هددت معارضيه بحظر الدخول.. ماذا قدم حمدوك لتحميه أميركا؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

ماذا قدم عبد الله حمدوك وحكومته ذات التوجه اليساري في السودان من تنازلات حتى يحصل على الحماية الأميركية، من جهة والدعم الأوروبي خاصة من ألمانيا وفرنسا من جهة أخرى؟

في 14 أغسطس/ آب 2020، أعلن مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون الإفريقية، تيبور ناجي، أن "بلاده ستحظر دخولها على كل المتورطين في تقويض عمل الحكومة المدنية الانتقالية بالسودان".

وشدد ناجي، أن الحكومة الأميركية "ستقوم بحظر دخول الولايات المتحدة لكل الأشخاص المتورطين في تقويض عمل الحكومة المدنية الانتقالية وأسرهم، كما سيتم إلغاء التأشيرات للذين حصلوا عليها داخل وخارج السودان".

وقال: إن "هذا الإجراء يأتي في إطار دعم الولايات المتحدة للحكومة المدنية الانتقالية". ولفت مساعد وزير الخارجية الأميركي أن واشنطن "تنوي إقامة احتفال كبير عندما يتم رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب".

وأشار ناجي إلى أن بلاده "تتطلع للشراكة مع السودان في الجوانب الاقتصادية"، مضيفا أن "عددا من الشركات الأميركية بدأت بنشاطاتها في الخرطوم من ضمنها مايكروسوفت، وزوم، ومونيتور بورسيستيم التي تعاقدت مع سودابت (شركة نفطية)، بخطة مشروع بلغت تكلفته 900 مليون دولار".

ورغم أنها لم ترفع بعد اسم السودان من قائمة "الدول الراعية للإرهاب"، إلا أن واشنطن وعدت بذلك قريبا، وفي 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2017، أعلن الرئيس دونالد ترامب، رفع العقوبات الاقتصادية، والحظر التجاري عن السودان.

حمدوك رفقة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو

خلافات محتدمة

هناك أثر لبيان مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون الإفريقية، فالمقصود بالعقوبات كل من يحاول عرقلة الحكومة السودانية بحسب النص، الذي وضع الكل في الدائرة بالعموم والشمول.

المتتبع للشأن السوداني سيجد خلافات محتدمة على مدار الأيام الماضية، ففي مطلع أغسطس/ آب 2020، اشتد الخلاف بين شركاء السلطة في السودان، من قادة العسكر والتيار الشيوعي، فالأخير يطمح إلى إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية، وإحكام سيطرته على السلطة خلال الفترة الانتقالية.

ووصلت حدة الخلافات والإهانات بين عناصر شعبية موالية لحكومة حمدوك، على رأسهم ناشطون شيوعيون، والجيش السوداني، حتى أنه في منتصف يوليو/ تموز 2020، أعلنت المؤسسة العسكرية أنها بصدد اتخاذ إجراءات قانونية بحق الصحفيين والناشطين الذين يوجهون "إهانات" تطال المؤسسة العسكرية.

أما الجزئية التي تمثل خلافا وخطرا على حكومة حمدوك والتجربة السودانية برمتها، ما يتعلق بقوات الدعم السريع ودورها في المرحلة الانتقالية القائمة، تحت قيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي).

ليس حميدتي فقط من يمثل قلقا لحكومة حمدوك، فصعود أسهم رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان المستمرة، يجعل من حمدوك وتجمع المهنيين في حالة ترقب، خاصة وأنه أحد الذين يتحركون أيضا على المستوى الدولي، وفي 13 أغسطس/ آب 2020، وجه وزارة خارجية البلاد، باتخاذ التدابير اللازمة لتطوير وتعزيز علاقات الخرطوم مع كافة دول العالم.

وعلى جهة أخرى يقع التيار الإسلامي السوداني الذي ينتفض بين الحين والآخر ضد المجلس الانتقالي، ضمن من قد يشملهم الإنذار الأميركي، خاصة وأن حمدوك دخل في صدامات متعددة معهم.

