جمهورية إفريقيا الوسطى.. هكذا تحولت إلى منجم ثمين للصين

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة إيطالية الضوء على تصاعد الاستثمارات الصينية في جمهورية إفريقيا الوسطى "بهدف الاستحواذ على الموارد المعدنية للبلاد مستفيدة من العلاقات الاقتصادية والعسكرية بين البلدين التي تعود إلى فترة الحرب الباردة".

وذكرت صحيفة "إيل كافي جيوبوليتيكو" أن أربع شركات صينية افتتحت في عام 2019 أكثر من 15 موقع بناء في منطقة بوزوم، في جمهورية إفريقيا الوسطى، مما تسبب في أضرار بيئية وأيضا استغلال السكان وإجبارهم على العمل دون أي تدابير أمنية، وفقا لما أكدته شكوى مبشر إيطالي أدانت الصين بالقيام بعمليات استخراج معادن غير قانوني. 

ذهب بوزوم

قالت الصحيفة: إن بوزوم كانت واحدة من عدة محافظات فقيرة في جمهورية إفريقيا الوسطى قبل أن يتم اكتشاف الذهب. 

وفي إحدى قراها، عُرف "الأب أوريليو" المبشر ورجل الدين الإيطالي، بالتزامه بالتنمية الاقتصادية وعملية المصالحة بين الجماعات المسلحة.  

لكن ظهر اسمه في الصحف العالمية عام 2019، مع ظهور تحد جديد في المنطقة بعد أن افتتحت شركات صينية أكثر من خمسة عشر موقع بناء لاستخراج الذهب من نهر أوهام، مما أدى إلى تحويل مساره والتسبب في أضرار بيئية وإنسانية واسعة النطاق.

واشتكى الأب أوريليو بهذه الحادثة للحكومة مقدما صورا تثبت بحث الجرافات في قاع النهر واقتلاع الأشجار والتسبب في تلوث مياهه بكمية كبيرة من الزئبق.  

وعلى الرغم من  صدور أول تقرير محلي، لم يتم إغلاق موقع البناء بعد أن اعتبرت وزارة المناجم والجيولوجيا بأن الاحتجاجات كانت مجرد مناورة سياسية قبل الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 27 ديسمبر/كانون الأول.

وهذه الجمهورية التي تقع في وسط القارة السمراء، تمر بحالة من  عدم الاستقرار الأمني مع اقتراب موعد الانتخابات. 

في وقت لاحق، أجرى مختبر لافوازييه في العاصمة بانغي تحاليل على عينات من مياه نهر أوهام واكتشف تركيزا للزئبق يفوق بـ26 مرة  الحد الممكن.

من جانبه، تحرك المجتمع الدولي لصالح القضية، وعلى وجه الخصوص، أعدت منظمة العفو الدولية تحليلا دقيقا للمسألة. ودعت في الفصل الأخير من تقريرها الحكومة إلى تعليق العمليات وفتح تحقيق محايد. 

كما أوصت بأن تجري الشركات الصينية اختبارات على المياه، والإبلاغ عن مشاريع استخراج المعادن وإيجاد طرق بديلة لاستخدام الزئبق.

في أكتوبر/تشرين الثاني 2020، تم نقل الأب أوريليو إلى منطقة أخرى من البلاد، لكنه أكد مواصلته الكفاح ضد استغلال موارد بوزوم بدعم محلي ودولي.

المشاريع الصينية

أشارت الصحيفة إلى أن جمهورية  إفريقيا الوسطى انحازت بين الستينيات والتسعينيات في مراحل متناوبة إلى جانب كل من جمهورية الصين الشعبية وجمهورية الصين (تايوان)، إلى أن أعلنت الاعتراف النهائي ببكين في عام 1998. وحاليا تُعد الصين الشريك الاقتصادي الثاني للبلاد بعد فرنسا. 

وفي عام 2009، فضلت حكومة الرئيس "فرانسوا بوزيزيه'' آنذاك إقامة علاقات مع جمهورية الصين الشعبية بدلا من القارة القديمة، ووقعت اتفاقيات عسكرية وتعاونية لاستخراج النفط من منطقة فاكاجا. 

