دبلوماسية الجزائر.. هذا ما فعله الرئيس تبون لإصلاح ما أفسده بوتفليقة

وهران - الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

ظلت القنوات الدبلوماسية معطلة في الجزائر لسنوات، لم تتمكن خلالها من الوجود على خارطة المنطقة، ومع تولي النظام الجديد الحكم، بدأت الدبلوماسية الجزائرية تسترد عافيتها رويدا رويدا عبر المشاركة ولعب دور في إيجاد حلول وإنهاء بؤر التوتر بدول مجاورة مثل ليبيا ومالي.

مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، انتُخب الدبلوماسي الجزائري نبيل قلقول، عضوا في اللجنة الاستشارية لشؤون الإدارة والميزانية لهيئة الأمم المتحدة لعهدة تدوم 3 سنوات بدءا من يناير/ كانون الثاني 2021.

الإعلام الجزائري اعتبر هذا الانتخاب "تتويجا لمساعي الجزائر الرامية إلى ضمان تمثيلية عادلة لرعاياها في المنظمات الإقليمية والدولية، وشاهد على سعي الجزائر لاسترجاع دورها الدبلوماسي الفاعل وإصلاح ما فسد خلال حقبة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة".

مؤتمر برلين

وبعد أيام من تولي الرئيس الجديد عبد المجيد تبون منصبه، دعا الرئيس التركي طيب رجب أردوغان، الجزائر إلى المشاركة في مؤتمر برلين الخاص بحل الأزمة الليبية، وهاتفت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الرئيس تبون لزيارة برلين، ودعته لحضور المؤتمر الدولي.

بعدها، استقبلت الجزائر فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا، كما استقبلت وزير الخارجية التركي تشاووش أوغلو ووزير خارجية إيطاليا لويجي دي مايو.

وفي يونيو/ حزيران 2020، بحث وزير خارجية الجزائر صبري بوقادوم، مع نظرائه في تونس والسعودية وليبيا ومصر سبل تعزيز العلاقات، كما تناولت المحادثات مستجدات الأوضاع على المستوى الإقليمي، خاصة التطورات الأخيرة في الجارة ليبيا.

في سبتمبر/ أيلول 2020، أجرى الرئيس الجزائري تغييرات في السلك الدبلوماسي، وشمل التغيير سفيري فرنسا وبلجيكا، في محاولة لضخ دماء جديدة في علاقات الجزائر مع فرنسا والاتحاد الأوروبي.

العمق الإفريقي

عرف الدور الجزائري في إفريقيا انحسارا لافتا خلال السنوات الأخيرة، بسبب تركيز الرئيس السابق بوتفليقة على النشاط الدبلوماسي تجاه الضفة الشمالية للمتوسط، على حساب العمق الإفريقي للجزائر.

لم تركز الجزائر على العلاقة بإفريقيا إلا بشكل نسبي، وحتى عندما اندلعت الأزمة الأمنية في الحزام الصحراوي عام 2012 بسبب نشاط الجماعات المسلحة، واجهتها الجزائر بالمقاربة الأمنية في مواجهة تمدد نشاط تنظيم القاعدة في الساحل الصحراوي والوصول إلى تخوم الحدود الجنوبية للجزائر في حدودها مع مالي.

سمحت الجزائر في عهد النظام السابق لفرنسا بسحب البساط من تحت أقدامها في منطقة الساحل، رغم موقعها كبوابة رئيسية للقارة السمراء.

وفي أبريل/ نيسان 2020، أعلنت الجزائر استحداث "الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية"، وعين تبون على رأسها العقيد المتقاعد من جهاز الاستخبارات محمد شفيق مصباح، وتعول الجزائر على الهيئة من أجل إعادة الاعتبار الدبلوماسي والإستراتيجي في المنطقة والعالم.

كان تبون قد أعلن، خلال قمة للاتحاد الإفريقي الأخيرة في أديس أبابا، عن قرار بلاده بإنشاء الوكالة بغرض "بعث ديناميكية جديدة في التعاون الدولي الجزائري، لا سيما تجاه البلدان الإفريقية".

انقلاب مالي

في 18 أغسطس/ آب 2020، شهدت مالي انقلابا عسكريا، إذ اعتقل المجلس العسكري رئيس البلاد كيتا، ورئيس الوزراء وعددا من كبار المسؤولين الحكوميين.

وغداة ذلك أعلن كيتا، في كلمة متلفزة مقتضبة، استقالته من رئاسة البلاد وحل البرلمان. وتعهد قادة الانقلاب، بتنظيم انتخابات "ذات مصداقية" مع إعلانهم تأسيس لجنة أطلقوا عليها "اللجنة الوطنية لإنقاذ الشعب"، للإشراف على فترة الانتقال السياسي بالبلاد.

وفي 27 أغسطس/آب 2020، أطلق المجلس العسكري، سراح كيتا، عقب مفاوضات بين الجيش والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس".

بعدها بشهر، أعلن الرئيس المالي المؤقت باه نداو، تعيين وزير الخارجية السابق مختار وان رئيسا للحكومة في المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد.

وقتها كثفت الجزائر تحركاتها الدبلوماسية، محاولة خفض مستوى التوتر الذي تعيشه جارتها الجنوبية، وسعت الجزائر، التي وصفتها تقارير محلية بـ"المنهمكة بمشاكلها الداخلية"، على المساهمة في عودة مؤسسات الدولة للعمل في مالي.

ولم تقتصر مهمتها على تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتصارعة فقط، بل ألقت بكامل طاقاتها الدبلوماسية لإيجاد توازن بين الأطراف الخارجية التي تعتبر جزءا من الأزمة في البلاد، مثل فرنسا وتركيا.