في 11 أبريل/ نيسان 2020، اتخذ حمدوك قرارا بإلغاء تسجيل منظمة الدعوة الإسلامية، بما عده متابعون من أشد الضربات الموجهة للجمعيات والمنظمات الخيرية والإسلامية، وكذلك في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، أصدرت مفوضية العون الإنساني بالسودان التابعة للحكومة، قرارها بإلغاء تسجيل 24 منظمة، من المنظمات الأهلية والشبابية والنقابية، وجمدت أرصدتها وحساباتها داخل البلاد وخارجها.

كل تلك العوامل تركت أثرها على حكومة حمدوك، وخلقت لها الأعداء على مسرح السياسة السودانية، ما جعلها تتوجه شطر الخارج، فتارة تحصل على الحماية الأميركية، وتارة تحصل على الدعم الأوروبي.

دعم أوروبي

في 30 يونيو/ حزيران 2020، واجهت حكومة حمدوك، مظاهرات غاضبة، دفعته للتصريح بأن: "غياب المساعدات قد يؤدي إلى انتشار الاضطراب في منطقة ملتهبة بشرق وشمال شرق إفريقيا ويدفع الشباب لمواصلة الهجرة بحرا إلى أوروبا".

بعد تصريح حمدوك، الذي حمل معه لهجة استجداء وتخويف للغرب، تحركت دول بالاتحاد الأوروبي على رأسها ألمانيا وفرنسا، لتقديم مساعدات ومنح للسودان.

هذه المساعدات اعتبرها البعض بمثابة طوق النجاة والإنقاذ لحمدوك وحكومته التي شهدت إخفاقات منذ بدء المرحلة الانتقالية، حيث فشلت في إجراء إصلاحات اقتصادية ملموسة، واستمرت أزمات توفير السلع الأساسية للمواطنين، ما عجل باندلاع مظاهرات واحتجاجات ومطالبات بالرحيل.

وفي 25 يونيو/ حزيران 2020، عقدت برلين مؤتمرا لمساعدة السودان، في محاولة لإنقاذ حكومة حمدوك، بعد التعثر الاقتصادي، وبروز الأزمات المتعاقبة.

في المؤتمر الذي نظم عبر الإنترنت، تعهدت مجموعة دول بمنح السودان 1.8 مليار دولار، حيث أكد مسؤولون في المؤتمر بأن الاتحاد الأوروبي تعهد بمبلغ 312 مليون يورو، كما قدمت الولايات المتحدة 356.2 مليون دولار وألمانيا 150 مليون يورو وفرنسا 100 مليون يورو، وتعهدت بريطانيا بتقديم 150 مليون جنيه إسترليني لمشروعات مختلفة في السودان.

وفي ظل تكالب الداعمين على حمدوك، ظل السؤال الذي فرض نفسه بقوة، لماذا تقدم الولايات المتحدة، وأوروبا، ذلك الدعم والإسناد لإنقاذ  حمدوك، وحكومته الانتقالية؟، والأخطر ما هو حجم التنازلات التي قدمها حمدوك، وساهمت بشكل أو بآخر في الدعم الغربي لتلك الحكومة؟.

تنازلات جمة

على رأس التنازلات التي قدمتها حكومة حمدوك، هي محاولة إحداث تغيير في هوية المجتمع السوداني، ففي 9 يوليو/تموز 2019، أقرت الحكومة السودانية، تعديلات دستورية تقضي بـ"تجريم ختان الإناث، وإلغاء عقوبة الردة، والسماح لغير المسلمين بتناول الكحول، والسماح للنساء باصطحاب أطفالهن إلى خارج البلاد دون مشاورة الزوج".

القرار دفع مئات السودانيين للتظاهر احتجاجا على تلك التعديلات، التي وصفوها بأنها "تمس التقاليد الإسلامية"، مع خشيتهم من النهج العلماني الذي يريد حمدوك فرضه على السودانيين، إرضاء للغرب.

