"إرضاء لإسرائيل".. عوامل أدت لانهيار تحالف السعودية وباكستان التاريخي
.jpg)
دخلت العلاقات السعودية الباكستانية مرحلة تهدد بنسف تحالف تقليدي وتاريخي بين البلدين في الوقت الذي تعتزم فيه الرياض تطبيع العلاقات مع "تل أبيب" التي تسعى لتقديم نفسها كبديل للرياض عن إسلام آباد.
وكشفت صحيفة "يوراسيان تايمز" التي تركز على المنطقة الأوراسية، أن هناك تهديدا مبطّنا لباكستان باستعادة عمالها المغتربين من دول الخليج (خاصة في الإمارات والسعودية)، على ما يبدو لابتزاز الدولة الإسلامية لقبول تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
وتشير الصحيفة إلى أن الإمارات وبمباركة من السعودية، بدأت بالفعل في تنفيذ هذه الإجراءات في 14 أغسطس/آب 2020، ومن المفارقات أنه يصادف يوم استقلال باكستان، قبل أن تقرر المملكة توظيف مواطنيها كأئمة في المساجد في المجمعات التجارية الكبرى، حسب صحيفة "سعودي جازيت" الناطقة بالإنجليزية.
تهدف هذه الخطوة وفق التقرير إلى غلق الباب على مليون مسلم باكستاني من الانخراط في الخدمات الأساسية في السعودية، بعد أن ألغت الإمارات بالفعل أكثر من 3000 وظيفة لباكستانيين ومنحتها إلى الهنود بدلا من ذلك.
كما تعمل وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، ووزارة الشؤون البلدية والقروية على خطة لـ"سعودة" وظائف الإمام والمؤذن في المجمعات التجارية الكبرى.
وتعتبر الحكومة هذه المجمعات مهمة للغاية لأنها واجهة المملكة ووجهة للسياح. وقد أعطيت توجيهات إلى الهيئات المشرفة على المجمعات التجارية الكبرى لتعيين الأئمة والمؤذنين السعوديين.
ويشير التقرير إلى أن هذه المجمعات التجارية الكبرى توظف الآن الكثير من الأجانب أغلبهم من باكستان كمؤذنين وأئمة.
اتساع الفجوة
تأتي هذه التطورات في الوقت الذي بدأت فيه الفجوة بين باكستان والسعودية في الاتساع، مما أجبر رئيس الوزراء الباكستاني "عمران خان" على التراجع عن حضور القمة الماليزية للدول الإسلامية في ديسمبر/كانون الأول 2019.
وكانت علاقة باكستان بالمملكة قد بدأت في التوتر في 6 أغسطس/آب 2020، حين رفضت الدولة الغنية بالنفط تقاسم ودعم موقف إسلام آباد بشأن إقليم كشمير.
ومما زاد الطينة بلة إصدار المملكة لاحقا ورقة نقدية سعودية بقيمة 20 ريالا أظهرت كشمير كدولة مستقلة، ولم تستطع باكستان حتى الاحتجاج على ذلك، بينما اعترصت الهند على هذه الخطوة مما جعل السعودية تقرر سحب الأوراق النقدية.
يؤكد التقرير أن الخطوة الأخيرة التي اتخذتها الرياض تنبع من حقيقة أن المملكة ستحتضن إسرائيل قريبا. ولا تقتصر الأجندة النهائية لتل أبيب على توفير ضمان أمني للسعودية فحسب، بل أيضا تقديم نفسها كبديل لباكستان.
وبالتالي تؤكد الإجراءات السعودية أن المملكة حسمت موقفها من باكستان وأن مزيدا من المغتربين الباكستانيين في عدد من القطاعات الأخرى سيجدون نفس مصير الأئمة والمؤذنين، بحسب التقرير.
وتزعم الرياض أن هذه الخطوة تهدف إلى خفض معدلات البطالة المتزايدة و"سعودة" مؤسساتها لكن ذلك لا يخفي التخوف السعودي من أنه وبمجرد قبول الرياض تطبيع العلاقات مع إسرائيل، قد يكون هناك رد فعل قوي في مكة والمدينة يقودها الأئمة من أصل باكستاني، وبالتالي، فإن الخطوة هي احتواء أي رد فعل محتملة من هذا القبيل.
