هجمات إسرائيل خلال عام.. كيف كشفت هشاشة منظومة الأمن في إيران؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

على مدار عام كامل استطاعت إسرائيل تنفيذ هجمات في العمق الإيراني، طالت مؤسسات حساسة تتعلق بمشروعها النووي، إضافة إلى تصفية شخصيات من المفترض أنها تتحرك تحت أعين الأجهزة الأمنية، ما أثار علامات استفهام عديدة حول منظومة الأمن في إيران.

ورغم الاتهامات التي يوجهها كبار المسؤولين الإيرانيين ضد إسرائيل بالوقوف وراء عدد من الهجمات والتوعد بالرد عليها، إلا أن طهران لم تحرك ساكنا حتى يوم 13 ديسمبر/ كانون الأول 2012، وسط تكهّنات بتصاعد في الهجمات الإسرائيلية مستقبلا.

سلسلة هجمات

عقب اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، بغارة أميركية قرب مطار بغداد في 3 يناير/ كانون الثاني 2020، كشف معهد أبحاث الأمن القومي في جامعة "تل أبيب" النقاب عن تقرير خاص حول التقديرات الإستراتيجية والتهديدات والتحديات وسيناريوهات الحروب التي قد تخوضها إسرائيل خلال عام 2020.

التقرير الإستراتيجي للمعهد العبري الذي صدر في 7 يناير/ كانون الثاني 2020، توقع اندلاع حرب على عدة جبهات بذات الوقت بين إسرائيل وإيران، مرجحا إمكانية المواجهة العسكرية مع طهران أو الميليشيات الموالية لها في سوريا والعراق.

وعلى ضوء ذلك، شنّت إسرائيل من بداية 2020 هجمات مكثفة على مواقع إيرانية في سوريا، كان آخرها تنفيذ 8 غارات جوية استهدفت مستودعات ومقارّ ومواقع عسكرية معظمها تابعة لفيلق القدس الإيراني، حسبما أعلن  الجيش الإسرائيلي، في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020.

لكن إسرائيل لم تكتف بمحاربة إيران خارج حدودها، وإنما تطور تصعيد تل أبيب ضد طهران إلى الحد الذي شنّت فيه هجمات مختلفة في الداخل الإيراني منذ يوليو/تموز 2020، طالت العديد من المنشآت النووية والعسكرية، أبرزها منشأة "نطنز".

وفي ظرف 7 أيام امتدت من أواخر يونيو/حزيران وحتى مطلع يوليو/تموز 2020، وقعت 4 تفجيرات بإيران، كان أولها في 26 يونيو/حزيران 2020، بموقع "بارشين" العسكري، في ظروف عزتها السلطات "لانفجار غاز صناعي" بموقع معروف بتطويره قدرات نووية وصاروخية.

بعدها بـ 3 أيام، استهدُف موكب للحرس الثوري بتفجير ضرب سيارتين للحرس في إقليم سيستان-بلوشستان جنوبي شرق إيران، وأسفر عن إصابة قائد الحرس الثوري بالمنطقة.

أعقبها في 30 يونيو/حزيران 2020 وقوع 19 قتيلا وعددا من الجرحى في انفجار ضرب مستشفى "سيناء" شمال العاصمة طهران، ورجحت السلطات أن يكون أيضا سببه "أنبوب غاز".

أما الهجوم الرابع فكان الضربة الأكثر إيلاما لإيران، إذ استهدف موقع "نطنز" النووي، في 2 يوليو/تموز 2020، حيث نقلت وكالة "رويترز" عن 3 مسؤولين إيرانيين، رفضوا الكشف عن أسمائهم، قولهم: "الإنفجار نتج عن هجوم سيبراني"، فيما ذكر اثنان منهم أن "إسرائيل يمكن أن تكون وراء الهجمات".

وفي تعليق فُسر على أنه يتعلق بهذه الهجمات، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" خلال مؤتمر صحفي، في 24 يوليو/تموز 2020: "إن بلاده، خلال الأيام الأخيرة، واصلت مواجهة إيران، وينبغي أن تبقى تفاصيل هذه المواجهات سرية".

"نتنياهو" أكد أن خططه الحالية إلى جانب التغلّب على أزمة كورونا وعواقبها الاقتصادية، هي استمرار المواجهة مع إيران في 3 مجالات هي: "البرنامج النووي، والصواريخ بعيدة المدى، والوجود العسكري الإيراني في سوريا".

اغتيالات نوعية

لم تقتصر الهجمات الإسرائيلية على المنشآت والمواقع العسكرية الإيرانية، وإنما استهدفت خلال 4 أشهر فقط، اثنين من أبرز الشخصيات التي تطاردها إسرائيل، كان آخرهم كبير العلماء النوويين الإيرانيين "محسن فخري زاده".