لا شك أن التطبيع مع إسرائيل على رأس الملفات التي ساهمت في الدعم الذي تتلقاه الحكومة السودانية، ورغم أن البرهان، هو من التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لكن موقف حمدوك اليساري المرحب بلقاء البرهان ـ نتنياهو، جاء صادما للشعب.

حمدوك قال: "لا شك أن الطريق إلى التغيير الحقيقي في السودان مليء بالتحديات والعقبات، ومع ذلك يجب أن نعي بأن الالتزام بالأدوار والمسؤوليات المؤسسية أمر أساسي لبناء دولة ديمقراطية حقيقية".

أما أشد التنازلات المقدمة من حمدوك، عندما تقدم بطلب رسمي لاستدعاء البعثة الأممية إلى السودان، وهو ما جعل نظرة الولايات المتحدة، والحكومات الأوروبية تتماهى مع نمط الحكومة القائمة، محاولة دعمها.

وفي 27 يناير/ كانون الثاني 2020، أرسل حمدوك، خطابا إلى الأمين العام للأمم المتحدة، قال فيه: "يطلب السودان من الأمم المتحدة أن تسعى إلى الحصول على ولاية من مجلس الأمن لإنشاء عملية لدعم السلام بموجب الفصل السادس في أقرب وقت ممكن، في شكل بعثة سياسية خاصة تضم عنصرا قويا لبناء السلام وينبغي أن تشمل ولاية البعثة المرتقبة كامل أراضي السودان".

نقطة سوداء

الدكتور إبراهيم خضر عضو حزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقا، قال لـ"الاستقلال": "ما قدمته حكومة حمدوك في أشهر قليلة من تنازلات للغرب وإسرائيل، لم يقدمه السودان في سنوات طويلة، رغم التضييق والحصار عليه من القوى الخارجية".

مضيفا: "هذا فارق في معركة الاستقلال الوطني والحرية التي يجب على الشعب وقيادته أن يتحلوا بها، خاصة وأن السودان بلد غني مليء بالثروات التي حباه الله بها، مما يجعله مطمعا للولايات المتحدة وأوروبا ومن ورائهم إسرائيل، لاستنزافه واستغلاله ضد جيرانه، والقضايا الإسلامية والعربية الكبرى".

وأضاف: "رغم أن حكومة حمدوك غير منتخبة، ومكلفة بمهام محددة على رأسها تهيئة الأجواء لعبور الفترة الانتقالية، وعمل انتخابات تتجاوز بها البلاد تلك الفترة الحرجة، لكنها تمارس وظائف أخرى ظلامية، إذ تعمل على تغيير هوية السودان الإسلامية، وتتجه نحو التطبيع مع إسرائيل، وإعطاء الولايات المتحدة وأوروبا تسهيلات للمرور إلى العمق الأمني والاجتماعي السوداني، لا سيما وأن طلب البعثة الأممية وفقا للمادة السادسة، يعد نقطة سوداء لا تغتفر في تاريخ الحكومة القائمة. 

وذكر: "العجيب أن واشنطن وهي تعلن حمايتها الكاملة لحمدوك وحكومته، تتغافل عن المهازل التي أحدثتها هذه الحكومة في الحياة السياسية السودانية، بداية من إغلاق الجمعيات الخيرية ومنظمات المجتمع المدني، التي كانت تعمل على خدمة ملايين السودانيين، بمعزل عن التوجهات والتحزبات، ولم تبد حيال تلك المنظمات الأهلية ذلك القلق، الذي أظهرته تجاه السلطة القائمة". 

وأردف: "لا بد وأن يعلم حمدوك ورفاقه أن الحصن الوحيد لهم هو شعب السودان، وأن الحماية الأميركية لن تنفعهم، بل على العكس هي نقطة سلبية، سيدفعون ثمنها غاليا في الانتخابات، وسوف تخصم من رصيدهم المنقوص، عندما يقول السودانيون كلمتهم".