ومن المثير للاهتمام أن إمام الحرم المكي عبد الرحمن السديس أيد بالفعل في 6 سبتمبر/أيلول تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
وسيتم تطبيق هذا الأمر الحكومي أولا على الأئمة العاطلين عن العمل، حيث تتحمل الدولة نفقات الأئمة الذين يعملون في مجمعات التسوق أو مراكز التسوق.
وثانيا، ستعرض التعيينات الجديدة فقط على أولئك الذين يرغبون في الانصياع لخط الحكومة، وسيتم عزل الأئمة غير السعوديين الذين يظهرون أي بوادر استياء تجاه إسرائيل.
وقد زادت هذه التطورات من توتر العلاقات بين إسلام آباد والرياض وزيادة للضغوط على باكستان، وفق التقرير.
الديناميكيات الجديدة
وتشير صحيفة "ذا تايمز أوف إنديا" في ذات السياق إلى أن وزير الخارجية الباكستانية شاه محمود قريشي رضخ للضغوط السعودية وأحجم عن ذكر جامو وكشمير في الوثائق المعتمدة في اجتماع وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي الذي عقد في النيجر أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
وجاءت هذه الخطوة بعد تلقيه ازدراء من المملكة العربية السعودية بأن باكستان لا ينبغي أن تختطف منظمة التعاون الإسلامي، وفق الصحيفة الهندية.
وكان قريشي قد سعى في وقت سابق لعقد اجتماع خاص لوزراء خارجية منظمة المؤتمر الإسلامي لمناقشة قضية كشمير، لكنه فشل في ذلك قبل أن تهدد باكستان بأنها ستعقد بنفسها اجتماعا للدول الإسلامية خارج إطار منظمة المؤتمر الإسلامي.
وكان رد الفعل السعودي صريحا حيث جمّد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قرضا بقيمة 3 مليارات دولار مُنح سابقا لباكستان، وأوقف تسليم النفط لإسلام آباد.
وحول العوامل التي تسببت في انهيار الصداقة والتحالف التقليدي بين باكستان والسعودية فجأة، تؤكد الصحيفة الهندية أن "إسلام آباد" فشلت في قراءة الديناميكيات الجديدة التي تعيد تشكيل سياسات الشرق الأوسط، مع تنافس متزايد بين إيران وتركيا وماليزيا من جهة، والرياض وتل أبيب من جهة أخرى.
يأتي ذلك بعد أن انتقلت سدة الحكم في السعودية إلى محمد بن سلمان الذي يعتبر المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي "أسوأ من هتلر" وإيران خصمه اللدود، المصممة على تقويض النفوذ السعودي والسيطرة على العالم الإسلامي بأسره، بحسب الصحيفة.
وعلى عكس والده، يولي محمد بن سلمان أولوية منخفضة لعودة الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل ويدعم الحل الذي اقترحه الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
واليوم، تولي العديد من الدول العربية مثل السعودية والإمارات والكويت وغيرها الأولوية لكبح نفوذ إيران المتنامي في المنطقة، بدلا من حل الصراع الفلسطيني، كما تقول الصحيفة.
وتنظر باكستان إلى السياسة الناشئة في "الشرق الأوسط" بشكل أساسي من منظور قضية كشمير.
وتميل إسلام آباد أكثر إلى جانب إيران وتركيا وماليزيا التي دعمتها علانية ضد السعودية والإمارات وغيرهما ممن يتخذون موقفا أكثر توازنا، مقدرين حساسيات العلاقات مع الهند.
ولن تكون الهند فقط أكبر مشتر للخام السعودي في المستقبل (بالنظر إلى تباطؤ الاقتصاد الصيني وتراجع عدد السكان) ولكن يمكنها مساعدة السعودية والإمارات وغيرهما بشكل كبير (إلى جانب إسرائيل والولايات المتحدة) في تحقيق رؤيتهم للتنمية الاقتصادية السريعة، وفق التقرير.