في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، كشف التلفزيون الإيراني مقتل "محسن فخري زاده" بتفجير أعقبه إطلاق نار، لكن تقارير إعلامية أفادت بأن عملية الاغتيال جرت بمواجهة بين مسلحين مجهولين وحرسه الشخصي، وأكدت مقتل 4 من مرافقيه أثناء الحادث.

في يوم الاغتيال نفسه، ألمح "نتنياهو"، خلال مؤتمر صحفي، إلى "دور إسرائيلي" في اغتيال زاده، حسبما قالت صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية التي لم تقدم مزيدا من التفاصيل بهذا الخصوص.

غير أن صحيفة "معاريف" الإسرائيلية نقلت أن "نتنياهو" صرح (بالمؤتمر الصحفي) بعد إعلان اغتيال العالم النووي الإيراني، قائلا: "لا أستطيع مشاركة كل ما فعلته هذا الأسبوع".

وفي اليوم التالي لعملية الاغتيال، اتهم الرئيس الإيراني حسن روحاني، إسرائيل بالوقوف خلف اغتيال زاده، مشيرا إلى أن "الشعب الإيراني أذكى وأكثر حكمة من أن يقع في فخ مؤامرات الصهاينة، ومسؤولو البلاد سيردون على هذه الجريمة في الوقت المناسب".

وقبل أيام من مقتل زاده، كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، عن معلومات استخباراتية، تفيد بأن عميلين إسرائيليين قُتلا بإيعاز من الولايات المتحدة، الرجل الثاني في تنظيم القاعدة "أبو محمد المصري".

وأوضحت الصحيفة أن الاغتيال نُفّذ عبر إطلاق رجلين -كانا يستقلان دراجة نارية في طهران-، الرصاص على عبد الله أحمد عبد الله (مصري المولد)، بأحد شوارع العاصمة في 7 أغسطس/آب 2020، الموافق ليوم ذكرى الهجمات على السفارتين الأميركيتين عام 1998، والتي يتهم بمشاركته فيها.

وحسب "نيويورك تايمز"، فإن عملية "اصطياد المصري" أسفرت أيضا عن مقتل ابنته مريم (أرملة حمزة بن لادن)، ابن زعيم التنظيم السابق أسامة بن لادن.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولي الاستخبارات الذين لم تذكر أسماءهم أن "المصري" كان محتجزا في إيران منذ عام 2003، لكنه بات طليقا يقيم في حي راق بطهران منذ 2015.

في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وعلى لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية "سعيد خطيب زاده"، نفت إيران ما جاء في تقرير الصحيفة الأميركية، قائلا: إن الولايات المتحدة وإسرائيل "تحاولان في بعض الأحيان ربط إيران بهذه الجماعات من خلال الكذب وتسريب معلومات كاذبة إلى وسائل الإعلام، للتهرب من المسؤولية عن الأنشطة الإجرامية لهذا التنظيم وغيره من التنظيمات الإرهابية في المنطقة".

اختراق عميق

وفي هذا الصدد، رجح مراسل الشؤون العسكرية في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوسي يهوشواع، أن يكون توقيت كشف اغتيال عناصر من الموساد للقيادي في تنظيم القاعدة، أبو محمد المصري، مقصودا، ومرتبطا على ما يبدو بخطط إسرائيلية للمرحلة القادمة، رغم أن تنفيذ العملية جاء بناء على طلب أميركي.

وحسب "يهوشواع"، فإن هذه العمليات لن تكون الأخيرة التي تجري في آخر أيام إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مثنيا على "المستوى العالي" في تنفيذ عملية الاغتيال في قلب طهران، بأسلوب يجيده الموساد.

وأكد المراسل العسكري للصحيفة، أن العملية تضاف عمليا إلى سلسلة عمليات ناجحة للموساد ضد المشروع النووي الإيراني، مثل اغتيال عدد من العملاء العاملين في المشروع، وزرع عبوات ناسفة في مفاعل "نطنز"، وسرقة الأرشيف النووي من قبل الموساد.

الكاتب الإسرائيلي "رونين بيرغمان"، أكد أن عملية اغتيال أبو محمد المصري، تكشف أيضا حجم الاختراق الإسرائيلي للاستخبارات والحرس الثوري والجيش في إيران، إلى درجة تمكّن الموساد، بحسب "تقارير أجنبية" من تفجير مفاعل "نطنز" في إيران قبل عدة أشهر، فضلا عن عمليات التفجيرات في ميناء "بندر شاه".

وخلال تقريره المنشور بصحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، توصل بيرغمان إلى أن "تصفية الحساب مع أبو محمد المصري تشكل حدثا هامشيا مقارنة بالموضوع الرئيسي، وهو المواجهة المستمرة التي هي بمثابة حرب مفتوحة منذ مدة بين إيران من جهة، وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة ثانية، حيث لم تقل بعد الكلمة الأخيرة في هذا الملف".

