أسامة الرفاعي.. عالم متصوف تصدى للنظام السوري وناهض الغلو

يوسف العلي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

عُرف الشيخ أسامة الرفاعي رئيس المجلس الإسلامي السوري، بأنه من أوائل العلماء الذين جهروا بانتقاد نظام بشار الأسد، بعد اندلاع الثورة عام 2011، ويعد أحد كبار العلماء، وخطيب مسجد عبد الكريم الرفاعي في كفر سوسة بدمشق.

الشيخ أسامة هو الابن الأكبر للعلامة الراحل عبد الكريم الرفاعي، حيث لازم والده هو وشقيقه الداعية سارية الرفاعي وتلقى عنه العلوم العقلية والنقلية، فيما شرح عددا من الكتب وتنقّل بين عواصم إسلامية أثناء مسيرته الدعوية حتى استقر في إسطنبول.

عالم متصوف

ولد الشيخ الرفاعي في دمشق عام 1944، وتخرج في مدارس دمشق وثانوياتها، ثم التحق بجامعة دمشق ودرس اللغة العربية وعلومها في كلية الآداب قسم اللغة العربية، وتخرج منها عام 1971، وأصبح خطيبا في جامع الشيخ عبد الكريم الرفاعي (نسبة لوالده) في دمشق.

ومع حملة حافظ الأسد ضد الجماعات الإسلامية، ولا سيما الإخوان المسلمين في سوريا وارتكابه مجازر في حمص وحماة ومطاردة الإسلاميين، أجبر الشيخ أسامة الرفاعي على الخروج إلى المملكة العربية السعودية عام 1981.

وينقل الكاتب محمد تركي الربيعو خلال مقال نشره بصحيفة "القدس العربي" في 25 سبتمبر/ أيلول 2020، عن عالم الإسلاميات رضوان السيد، أنه خلال فترة الستينيات والسبعينيات، استطاع الإخوان المسلمون بطروحاتهم، أن يؤثروا في أوساط الإسلام التقليدي، وسواء كان الشيخان (أسامة وسارية) قد تأثرا في فترةٍ ما بهذه الرؤية أم لا، أثمرت الوساطات الدمشقية، وتمكنا من العودة لدمشق في عام 1993".

ينتمي الشيخ أسامة إلى "جماعة زيد" الصوفية، والتي كانت بزعامة والده العلامة الراحل عبد الكريم الرفاعي (1901-1973) ظهرت في أربعينيات القرن الماضي، حيث سميت بهذا الاسم نسبة إلى جامع زيد بن ثابت الأنصاري في العاصمة السورية دمشق.

وذكر الربيعو في مقاله أن عودة الشيخ أسامة وشقيقه سارية إلى دمشق في تسعينيات القرن الماضي، أسهم خلال فترة قصيرة في إحياء دور جماعة زيد من جديد، حيث لعبا دورا واسعا في الأوساط المحلية الدمشقية، خاصة في أوساط الطبقة الوسطى والتجار.

وأضاف: "أخذ كثيرون من أبناء الكفتارية والشيوخ الآخرين يحضرون دروس الشيخ أسامة في مسجد الرفاعي في حي كفرسوسة وسط المدينة، أو دروس الشيخ سارية في مسجد زيد بن ثابت في منطقة باب سريجة".

 

"حفظ النعمة"

وفي عام 2004، عادت الأزمة السياسية لتلقي بظلالها من جديد حول سوريا. كان كولن باول قد زار دمشق، وفي الاجتماع سمّع الأسد تهديدا مبطنا، كما أن الأوضاع الاقتصاديةَ في البلاد لم تكن على ما يرام، ولذلك سمح النظام لجماعة زيد بالمضي قدما في مشاريعها الخيرية عبر مشروع "حفظ النعمة".

وتمكنت "جماعة زيد" خلال فترة قصيرة من التأثير والنشاط في أوساط أوسع، بيد أن فترةَ الهدوء هذه لم تستمر طويلا، فبعد سنوات قصيرة، زار الأسد باريس، وفي طريق عودته طالب -بعد أن شعر بالاسترخاء الدولي- بكبح دور هذه الجماعة وبعض المعاهد الدينية عام 2008، بحسب الكاتب.