كما أكد الرئيس الحالي فوستان آرشانج تواديرا  مؤخرا على أهمية التعاون مع أكاديمية شرطة فوجيان (الصينية) لتدريب الضباط.

وبحسب الصحيفة الإيطالية، لا يخلو التعاون بين البلدين من الآثار الجانبية.

ومن الأمثلة على ذلك تقرير ''بلود تامبر'' الصادر عن منظمة  "جلوبال ويتنس"، التي استنكرت مواصلة بعض الشركات الصينية في عام 2014، أثناء الحرب الأهلية، العمل في الغابات المطيرة في إفريقيا الوسطى، وتمويلها كلا من متمردي سيليكا ومليشيات "أنتي بالاكا" المسيحية (تخوض حربا شرسة ضد المسلمين).

أما بالنسبة لمشروع طريق الحرير الصيني الضخم، أفادت الصحيفة الإيطالية أن جمهورية إفريقيا الوسطى ليست منخرطة بشكل مباشر، ولكنها ستستشعر آثار الاستثمارات في البلدان المجاورة. 

وبمجرد أن تكون شبكة البنية التحتية في شرق إفريقيا جاهزة، والتي بفضلها ستتضاعف حركة البضائع والأشخاص بين دول المنطقة ثلاث مرات مع فوائد كبيرة للتنقل منخفض التكلفة، يمكن استئناف مشروع السكك الحديدية بين الكاميرون وجمهورية إفريقيا الوسطى ومن المحتمل أن يكون متصلا بخط مومباسا - نيروبي.

بيد أن النوايا الحسنة تتعارض مع استغلال المنطقة من قبل الصينيين، الذين يعدون ببنى تحتية وتجارة جديدة للدولة الإفريقية، لكنهم في الوقت نفسه يسجنونها في ما يسمى بـ "فخ الديون"، تؤكد الصحيفة الإيطالية.

ما بعد الانقلاب

منذ الاستقلال عن فرنسا في عام 1960، شهدت جمهورية إفريقيا الوسطى تناوبا مستمرا بين الحكومات العسكرية والمدنية رافقتها اشتباكات مستمرة بين الجماعات المسلحة. 

وفي 24 مارس/آذار 2013، احتلت مجموعة سيليكا المتمردة العاصمة وأجبرت الرئيس بوزيزيه على الفرار. ومنذ الانقلاب، تعاقب على رئاسة البلاد أربعة رؤساء، آخرهم تواديرا الحالي، الذي أدرج ضمن برنامجه الانتخابي وعدا بعملية مصالحة مع الجماعات المسلحة، بدأت في 2016.

ولفتت الصحيفة إلى أن التوقيع على معاهدة سلام في عام 2019 لم يوقف الاشتباكات المستمرة بين المتمردين في العديد من مناطق البلاد.

 وندد بعض قادة المليشيات في لقاءاتهم بمحللي مجموعة الأزمات الدولية، باستمرار المضايقات من قبل الدولة على الرغم من الاستسلام.

ونوهت الصحيفة الإيطالية إلى أن ماكسيم موكوم، الوزير الحالي لنزع السلاح وإعادة الإدماج، يُعد من الأمثلة الإيجابية على نجاح برنامج المصالحة الوطنية. 

وقد وقعت جماعة أنتي بالاكا ماكوم المسلحة، اتفاقية سلام في عام 2019، ومنذ ذلك الحين عملت بجد من أجل الاندماج السلمي للجماعات المتمردة الأخرى.

وفي الختام، أكدت الصحيفة أن المجتمع الدولي لا يخفي مخاوفه قبل الانتخابات الرئاسية، بشأن الطريقة التي سيتم بها التصويت. 

ويأمل الجميع أن يقوم أي شخص يتولى السلطة بإجراء حوار مع الجماعات المتمردة وتطوير إصلاحات اقتصادية وبيئية، بما يضمن للبلاد فرصة الاستفادة من ثروتها الطبيعية.