول الخليجية التي لم يسمها، والتي قال إن طائراتها حطت مؤخرا في مطار اللد (بن غوريون).

وأضاف في مقابلة مع قناة "الحوار" التي تبث من لندن، "هم يريدوننا كوبري (جسرا) ونحن رفضنا ذلك، وأكدنا أن بوابة القدس هي عمّان وبوابة غزة هي القاهرة". 

ومن الواضح أن "الرجوب" كان يشير إلى دولة الإمارات التي أرسلت وقتها طائرتين تحملان ما قالت "إنها مساعدات للفلسطينيين في مواجهة كورونا"، لكن الحكومة الفلسطينية اعتبرتها محاولة لتسريع وتيرة التطبيع مع الاحتلال عبر البوابة الفلسطينية.

وإلى جانب "الإمارات" التي تستضيف القيادي المفصول من حركة فتح "محمد دحلان" وتروج أوساطها الإعلامية لخلافته "عباس"، تشن السعودية أيضا حربا ضد "حركة حماس" وتعتقل عددا من قياداتها وكوادرها، في وقت يقدر البعض أن الدولتين الخليجيتين قد تقفان عقبة أمام المصالحة الفلسطينية برفضهما منهج ومبادئ الحركة الإسلامية.

ويدعم هذا الرأي، اتفاق تطبيع العلاقات الموقع بين إسرائيل والإمارات في منتصف سبتمبر/أيلول 2020، والحديث عن قرب توقيع اتفاق مماثل مع السعودية.