وعند انطلاق الثورة السورية في مارس/آذار 2011، تحول مسجد عبد الكريم الرفاعي الذي يخطب ويقدم فيه الدروس الشيخ أسامة إلى إحدى بؤر الاحتجاج الأساسية داخل العاصمة دمشق.

وفي فجر يوم 27 أغسطس/ آب 2011، التي وافقت ليلة 27 رمضان، هجم عدد من عناصر الأمن وشبيحة النظام السوري على جامع الشيخ عبد الكريم الرفاعي، في صلاة التهجد، وضربوا الساجدين.

وتعرض الشيخ أسامة إلى ضرب مبرح نقل على أثره إلى مستشفى الأندلس في دمشق لتلقي العلاج، وأظهر مقطعا مصورا نشر على "يوتيوب" رقوده في المستشفى وسط حشد من المحبين.

بعد ذلك انتقل الشيخ أسامة إلى تركيا، حيث جرى الإعلان عن إحياء "رابطة علماء الشام" برئاسته، والتي تشكلت للمرة الأولى عام 1937، لكنها بقيت سرية تجمع عددا من علماء دمشق وغيرها.

وفي أبريل/ نيسان 2014، أعلن في إسطنبول عن تأسيس "المجلس الإسلامي السوري" بغرض تكوين مرجعية سنية تجمع الهيئات الشرعية والمنظمات الإسلامية السورية.

اختير الشيخ أسامة رئيسا للمجلس، الذي يتكون من 128 عالم دين وداعية يدعمون "الثورة ويسعون لتوحيد الموقف الصادر عن العلماء في الفتاوى والقضايا ذات الشأن السوري العام وأمام الدول والمنظمات والهيئات الإقليمية والدولية".

ومطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، أعلن الشيخ أسامة على صفحته بفيسبوك أنه سيبدأ إلقاء درس عام كل يوم جمعة بعد الصلاة مباشرة في مسجد "ميهريما سلطان" في منطقة الفاتح بإسطنبول.

كانت هذه هي المرة الأولى التي تسمح فيها إدارة الشؤون الدينية التركية لشيخ عربي بإلقاء درس باللغة العربية في مساجدها، ويُعزى ذلك إلى زيادة عدد العرب المقيمين في تركيا والسوريين بشكل خاص.

مناهض للتطرف

بعد اختيار الشيخ أسامة رئيسا للمجلس الإسلامي السوري، أكد أنه لا مكان لما سماه الفكر التكفيري داخل سوريا، متهما "تنظيم الدولة في العراق والشام" بنشر هذا الفكر "لكونه مخترقا من المخابرات السورية والإيرانية والعراقية".

وشدد الرفاعي خلال تصريحات صحفية في أبريل/ نيسان 2014، أن هذا التنظيم وأمثاله يعتبر استثناء لا قاعدة، وأنه لا تغيير في تركيبة المجتمع السوري المبني على المحبة.

خلال تصريحات صحفية في ديسمبر/ كانون الأول 2013، تحدث الشيخ عن موضوع الخلافة، قائلا: "أولا يجب أن يعلم الجميع، أننا لا نخفي أنفسنا، فنحن نبكي على الخلافة في الليل والنهار، ونتمنى أن تقوم دولة الخلافة اليوم قبل الغد، لكن ما كلفنا الله بهذا الأمر لنرهق أنفسنا ونرهق شعوبنا ونعرضها للبلاء من هنا وهناك".

وأوضح: كلمة الخلافة… دولة الخلافة، ليس أمرا قد تعبدنا به، وليس أمرا كلفنا الله به في شرعه، وأول من ترك هذا المصطلح ولجأ إلى مصطلح آخر سيدنا عمر بن الخطاب الذي ترك "يا خليفة رسول الله" وأعرض عنها واستبدل بها قوله: "يا أمير المؤمنين".