وعلى النحو ذاته، أفادت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 بأن اغتيال أبو محمد المصري، الرجل الثاني في تنظيم القاعدة، على يد عملاء الموساد، يثبت أن إيران ليست أرضا مجهولة بالنسبة لعملاء المخابرات الإسرائيلية.

وأكدت الصحيفة العبرية أن اغتيال المصري هو ضربة معنوية ونفسية للحرس الثوري الإيراني، الذي آواه لما يقرب من عقدين، وأنه يجعل الحرس الثوري يدرك أن المخابرات الإسرائيلية لها مصادر جيدة في إيران.

وأفادت القناة "13" للتلفزيون الإسرائيلي، وصحيفة "التايمز" الإسرائيلية، بأن أميركا وإسرائيل تسعيان إلى تشديد ضغوطهما على طهران على شكل "عمليات سرية"، وذلك خلال الأسابيع المتبقية من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وقبل تسلم جو بايدن السلطة.

وذكر التقرير العبري في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 إلى أن تقييم البلدين هو أن إيران لن تقوم برد عسكري على هذه الخطوة ما دام ترامب في السلطة، لكن التقرير لم يعلن عن المزيد من الإيضاحات والتفاصيل بهذا الخصوص.

"نمر من ورق"

امتداد اليد الإسرائيلية إلى العمق الإيراني، وتمكّنها من توجيه ضربات عنيفة للنظام وبرنامجه النووي الذي يعوّل عليه بشكل كبير، كشف الكثير من نقاط الضعف بالمنظومة الأمنية، حيث وصفها مراقبون بأنها "هشاشة" وتظهر إيران بأنها "نمر من ورق".

ورأى الكاتب طارق الحميد خلال مقال نشرته صحيفة "عكاظ" السعودية، أن "القصة بعد اغتيال العالم الإيراني والقيادي في الحرس الثوري ليست في ماهية الرد الإيراني، ولا في السيناريوهات التي تطرح بشكل مبالغ فيه عن كيفية تنفيذ عملية اغتيال محسن فخري زاده بالقرب من طهران. القصة بكل بساطة هي أن إيران نمر من ورق".

وأضاف الحميد: أن "قوة إيران تكمن في مقدرتها على التخريب استغلالا لميليشيات إرهابية، وعملاء في منطقتنا، بينما واقع إيران الداخلي، اقتصاديا وعسكريا ومخابراتيا، هش".

ولفت الحميد إلى أن "اغتيال محسن فخري زاده وقبله مجموعة من العلماء الإيرانيين والرجل الثاني لتنظيم القاعدة، وسط شوارع طهران، مضاف لها ما وقع من سلسلة تفجيرات، وحرائق طالت المؤسسات النووية الإيرانية، والمنشآت العسكرية، وغيرها من عمليات لا تعد ولا تحصى وقعت داخل إيران طوال هذا العام تثبت أن الجبهة الإيرانية الأمنية هشة".

وأشار إلى أن "تلك العمليات، ومنها اغتيال "زاده"، تشير إلى حتمية وجود تواطؤ داخلي من وسط إيران، وعلى أعلى المستويات، وهو ما يعني أن لا حاضنة حقيقية للنظام بإيران".

وأكد أن إسرائيل تستهدف إيران في عقر دارها، وفي سوريا، لأنها تدرك هشاشة الوضع الإيراني، وأن نظام الملالي من الممكن أن يحرق لبنان، ولآخر إنسان، لكنه لن يجرؤ على الرد على إسرائيل مباشرة من طهران، لافتا إلى أن "طهران لا تجرؤ على استهداف إسرائيل من سوريا لأن ذلك يعني تغير قواعد اللعبة تماما في الأراضي السورية، ولن يكون ذلك بصالح إيران على المدى الإستراتيجي البعيد".

وعليه، يخلص الكاتب إلى أنه "نحن أمام نظام إيراني هو بمثابة نمر من ورق، حيث غيّرت إسرائيل قواعد اللعبة مع إيران، وبالتالي فإن الرئيس (الأميركي) المنتخب بايدن يأتي على منطقة تغيرت قواعد الاشتباك فيها، ولا توجد بها خيارات سهلة".

وفي السياق ذاته، رأت الكاتبة جويس كرم خلال مقال نشرته بموقع قناة "الحرة" الأميركية في 3 يوليو/تموز 2020، أن الهجمات الإسرائيلية على المنشآت الإيرانية، تؤكد هشاشة الوضع الداخلي الإيراني.

وأضافت: أن "الثغرات الأمنية التي كشفت في العام 2020 من مقتل قائد الحرس قاسم سليماني إلى الإخفاقات في الرد، وصولا للتفجيرات التي تعكس مشاكل في ضبط الوضع الداخلي ووجود خروقات استخبارية داخل النظام".