روسيا تهدي السودان سفينة عسكرية.. الدوافع ودلالات التوقيت

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

سفينة عسكرية أهدتها موسكو للخرطوم، فتحت كثيرا من التساؤلات عن إستراتيجية روسيا القادمة تجاه السودان المضطرب، الذي يدخل في طور من الصراعات الداخلية والإقليمية في الآونة الأخيرة.

إستراتيجية روسيا الجديدة ليست وليدة اليوم، لكنها بدأت في 26 يوليو/ تموز 2015 (يوافق اليوم الوطني للبحرية الروسية) بإعلان الرئيس فلاديمير بوتين ما أطلق عليه العقيدة البحرية لقواته العسكرية، كما حدد هدف توسيع القدرات البحرية الروسية من المنطقة الإقليمية، إلى "المياه الزرقاء العالمية" كإستراتيجية دائمة لموسكو، وهو ما خلف أثرا على منطقة الشرق الأوسط.

تسعى روسيا لإيجاد موطئ قدم لها في السودان الذي يمتلك قرابة 700 كلم على ساحل البحر الأحمر الذي يفصل بين المحيط الهندي، والبحر المتوسط، ويطل على مضيق باب المندب، وخليج عدن، وشبه جزيرة سيناء.

لذلك تتجه موسكو إلى ميناء بورتسودان في محاولة منها للحصول على امتياز في تلك المنطقة، وتحديدا من خلال دعم القوات البحرية، وقطع الطريق عن الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي من جذب المجلس العسكري والحكومة السودانية نحوهم بشكل مطلق.

هدايا موسكو 

في 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أعلن السودان عن تلقيه هدية عسكرية من روسيا، حيث ذكرت وكالة الأنباء السودانية "سونا" عبر صفحتها الرسمية بموقع "تويتر" أن "قيادة القوات البحرية السودانية تتسلم بقاعدة بورتسودان البحرية، سفينة التدريب الحربية (فلمنجو) المهداة من جمهورية روسيا الاتحادية"، وأضافت: أن "هذه الخطوة تأتي في إطار التعاون العسكري بين الخرطوم وموسكو".

وجرت مراسم تسليم السفينة الحربية الروسية بحضور وفد عسكري روسي رفيع المستوى وعدد من المسؤولين السودانيين، وعدد من قادة القوات البحرية وممثلين عن منظومة الصناعات الدفاعية المحلية.

 وخلال كلمته التي ألقاها أثناء مراسم التسليم، ممثلا عن قائد القوات البحرية السودانية، قال اللواء حاج أحمد يوسف: "السفينة تعد إضافة حقيقية لقدرات القوات البحرية خاصة في مجال التدريب".

يذكر أنه على مدار عقود سابقة، كانت روسيا المصدر الرئيسي للأسلحة التي يحصل عليها الجيش السوداني في وقت كانت الخرطوم مدرجة على قائمة واشنطن للدول الراعية للإرهاب منذ عام 1993 بتهمة أن لدى الخرطوم علاقات مع  تنظيم القاعدة.

لكن بعد الإطاحة بالبشير في أبريل/ نيسان 2019، بدأت الولايات المتحدة وأوروبا صفحة جديدة مع المجلس العسكري وحكومة الخرطوم الانتقالية، ووفروا لهم الدعم في مجالات متعددة، ما جعل موسكو تتحرك من جديد لتجديد هذه العلاقة في محاور مختلفة، لا سيما المجال العسكري، وبخاصة القوات البحرية، وما يتعلق بالموانئ.

دلالة المكان

الدخول إلى موانئ المياه في الشرق الأوسط، من الإستراتيجيات الراسخة لموسكو، ويعد ​​ذا أهمية كبرى بالنسبة للحكام الروس كجزء من جهدهم لجعل البلاد جهة فاعلة كواحدة من القوى العظمى في السياسة العالمية. 

لذلك ليس غريبا ما يفعله بوتين في السودان من الانخراط في الدعم العسكري، واستغلال الموانئ بالغة الأهمية، وهو ما بدأ في مايو/أيار 2019، مع تفعيل اتفاقية دخول السفن الحربية لموانئ البلدين.

كذلك في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، عندما أعلن الرئيس الروسي، دعم السودان، وذلك لدى لقائه مع رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبدالفتاح البرهان، على هامش القمة الروسية الإفريقية في مدينة سوتشي الروسية.

سبق ووقع السودان وروسيا عدة اتفاقيات للتعاون العسكري، خلال عهد البشير، وتحديدا مع زيارته إلى موسكو عام 2017، عندما عقد اتفاقيات تتعلق بالتدريب، وتبادل الخبرات، ودخول السفن الحربية لموانئ البلدين، وهو ما استمر وجرى تفعيله بعد عزله مباشرة.

السودان له ساحل مطل على البحر الأحمر يمتد على مسافة تبلغ أكثر من 700 كلم، أما ميناء بورتسودان الذي تتجه إليه الأنظار الروسية، فقد تم إنشاؤه في عام 1905، بوسط ساحل البحر الأحمر وتبلغ سعته حوالي 1.3 مليون حاوية سنويا ويستقبل ما يقارب 400 ألف حاوية.