أسباب الفشل

مرت الدبلوماسية الجزائرية في عهد بوتفليقة بأسوأ مراحلها، والسبب ضعف إعلامها الخارجي وقد تسبب في ذلك النظام السياسي القائم وقتها، وأيضا التباعد الكبير بين الدبلوماسية الجزائرية والواقع السياسي الراهن في العالم.

في مقاله بصحيفة "القدس العربي"، تحدث أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة الجزائر ناصر جابي، عن دور بوتفليقة في "عزل الجزائر دوليا". ووصف الأستاذ الجامعي تدبير بوتفليقة لملف الصحراء الغربية بـ"الفشل المدوي".

شغل بوتفليقة منصب وزير الخارجية من سبتمبر/ أيلول 1963 وإلى 8 مارس/ آذار 1979، في عهد الرئيسين أحمد بن بلة وهواري بومدين. قال جابي في مقاله: إن مرور بوتفليقة بوزارة الخارجية قبل كرسي الرئاسة، "جعله في عداوة مع أي وزير خارجية، يعينه هو شخصيا، اقتناعا منه بأن الجزائر لم تلد أحسن منه وزيرا للخارجية".

وتابع قائلا: "حالة نفسية – سياسية جعلته، رغم بقائه في الحكم 20 سنة، يعين أكثر من 6 وزراء خارجية، وعدد مماثل من كتاب الدولة والوزراء المنتدبين للخارجية".

أفاد جابي أن بوتفليقة "لم يترك فرصة فعلية لأي وزير خارجية لتسيير أي ملف جدي على المستوى الدولي، خاصة عندما يتعلق الأمر ببعض العواصم المهمة، مثل موسكو، باريس، لندن وواشنطن وبعض الدول الخليجية التي احتكرها لنفسه ولمجموعته الحاكمة والمسيطرة على المقاليد الرئاسية".

ورأى أستاذ علم الاجتماع السياسي، أن النظام تحول في عهد بوتفليقة إلى وزارة خارجية موازية، في وقت تم فيه تغييب إفريقيا تماما، رغم أهمية العمق الإفريقي بالنسبة للجزائر. لم يزر بوتفليقة دولة إفريقية واحدة رسميا طول فترة حكمه، مقابل 7 زيارات لفرنسا".

التخلص من التبعية

في مقال رأي نشره على صحيفة "الشروق" الجزائرية، بعنوان "انبعاث الدبلوماسية الجزائرية.. البداية من ليبيا" قال الكاتب الجزائري حسان زهار: "الدبلوماسية الجزائرية تخلصت بشكل كبير من بعض التأثيرات الخارجية، وعلى رأسها الخليجية"، في إشارة إلى تبعية بوتفليقة ونظامه للإمارات.

واعتبر زهار أن التخلص من هذه التبعية، جعل الدبلوماسية الجزائرية "بصدد صناعة مجدها من جديد، على أسس صحيحة". قبل أن يستطرد: "ذاك المجد الذي ضيعه بوتفليقة، بعد أن بناه من قبل الراحلان هواري بومدين ومحمد الصديق بن يحيى".

أخفقت الجزائر في 2017، في طرحها لمقترح تشكيل لجنة وساطة عربية تقودها الكويت وتضم 3 دول أخرى، هي الجزائر والأردن وسلطنة عُمان، لحل الأزمة في الخليج. ورفضت دول عربية زارها وزير الخارجية -آنذاك- عبد القادر مساهل المقترح.

ونقلا عن تقارير صحفية، حصلت على تسريبات دبلوماسية، فإن القاهرة وأبوظبي أبلغتا الوزير الجزائري أن "الوساطة الكويتية تلعب ما يكفي في الوقت الحالي، على صعيد نقل الرسائل والمقترحات"، وأن "الوقت لم يحن بعد لتوسيع دائرة الوساطة العربية".

وأفادت الرسائل التي حملها مساهل من الرئيس بوتفليقة إلى رؤساء الدول العربية التي زارها، "باستعداد الجزائر للقيام بأي خطوات لدعم الوساطة العربية وحل الأزمة في إطار عربي، وتجنب التداعيات الخطيرة لهذه الأزمة على الأمة العربية، خصوصا في ظل الوضع العربي المتسم بالشرخ والانقسام، ومخاطر استغلال إسرائيل وأعداء الأمة لهذا الوضع".

اعتُبر غياب بوتفليقة عن المشهد السياسي في الجزائر، بعد مرضه منذ أبريل/ نيسان 2013، عاملا أساسيا في ابتعاد بلاده عن المشهد السياسي والدبلوماسي. وغابت الجزائر أيضا عن سلسلة القرارات التي فرضتها دول عربية في اجتماعات الجامعة العربية، بما فيها تلك التي تخص ليبيا، التي تُعتبر جزءا من الامتداد الأمني والسياسي الحيوي للجمهورية.

أجمع مراقبون جزائريون، على أن الجزائر ابتعدت كثيرا عن الدور الدبلوماسي الملائم، في عهد بوتفليقة، بسبب جملة من العوامل تعلقت بوضعها الداخلي الغامض، وافتقادها لوسائل الضغط الممكنة، إذ لا تشكل ثقلا اقتصاديا مؤثرا في المنطقة.

ووفق مراقبين، فإن اختيار الجزائر سياسة الحياد في كل الأزمات، أدى إلى استبعادها، والشاهد على ذلك تأخرها الكبير في الإمساك بخيوط الأزمة في ليبيا كدولة جارة.