وتابع: "نحن لا يجب أن نكون قساة بهذا الشكل في تطبيق حرفيات لا وزن لها في الدين، حتى لو كانت كلمة دولة الإسلام تحملنا هذه الأعباء الكبيرة فهي ليست ضرورية… لأننا نريد المضمون".

وأشار إلى أن "الشعب السوري ينبغي أن يترك ليحكم نفسه بما شاء، والحمد لله شعبنا مسلم مؤمن، ولقد رأينا أن شعوب المنطقة حين تركت لنفسها لم يكن لها الاختيار إلا الإسلام، فنحن طمعنا أن يترك هذا الشعب لنفسه حتى يحكم نفسه بما أنزل الله وهذا غاية المنى".

وبخصوص رأيه في تصريحات "جبهة النصرة"، قال الشيخ أسامة في مارس/آذار 2016: "جبهة النصرة أو غيرها من الفصائل لو كان لها ارتباطات مع أجندات خارجية بدولة أو منظمة، فإنه سيخرب بيته وبيتنا لأن البلد لا يحتمل خاصة في هذه المرحلة الحرجة".

وأردف: "إذا لم تعلن النصرة انفكاكها من تنظيم القاعدة، فإن الفصائل لن تتقبلها، لأن القاعدة جهة تكفيرية تستبيح دماء المسلمين، فإذا فصيل من الفصائل عمل علينا التقية وقال إنه لا يكفر ولا يستبيح دماء المسلمين، ثم تبين أنه مرتبط بتلك الأجندة فالأمر خطير على البلد كله وعلى جميع الفصائل".

تركيا وإيران

خلال مقابلة مع وكالة "الأناضول" في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، قال الشيخ أسامة الرفاعي: إن المعارضة السورية "ليست بحاجة لمقاتلين من الخارج"، مطالبا بمد الثورة السورية بكافة أشكال الدعم المادي والمعنوي، بدلا من المقاتلين. واعتبر وجود الأجانب "يشكل عبئا" على السوريين وذريعة بيد الدول لاتهام المعارضة بالإرهاب.

وأعرب الرفاعي عن أمله بألا يكون على الأراضي السورية غير السوريين، مؤكدا وجود عدد كاف من الشباب السوري ممن يملكون الحماسة وقادرون على خدمة الثورة والدفاع عنها.

رأى الشيخ أسامة أن الأجانب، الذين قدموا إلى سوريا وانضموا للتنظيمات المتطرفة "شكلوا بلاء" على السوريين أكثر من النظام نفسه، مؤكدا أن أكبر عائق لانتصار المعارضة هو "تفرقها وعدم توحد كلمتها، وتناحرها في بعض المناطق"، رغم الإمكانيات التي تملكها، وأن المعارضة لن تحقق الانتصار حتى تتوحد جميع الفصائل تحت مظلة واحدة.

وأشار الشيخ إلى أن المجلس الإسلامي، وغيره من الهيئات المعارضة، عملت على توحيد الفصائل وضغطت في هذا الاتجاه، إلا أنها لم تلق تجاوبا من الفصائل رغم كل ما حل بالبلاد من قتل ودمار.

وأشاد الرفاعي بالدعم التركي المقدم لفصائل "الجيش الحر"، ودعا إلى استمراره حتى تصل لغاياتها، لافتا إلى أن المصلحة السورية تتطابق مع المصلحة التركية في رفض تقسيم سوريا، التي تسعى إليها الوحدات الكردية، وأن تركيا هي البلد الذي يحتمي به المسلمون وأن إلحاق الأذى بتركيا يعني أذى المسلمين.

في المقابل، حمّل الرفاعي إيران مسؤولية "تأجيج الفتنة الطائفية. وإثم النزاع الحاصل أمام الله والتاريخ"، مشيرا إلى أن القيادة في إيران "تتجنب الحديث الطائفي إلا أن أفعالها كلها طائفية".

وأضاف: أن "جميع الطوائف تتعايش مع بعضها منذ مئات السنين دون إشكالات، فعقدت إيران العزم على التدخل في المنطقة، وقاموا بخرق هذا التعايش في العراق واليمن وسوريا، عبر التحريض في العراق واليمن وإرسال مليشيات طائفية إلى سوريا".