دعم العسكر 

وحتى تحقق الديبلوماسية الروسية مآربها في السودان، توجهت مباشرة إلى دعم المجلس العسكري في الخرطوم، تعزيزا لمنهجية موسكو في استقطاب العسكر، وهو ما ذكره الباحث في مركز "كارنيغي" لدراسات الشرق الأوسط، "سامويل راماني".

راماني كتب في 11 يوليو/ تموز 2019، تقريرا بعنوان "يد موسكو في مستقبل السودان"، قال فيه: إن "روسيا تتطلع إلى بناء قاعدة في الساحل السوداني المطل على البحر الأحمر لزيادة تأثيرها في القرن الإفريقي وتوسيع حضورها في مضيق باب المندب".

وذكر أن "الدفاع الروسي المستميت عن المجلس العسكري الانتقالي في السودان داخل مجلس الأمن الدولي، يظهر الأهمية المتزايدة التي يكتسيها الاصطفاف الروسي إلى جانب الخرطوم انطلاقا من مصالح موسكو الاقتصادية وتطلعاتها الجيوسياسية في إفريقيا جنوب الصحراء".

وأضاف: "وعلى ضوء الأهمية المتنامية للشراكة بين موسكو والخرطوم، عمدت روسيا إلى نزع الشرعية عن المعارضة السودانية من خلال بذل سلسلة من الجهود تمثلت في شن حملة تضليل متطورة، وإرسال مجموعة من شركات التعاقد العسكرية الخاصة لتدريب الضباط العسكريين السودانيين، وإقامة شراكة مع الحلفاء الإقليميين الأقرب إلى المجلس العسكري الانتقالي لقمع التظاهرات".

وأردف: "يساهم استعداد المجلس العسكري للإبقاء على العقود التي أُبرمت في عهد البشير والحفاظ على تعاون عسكري وثيق مع موسكو، في منح اندفاعة للتطلعات الروسية إلى ممارسة نفوذ في السودان والبحر الأحمر، وغالب الظن أن روسيا سوف تحاول الحفاظ على تأثيرها ومكانتها عبر مساعدة البرهان". 

ويعد التعاون والدعم العسكري بين النظام الحاكم في السودان، وروسيا وثيق الصلة، ووصل الأمر إلى توارد تقارير عن مشاركة مرتزقة روس في قمع الاحتجاجات التي اندلعت في السودان وانتهت بإسقاط عمر البشير. 

وفي 24 يناير/ كانون الثاني 2020، نشرت جريدة تايمز البريطانية تقريرا قالت فيه: إن عناصر من شركة (فاغنر) الأمنية الخاصة الروسية منخرطون في قمع التظاهرات الاحتجاجية المتواصلة منذ ديسمبر/ كانون الأول 2018، ضد الحكومة الانتقالية في السودان".

قطع الطريق

دخول روسيا إلى محور السودان بهذه القوة، له أبعاد أخرى غير إيجاد قدم في موانئ السودان، إذ إنها بذلك تقطع الطريق على انفراد الولايات المتحدة وأوروبا بالسودان، وذلك بعد الدعم الكبير الذي قدمته حكومات الدول الغربية للنظام السوداني. 

وفي 25 يونيو/ حزيران 2020، عقدت برلين مؤتمرا لمساعدة السودان، في محاولة لإنقاذ الحكومة الانتقالية بقيادة عبد الله حمدوك، بعد التعثر الاقتصادي، وبروز الأزمات المتعاقبة.

وفي المؤتمر الذي نظم عبر الإنترنت، تعهدت مجموعة دول بمنح السودان 1.8 مليار دولار، حيث أكد مسؤولون في المؤتمر بأن الاتحاد الأوروبي تعهد بمبلغ 312 مليون يورو، كما قدمت الولايات المتحدة 356.2 مليون دولار وألمانيا 150 مليون يورو وفرنسا 100 مليون يورو، وتعهدت بريطانيا بتقديم 150 مليون جنيه إسترليني لمشروعات مختلفة في السودان.

وفي 14 أغسطس/ آب 2020، أعلن مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون الإفريقية، تيبور ناجي، أن "بلاده ستحظر دخول كل المتورطين في تقويض عمل الحكومة المدنية الانتقالية بالسودان إلى واشنطن".

وشدد ناجي، أن الحكومة الأميركية "ستقوم بحظر دخول الولايات المتحدة لكل الأشخاص المتورطين في تقويض عمل الحكومة المدنية الانتقالية وأسرهم، كما سيتم إلغاء التأشيرات للذين حصلوا عليها داخل وخارج السودان".

وأشار ناجي إلى أن بلاده "تتطلع للشراكة مع السودان في الجوانب الاقتصادية"، مضيفا: أن "عددا من الشركات الأميركية بدأت بنشاطاتها في الخرطوم من ضمنها مايكروسوفت، وزوم، ومونيتور بورسيستيم التي تعاقدت مع سودابت (شركة نفطية)، بخطة مشروع بلغت تكلفته 900 مليون دولار".

تلك المستجدات المتسارعة على الساحة السودانية، التي باتت ميدانا لتصارع القوى الإقليمية والعالمية، دفعت روسيا للدخول على الخط، وسد الثغرة التي يمكن أن تهدد نفوذها في الشرق الأوسط وإفريقيا.